.
سؤال يتكرر في ذهنية الكثير من المبدعين عن أنماط الخبر الصحفي، وهل تعني كتابة الخبرالصحفي نمطية أم إبداعية؟ اذا كانت الصحافة نمطية ما الذي سيحدث؟ بالتأكيد ستكون هناك مجموعة قوانين تحتكم صناعة الخبر: (أشكال الخبر، شروط الخبر، طريقة كتابة الخبر) الذي يعني رواية حدث عبر حاصل معلوماتي يتم الاعداد والتوزيع ان كان سياسياً أو اقتصادياً أو رياضياً، لتمرير هذه النمطية تؤخذ بعض عناصر او أسس التدوين الإبداعي العام: كمراعاة الزمكانية، عنصري الزمان والمكان، وهذه التتابع جنس ادبي دون غيره، وهذه العناصر موجودة في الرواية والقصة وفي جميع أنواع الكتابة.
والمعروف أن هناك زمان تحرير آني، وهناك زمان التلقي، وهناك زمن التوثيق، والاختزال الذي يطالب الجهد التنظيري سيحكم الموضوع بخشية ضياع الزمن الثاني، الذي سيضيع جهد أي نتخصص معلومات خبرية يبحث في اطر الحدث، الاختزال يجعل المعلومة مقطوعة السياق، عندما يأخذ أي باحث معلومة سيجدها ناقصة، فقدت الكثير من حيويتها، الجهد التنظيري ينظر الى الخبر بأنه يروي ما حدث، والتحقيق يروي لماذا حدث.
المعلومة التي تفرز الكثير من عيوب التنظير ان الخبر لا يحتوي على رأي اطلاقاً، وإلا خرج عن سياق الخبر الى سياق اكثر روعة هو سياق الخبرية الى سياق الرأي.
هناك خبيرة صحفية اختبرت مجموعة من الصحفيين الشباب، فكان السؤال عن عرس الانتخابات، لكنها رسبت، كل صحفي أعطى رأياً حتى لو بمفردة العرس؛ كون الاعلام الخبري يحتوي على شمولية التمثيل الكلي للناس، ومن أسس هذه النمطية أن تحتوي على عنصر الدقة، لماذا التركيز على الدقة؟ أولاً في عوالم التنظير موجودة نقرؤها ونختبر بها، لكنها في عوالم التطبيق، هل نستطيع فعلاً أن نحتوي الدقة.
الآن أغلب الفضائيات لا تلتزم بالدقة، ولو أعدنا السؤال: لماذا الدقة؟ سيكون الجواب لكي يثق المتلقي بهم، ومن أحد قوانين التحقيق المطالب به الصحفي النمطي، هو أن يتخذ الشك وسيلة للبحث عن الدليل دون أن يحتكم لأي عاطفة، هو أن يتخذ الشك وسيلة للبحث عن الدليل دون أن يقف عند حدود العاطفة.
ومن التجارب العملية افتراض أن انفجاراً -لا سمح الله- حصل في كربلاء، لا ينظر لمثل هذا الخبر نظرة الدقة، وانما تفتت الدقة بالإجراءات الادائية، الاعداد المضاد والمنحرف أعد الخبر بتهويل الانفجار، فأذاع (انفجار كبير هزّ مدينة كربلاء)، بينما أداء الاجرائي للقنوات الوطنية والموالية لكربلاء كوطن ومعتقد فأذاع (مدينة الحسين كربلاء العظيمة تتعرض لانفجار أثيم) هذا الاجراء الأدائي، تصرف في مفهوم الدقة عند العملي فتت مصطلح الدقة.
لم يجعل من الدقة إجراء، فقد استثمر الخبر لصالح سياسة المصدر الذي يعمل به، الاعلام الأوربي يتعامل مع الانفجارات، فلم نرَ جريحاً واحداً أو مقتولاً، يتمدد على الأرض او يرفع في عربات الحمالين، مثل الذي عندنا تصوير مركز على الأجساد المقطعة والايادي المبتورة، وفي التنظير النمطي يطالبنا في موضوع التوازن أن نلجأ الى عدة وجهات النظر، ولا يجوز لنا التدخل في مجريات الرأي، يرى أنه لابد من عدم الاعتبار لطرف دون آخر، هنا لدينا رأي في التطبيق سنجد هنا التنظير ميتاً تماماً، وخاصة في الأنماط التحريرية، بل نحن سنصطدم بسياسة المؤسسات التي نعمل بها.
