قيامة الدم...
مقتل سعيد بن جبير
خواري خوار ثور هائج، وهذا النزف يخنقني كأني أنا القتيل، أنا الحجاج بن يوسف الثقفي أصرخ: دم.. دم.. وصرت أرى كأني أسبح في فضاءات دم، فمن يُعِرني إغفاءة عين أهبْه الامارة والجاه، وأنا المعلق بين أطراف الجراح أصرخ:
إني أتوب الى الله، وإذا بسعيد يقودني بيديه الى الجحيم، ما لي وسعيد بن جبير.
كم أكرهك يا سعيد، من أين لك كل هذا الشموخ والعلم والثقة بالنفس؟ يا تلميذ علي، أنت السوط الذي يلسع ظهر هيبتي، سأجعل دمك يسيح في أي مسار أشاؤه أنا، والغريب أن موتك لا يكفيني، لابد أن أطعن سطوتك بباشق هذا العرش، يا شقي بن كسير، من أين لك الجرأة كي تصرخ بي: أنا سعيد بن جبير، وأمي أعلم حين سمتني سعيداً...؟
قلت لك: تاج العقل هو العرش، فاحذر العقل إذا غضب، واحذر سطوتي، بطشي الذي لا يرحم، كل الربوات التي اعتليتها دم، فلا تظن أن دمك يعيقني، لكني أريد أن أتشفى بإذلالك، أسأل عساني أراك تهاب السؤال: ماذا ترى في الخلفاء؟
صحتَ بي: لست موكلاً بهم، أتسخر مني يا سعيد، وأنا الذي أحمل نعيب الموت متى أشاء..؟!
سألتلك: أي الخلفاء تحبه أكثر؟
قلت: من كان أرضاهم لله، والله العالم.
سطوة حضورك تهينني، أردت أن أغويك لأهينك، فأخرجت لك المجوهرات هدية محبة، سعادتي أن أراك وأنت تنحني أمام هذا البريق، لكن للأسف، ما زلت أنت مصرّ على تهديم حصون هيبتي وكبريائي، وأنت تقول: إن ادخرته لنجاتك يوم الحساب فلا بأس عليك.
فأثور وألج كل السبل التي أراها تمكنني من هذا الحوار العقيم، عمرت اللهو التقي لأصل بك حد خشوع التيه، فكان البكاء ردك السقيم.
: أتبكي؟ أهذا هو ربيع تقواك المرّ يا سعيد، قل: كيف تريد أن تُقتل؟
أجابني المارد الذي فيك: مثلما تُحب أن تُقتل أنت، سيقتلك الله مثلما تقتلني.
:ـ أترغب في العفو يا سعيد؟
:ـ العفو من عند الله، لن أطلب صفحاً منك أبداً.
أدركت حينها أن صوتك موتي، ويا لبؤسك حين أكون أنا الخصيم.
تقف بجلال الموت: (إنِّي وَجهتُ وَجهيَ للذي فَطَرَ السماوَات وَالأَرضَ).
قلت لأهينك قبل الموت: اجعلوا وجهه الى الأرض.
وقفت كلمات الله منتصبة على شفتيك: (مِنهَا خلَقنَاكُم وَفيهَا نُعيدُكُم وَمِنهَا نُخرجُكُم تَارةً أُخرى).
صحت حينها من شدة غضبي: افصلوا رأسه...
تلوت كلمات الشهادة الأخيرة: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وإذا بهذا النزف يلتف حولي يمطرني بالجفاف، رأيت بعيني كيف ينتثر الدم؛ ليروي النخل الباسق في أرجاء الكون... الآن، عرفت أن دم الشهادة عزيز عند الله، وها أنا الذليل أصرخ عالياً: خواري خوار ثور هائج، وهذا النزف يخنقني، وكأني أنا القتيل.