رحل وبلا عودة، وبقيت بعده اكابد الحسرات والآهات..
رحل ولدي وهو بريعان الشباب من جراء أحد الانفجارات المميتة التي تحصد شبابنا بكل يوم وليلة.. وها قد رجعت البارحة، وأنا متعبة وبأسوأ حال..
بنفسي وجسدي بعد ما زرت حبيب روحي، وفلذت كبدي، ابني مقبرة تعج وتضج بأرواح الشباب، فقد كنا نسمع الموت للكبار والشيوخ والقليل من الشباب، لكن اليوم اصبح يحصد الجميع بلا عمر ولا حد... ولا استطيع ان اصف احساسي وشعوري كيف هو... يا الله قبل الزيارة وبعدها.. قبلها كأني سأطير وأحلق في اعالي المقبرة لأقف قرب قبره، واحتضنه كأنما هو موجودٌ امامي ويحاكيني..
أسمع صوته.. وأرى بسماته، وأسمع ضحكاته.. أخادع نفسي.. فلا أريد أن أعترف بأن هذه هي الحقيقة.. وابني غير موجود، فلقد انتهى وأصبح حكاية أرويها للآخرين.. وطواها الزمان بين السطور..
يا لشبابك يا وردتي المتفتحة الذي اختفى بين الصخور، وابتسامتك الهادئة التي تبعث في روحي الاطمئنان، وانقضاضي على القبر، وبكائي وأنيني ولا من مجيب، وصورتك التي لا تفارق بالي بعد أن هزت روحي رؤيتها، وفاض حنيني وشوقي، وهاجت مهجتي ولوعتي، وفطرت قلبي، ولا انسى تلك اللحظة التي لم اعثر بها على قبرك..
هزت كياني، وأثارت خوفي من أن لا اجدك بعد أن أتاني صوت جدتك من بعيد..
(هذا حمودي يا يمه ما اندليتيه) في بكاء وعبرة ونعي.. ولو كان في يدي ومستطاعي لبنيت بيتا قربك يا قرة عيني..
احتاج الى صبر كصبر ايوب(عليه السلام)، فأنت معي وبكل لحظة حين النهوض... حين الصلاة.. حين الأكل.. وحين النوم.. لكن كما يقال: المصيبة إن عمّت هانت، وأنا أرى يومياً قوافل الشهداء الذين يُزفون بأيدي امهاتهم الى جنان الخلد والنعيم الابدي.. فيتصبر القلب...
وعندما اسمع مصائب ام البنين(عليها السلام) ومصائب زينب (عليها السلام)، أبكي وبكل حرقة لأجد اللوعة تمتزج ببرودة القلب؛ لأني عانيت مثلما عانين (عليهما السلام).
ومرة أخرى اطلب الصبر ليس لقلبي الفاقد المفجوع فقط، بل لكل الأمهات اللاتي عانين من الويلات بفقد بدورهن المنيرة... وزهيرات قلوبهن النابضة بالحياة على طريق الشهادة والفداء.