فن التعامل مع الآخر (5)
الزواج... عقد مقدس وثمار طيبة
حسن الهاشمي
الزوج والزوجة شريكان في المال والسر والدين والأمانة، فأفضلهم من حَسُن دينه وخُلقه، والزواج نصف الدين، لأنه حصن حصين يمنع الانسان من ارتكاب المحرمات والنظر إلى أعراض الناس، ويحفظ الرجل والمرأة من الانحراف، فمعطيات الزواج: التدين والاستقرار النفسي وحفظ الانساب والذرية الصالحة، أما تداعيات الزنا والسفاح فإنها وخيمة على الفرد والمجتمع أهمها: الانحراف الخلقي وضياع الانساب وشيوع الأمراض وتفكك الأسر ومحق الدين وردم الفضائل ومكارم الأخلاق.
ولمن أراد الستر والعفة والكرامة عليه أن لا يتزوج من المرأة المتبرجة سيئة الدين والخلق ولو كانت جميلة غنية، لأن تربيتها للولد سيئة وهي تخونه إن استطاعت، وكذلك المرأة المؤمنة عليها بصاحب الخلق والدين، فإن أحبها أكرمها وإن لم يحبها لا يظلمها، جاء في دعاء لمن قرر الزواج وهو يلخص الهدف الأسمى منه: اللهم إني أريد أن أتزوج اللهم فقدر لي من النساء أحسنهن خَلقا وخُلقا وأعفهن فرجا وأحفظهن لي في نفسها ومالي وأوسعهن رزقا وأعظمهن بركة، واقض لي منها ولدا طيبا تجعله لي خلفا صالحا في حياتي وبعد موتي.
فالزواج على هذا الاعتبار هو ذلك العقد المقدس الذي عده القرآن الكريم من نعم الله على عباده وشواهد قدرته وعظمته، والباعث عليه هو امداد المجتمع بنسل صالح، والعمل على ايجاد السعادة بين الزوجين في الحياة المشتركة لتستمر الحياة، لأن النسل القوي لا ينشأ إلا في الأسرة المتماسكة التي تكون مفردات المودة والمحبة والرحمة شائعة بين أفرادها، قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). (الروم: 21).
ويمكن ان نحدد ملامح الزواج كما رسمه القرآن الكريم والسنة النبوية بالمبادئ والصفات الآتية:
1ـ حسن الاختيار: اوصى الاسلام أن يختار كل من الزوجين شريك حياته على اسس ثابتة لا تزول، وهي الدين والخلق كما أوضحنا، وأما غير ذلك من مال او جمال او نسب فهو زائل، فالمال غادٍ ورائح، والجمال له زمن محدد، والنسب لا فخر به لأن التفاخر بالعمل الصالح والتقوى، وقيمة كل أمرئ بما يحسنه لا بما ينتسب إليه.
2ـ الخطبة: نظرا لأهمية عقد الزواج ولما يترتب عليه من آثار ونتائج فقد جعل الشارع له مقدمة هي الخطبة، ووضع لها احكاما مفصلة فحث الشارع الخاطب على ان يرى خطيبته وان تراه ايضا ليعرف كل منهما الآخر ضمن حدود الشرع، أما ما يتطلع اليه بعض اوساط المراهقين من اختلاط الخطيب بخطيبته وانفرادهما في النزهات والرحلات قبل عقد القران فهو أمر لا يحبذه الاسلام وتأباه المروءة والفضيلة.
3ـ الرضا: لابد للزواج من ان تتوفر فيه الارادة الكاملة والرضا التام لكل من الزوجين، فلا اكراه لأحد على زواج من لا يحب، ولا سلطة لرئيس الأسرة على أفرادها بالزام الزواج، فمتى بلغ الرجل وصار راشدا كان له الزواج لمن يريد، وكذلك الفتاة العاقلة الرشيدة.
