السرد سمة من أهم سمات الشعر الحسيني الساعي الى إعطاء المضمون شكلا مناسباً، لتوصيله عبر آلية التلقي الأمثل. هناك شبكة من العلاقات بين الشرائح المكونة للقصيدة الحسينية، فالسردُ يحتوي المتحرك والايماءة والحكاية والملحمة والتأريخ والفكري والمصائبي... والشاعر الحسيني (محمد حمزة الرادود) استثمر هذه الحركة في تنوع آلية التخاطب حتى على مستوى الاستهلال الأولي، يجعلنا نقرأ بضمير المتكلم:
(من اليسر ردينه دلّينه ابولينه)
وإذا به يغير آلية الخطاب مباشرة باقتدار سردي يحتوي أكثر من فعل وأكثر من فاعل:
(زينب والحرم نادت ياطف كربله صاحت)
وهذا التنوع أعطى الحركية في ديمومة الفعل السردي، دون أن ننتبهَ الى مصدر المتكلم؛ نسيج مترابط، وبنية سردية محبوكة، تدفع القصيدة باتجاه المنهل المرجعي؛ عوالم مفرداتية تتكون من الحزن والعطش والذبح... هناك نجد (جثث، أسر، قبور...) معالم ودلالات سردية تشيرُ الى تفاصيل ايحائية، تعتمر ذهنية التلقي؛ في المشرعة، والراية، والكفين... تدل على شخصية العباس (ع):
(وين المشرعة وطيحة الجفين والراية وحماها
وين اللي كفل هاي الحرم وين وابروحه فداها)
وهذا جزء من البناء الدرامي في القصيدة، وهي التي تحدث الشعورية داخل عملية التلقي، وتذهب الى دلالات السهم والوريد المذبوح والقماط، الى واقع يمثل الرمز المقدس لشخصية الرضيع الحسيني. هذه السردية المجزأة، تنظمها اللازمة كمحور لها:
(يا طف كربلة يادار الأحزان يلفجرتي عيني)
وفي المحور الثاني:
(ياطف كربله متوجد العين مصيوبه تراها)
ولكل مقطع آلية يختارها الشاعر للانفتاح على عوالم الطف الشعورية. وترى التنوع الخطابي الذي يتجلى في شعرية (محمد الرادود) يتمحور في أغلبية قصائده، فحين تقرأ:
(يلموالي خل يصب دمعك دمه
بالدمع والنوح واسي فاطمه)
يهيأ لذهنية التلقي أن آلية التخاطب مباشرة، ينقل من خلالها صوت الشاعر بطريقة وعظية، وإذا به يغير آلية التخاطب من المقطع الثاني بعذر فني مدروس عبر مفردة (تصيح... يابوية) لتصبح منطلقا لمساحة البوح:
(عله افراگك بويه ما تنشف العين
اشلون حال الحسن عگبك والحسين)
فتمر آلية الإرسال من خلال صوت الرمز الفاطمي؛ ومثل هذا الاشتغال يرتبط بتأثر واضح بشعرية المنظور (رحمه الله)، والذي رافقه الشاعر في مسيرته، وتأثر به، ليشيد له تأريخا حافلا بالشعر.