إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الاختبار الإلهيّ

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الاختبار الإلهيّ


    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد

    سئل أَبِو عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: (قِيلَ لَهُ مَا بَالُ أَصْحَابِ عِيسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ كَانُوا يَمْشُونَ عَلَى اَلْمَاءِ وَ لَيْسَ ذَلِكَ فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَالَ إِنَّ أَصْحَابَ عِيسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ كُفُوا اَلْمَعَاشَ وَإِنَّ هَؤُلاَءِ اُبْتُلُوا بِالْمَعَاشِ)[1].

    البلاء والاختبار سنة إلهية الغرض منها تمحيص العباد لمصلحة يريدها الله تعالى لهم ومثلما ورد في الرواية عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ إِنَّ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ : (أَنَّ أَشَدَّ اَلنَّاسِ بَلاَءً اَلنَّبِيُّونَ ثُمَّ اَلْوَصِيُّونَ ثُمَّ اَلْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ وَإِنَّمَا يُبْتَلَى اَلْمُؤْمِنُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِ اَلْحَسَنَةِ فَمَنْ صَحَّ دِينُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ اِشْتَدَّ بَلاَؤُهُ وذَلِكَ أَنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَجْعَلِ اَلدُّنْيَا ثَوَاباً لِمُؤْمِنٍ وَلاَ عُقُوبَةً لِكَافِرٍ وَمَنْ سَخُفَ دِينُهُ وَضَعُفَ عَمَلُهُ قَلَّ بَلاَؤُهُ وَ إِنَّ اَلْبَلاَءَ أَسْرَعُ إِلَى اَلْمُؤْمِنِ اَلتَّقِيِّ مِنَ اَلْمَطَرِ إِلَى قَرَارِ اَلْأَرْضِ)[2].

    في مجال الاختبار الإلهيّ تطرح بحوث كثيرة.
    وأوّل ما يتبادر للذهن في هذا المجال هو سبب هذا الاختبار. فنحن نختبر الأفراد لنفهم ما نجهله عنهم. فهل أنّ الله سبحانه وتعالى بحاجة إلى مثل هذا الاختبار لعباده، وهو العالم بكلّ الخفايا والأسرار؟! وهل هناك شيء خفي عنه حتّى يظهر له بهذا الامتحان؟!
    والجواب: إنّ مفهوم الاختبار الإلهيّ يختلف عن الاختبار البشريّ.
    اختباراتنا البشرية تستهدف رفع الإبهام والجهل، والاختبار الإلهيّ قصده "التربية" وإيصال الإنسان إلى الكمال بإخراج الدفائن المكنونة فيه.
    كثيراً ما تحدّث القرآن عن الاختبار الإلهيّ، باعتباره سنّة كونية مستمرّة من أجل تفجير الطاقات الكامنة، ونقلها من القوّة إلى الفعل، وبالتالي فالاختبار الإلهيّ من أجل تربية العباد، فكما أنّ الفولاذ يتخلّص من شوائبه عند صهره في النار، كذلك الإنسان يخلص وينقى في خضمّ الحوادث، ويصبح أكثر قدرة على مواجهة الصعاب والتحدّيات.
    الاختبار الإلهيّ يشبه عمل زارع خبير، ينثر البذور الصالحة في الأرض الصالحة، كي تستفيد هذه البذور من مواهب الطبيعة وتبدأ بالنموّ، ثمّ تصارع هذه البذرة كلّ المشاكل والصعاب بالتدريج، وتقاوم الحوادث المختلفة كالرّياح العاتية والبرد الشديد والحرّ اللافح، لتخرج بعد ذلك نبتة مزهرة أو شجرة مثمرة، تستطيع أن تواصل حياتها أمام الصعاب.

    ومن أجل تصعيد معنويات القوّات المسلّحة، يؤخذ الجنود إلى مناورات وحرب اصطناعية، يعانون فيها من مشاكل العطش والجوع والحرّ والبرد والظروف الصعبة والحواجز المنيعة.
    وهذا هو سرُّ الاختبارات الإِلهية.

    يقول سبحانه في موضع آخر من كتابه العزيز: ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾.3
    ويقول أمير المؤمنين عليّ عليه السلام في بيان سبب الاختبارات الإلهية: (... وَإِنْ كَانَ سُبْحَانَهُ أعْلَمَ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلَكِنْ لِتَظْهَرَ الأَفْعَالُ الَّتي بِهَا يُسْتَحَقُّ الثَّوابُ وَالْعِقَابُ)[3].

    أي أنّ الصفات الكامنة لا يمكن أن تكون وحدها معياراً للثواب والعقاب، فلا بدّ أن تظهر من خلال أعمال الإنسان، والله يختبر عباده ليتجلّى ما يضمرونه في أعمالهم، ولكي تنتقل قابليّاتهم من القوّة إلى الفعل، وبذلك يستحقّون الثواب أو العقاب.
    لو لم يكن الاختبار الإلهيّ لما تفجّرت هذه القابليّات، ولما أثمرت الكفاءات، وهذه هي فلسفة الاختبار الإلهيّ في منطق الإسلام.
    الاختبار الإلهيّ عامّ


    نظام الحياة في الكون نظام تكامل وتربية، وكلّ الموجودات الحيّة تطوي مسيرة تكاملها، حتّى الأشجار تعبّر عن قابليّاتها الكامنة بالأثمار.
    من هنا فإنّ كلّ البشر، حتّى الأنبياء، مشمولون بقانون الاختبار الإلهيّ كي تنجلي قدراتهم
    .

