علي الخباز .. علمتني (الخبازة) أن لا أنظر الى الوارد ...
ولكن أنظر الى ما وراء المعنى
سعدي عبد الكريم .. ارتديت (الدشداشة الخبازية ) المخضرمة ...
وكنت آخر الأدباء المحتفين بإرثها السرمدي
سعدي عبد الكريم / كاتب وناقد
الإشعاع الفكري والأدبي والثقافي ، وعلى ضوء المعطيات الفنية التوصيلية للمنتج الإبداعي والمعرفي هو الجسر المخملي المؤسس لمنطقة الجمال الساحرة المحصورة بين ذهن التلقي ، وأطروحات ذات المنتج ، ولعل العديد من أدباءنا في العراق ، يغلفهم صمت الإبهار داخل ملامح أفقهم الصومعي ، لذا فهم وفي جل الأحايين عاكفين داخل مشهدهم الإبداعي وغير مكترثين البتة بأضواء الشهرة ، وغير ميالين للجلوس أمام منصات البوح عن ذواتهم المنشغلة بالتكوين للمشهد الأدبي عبر مخاصب المعرفة ، بدءا بالشعر ومرورا بالمسرح وانتهاء َ بالنقد ، ومن بين هذه الخلية الطافحة بالأناقة اللغوية الفائقة ، الشاعر والأديب على حسين الخباز مدير أعلام العتبة العباسية المقدسة ، وعند زيارتي لكربلاء في ذكرى أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام) استقبلي في مكتبه بحفاوة بالغة ، وألبسني (دشداشته الخبازية ) المخضرمة ، التي البسها للعديد من الأدباء العراقيين الزائرين لكربلاء ، وكنت آخر الأدباء المحتفين بإرثها السرمدي ، رحتُ أداعب أذيالها منبهرا بقدمها ، ويبدو أنها قد ألهمتني بالولوج الى المشهد الاستهلالي للقاء .. فسالت الخباز:-
* ماذا يعني لك الشعر ؟.
- الشعر هويتي وأنا بعض أدواتي جسراً أمتد الى الآخر أنساناً ، مدناً ، هويات ، كربلائي التي أرى فيها كربلاء، وهي ترتدي كل الخرائط حُلة سلام.
* كيف تؤسس مشهدك الشعري، وهل هناك مناطق تكوين تأسيسية للخلق داخل مفردات تلك المشاهد الشعرية ؟
- بالقراءة والتأمل واسترجاع كل حسرة أنفقتها يوم بؤس لأستثمر منها فضاءاً يمنحني يومي، ثمة حقيقة يهرب منها أغلب الشعراء، أستفزاز الذاكرة ربما بمشهد حياتي، أو بحرف خطته أنامل الوجع أفرش مناطق التكوين، لدي من الجراح خزين نادر الوفرة، ومن النقاء رأس مال أشد الرهان وأكتسب.
* هل يسمو لديك الشعر ، ليكون عنصرا مهما للإبصار في أشتغالاتك النقدية؟
- أنظر بعيون الشعر ولا يتوقف ذلك على المرتبية كما في العرف الرياضي، بل تتحول الى مجسات تبحث داخل بنية الخطاب عن المعنى عن أشراقة الدلالات وقد يشوبها في مرحلة الشباب بعض الاشتغالات الاستعراضية، لكن مع تقادم التجربة يتغير المسعى وتتحرك الشعرية بمستويات بنائية متداخلة مفتوحة على كل صيغ التدوين، وزاملتني في عملي الإعلامي كوني لست من أهل الإعلام أطلاقاً، وعبر تراكم القراءات كتبت الانطباعية النقدية.
* هل فعلاً ، ان الحقيقة التي أنشأتها بصيرتي النقدية عبر متابعاتي لمنتجك الأدبي ، على انك تعتبر الثقافة ، رغيفاً للخبز ؟
- علينا أولاً أن نقف عند دلالة ( مخبز ) مفردة مقدسة تنبض بالحياة وترفل بالشبع ، الشبع الذي حاربته الحكومات ودوائر الأمن والمخابرات، والنتيجة واضحة أصحاب الكراسي والعروش لا بد أن يطأطأوا الرأس عند متناول الرغيف، جميل حين تشعر أن المؤسسة الاعلامية عبارة عن مخبز، وقبيح أن يتحول المخبز الى مؤسسة أعلامية.
