اتفق اهل اللغة على انه أهم فعل كلامي تترتب عليه الاداة الفعلية سلبا او ايجابا، وينقسم الدال الطلبي الى نوعين؛ اولهما: توجيه الفعل، والحث عليه، كقوله عليه السلام: (واعْمَلُوا فِي غَيْرِ رِيَاءٍ ولا سُمْعَةٍ فَإِنَّهُ مَنْ يَعْمَلْ لِغَيْرِ الله يَكِلْهُ الله لِمَنْ عَمِلَ لَهُ) او ترك الفعل بواسطة اداة النهي، مع ذكر السبب، كقوله عليه السلام لابن عباس:
(لا تَلْقَيَنَّ طَلْحَةَ فَإِنَّكَ إِنْ تَلْقَهُ تَجِدْهُ كَالثَّوْرِ عَاقِصاً قَرْنَهُ يَرْكَبُ الصَّعْبَ ويَقُولُ هُوَ الذَّلُولُ) والعقص من عقص الشعر: اذا ضفره وفتله وهو تمثيل بالغطرسة.
ويرى بعض النقاد: ان فعل الامر هو ذاته فعل مستقبلي، لو كان متحققا لما طلب، ويعبر عن اهم الوظائف التداولية وفق مقتضيات السياق والدلالة المجازية، فابن حزم يعتبره عنصرا من عناصر الكلام، ويتعدد الى عدة انواع؛ منه مايأتي رجاء وتوسلا في المناجاة والادعية، كمناجاته عليه السلام: (اللهمَّ اغْفِرْ لِي رَمَزَاتِ الأَلْحَاظِ وسَقَطَاتِ الأَلْفَاظِ وشَهَوَاتِ الْجَنَانِ وهَفَوَاتِ اللِّسَانِ) والرمزات تعني: الاشارة من ناظر العين، والسقطات يعني بها: لغوها، والجنان، القلب، وشهواته: الميل لغير الفضيلة، وهفوات اللسان: زلاته...
وهو وفق رؤية الكثير من النقاد استدعاء ارادي لفعل مأمور ضمن متطلبات الامر، وهذا يعني لابد من وجود دال يقوم عليه التفاهم، ولا شك ان للغة قدرة التصرف الاسلوبي، يمكن من خلالها ايراد الامر بلفظ الخبر، كقوله عليه السلام في سحرة اليوم الذي ضرب به: (مَلَكَتْنِي عَيْنِي وأَنَا جَالِسٌ فَسَنَحَ لِي رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله مَا ذَا لَقِيتُ مِنْ أُمَّتِكَ مِنَ الأَوَدِ واللَّدَدِ فَقَالَ: ادْعُ عَلَيْهِمْ فَقُلْتُ: أَبْدَلَنِي الله بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ وأَبْدَلَهُمْ بِي شَرّاً لَهُمْ مِنِّي) والاود: الاعوجاج، واللدد: الخصام... يقول الشيخ محمد عبدة: هذا من اوضح الكلام، ومعنى سنح: مر بي والعرب تقولها للطير...
و ليفتح افاقا من البوح السردي، ومنها ما يرد بلفظ الاستفهام، وما يحث على فعل، والكثير من افعال الامر الواردة في نهج البلاغة تأخذ طابع النصح والارشاد، كقوله عليه السلام: (فَاتَّقُوا الله عِبَادَ الله وفِرُّوا إِلَى الله مِنَ الله) لتكشف عن موسوعية معرفية، وثمة مبررات لها مساحات بوحية واسعة، وخاصة عند اوامر النهي هناك ما يفيد الاستنكار او التعجب، والملاحظ ان التركيز على افعال الامر سيعطينا الفاعلية على تنامي الانفعال، اي تصاعديته بمرونة مقبولة، وتكرارها يمنحنا قيمة ايحائية دلالية، لها امكانية تفجير لغوي مؤثر، يكسر الرتابة والسكون وبها تعتبر من اهم التكوينات الجمالية المؤثرة، فوردت باشتغالات متعددة، كتنظيرات عسكرية مهمة مثل: (فَقَدِّمُوا الدَّارِعَ وأَخِّرُوا الْحَاسِرَ). وبعضها للنصيحة، كالتي اسداها للخليفة الثاني: (فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ رَجُلاً مِحْرَباً واحْفِزْ مَعَهُ أَهْلَ الْبَلاءِ والنَّصِيحَةِ) ومنها للرفض والتوبيخ، ولاحظنا الارتقاء الفني في مستويات ايقاعية ترتكز على السجعية، وهناك افعال امرية استخدمت في الوصايا والاستبيان والتخيير، وثمة افعال امرية وردت في الاستشهادات القرآنية، كقوله تعالى: (قل تمتعوا فان مصيركم الى النار) وبعض ما وردت في شروحات التقديم مثل: (تأمل، انظر، اعلم).