4ـ تعدد الزوجات: المقصود بتعدد الزوجات ان يكون للرجل في وقت واحد اكثر من زوجة واحدة، وان التعدد ليس فرضا ولا واجبا ولا مستحبا بل مباحا، والمباح متروك امره للإنسان ان شاء فعله وان شاء تركه، حسب ما يراه من المصلحة له في الفعل والترك، وان التعدد مشروط بالعدل بين الزوجات، فمن علم ان لا قدرة له على العدل لم يجز له ان يتزوج بأكثر من واحدة، ويقصد بالعدل الأمور المادية كالسكن واللباس والطعام والشراب وما أشبهها، أما العدل في الحب والمساواة فيه بين النساء غير مستطاع لأنه من الأمور الوجدانية، ولذلك لا يسأل الزوج عن عدم مساواته فيه بين الزوجات، نعم يؤاخذ اذا رتب عليه نتيجة مادية في الواقع، ومن ضروب الحاجة الى التعدد:
أـ عقم الزوجة ورغبة الزوج في انجاب الذرية، ومن حسن عقل المرأة أن تدرك حق الزوج في هذا الزواج الثاني، ومن الحاجة ايضا ابتلاء الزوجة بمرض يمنعها من القيام بمتطلبات الحياة الزوجية، ولا علاج لهذه الحالة الا بالتعدد، والتعدد أولى من الطلاق، ومن الحاجة ايضا ان يضم الزوج الكريم الى بيته منقطعة او يتيمة او قريبة له واحسن الضم واكمله ان يتخذها زوجة.
ب ـ الحروب تأكل الرجال وتدع النساء، فإذا وضعت الحرب أوزارها برزت للمجتمع مشكلة خطيرة جدا وهي كثرة النساء وقلة الرجال، والحل لا يكون إلا بأحد أمرين: اما بجعل الاتصال يقع بالحرام لتحريم التعدد، وإما بإباحة التعدد، والحل الثاني هو ما أخذت به الشريعة الاسلامية، وهو اكرم للمرأة وانفع للمجتمع واحفظ للشرف، فأباحت التعدد لأربع زوجات وحرمت الزنا وجميع المعاشرات غير الشرعية.
ج ـ في التعدد اكثار للنسل، وهو ضروري في تقديم النموذج الأصلح للفرد والأسرة في المجتمع الاسلامي القائم على اساس التقوى والتناصح بالحق والصبر، اضافة الى توفير الأيدي العاملة لما له الاثر الكبير في التنمية والتطور في كافة مجالات الحياة.
ومن البديهي أن الذي يريد الزواج يجد العون من الله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ). (النور 32). ومادام المؤمن يطلب العفاف والستر وحفظ الفرج ويتوخى الإيمان والتحصن من الفسق والفجور، فإن الله تعالى في عونه يمده من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب، وكذلك نجد في الزواج الفوائد التالية:
1ـ الزواج طريق شرعي لإشباع الغريزة الجنسية، بصورة يرضاها الله ورسوله والمؤمنون.
2ـ الزواج طريق لكسب الحسنات، فمثلما لو وضع شهوته في حرام كان عليه وِزْر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر.
3ـ الزواج وسيلة لاستمرار الحياة وتعمير الأرض، فالأبناء الصالحون امتداد لعمل الزوجين بعد وفاتهما.
4ـ الزواج سبيل للتعاون، فالزوجة تكفي زوجها تدبير أمور المنزل وتهيئة أسباب المعيشة، والزوج يكفيها أعباء الكسب وتدبير شؤون الحياة.
5ـ الزواج تقوية الصلات والمعارف من خلال المصاهرة واتساع دائرة الأقارب.
فالاستقرار النفسي لدى الزوجين يؤثر ايجابيا ليس لهما فحسب بل سينسحب على الأطفال وبقية أفراد العائلة المرتبطة بشكل وبآخر بهذه العائلة السعيدة، ولكي تكتمل دائرة السعادة جاء الحث الاسلامي على الالتزام بمفاد هذا العقد المبارك.
جاء في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: ما استفاد امرؤٌ مسلم فائدة بعد الاسلام أفضل من زوجة مسلمة تسرّه إذا نظر اليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله. (وسائل الشيعة، ج14، ص23).
