ح1
لكل تدوين مفهومه المعرفي الخاص الذي يكون محملا بحقائق وتصورات ومفاهيم تخدم الغاية القصدية، لإعداد رسالة موجهة الى فئة معينة، تنطلق منها الرؤى لتعميم معرفي يحتاج الى آليات الفهم الفكري المرجعي المستند على كسر نمطية التحريف، ذلك التحريف الذي هو عبارة عن افرازات سياسية حاولت تجهيز ارث موضوع بديل يحمل مؤثرات خاصة تم تسريبها داخل الموروث الإسلامي، فأنتجت كتلا تكفيرية سعت الى تعميم الفرقة الإسلامية، وزرع التناحرات، عبر اجراءات الغائية، تثير نزعات ضيقة الرؤى، مما دعت الحاجة الى ضرورة رد مثل هذه المفاهيم المزعومة بواسطة منظومة فكرية تتحرك بأساليب متنوعة.
لذلك اختارت وحدة الدراسات شعبة الإعلام في قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة توجيه رسالتها البحثية بعنوان (نصائح لعقلاء الوهابية) موضحة منهجية هذه الرسالة (النصائح) مطالبة بالتحقيق العلمي الرصين، وبالمعيار الأمثل لمسندات المرجع القرآني والتدوين الرسالي المحمدي الوارد لنا من العترة اهل البيت عليهم السلام، فكان المنجز عبارة عن ثلاث عشرة نصيحة تنوعت مادتها حسب تنوعات المعروض المناقض من اجل محاورته ضمن اسس فكرية مبدعة تبين الثوابت للمرجع النصي الموروث، لتكشف ألاعيب التحريف عنه:
النصيحة الاولى: تضمنت فكرة التجسيم التي روّجت وتروج لها الوهابية، وهي مخالفة في كل الأحوال الى ما ذهب وذهب اليه المسلمون؛ فالنص التدويني الوهابي ابتدع لنا نصوصا منسوبة الى النبي صلى الله عليه وآله فوضع (يده بين كتفيه حتى وجدت بردها بين ثديي) لابد ان نلاحظ مقدار الخلخلة النصية، وطريقة بناء الجملة موضوعة باتجاه تجسيم الله تعالى. فمن حق اي مسلم اليوم ان يتساءل عن هذه اليد، وجعلوا لها شبيها وهل لها شبيه؟ وهل أن فكر الوهابيين جعلوا يد الله صغيرة الى هذا الحد. ثم لابد من التأمل في العمق المتخفي (المسكوت عنه) بهذه الرواية الموضوعة كاليد؛ فالله تعالى حسب المنطوق الوهابي يستعين بيده في خلق الأشياء رؤى ضحلة ذات قيم ضيقة الأفق؛ وهي مجموعة من التحريفات والمؤثثات المبتدعة كإمكانية رؤية الله تعالى ثم التأكيد بأنه ليس بأعور وله قدمان يضع رجليه على الكرسي، وله ساق ويد واصابع بعدد اصابع الانسان، وله خنصر وبنصر وعين واذن، ويفرح كما يفرح الناس، ويعجب ويضحك وينزل ويصعد... فهل مثل هذه التوصيفات تصدر من جماعة تدعي توحيد الله ومعرفته، وتزعم انها الفرقة الناجية، وهم يرون ان الله ينزل عن كرسيه كل يوم جمعة، ويرجع اهل الغرف الى غرفهم!!
روى الرحالة ابن بطوطة (حضرت يوم الجمعة وابن تيمية على المنبر الجامع فكان من جملة كلامه ان قال ان الله ينزل الى سماء الدنيا كنزولي هذا، وينزل ابن تيمية من درج المنبر فعارضه شخص يدعى (ابن الزهراء) وهو فقيه مالكي، وقام إليه العامة وضربوه حتى سكت؟! ولاشك أن مثل هذه التكوينات المدونة بصبغة يهودية اتخذتها الوهابية كأطر فكرية تسير بهديها متأثرة بما تفرزه من واقع مموّه فيه كثير من التجاوزات والدس مثلا قالوا: ان الله يصلي لمن يصلي، وقالوا: إن اللهَ يمشي!!
تلك عقائد يهودية انتحلها الوهابيون لكونهم أدركوا قابلية الخلق روي احمد ابن حنبل حدثني ابي عن عبد الله ان يهوديا اتى الى النبي فقال يا محمد ان الله يمسك السماوات على اصبع والارضين على اصبع والثرى على اصبع والجبال على اصبع ثم يقول: انا الملك. فضحك رسول الله وقال: (وما قدروا الله حق قدره) فهم لم يقدروه لأنهم جسدوه.
نلاحظ ان الأسئلة الفاعلة في المنجز اخذت الدور الاندهاشي والبحثي، والذي يطالب بالمعالجة المباشرة. وتنبع هذه الأسئلة من ضمن الموقف اي صياغة المعروف كاشكالية لابد ان تقع تحت النظر؛ هل يحتاج رسول الله اليهود لأن يأخذ دينهم اليهودي؟ كيف تصدقون؟ كيف تقبلون ان يذكر النبي بالاخرة والعذاب، ويقول له: يا يهودي خوفنا!!
ونجد كذلك ان التخاطب المباشر يواجه بحقائق لا ببدع مؤدلجة لقد وصل بهم الأمر أن يتحدثوا بحديث يقول: ان الله لما خلق الخلق استلقى ووضع رجلا على رجل، وهذا هو تشبيه اليهود والنصارى؛ فالسؤال المحوري الذي لابد أن يطرح لماذا نذهب الى مكونات بعيدة عن المنبع الرسالي ونترك المنبع الرئيسي الذي يقول عنه رسول الله: (انا مدينة العلم وعلي بابها فمن اراد المدينة فليأتها من بابها) ويقول الامام علي (ع): (فمن وصف الله تعالى بحادث فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله، ومن جهله فقد اشار اليه ومن اشار اليه فقد حده، ومن حده فقد عده...) هذه هي معرفة الله عند الامام ابي الحسن علي عليه السلام (كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شيء لا بمقارنة، وغير كل شيء لا بمزايلة).
ألا ترون ان الفارقَ بين التعبيرين كبير، (رجل يسأل الباقر عليه السلام: هل رأيت الله حيث عبدت؟ فقال: ما كنت اعبد شيئا لم أره. قال: وكيف رأيته؟ قال: لم تره الأبصارُ بمشاهدة العيان ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان...).
ثم يتوجه النص البحثي الى المكون الثاني الى النصيحة الثانية التي تجوب معنى اخر من معاني التحريف، ويولج البنية التكوينية المبتدعة بمحور استفهامي، لكون طبيعة الاستفهام سلسة ومؤثرة خاصة عندما تكون مباشرة تختزل كل طرق السرد، لماذا تقولون: ان الله يرى في الدنيا زاعمين ان النبي (ص) رأى الله عند معراجه؛ كرواية عبد الله بن عمر الموضوعة عن عبد الله بن عباس (رض) او عن ام الطفيل امرأة ابي بن كعب.
ثم تعود لجنة التأليف لتتحدث عن مسألة في غاية الأهمية وهي تعتبر من المضمرات النصية حيث منعت على الناس قسرا، وتم تداولها بين علماء الوهابية بشكل خاص. قال الذهبي في كتاب (مسير اعلام النبلاء): والعلم المباح لا يجب بثه، ولا ينبغي ان يدخل فيه إلا خواص العلماء والمباح هنا يقصد (المحظور).