    الامتحانات تشمل الجميع وإن اختلفت شدّتها وبالتالي تختلف نتائجها أيضاً، يقول سبحانه: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ[4].
    القرآن يعرض نماذج لاختبارات الأنبياء إذ يقول: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ[5].
    ويقول في موضع آخر بشأن اختبار النبيّ سليمان عليه السلام: ﴿فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ..[6].
    يقول الإمام عليّ عليه السلام: (أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَقْصِمْ جَبَّارِي دَهْرٍ قَطُّ إِلَّا بَعْدَ تَمْهِيلٍ وَرَخَاءٍ وَلَمْ يَجْبُرْ عَظْمَ أَحَدٍ مِنَ الْأُمَمِ إِلَّا بَعْدَ أَزْلٍ وَ بَلَاءٍ وَفِي دُونِ مَا اسْتَقْبَلْتُمْ مِنْ عَتْبٍ وَمَا اسْتَدْبَرْتُمْ مِنْ خَطْبٍ مُعْتَبَرٌ وَمَا كُلُّ ذِي قَلْبٍ بِلَبِيبٍ، وَلَا كُلُّ ذِي سَمْعٍ بِسَمِيعٍ، وَلَا كُلُّ نَاظِرٍ بِبَصِيرٍ)[7].
    ويقول عليه السلام: (إِنَّ اللهَ يَبْتَلِي عِبَادَهُ عِنْدَ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ بِنَقْصِ الثَّمَرَاتِ، وَحَبْسِ الْبَرَكَاتِ، وَإِغْلَاقِ خَزَائِنِ الْخَيْرَاتِ، لِيَتُوبَ تَائِبٌ، وَيُقْلِعَ مُقْلِعٌ، وَيَتَذَكَّرَ مُتَذَكِّرٌ، وَيَزْدَجِرَ مُزْدَجِرٌ)[8].

    وعلى كل حال فالجماعة الذين يعيشون في محيط ملوّث بالمفاسد والوساوس تحيط بهم من كلّ جانب، فإنّ امتحانهم الكبير في مثل هذا الجوّ والظروف، هو أن لا يتأثّروا بلون المحيط وأن يحفظوا أصالتهم ونقاءهم.
    والجماعة الذين يعيشون تحت ضغط الحرمان والفقر، يرون أنّهم لو صمّموا على ترك رأس مالهم الأصيل "الإيمان" فإنّهم سرعان ما يتخلّصوا من الفقر والحرمان لكنّ ثمن ذلك هو فقدانهم للإيمان والتقوى والكرامة والحريّة والشرف، فهنا يكمن امتحانهم..
    وجماعة آخرون على عكس أُولئك غرقى في اللذائذ والنعم، والإمكانات المادية متوفّرة لديهم من جميع الوجوه، ترى هل يؤدّون في مثل هذه الظروف الشكر على النعم، أم سيبقون غرقى في اللذائذ والغفلة وحبّ الذات والأنانية، غرقى الشهوات والاغتراب عن المجتمع وعن أنفسهم؟!
    وجماعة منهم كالمتغرّبين في عصرنا، يرون بعض الدول بعيدة عن الله والفضيلة والأخلاق حقّاً، ولكنّها تتمتّع بالتمدّن المادّيّ المذهل والرفاه الاجتماعيّ. هنا تجذب هؤلاء المتغرّبين قوّة خفيّة إلى سلوك هذا النوع من الحياة أو سحق جميع القيم والأصول والأعراف التي يعتقدون بها، ويبيعون أنفسهم أذلّاء عملاء لتلك الدول، ليوفّروا لهم ولمجتمعهم مثل هذه الحياة... وهذا نوع آخر من الامتحان.
    ​المصائب، والآلام والهموم، والحروب والنزاعات، والقحط والغلاء، وما تثيره الحكومات الأنانية لتجذبهم إليها وتستعبدهم به وأخيراً الأمواج النفسية القوية والشهوات، كلّ منها وسيلة للامتحان في طريق عباد الله، والسائرين في الميادين التي تتميّز فيها شخصيّة الأفراد وتقواهم وإيمانهم وطهارتهم وأمانتهم وحرّيتهم.. الخ
    ولكن لا طريق للانتصار في هذه الامتحانات الصعبة لاجتيازها إلاّ الصبر والجدّ والسعي المستمر، والاعتماد على لطف الله سبحانه.




    [1] الکافي، ج ص 71.
    [2] وسائل الشیعة، ج ص262.
    [3] نهج البلاغة، الكلمات القصار، رقم 93.
    [4] سورة العنكبوت، الآية: 2.
    [5] سورة البقرة، الآية: 124.
    [6] سورة النمل، الآية: 40.
    [7] نهج البلاغة، الخطبة: 88.
    [8] نفس المصدر الخطبة:123.

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X