والزواج عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعا، غايته انشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل، ويجعل لكل من الزوجين حقوقا وواجبات متقابلة، والزواج في الاسلام عقد رضائي لا اكراه فيه، وله ركنان اساسيان هما: الايجاب والقبول، والايجاب انشاء صيغة العقد من قبل المرأة أو وكيلها، ويتم قبول صيغة العقد من قبل الرجل.
رفع الاسلام منزلة المرأة ولم يجعل المهر ثمنا لها، لأن الزوجة انسان والانسان أكرمه الله وسخر له الكون كله، فقيمته لا تقدر بثمن ولم يجعل المهر على عاتق المرأة لتشقى في سبيل الحصول عليه شطرا كبيرا من حياتها، بل جعل القرآن المهر هدية لازمة يقدمها الزوج لزوجته رمز تقدير واكرام، قال تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً). (النساء – 4) اضافة لما ينشر بين الزوجين من المحبة والألفة والمودة، ومن خلال الآيات والأحاديث فإن أهم حقوق الزوجة هي:
1ـ النفقة: على الزوج الانفاق على زوجته وإن كانت غنية، لأنها تعنى بشؤون البيت وتربية الأولاد وتقوم بالمستلزمات الزوجية، وفي المقابل يكون هو القيم على البيت ومن فيه، لكن المرأة اذا تمردت على زوجها فلم تطعه او تسمع له وتركت بيته ورعايته، فعند ذلك تسقط نفقتها لأنها لم تقم بواجبها الزوجي فلا تستحق النفقة، واذا عجز الزوج عن الانفاق كان لها أن ترفع امرها الى القاضي الشرعي للنظر فيه.
2ـ حسن معاملة المرأة: إن حقوق المرأة ومتطلباتها ليست مادية فقط بل هناك حاجات نفسية أخرى، فعلى الزوج أن يتلطف بزوجته ويدخل السرور عليها، والمرأة انسان يصيب ويخطئ ويحسن ويسيء فعلى الرجل أن يعرف ذلك ويصبر عليها، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً). (النساء/19). وقد ورد في الحديث الشريف: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي.( وسائل الشيعة: ج14 ص122 ب88 ح8). كما يجب على الزوج أن يعرف لزوجته قدرها، ويحفظ كرامتها، فلا يؤذيها بقول أو فعل، ولا ينتقص أهلها ولا يناديها بما تكره.
3ـ يرفق بها ويعاملها بإحسان ويهتم بتوفير الملبس والمأكل والمشرب والمسكن لها، ويحتمل ويصبر على بعض التصرفات التي تصدر منها ويمكن حلها باللين والرفق وحسن الخلق.
قال رسول الله (ص): اتقوا الله في الضعيفين: اليتيم والمرأة ، فإنّ خياركم خياركم لأهله . (البحار ج76ص268).
وعن النبي (ص) أنه قال: إني لأتعجب ممن يضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها . (البحار ج100ص249).
وحقوق الزوج تكمن في قوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ. ( سورة النساء34). حيث أن قوامة الرجل على المرأة امر طبيعي لا غرابة فيه، فهي تكليف على الرجل لا تشريف له، لأن الحياة الزوجية حياة اجتماعية وشركة تخص اخص علاقات الانسان بغيره، وعلاقة الزواج الأصل فيها الدوام، وكل شركة او اجتماع لابد له من رئيس يكون المرجع في حسم الخلاف لئلا تختل الشركة وتفصم العلاقة ويزول الاجتماع، والرجل أحق بهذه الرئاسة من المرأة عادة وهو أضبط لعواطفه من المرأة وهو المكلف بالإنفاق على البيت، فكل هذه الاسباب أدت إلى اسناد رئاسة البيت وافراده للزوج بالدرجة الاولى لا للزوجة، وليس في هذه القوامة تجاوز على المرأة، لأنها مبنية على المودة والرحمة والمعاملة الحسنة والحرص التام على منفعة الاثنين، وقوامة كهذه لا تكون استبدادية ولا مكروهة ولا ثقيلة على النفس، بل تكون شورية مقبولة مرضية، وأهم حقوق الزوج:
1ـ أن تحفظه في نفسها وماله، ومن الحفظ أن تصون أسراره ولا تسمح بدخول بيته لمن يكرهه، ومن الحفظ عدم الاسراف وتبذير أمواله.