هناك محاور يشتغل على مساحة لا تخدم القضية، دائماً نخدم مشروعه السياسي، هناك محاور تبعد الموضوع عن محتواه، فيصبح لا أهمية لوجود المضمون، وهناك من يضيف أشياء جميلة وهناك من يشوه معاني كثيرة، يأتي القانون النمطي يطالب بنزاهة الخبر بحجة الجريدة لا تتحمل مسؤولية ما ينشر، هذا هروب، هذا تجاوز نمطي قاتل، وإلا فالجريدة وحسب ما وضعته النمطية من شعار لابد أن تحتوي الجميع، وتتحمل مسؤولية ما ينشر حتى لو تضاربت الآراء.
يطالب التنظير بالاستقلالية والنزاهة، فلنجأ الى شغل آخر، كل جريدة لتأخذ منحاها السياسي او الاجتماعي او حتى التحزبي.. نشرت بعض المصادر أن أغلب الصحف العالمية لا تعمل على توظيف خريجي الاعلام، بل تفضل متخصص علم الاجتماع والعلوم الإنسانية اكثر من خريجي كليات الصحافة، كل حراك موجود في العالم التنظيري يرتبط بقوانين، قانون تعريف أدوات الاستفهام الخمسة، الى أين تصل بنا النمطية، تصل الى جعل كل المواضيع التي تعدها ما دامت مرتبطة بقانون، ستكون متشابهة تماماً عن الصحفي، سيتشابه المنجز العام، وتشكل أدوات الاستفهام.
المحاور النمطي يطالب بالتركيز على أدوات الاستفهام، ولذلك أصبحت أسئلة الصحفيين تشبه الى حد كبير أسئلة القضاة وضباط التحقيق الجنائي، الحدية الموجودة في الطرح تجعلنا نحرر تقارير حياتية، وليست لقاءات صحفية.
المساحة الإبداعية تجعلك تتحرر من هذه النمطية، تعمية أدوات الاستفهام القانون النمطي يركز على شعار (الحبر مقدس... التعليق حر)، إذن، الخبر منمط بقانون نمطي وهو تابع لحرفة الاعلام، أما التعليق حر تابع للقانون الإبداعي، الذي سيجعل كل نص خبري له قانونه الخاص.. هنا يأتي التنوع من خلال الرغبة والتشويق.
في صناعة الخبر النمطي ليس هناك وجود للدهشة في عوالم التنميط، وإذا وجدت فهي تابعة للفعل الحدثي وليس للخبر كفن، عنصر التغريب والتشويق يحرر الموضوع الخبري من النمطية الى المساحة الإبداعية، وهذا يعني ان لا نحبس المفردة بين اضلاع احرفها وانما نمدها لتعمل خارج اختصاصاتها اللفظية.
قال رجل لأمير المؤمنين (عليه السلام): سيدي انا احبك، لكني احب معاوية أيضاً..! فقال له امير المؤمنين (عليه السلام): انت اعور..! كيف تقرأ هذه المفردة من كلام سيد البلغاء لها علاقة بعور العين..؟ إذن، تنظر الى أبعد من حدود المفردة اللفظية، البحث عن الاتزان اللفظي، وهو أبعد من مساحته اللفظية، الاحيائية.
جاءت امرأة لمعاوية تخبره: (لا جرذان في بيتي) يعني ليس عندي لحم او سمن، مثل هذا الاشتغال الإبداعي يعطي مساحة خبرية تشتغل في ذهنية المتلقي.
كان مرتكز الاعلام في العالم هو ادبي وتحرك الادب في الاعلام، أسست شركة فرنكفورت لزرع تردي في مستوى الكتابة عن قصد لاحتواء القارئ الكسول، صناعة مرسومة تجبر الكاتب على كتابة المباشرة، كانت الاخبار ترد من الصحفيين الى الإذاعات ضمن تشكيلات نمطية عبارة عن جمل جاهزة، ترفع مباشرة دون ان تدونها ورقة عليها السعي لإنهاء اللعب الاخباري، أن نتقرب الى عوالم الفكر في صناعة اعلام يتعدى الجمل الجاهزة والتي تشكل بمعناها استهانة بالمتلقي، فاللغة تلعب دوراً في اغناء المتن الصحافي ومن دون اللغة لا تستطيع الصحافة ان ترسم حضورها الجماهيري في مختلف فضاءات التلقي، اللغة عامل حاسم في الخبر السياسي وتبويبه، ولها قوتها في التحليل السياسي، للأدب اكثر حضور في ميدان الصحافة، دراسة الادب موهبة، والفوز الحقيقي عند دمج الدراسة بالموهبة.