* ما هي مناطق التلاقي بين فرن الخبز والشعر ؟
- لا أدري هل من الصدف أن تكون مقهى الخبازين في الميدان جوار مقهى الأدباء (جيران) وماذا لو تابعت أسماء الخبازين الشعراء لوجدتهم أسماء كبيرة وكثيرة، علمتني الخبازة أن لا أنظر الى الوارد ولكن أنظر الى ما وراء المعنى كم جائع أشبعته أرغفتي ... والشعر علمني أن أصوغ الدمع معنى.
* باعتبارنا مشتغلين في منطقة النقد ، نرى أن مشهدك الشعري يشتغل على مناطق الحس ، ويجافي المداولة المنجدية داخل سيمياء اللغة ، أي أنك تشتغل على الومضة الشعرية التي يؤسس لها التكييف والإيقاع الموسيقي الداخلي ؟
- أحلم بخصوبة النص الشعري وأتساع المنطقة التأثيرية، وأؤمن بأن التكثيف هو أحد أهم هذه الخصوبة، كما أن استنهاض الشعري بعيداً عن الوزن والقافية لابد أن يعتمد على الإيقاع الداخلي، وهو موجود في أنين الموجوعين ، وأرى أن المسألة أكبر من أي تصنيف. عليك أن تحمل انتمائك وسط هذا الاغتراب، اغتراب النفوس والأمكنة والأزمنة والأجساد، أصغر تهمة عندنا ترميك خارج الحدود الوطنية والإنسانية وتمزق لك الهوية والانتماء والتاريخ، تلغيك ،تقصيك، حملنا الحرب حياة ومن الصعوبة أن نعيش خارجها ، لا وقت عندنا للقراءة ، نحتاج ثقافة (السندويج) ففكرت جدياً بتدوين الصمت، رفضت أكذوبة الفصول الأربعة عاشرت فصلاً واحداً يستبدل ثيابة كلما يمر مجاز.
* اهتماماتك الأخرى غير الشعر وعموم مخاصب الأدب ؟
- برتقالة بعد العصر حال الشاعر دون القراءة، وعافية رؤية الإبداع في نصوص الآخرين إبداع، والتنظير الميت والجمل الروتينية ما عادت تغريني، أكره أسطورية الأنا بحجة عملقتها في عوالم الشعر، بل هي ضعف وخور ومرض لا بد أن يعالج، وبهذا تشعر أن كل فنون التدوين قريبة لبعض.. كتبت نصوص مسرحية وانطباعات نقدية لأدب الدعاء وثلاثة كتب عن نهج البلاغة والعديد من الانطباعات، وزاولت مهنة الإعلام بفشل كبير.
* هل كان (المخبز) أولاً، ام أن الشعر سبق هذه المرحلة الشاقة ؟
- المخبز - هو الصيرورة شاء الله أن يكون المهد طست العجين، سمعة الشعر سبقت مرحلة الشعر عندي، ولدَ الملعون في سنٍ متأخرة، والمعذرة لمن توقع لي مستقبلاً شعرياً باهراً، أنا مازلت أبحث عن معنى الشعر معناه ومعناي.
* كلمة أخيرة ؟
- وطني يا رب...وطني
في الصباح الباكر ، ودعت الخباز ، لاستكمل زيارتي الأربعينية ، والتحليق مع ذلك النور الإلهي المنبعث من تلك القبة البهية المقدسة ، قبة الإمام الحسين (عليه السلام) ولاستنكر أيضا معنى إعلان الثورة على الطغاة وقول كلمة الحق في وجه الجبابرة والمارقين ، انسللت وسط الحشود المليونية ، وراحت تنحدر من محاجري دمعات ندى ، تشبه لون الكبرياء الذي واشج تلك الأجواء الحسينية ، والشعائر الدينية وذلك المحفل العظيم لسيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، ويبدو ان كلمه الخباز الأخيرة ما زالت تدور في ذهني (وطني يا رب .. وطني) وقفت لبرهة وسط القبتين وقد ابتلت لحيتي دمعا بلون الدم ، وأنا اردد ...
* العراق يا سيدي يا حسين .. العراق يا سيدي يا أبا الفضل .. العراق *
أعجبني
تعليق