2ـ معاونة زوجها بالمعروف لأنها شريكة حياته ومن أقرب الناس إليه والتعاون أساس الحياة الزوجية وسبب مهم من أسباب ادامتها، فمتى شعر الزوج أن زوجته تهتم بشؤونه وتعاونه، اعتز بها وأحبها واحترمها، فكانت أسرة سعيدة من غير شك.
3ـ تربية الأولاد: وهذه أهم واجبات المرأة، فحنان الأم وعطفها ضرورة من ضرورات الحياة بالنسبة للطفل، وهو أمر لا يمكن أن نجده لدى دور الحضانة والمربيات وغيرهم.
فتربية جيل سليم أفضل من أي عمل تقوم به المرأة مهما كبر او عظم في نظرها، ولذلك أمر الاسلام أن يودع الصغار إلى امهاتهم عند الاختلاف بين الزوجين، لأنه لا أحد في العالم كالأم بالنسبة للطفل.
4ـ الطاعة محصورة في أمور ثلاثة وهي أن لا تخرج من بيتها إلا بإذنه، ولا تدخل في بيتها من لا يحب، والتمكين، وما خلاها فهي من باب الإحسان المتبادل فيما بين الزوجين.
5ـ تهتم بنفسها وجمالها أمامه وتظهر الحب له، جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "إنَّ لي زوجة إذا دخلتُ تلقّتني وإذا خرجتُ شيّعتني وإذا رأتني مهموماً قالت: ما يهمُّك؟ إن كنتَ تهتمُّ لرزقك فقد تكفَّل به غيرك وإن كنت تهتمُّ بأمر آخرتك فزادك الله همّاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بشِّرها بالجنّة وقل لها: إنَّك عاملة من عمّال الله ولك في كلّ يوم أجر سبعين شهيداً". (مكارم الأخلاق ص200). كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها فلتدخل من أي أبواب الجنة شاءت. (مكارم الأخلاق ص201).
شهوتان عظيمتان أودعهما الله تعالى في الانسان، شهوة الفرج وشهوة البطن، وهما شهوتان عارمتان ملحتان يتوقف عليهما وجود الانسان آنيا واستمرارا إلى أن يتوفاه الله تعالى حيث المصير المحتوم، وإذا ما أراد النجاة دنيا وآخرة عليه أن يلبي شهوة الفرج بالزواج لا بالسفاح، وشهوة البطن بالكسب الحلال لا بالحرام.
النصوص الاسلامية رغبت بالزواج أيما رغبة فتارة وصفت ارتباط الرجل والمرأة بالسكن وأخرى باللباس، وكما إن السكن يوفر الراحة للإنسان ويقيه من الحر والبرد، واللباس يتزين به ويتدثر بارتدائه من تقلبات الجو، فإن هذا الارتباط المقدس إذا ما التزم الزوجان فيه بحقوقهما وواجباتهما ـ الآنفة الذكرـ وكانت العشرة بينهما بالمعروف، فإنه بحق يوفر لهما السعادة المتوخاة.
مثلما يحتمي الانسان بالسكن واللباس من المخاطر والأمراض فإنه يحتمي بالزواج من المعاصي والذنوب والآثام والفساد والإفساد، ويكون محصنا من هوى النفس ووساوس الشيطان والأهم من هذا وذاك يضفى على الانسان هالة من الطمأنينة والسكينة والاستقرار النفسي والهدوء والهيبة والوقار، بالإضافة إلى ذلك فإنه بالزواج قد احرز نصف دينه فليتقي الله بالنصف الآخر، ليكون مكتمل الإيمان وبذلك يكون على استعداد للدلوف في أبواب التكامل الانساني، ولا يزال هذا الهدف العظيم هو المرتجى والمبتغى لكل غيور يرنو الفوز والفلاح في الدارين.
