شعرية رشاد الخفاجي... انموذجا
القصيدة الحسينية قصيدة واعية لها مدركات اشتغال ذات قصد تأثيثي، يرتكزعلى تعابير واضحة تبررها شمولية التلقي تلك حقيقة، لايمكن تجاوزها لكن تبقى هناك قدرات متعددة القوى تكون خارجة عن ارادة الشاعر تمثل قدرة النص على التماهي مع مضمرات الذات بمحتواها التربوي، الفكري، العقائدي، المزاجي، خفايا التكوين النفسي، القيمة الانفعالية واشتغالات اللاوعي مع قدرة الحدث وقدرة الرمز وقدرة القراءة التي كشفت عن شبابية الشاعر (رشاد عبد الرسول الخفاجي) من خلال عدة مرتكزات ومنها كثرة استخدامه لافعال الأمر:
(زم فقارك واعتنيهم ياشبل ذاك الغضنفر
راويهم الموت الحمر * وامطر عليهم من حجر)
زم ـ اعتني ـ راوي ـ امطر ـ وكذلك نلاحظ كثرة استخدامه للنواهي
(لتهمك أبد وانت * ولاتهز گلبك حالتي * ودمعتي لاتحني ظهرك)
ونستطيع من خلال هذه الاستخراجات التنظيرية البسيطة ان نتأمل في محاور الاشتغال التي تمخضت عبر تلك الأوامر والنواهي، ومنها قيم التماثل السامية بين الرموز:
(تدري جف الخلع خيبر نفسه جف ايدك يلأكبر
وچنه تاريخ اليهود اليوم * عاد وانته حيدر)
تعبر افعال الامر او النواهي عن روح الشباب الوثابة التي اطلقت شعريتها بمفردات مثل (گوم) التي استحضرت بعدة فضاءات:
(گوم وافيني التعب ذاك) والتأكيد عليها (وافي عهدك گوم يبني) وبين (گوم راويني المراجل) هي نفس المساحة التي مثلت ولادة شاعر حسيني، انبثقت شاعريته وسط اجواء الممنوع حيث مضايقات السلطة التي عسرت ولادة شاعر، وبين التأثر البيئي الخاص كونه ابن شاعر حسيني، وابن التأثر العام بشعرية المنظور واجواء مدينته كربلاء، لتصير منطقة الشعر هي منطقة الذات العميقة ومحتوى النزوع الانساني والجمال الحقيقي يكمن في جوهر هذا الانفعال المتنوع فمنه التعليل العقلاني:
(لاتظن هين يلأكبر لو رخيص انته عليه
لاچن اختارك الباري اتكون مبدأ للضحية)
ومنها ما يشكل شعرية وهاجة:
(ورادك حسين ابمصابه * اتطرز اثياب المنية) أو لنتأمل شعرية هذه الجملة الامرية:
(فوح يا زهرة زماني بعطرك وخليني أشمّك)
تتسرب معظم المضمرات النصية عبر مساحة اللاوعي، والذي نعني به فاعلية وجدانية ملتهبة بالحماس؛ فنجد اشتغالات التشبيه: (مثل يوم القيامة اليوم نعبر عالصراط انريد) وارتكازات الموروث القرآني اسماء ورموز واحداث: (عصا موسى، وادي الطور، واصحاب الفيل، وفرعون...)
(نطوي الكون يحسين ابقبضة چفينك *
نمطر سجيل فوگ أهل الفيل)
وينفتح النص الشعري على كل هذه المرجعيات التاريخية بلغة ثائرة تحمل دفق الشباب وعنفوان التعبير مغروسة في عضلات الموقف حتى لو خلت من الشعرية لكونها تشكل احتياجا نفسيا أكثر من المناحي الفنية:
(هاي الگوم نحصدها ونخبط صافيها
وگاع الحوم نگلب اسفلها بعاليها)
او (نحصد هالروس ننطيها ادروس ) أو منها ما نفذ باشتغال شعري:
(ولو عاد ورجع فرعون خل ايفوت واحنه النيل) او تلك التي تأخذ المسعى الوعظي المباشر، والحديث عن المضمرات يظهر لنا قيما تعبيرية لها عمق خصوصيتها، فنجده يطرح ذاته عبر (أنا) غير ملفوظة لكنها فاعلة عبر الضمائر المتصلة والمنفصلة:
(بسم حسين ظل يلهج الساني *
ونهج حسين منهجي وعنواني *
وياه صفيت النية)
أي اننا نرى تصرف الأنا من حيث اشتغالات الكد العام:
(عهد عاهدت الزجية * وللزچية انطيت عهدي
ابقه خادم لبو اليمه * وما اخالف يوم وعدي
وهالعهد انه ورثته عن ابويه وگبله جدي)
لتكشف عن العمق التكويني النفسي والاجتماعي حتى تستوعب المفارقة الايمانية:
(عادة اليشتغل خادم * يستحي يحچي بمهنته
وكل بشر يخدم حسين * يگوم يتباهه ابخدمته)
كما نجده يقدم المعادل الموضوعي على شكل ومضات شعرية، فتارة يصور المساحة بالمركب السفينة:
(حسين مركب نوح بالطف يبحر ابموج المناية) ويبدأ اشتغاله بجمع متعلقات هذه الومضة: (اشراعها الفتح المبين...)...(او قائد المركب محمد)
وستجد في طيات هذه الومضة مرسى وسارية وقبطان؛ وكذلك هناك ومضة اخرى تصور الطف بالجامعة:
(العميد حسين بيها والمعاون گمر هاشم
وكادر التدريس بالطف اربعة وسبعين عالم)
وهناك ايضا من المضمرات اشتغالات شعرية تكشف عن مهارة شاعرها او تمكنه الواضح في عوالم القصيدة الحسينية: (وزينب بستر الخدر سترت الدين)