قراءة: علي حسين الخباز
يثير الشعر متعة عبر توظيف العديد من الوسائل الإبداعية، وخاصة حين يقترن هذا الابداع باشتغالات ولائية، ترتبط بذكر أهل البيت (ع) وبواقعة الطف الحسيني الخالد، وبقلم شاعر كبير من شعراء الأدب الحسيني هو المرحوم عبد الأمير الفتلاوي (رحمه الله)، وجعل ابداعه الشعري معبراً إلى جناته الواسعة، ويعد شعره انعكاساً حقيقياً للواقع الولائي الذي ترجم لنا التأريخ، دون أن يغسل عنه الدم، دون أن يزوق معانيه؛ لامتلاكه الجمالي المرتبط باليقين الولائي، وهذا ثراء فني لا يمكن لأي دراسة تنظيرية أن تتجاوز هذا المبنى المهم في شعريته المنفتحة على أفق مفتوح من الاشتغالات التي حركت النص، وقد استثمر أغلب الوسائل السردية ليؤمن تواصله الشعوري مع المتلقي، ومنها (التكرار) الذي هو صنف من أصناف البديع، ويعد من أقدم أساليب الشعر العربي، ويمثل اليوم جوهر التقنية الفنية الخاصة بالشعر، إذ يعتمد على تكرار البيت والأجزاء العروضية. كما يرى بعض النقاد أنه يفيد مسألة تنشيط الجواذب الشعورية، ونجده من الاشتغالات التوكيدية الساعية لتركيز الصورة، وفي تجربة الشاعر الفتلاوي التركيز على تكرار الضمائر وتقنية التداعي نقرأ في ص9:
(هذي حالة السجاد، وبنات الوحي بأنزل حال
هذا الفطم حد الكاع تدوس من الهدوم اذيال
هذي بالصريمة اتلوذ بنات الظل بلاية اظلال)
ونقرأ في ص29:
(هاي الخانت الكرار
هاي الكوفة الكشرة
هاي جدوع فوك اجدوع، وهاي الذيج تلجمها)
أعتذر من طول الاستشهاد، وأصر عليه لأهميته، فنقرأ ص18:
(هنا نوخوا ارحال الدين
هنا شيدوا البيوت ابهاي
هنا بالصبر والتحميد تتلكه لأمر الجاي
هنا يشجي الهضم دينه
هنا صبري على بلواي
هنا ولع المصيبة
هنا نوخوا وحط ارحالي
هنا ولع المصيبة
هنا جتلي وجتلة ارجالي
هنا ولع المصيبة
هنا يتم أطفالي واعيالي... الخ)
ويذهب الشاعر المرحوم (عبد الأمير الفتلاوي) في اشتغالاته إلى سردية الحدث التأريخي واحتواء مشهدية كل حدث، ليتشكل خارج النص الشعري، ويلم حيثيات الحدث التاريخي بكل مأساته، لتتنامى لديه فاعلية الاحتواء القادر على خلق التوهج الابداعي عبر سردية الأحداث:
(حطوا نار بالخندق ودورة نار اله شبت
وجيمان الحرب لحسين من خيل أو زلم دبت
ارياح المناية مختلفة أهي بينهم هبت
وطيور المناية اتصيح الموت الموت حايمها ص110)
فلو تأملنا في هذه السردية سنجد فيها الكثير من عوالم التخييل المبدعة: كرياح المناية/ وطيرها الصائح برعب المشهد . ونجد الشاعر الفتلاوي قد استخدم أيضاً الأسلوبية الحوارية لتعميق الصورة والولوج الى عمق المشهد، وسردية الحوار هي أفضل الوسائل الموجزة المعبرة في المتنى الحكائي داخل نصية الشعر هو عبارة عن مزج شعوري بين الدافع ومأساويته، وبين المعاناة النفسية التي تلم بالقارئ لحظة التلقي؛ فقد أخبرتنا المصادر التاريخية عن حدث مأساوي، إذ انتفض الرأس الشريف وهو على الرمح، ورفض المسير، حتى أصبح عليهم حمل الرأس ثقيلاً جدا، فانتبهوا للقضية وراحوا يسألون عن السبب:
(ردوا نشدوا السجاد هذي شعندك احجيها
علينه صعب شيل الراس اثبت من رواسيها
صد للراس لن وجه لدار النزلوا بيها
يكلهم بعد مفكودة وحرسها ردت امغيره)
وأمام هذه المجموعة المكتنزة بكل أنواع الأساليب والوسائل التعبيرية، نرى النفس عاجزة عن المتابعة، فالقراءة التأملية تحتاج الى قراءات واسعة لمثل هذا المنجز الكبير... رحم الله شاعرنا الفتلاوي، وأدخله واسع رحمته جنانا من البركة.
**
ملاحظة: لي الشرف أن أضع اسمي في مجموعة هذا الشاعر الحسيني الكبير، متأملاً في مجموعته الشعرية رغم ضعفي.