الزواج... عقد مقدس وثمار طيبة
حسن الهاشمي
الزوج والزوجة شريكان في المال والسر والدين والأمانة، فأفضلهم من حَسُن دينه وخُلقه، والزواج نصف الدين، لأنه حصن حصين يمنع الانسان من ارتكاب المحرمات والنظر إلى أعراض الناس، ويحفظ الرجل والمرأة من الانحراف، فمعطيات الزواج: التدين والاستقرار النفسي وحفظ الانساب والذرية الصالحة، أما تداعيات الزنا والسفاح فإنها وخيمة على الفرد والمجتمع أهمها: الانحراف الخلقي وضياع الانساب وشيوع الأمراض وتفكك الأسر ومحق الدين وردم الفضائل ومكارم الأخلاق.
ولمن أراد الستر والعفة والكرامة عليه أن لا يتزوج من المرأة المتبرجة سيئة الدين والخلق ولو كانت جميلة غنية، لأن تربيتها للولد سيئة وهي تخونه إن استطاعت، وكذلك المرأة المؤمنة عليها بصاحب الخلق والدين، فإن أحبها أكرمها وإن لم يحبها لا يظلمها، جاء في دعاء لمن قرر الزواج وهو يلخص الهدف الأسمى منه: اللهم إني أريد أن أتزوج اللهم فقدر لي من النساء أحسنهن خَلقا وخُلقا وأعفهن فرجا وأحفظهن لي في نفسها ومالي وأوسعهن رزقا وأعظمهن بركة، واقض لي منها ولدا طيبا تجعله لي خلفا صالحا في حياتي وبعد موتي.
فالزواج على هذا الاعتبار هو ذلك العقد المقدس الذي عده القرآن الكريم من نعم الله على عباده وشواهد قدرته وعظمته، والباعث عليه هو امداد المجتمع بنسل صالح، والعمل على ايجاد السعادة بين الزوجين في الحياة المشتركة لتستمر الحياة، لأن النسل القوي لا ينشأ إلا في الأسرة المتماسكة التي تكون مفردات المودة والمحبة والرحمة شائعة بين أفرادها، قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). (الروم: 21).
ويمكن ان نحدد ملامح الزواج كما رسمه القرآن الكريم والسنة النبوية بالمبادئ والصفات الآتية:
1ـ حسن الاختيار: اوصى الاسلام أن يختار كل من الزوجين شريك حياته على اسس ثابتة لا تزول، وهي الدين والخلق كما أوضحنا، وأما غير ذلك من مال او جمال او نسب فهو زائل، فالمال غادٍ ورائح، والجمال له زمن محدد، والنسب لا فخر به لأن التفاخر بالعمل الصالح والتقوى، وقيمة كل أمرئ بما يحسنه لا بما ينتسب إليه.
2ـ الخطبة: نظرا لأهمية عقد الزواج ولما يترتب عليه من آثار ونتائج فقد جعل الشارع له مقدمة هي الخطبة، ووضع لها احكاما مفصلة فحث الشارع الخاطب على ان يرى خطيبته وان تراه ايضا ليعرف كل منهما الآخر ضمن حدود الشرع، أما ما يتطلع اليه بعض اوساط المراهقين من اختلاط الخطيب بخطيبته وانفرادهما في النزهات والرحلات قبل عقد القران فهو أمر لا يحبذه الاسلام وتأباه المروءة والفضيلة.
3ـ الرضا: لابد للزواج من ان تتوفر فيه الارادة الكاملة والرضا التام لكل من الزوجين، فلا اكراه لأحد على زواج من لا يحب، ولا سلطة لرئيس الأسرة على أفرادها بالزام الزواج، فمتى بلغ الرجل وصار راشدا كان له الزواج لمن يريد، وكذلك الفتاة العاقلة الرشيدة.
