تنحصر قيمة السؤال الصحفي فيما يثيره في توظيف البعد التأويلي، فلا يمكن مثلاً السؤال عن سعر بضاعة ما سؤالاً مباشراً، لكن عندما نقارن سعرها مع المستورد، سنجد أن السؤال انفتح على مفهوم تحاوري جاد، لنرى من خلال هذا المفهوم: أين تكمن المشكلة؟ وما هي قيمة جذرها وغرضية وجودها كمشكلة؟ والبحث مع المحاور عن الحلول التي يراها مناسبة لإنهاء الأزمة، ولا بأس من مشاكسته مشاكسة إيجابية، تصب لصالح الموضوع، وتعطي لذة القراءة، وتكون قادرة على خلق جمالية وابتسامة راضية من المتلقي، مع الوصول إلى الصورة الواقعية للقضية المعروضة، وتقديم معالجة تبلور لنا الرؤية مع خلق تجانسات تناسقية، تعتني بوحدة الجرس الايقاعي عند القراءة، كأداة ضبط لسلاسة الجملة.
لابد لكاتب التحقيق الصحفي أن يرجع لسياسة الجريدة التي يعمل بها، وهذه السياسة تكون مرتكز وجوده في صلب الموضوع، وغالباً ما يصطدم الصحفي مع المنجز التحاوري، فالمحاور له قناعاته، والتي قد لا تتوافق وسياسة المنشور، والمؤسسة التي تحتضنه كإعلامي... هنا تقع مسؤولية الاقناع والاقتناع، ليعالج مسألة توازن الانتماءات الفكرية، ويأخذ من المحاور ما يوازن موضوعيته، وانتماءه، وسياسة الجريدة.
كان همّ الصحفي في جريدة صدى الروضتين كيفية تقديم الجوهر القداسي لهذا المحتوى النوراني المبارك، وهو يقتحم القناعات، ويسعى للتفاعل الموضوعي مع الانفتاح على جميع الهويات، واحتواء الأمزجة والآراء في زمن ضجّ بأعداد كثيرة من الصحف، تتبع لأحزاب ومنظمات وصحف غير معنونة لجهة، تعمل بشكل عبثي أغلبها انتهى الآن... وفي وسط هذا الزحام الاعلامي، عليه كسب ثقة المتلقي مع المحافظة على الهوية، واستثمار الساحة الواسعة لجماليات (التقديم، التصميم، الإخراج، الطباعة)، ومع كل هذه الجماليات، يبقى الفعل الابداعي الأول لأسلوبية الكتابة، والمعالجة الأسلوبية، ومواءمة الأسئلة، فهناك محددات ثقافية، مثل (الوعي، الادراك، التحاور الاختصاصي الأكاديمي المختص، المحاورات العابرة)، وتحديدات أُخَر عمرية: كمؤهلات التحاور والأسئلة المعروضة، لابد أن تقف عند حدود الامكانيات (كبار السن، شريحة الشباب، شرائح الفتوة والأطفال)، مع الاحتفاظ بقيم الاحتواء، والنظر إلى عوالم المحاور وليس إلى عوالم الصحفي؛ فالنظر إلى عوالمه فقط سيصل الى مرحلة الاستنساخية، ليستنسخ لنا رأياً واحداً في جميع المحاورات.
لابد من أسئلة تلج إلى عمق روحية المحاور، تبدأ الأسئلة وتنتهي ويبقى المحور هو المحاور الضيف، ولذلك كانت جريدة صدى الروضتين تفضل أسلوب التحاور المباشر، تكوين السؤال أثناء اللقاء، وعدم التحضير المسبق للأسئلة، ومن الممكن أن نطلق على مثل هذه الأسئلة بـ(أسئلة التحري الابداعي)، وهذا الأسلوب يساعد المحاور الضيف على التذكر، فهناك سردية الخبري، وتسليط الضوء والمعالجة الأسلوبية.
في لقاء لصدى الروضتين مع الاعلامي البارز (صباح زنگنة) الذي صور لنا يداً تداعب الموبايل، كشف الصورة، وإذا اللاعب رجل كبير السن، وهو يجلس على الرصيف ليستريح من تعب الوقوف في طابور استلام رواتب المتقاعدين، هناك وعي في هذه الصورة الجمالية، وبهذه الطرق الحداثية، تحول التحقيق إلى فلم يعرض على الورق... هذه تسمى دلالات استفزازية محفزة، وهذا التعامل الأسلوبي أصبح أدبياً، وتلك ميزة مهمة من مميزات صدى الروضتين، أسلوب إيحائي دلالي يمتلك جواذب خلابة، دون أن يربك أدواته بمصطلحات غامضة وعلمية جامدة، ستأخذه قسراً إلى الحشو والإسهاب.
أعجبني
تعليق