قال تعالى : "وَ ما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَ أَهْلُها مُصْلِحُونَ"
لاحِظ: مُصْلِحُونَ وليس صالِحون ، لان الصلاح لوحده سلوك فردي وانعكاس لقناعات معينة، وأما الإصلاح فهو حركة مجتمعية واعية تنطلق من الشعور بالمسؤولية تجاه أفراد المجتمع .
في التجارة قد تصبح غنيّاً دون الآخرين.
وفي السلامة قد تأخذ اللقاح وتهمل غيرك، لكن في الهداية شرْطُ السعادة والنجاة؛ أن تعيش الصلاح الفردي وتعمل للإصلاح الاجتماعي.
قال عزوجل : (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْر).
ومن هنا نعلم بأن ثمة فرق بين التدين السلبي والتدين الايجابي ، فالتدين السلبي ينطلق من الانكفاء على الذات والتمحور حولها ، وهو عبارة عن نوع من الانانية . في حين حركة الإصلاح تعتبر خروجا عن قوقعة الذات الى ساحة المجتمع وهي بلا شك تحاكي حركة الرسالة التي تبناها الأنبياء العظام . فإن رسل الله بذلوا مهجهم في سبيل إصلاح المجتمعات البشرية ، فهذا نوح عليه السلام وعظ قومه ٩٥٠ عاما يدعوهم ليلا ونهارا وسرا وجهارا ، على الرغم من عدم استجابة قومه لدعوته الإصلاحية.
نعم لابد أن تكون تلك الحركة وفق المعطيات المتاحة والممكنة بعد التوكل على الله تعالى، كما جاء على لسان شعيب عليه السلام:
(إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).
وعلى أساس ما ذكرناه يتضح الترابط ما بين صلاح النفس وإصلاح المجتمع. فالأول ينطلق من حب الذات ، والثاني ينطلق من الشعور بالمسؤولية. بل لا يكتمل الأول إلا من خلال الثاني .
وبالتالي فان شرط الأمان من الهلالك التكويني هو كون أفراد المجتمع مصلحين لا فقط صالحين ، فقد تأتي اسباب الهلاك كالامراض والحوادث الكونية وغيرها حتى مع فرضية وجود اكثرية صالحة في المجتمع ، بخلاف ما لو كانت الأكثرية مصلحة فإن الله تعالى قد ضمن عدم وجود أي سبيل لهلاك ذلك المجتمع .
وهذا ما يشعرنا به حديث رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس او حمر النعم .
السيد فاضل الموسوي الجابري
١١ رجب ١٤٤٤ النجف الأشرف