4ـ تعدد الزوجات: المقصود بتعدد الزوجات ان يكون للرجل في وقت واحد اكثر من زوجة واحدة، وان التعدد ليس فرضا ولا واجبا ولا مستحبا بل مباحا، والمباح متروك امره للإنسان ان شاء فعله وان شاء تركه، حسب ما يراه من المصلحة له في الفعل والترك، وان التعدد مشروط بالعدل بين الزوجات، فمن علم ان لا قدرة له على العدل لم يجز له ان يتزوج بأكثر من واحدة، ويقصد بالعدل الأمور المادية كالسكن واللباس والطعام والشراب وما أشبهها، أما العدل في الحب والمساواة فيه بين النساء غير مستطاع لأنه من الأمور الوجدانية، ولذلك لا يسأل الزوج عن عدم مساواته فيه بين الزوجات، نعم يؤاخذ اذا رتب عليه نتيجة مادية في الواقع، ومن ضروب الحاجة الى التعدد:
أـ عقم الزوجة ورغبة الزوج في انجاب الذرية، ومن حسن عقل المرأة أن تدرك حق الزوج في هذا الزواج الثاني، ومن الحاجة ايضا ابتلاء الزوجة بمرض يمنعها من القيام بمتطلبات الحياة الزوجية، ولا علاج لهذه الحالة الا بالتعدد، والتعدد أولى من الطلاق، ومن الحاجة ايضا ان يضم الزوج الكريم الى بيته منقطعة او يتيمة او قريبة له واحسن الضم واكمله ان يتخذها زوجة.
ب ـ الحروب تأكل الرجال وتدع النساء، فإذا وضعت الحرب أوزارها برزت للمجتمع مشكلة خطيرة جدا وهي كثرة النساء وقلة الرجال، والحل لا يكون إلا بأحد أمرين: اما بجعل الاتصال يقع بالحرام لتحريم التعدد، وإما بإباحة التعدد، والحل الثاني هو ما أخذت به الشريعة الاسلامية، وهو اكرم للمرأة وانفع للمجتمع واحفظ للشرف، فأباحت التعدد لأربع زوجات وحرمت الزنا وجميع المعاشرات غير الشرعية.
ج ـ في التعدد اكثار للنسل، وهو ضروري في تقديم النموذج الأصلح للفرد والأسرة في المجتمع الاسلامي القائم على اساس التقوى والتناصح بالحق والصبر، اضافة الى توفير الأيدي العاملة لما له الاثر الكبير في التنمية والتطور في كافة مجالات الحياة.
ومن البديهي أن الذي يريد الزواج يجد العون من الله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ). (النور 32). ومادام المؤمن يطلب العفاف والستر وحفظ الفرج ويتوخى الإيمان والتحصن من الفسق والفجور، فإن الله تعالى في عونه يمده من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب، وكذلك نجد في الزواج الفوائد التالية:
1ـ الزواج طريق شرعي لإشباع الغريزة الجنسية، بصورة يرضاها الله ورسوله والمؤمنون.
2ـ الزواج طريق لكسب الحسنات، فمثلما لو وضع شهوته في حرام كان عليه وِزْر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر.
3ـ الزواج وسيلة لاستمرار الحياة وتعمير الأرض، فالأبناء الصالحون امتداد لعمل الزوجين بعد وفاتهما.
4ـ الزواج سبيل للتعاون، فالزوجة تكفي زوجها تدبير أمور المنزل وتهيئة أسباب المعيشة، والزوج يكفيها أعباء الكسب وتدبير شؤون الحياة.
5ـ الزواج تقوية الصلات والمعارف من خلال المصاهرة واتساع دائرة الأقارب.
فالاستقرار النفسي لدى الزوجين يؤثر ايجابيا ليس لهما فحسب بل سينسحب على الأطفال وبقية أفراد العائلة المرتبطة بشكل وبآخر بهذه العائلة السعيدة، ولكي تكتمل دائرة السعادة جاء الحث الاسلامي على الالتزام بمفاد هذا العقد المبارك.
جاء في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: ما استفاد امرؤٌ مسلم فائدة بعد الاسلام أفضل من زوجة مسلمة تسرّه إذا نظر اليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله. (وسائل الشيعة، ج14، ص23).
