تويت
قراءة في تجربة الشاعر سليم البياتي
الولوج الى عوالم أي تجربة شعرية حسينية؛ لابد أن تظهرَ لنا ملامحَ جمالية الشعر الحسيني، لما يمتلك من شعورية مقترنة بمرجعية الحدث التاريخي؛ بمأساته ومصائبه وجراحه... ورغم إيماننا الكامل بتنوع التجارب واختلاف أساليبها؛ إلا أنه يبقى الأكثر اشتغالا هو الكشف العام للأحداث المأساوية المعتمدة على سردية الواقعة...
(شعرنة الألم) أي استثمار مفردات الحدث بواقعية... كنا في تجربة الشاعر الكبير (سليم البياتي) الذي حاول الإرتكاز على خبرة كبيرة لبناء قصيدة حسينية، تنهل من الواقعة بكل مفردات تكوينها، دون أن تقع في ملل أو خطل؛ لكونه أجاد استخدام مفردات البوح والتعريف، ورسم الحوارات بدقة الانتقال الزماني والمكاني، ورسم أبعاد الحوار؛ بما يتلائم وعوالم الحبكة النصية، فتجده مثلا في قصائده والمعنونة (يخويه حسين) يدخل الى أعماق الواقعة من حيث ما قبل البدء:
(يخويه من وطن جدنه *** تعاهدنه النصر دينه
انه بصبري ادافعله *** بحسامك انت تحمينه)
والتأمل التحليلي لهذه الاستباقية؛ يأخذنا لشكل العهد بايحاء معرفي لأقسى ما يمكن أن تتعرض لها النهضة الثورة الحسينية وقائدها، فتلك الأحداث هي من باب التحسب، ومثل هذه الرؤى ستأخذنا حتما لتعريفية متنوعة العوالم:
(انه بنت الذي خيبر *** خلعها وللنبي ساند)
ومن ثم يذهب الى أبعد من هذا المحور:
(انه بنت العبه المنصوص *** حبنه فارضه الباري)
وبعد ذلك يذهب الى محور آخر:
(انه بنت فرق الاحزاب *** سيفه صاعقة نازل)
ثم محور اقرب:
(آنه الوالدي يحسين *** قسيم النار والجنه
والعلم النبي المختار *** بابه ومدخله منه)
وهذا التعريف يأخذنا الى ما أسميناه (شعرنة الألم) أي تدوين المصاب من خلال مساحة البوح، فهذه التعريفية استخدمت كتقديم واعي للدخول الى عوالم الواقعة بقوة الى التركيز على مفردات الجرح:
(انه اخيامك يبو السجاد *** اطفيها بلهيب النار
وأنه الأكبر اضمدله جرح أهل الغدر والعار)
أجد أن الشاعر (سليم البياتي) حريص على ذكر مفاصل الحدث المرجعي مع نسق الأفق التعريفي لمفصلات الواقع، وما يميز هذه القصائد هي نضوج تجربة البياتي:
(حين العرض اعله الملك الاسماء
گال انبئوني ابمعرفة هؤلاء
سبحانك انته الأعلم بالأشياء
عدنه ألوان الأسرار *** وحدك ملك معناهه)
فهذا النضوج هو تأثر واضح بالجيل الذي سبق التجربة؛ كتأثره بالشاعر الكبير المرحوم كاظم المنظور، وتجربة الشاعر الكبير كاظم البناء والد الشاعر المعروف (رضا الخفاجي)... وهذا الإرث مكّنه من السيطرة الوزنية والنغمية ـ إيقاع الجرس الوزني وما يسمى (بالطور) - والمتأمل في شعرية سليم البياتي، سيجد أن سردية الواقع التاريخي أي السعي لشعرنة الجراح؛ تعد بؤر انبثاق وحدات شعرية متماسكة متراصّة، تمنحنا الكثير من خصوصيات الواقعة، ولوعة ما حدث فيها، إذ يختصر التأريح ليقدم لنا رأياً خاصّاً للعالم.