إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

(دلالات الحيوان في نهج البلاغة)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • (دلالات الحيوان في نهج البلاغة)


    ترتبط قضية الإبداع، بمجمل المؤثرات المترسبة في الوعي الإنساني، وتكون شيئا مهما في الواقع اليومي، إذ تتفاعل مع حياة الناس، وادراكاتهم. وفي ظل هذا الإدراك، تكون الدلالة أسلوبا تعبيريا، يحمله المنجز الفني كآلية من آليات المضمون، كقوله عليه السلام: (وأنار علما لحابس) والحابس: من حبس ناقته، وعقلها حيرة منه، لا يدري كيف يهتدي، فيقف عن السير. وأنار له علما: أي وضع له نارا في رأس جبل ليستنقذه...
    فيرى معظم النقاد؛ إن الاستشهاد بالحيوان، له دلالة تعبيرية قريبة عن فهم المتلقي العام، بما يتناسب واختلاف البنى الفكرية، من أجل خلق تأثير متواصل، يؤهله كمعنى للبقاء المثالي كقوله عليه السلام: (فالصورة صورة إنسان، والقلب قلب حيوان) أو كقوله عليه السلام: (وايْمُ الله لانْصِفَنَّ الْمَظلومَ مِنْ ظَالِمِهِ ولاقودَنَّ الظالِمَ بِخِزَامَتِهِ حَتى أُورِدَهُ مَنْهَلَ الْحَقِّ وإِنْ كَانَ كَارِهاً) والخزامة: حلقة من شعر يجعل في وترة أنف البعير، ليشد فيها الزمام، ويسهل قياده...
    ثمة تراكمات هائلة التفاصيل، تنهل من خصائص كل حيوان وميزته، لموائمة المعنى ـ أي إن تخصص الدلالة، سيوسع من حرفيات المعنى، فالحيوان بشكل عام، لا يعطي مضمونا محددا، مثلما نستشهد بالذئب أو الجمل أو الشاة، ولا يظهر المعنى إلا في السياق الجملي كقوله عليه السلام: (أَمَا والله لقَدْ تَقَمَّصَهَا فلانٌ، وإِنَّهُ ليَعْلمُ أَنَّ مَحَلي مِنْهَا مَحَلُّ القُطبِ مِنَ الرَّحَى، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيلُ ولا يَرْقَى إِلَيَّ الطيْرُ) يتمثل بسمو القدر وقربه عن مهبط الوحي، وما يصل الآخرين لابد أن يتدفق من حوضه ثم ينحدر عن مقامه العالي، الذي لا يرقى إليه الطير وهي دلالة على الرفعة أو قوله عليه السلام: (فَمَا رَاعَنِي إلا والنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَيَّ) دلالة على الكثرة أو قوله: (فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ فِي مِثْلِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ لا يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ) دلالة على الضعف. أو قوله عليه السلام: (تجده كالثور عاقصا قرنه) دلالة على الغطرسة.
    والعمل الفني لا يعني مجرد تجميع هذه الخصائص، بل يسعى أحيانا لخلق مغايرات بنيوية قادرة على إعطاء المضمون المدرك كقوله عليه السلام: (الْمَرْأَةُ عَقْرَبٌ حُلْوَةُ اللَّسْبَةِ) اللسبة تعني: المعشر. وقيلت للدلالة على الغدر، لان المعلوم إن العقرب ليس حلو المعشر، بل يعني المرأة، ليعرف السمة الغير مأمونة... وتساهم خصائص الحيوان وصفاته في توليد الدلالة، تماثل حي واعي... ويشكل هذا التماثل بعداً جماليا، لكونه يحول المعنى إلى نسق تعبيري، يستند إلى التأثير الدال الذي تمثله الدلالة كمكون اشاري (إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ ومُعْتَلَفِهِ وقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ الله خِضْمَةَ الإِبِلِ نِبْتَةَ الرَّبِيعِ) نافجا حضنيه: رافعا لهما، والحضن مابين الإبط، ويقال للمتكبر والمتخوم، والنثيل: الروث، والمعتلف: موضع العلف، والخضم: على ما في القاموس الأكل أو بأقسى الأضراس، أو ملء الفم بالمأكول أو خاص بالشيء الرطب... والقضم: الأكل بأطراف الأسنان أخف من الخضم... ومثل هذا الطرح يغير نمطية المباشرة، إذ تختفي الحقيقة خلف مظهر اللغة، حسب مواصفات الكيفية التي يعني بها ويدل بواسطتها، كقوله عليه السلام:
    (وأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ عَلَى شَرِّ دِينٍ وفِي شَرِّ دَارٍ مُنِيخُونَ بَيْنَ حِجَارَةٍ خُشْنٍ وحَيَّاتٍ صُمٍّ تَشْرَبُونَ الْكَدِرَ وتَأْكُلُونَ الْجَشِبَ وتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وتَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ)
    ووصف الحيات بالصم، لأنها أخبثها إذ لا تنزجر، وارض العرب والجزيرة خشنة، تكثر فيها الأفاعي والحيات، فأبدلهم الله منها الريف، ولين المهاد، والجشب هنا: الخشن من الطعام... فاللغة في المضمار الاستدلالي تنتظم في تنوعات مختلفة، ومعايير مختلفة، حسب مواضيعها، كقوله عليه السلام: (ولالْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ) ما تنثره من انفها، ويقال النطفة أيضا. الاستدلال بالحيوان كان متداولا لتعريف الزمان والمكان والحدث، ( كعام الفيل، وجبل السنام، وحرب الجمل) لكن ثمة خصوصية فكرية، كونها تنحى المنحى الرؤيوي في نهج البلاغة كقوله عليه السلام: (تَرْكَبُ أُوْلاهُمْ أُخْرَاهُمْ كَالإِبِلِ الْهِيمِ الْمَطْرُودَةِ تُرْمَى عَنْ حِيَاضِهَا وتُذَادُ عَنْ مَوَارِدِهَا) والهيم: العطاشى من الإبل، أو قوله (ع): (وحَتَّى تَدْعَقَ الْخُيُولُ فِي نَوَاحِرِ أَرْضِهِمْ) دعق: منع وطئه وطئا شديدا، ودعق: بث، والدعق: هنا الدق أي تدق الخيول بحوافرها أرضهم... ومثل هذه الاستقراءات تحفز على معرفة الواقع المعاش، بكل نزعاته وميوله ومخاوفه وناسه. ومثل هذه الدلالات يكون لها نبضها الفكري والحياتي، ومديات الرؤيا عبر هذا التماثل تشكل أدق أحاسيس التجسيد الواعي، الذي يذهب بموازاة الموعظة الغير مباشرة، كقوله:
    (إن الشاذ من الغنم للذئب) وهذا في حقيقته وعظ إرشادي، يشجع الوحدة، وينهي عن الفرقة أو نجد قوله عليه السلام: (ويَعْتَقِبُونَ الْخَيْلَ الْعِتَاقَ) أي: يحتبسون كرائم الخيل، ويمنعونها غيرهم، ويحث على نبذ الجشع، فنجد أن المكونات الجزئية لدلالة الحيوان، تحتاج إلى فهم خصائص الحياة (كريم المضمار، رفيع الغاية، جامع الحلبة، منافس السبقة) أي إذا سوبق سبق، والحلبة خيل تجمع للنصرة، السبقة جزاء السابقين... والغاية المنشودة من هذه الاستدلالات، هي قيمة المعالجة، أي القصد المؤثث، ولهذا تكون جامحة وفنية، تحتويها أفكار ناضجة، استقاها المبدع من عموميات الحياة المعاشة...​
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X