والزواج عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعا، غايته انشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل، ويجعل لكل من الزوجين حقوقا وواجبات متقابلة، والزواج في الاسلام عقد رضائي لا اكراه فيه، وله ركنان اساسيان هما: الايجاب والقبول، والايجاب انشاء صيغة العقد من قبل المرأة أو وكيلها، ويتم قبول صيغة العقد من قبل الرجل.
رفع الاسلام منزلة المرأة ولم يجعل المهر ثمنا لها، لأن الزوجة انسان والانسان أكرمه الله وسخر له الكون كله، فقيمته لا تقدر بثمن ولم يجعل المهر على عاتق المرأة لتشقى في سبيل الحصول عليه شطرا كبيرا من حياتها، بل جعل القرآن المهر هدية لازمة يقدمها الزوج لزوجته رمز تقدير واكرام، قال تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً). (النساء – 4) اضافة لما ينشر بين الزوجين من المحبة والألفة والمودة، ومن خلال الآيات والأحاديث فإن أهم حقوق الزوجة هي:
1ـ النفقة: على الزوج الانفاق على زوجته وإن كانت غنية، لأنها تعنى بشؤون البيت وتربية الأولاد وتقوم بالمستلزمات الزوجية، وفي المقابل يكون هو القيم على البيت ومن فيه، لكن المرأة اذا تمردت على زوجها فلم تطعه او تسمع له وتركت بيته ورعايته، فعند ذلك تسقط نفقتها لأنها لم تقم بواجبها الزوجي فلا تستحق النفقة، واذا عجز الزوج عن الانفاق كان لها أن ترفع امرها الى القاضي الشرعي للنظر فيه.
2ـ حسن معاملة المرأة: إن حقوق المرأة ومتطلباتها ليست مادية فقط بل هناك حاجات نفسية أخرى، فعلى الزوج أن يتلطف بزوجته ويدخل السرور عليها، والمرأة انسان يصيب ويخطئ ويحسن ويسيء فعلى الرجل أن يعرف ذلك ويصبر عليها، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً). (النساء/19). وقد ورد في الحديث الشريف: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي.( وسائل الشيعة: ج14 ص122 ب88 ح8). كما يجب على الزوج أن يعرف لزوجته قدرها، ويحفظ كرامتها، فلا يؤذيها بقول أو فعل، ولا ينتقص أهلها ولا يناديها بما تكره.
3ـ يرفق بها ويعاملها بإحسان ويهتم بتوفير الملبس والمأكل والمشرب والمسكن لها، ويحتمل ويصبر على بعض التصرفات التي تصدر منها ويمكن حلها باللين والرفق وحسن الخلق.
قال رسول الله (ص): اتقوا الله في الضعيفين: اليتيم والمرأة ، فإنّ خياركم خياركم لأهله . (البحار ج76ص268).
وعن النبي (ص) أنه قال: إني لأتعجب ممن يضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها . (البحار ج100ص249).
وحقوق الزوج تكمن في قوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ. ( سورة النساء34). حيث أن قوامة الرجل على المرأة امر طبيعي لا غرابة فيه، فهي تكليف على الرجل لا تشريف له، لأن الحياة الزوجية حياة اجتماعية وشركة تخص اخص علاقات الانسان بغيره، وعلاقة الزواج الأصل فيها الدوام، وكل شركة او اجتماع لابد له من رئيس يكون المرجع في حسم الخلاف لئلا تختل الشركة وتفصم العلاقة ويزول الاجتماع، والرجل أحق بهذه الرئاسة من المرأة عادة وهو أضبط لعواطفه من المرأة وهو المكلف بالإنفاق على البيت، فكل هذه الاسباب أدت إلى اسناد رئاسة البيت وافراده للزوج بالدرجة الاولى لا للزوجة، وليس في هذه القوامة تجاوز على المرأة، لأنها مبنية على المودة والرحمة والمعاملة الحسنة والحرص التام على منفعة الاثنين، وقوامة كهذه لا تكون استبدادية ولا مكروهة ولا ثقيلة على النفس، بل تكون شورية مقبولة مرضية، وأهم حقوق الزوج:
1ـ أن تحفظه في نفسها وماله، ومن الحفظ أن تصون أسراره ولا تسمح بدخول بيته لمن يكرهه، ومن الحفظ عدم الاسراف وتبذير أمواله.
