تويت
خرج أهلُ (الطرف) بعيون دامعة لتشييع جثمان زوجة (أحمد فاضل) الى مثواها الأخير. المشكلة حقيقة ليست في الزوجة الشابة، بل في مصيبة هذا اليتيم الذي سيبقى دون أم، فمن سيرعاه؟ ومن سيتكفل أمره؟ وأي زوجة أب ستتعهد هذا المسكين؟ يقول أحد المشيّعين: كانت الجنازة ثقيلة جدا، المرحومة عينها على ولدها. انتهت مراسيم الفاتحة، وأصبح زواج احمد من امرأة ثانية أمراً يفرضه العقل والضمير والشرع، رأفة بهذا الطفل...
:ـ أنت تحتاج لإمرأة عاقلة فاهمة (ابنة أوادم) تدرك مسؤوليتها اتجاه هذا اليتيم... سمعت يوما الحاج حسين وهو ينصح أحمد: انتبه جيدا يا ولدي، واعلم ان قلب الأم سيبقى عند وليدها، والرحمة بابنها وفاء وضمير، وإذا قصرت بحقه ستدعو عليك، ولن ترتاح بعدها ابدا.
تزوج الأب وأصبح اليتيم تحت رحمة زوجة الأب الشابة، التي تشعر أن كل شيء هنا كان ملكا لغيرها؛ البيت والأشياء، وحتى الزوج هو كان زوج غيرها، والطفل هذا الذي يزعج الدنيا بصراخه، هو ليس ابنها بل ابن غيرها.
قالت لها الحاجة زكية: أبنتي... ضعي نصب عينيك مولاتك أم البنين عليها السلام، فهي كانت زوجة أب لثلاثة أيتام، كانت تقدمهم على أولادها، حتى المصير الأخير... وأنت على عاتقك مسؤولية طفل لا يعقل الحياة، سيفتح عينيه على حنانك، أنت أمه يا عزيزتي، لكن رغم كل هذه النصائح صراخ الطفل يزعجها.
وفي إحدى الليالي أيقظها زوجها من نومها: انهضي إليه فابنك يبكي... قامت اليه غير مبالية، تلعن اللحظة التي رأت بها الطفل (الذي تورطت به) حسب تعبيرها... ألقمته الرضاعة، دون أن تلاحظ درجة حرارته، تركته وذهبت الى غرفتها ونامت بهدوء عجيب.
أيقظها زوجها بعد حين: قومي، انه حلم عجيب، رأيت المرحومة وهي تدعو علينا: لا بارك الله فيكما، ولا أسعدكما بوليد خيرا، ولا يرزقكما بنسل طيب! لقد جاءني ابني عليلا...
نهض الأب وخلفه زوجته الى الغرفة الثانية التي أصرّت الزوجة المدللة أن تضع الوليد فيها، قلّبوه واذا هو جثة هامدة... ذهب الطفل الى أمه ليستريحَ ولم يعد يزعج زوجة الأب صراخ رضيع...
ثلاثون عاما أو يزيد، وما زالت هذه الزوجة تتمنى أن يملأ البيتَ صراخُ وليد... لم تترك طبيبا إلا وذهبت إليه، ولا ضريحا إلا واستشفعت به...
تبكي وهي تصر خ نادمة: علي... أنا زوجة الأب التي خانت الأمانة يا علي... علي انا الأم التي لا تستحق أن تكون أمّاً يا علي.. أنا.. أنا.. ولا من مجيب...