2ـ معاونة زوجها بالمعروف لأنها شريكة حياته ومن أقرب الناس إليه والتعاون أساس الحياة الزوجية وسبب مهم من أسباب ادامتها، فمتى شعر الزوج أن زوجته تهتم بشؤونه وتعاونه، اعتز بها وأحبها واحترمها، فكانت أسرة سعيدة من غير شك.
3ـ تربية الأولاد: وهذه أهم واجبات المرأة، فحنان الأم وعطفها ضرورة من ضرورات الحياة بالنسبة للطفل، وهو أمر لا يمكن أن نجده لدى دور الحضانة والمربيات وغيرهم.
فتربية جيل سليم أفضل من أي عمل تقوم به المرأة مهما كبر او عظم في نظرها، ولذلك أمر الاسلام أن يودع الصغار إلى امهاتهم عند الاختلاف بين الزوجين، لأنه لا أحد في العالم كالأم بالنسبة للطفل.
4ـ الطاعة محصورة في أمور ثلاثة وهي أن لا تخرج من بيتها إلا بإذنه، ولا تدخل في بيتها من لا يحب، والتمكين، وما خلاها فهي من باب الإحسان المتبادل فيما بين الزوجين.
5ـ تهتم بنفسها وجمالها أمامه وتظهر الحب له، جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "إنَّ لي زوجة إذا دخلتُ تلقّتني وإذا خرجتُ شيّعتني وإذا رأتني مهموماً قالت: ما يهمُّك؟ إن كنتَ تهتمُّ لرزقك فقد تكفَّل به غيرك وإن كنت تهتمُّ بأمر آخرتك فزادك الله همّاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بشِّرها بالجنّة وقل لها: إنَّك عاملة من عمّال الله ولك في كلّ يوم أجر سبعين شهيداً". (مكارم الأخلاق ص200). كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها فلتدخل من أي أبواب الجنة شاءت. (مكارم الأخلاق ص201).
شهوتان عظيمتان أودعهما الله تعالى في الانسان، شهوة الفرج وشهوة البطن، وهما شهوتان عارمتان ملحتان يتوقف عليهما وجود الانسان آنيا واستمرارا إلى أن يتوفاه الله تعالى حيث المصير المحتوم، وإذا ما أراد النجاة دنيا وآخرة عليه أن يلبي شهوة الفرج بالزواج لا بالسفاح، وشهوة البطن بالكسب الحلال لا بالحرام.
النصوص الاسلامية رغبت بالزواج أيما رغبة فتارة وصفت ارتباط الرجل والمرأة بالسكن وأخرى باللباس، وكما إن السكن يوفر الراحة للإنسان ويقيه من الحر والبرد، واللباس يتزين به ويتدثر بارتدائه من تقلبات الجو، فإن هذا الارتباط المقدس إذا ما التزم الزوجان فيه بحقوقهما وواجباتهما ـ الآنفة الذكرـ وكانت العشرة بينهما بالمعروف، فإنه بحق يوفر لهما السعادة المتوخاة.
مثلما يحتمي الانسان بالسكن واللباس من المخاطر والأمراض فإنه يحتمي بالزواج من المعاصي والذنوب والآثام والفساد والإفساد، ويكون محصنا من هوى النفس ووساوس الشيطان والأهم من هذا وذاك يضفى على الانسان هالة من الطمأنينة والسكينة والاستقرار النفسي والهدوء والهيبة والوقار، بالإضافة إلى ذلك فإنه بالزواج قد احرز نصف دينه فليتقي الله بالنصف الآخر، ليكون مكتمل الإيمان وبذلك يكون على استعداد للدلوف في أبواب التكامل الانساني، ولا يزال هذا الهدف العظيم هو المرتجى والمبتغى لكل غيور يرنو الفوز والفلاح في الدارين.