إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حوارات المبدعين.. الشاعر محمد طاهر الصفار:

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حوارات المبدعين.. الشاعر محمد طاهر الصفار:


    القسم الثاني
    حاوره: علي حسين الخباز
    هل تسميه تمكنا حين يشتغل شاعر على جمع الضرائر حسب تعبير الدكتور علي حسين يوسف (عمودي، حر، نثر) أم تسميه انتقاءات أسلوبية لكل مضمون وموضوع، أم هناك غايات أخرى، ومن حق الشاعر أن يستعرض امكانياته؟
    الشاعر محمد طاهر الصفار:ـ إنه ليس استعراضاً بقدر ما هو عمق التجربة لدى الشاعر.. وقبل الشروع في الجواب لا بد من أن نوضح، إننا لن نخوض في موضوع الصراع الطويل بين تياري القديم والجديد أو الكلاسيكي والحداثة كما يسميها النقاد، فهو موضوع امتد على طول مساحة الشعر، وتبارى أنصار كلا الاتجاهين في ترجيح كفة تياره، وما زالوا يخوضون في بحر متلاطم الأمواج مضبب السواحل.
    بل ما نريده هنا هو ما تواجهه الحركة الشعرية الجديدة من تساؤلات حول ظاهرة بارزة أصبحت سمة ملازمة لقصيدة النثر وهي (الغموض)، ولماذا أصبحت هذه السمة عادة يتبعها شعراء النثر؟ وما السبب في ذلك؟ وما علاقتها باللغة والحداثة والثقافة؟ وهل هي أحد مصادر القوة الفوضوية المدمرة التي وصفتها (سوزان بيرنار) حينما قالت في كتابها قصيدة النثر: (مما لاشك فيه أنه يوجد في قصيدة النثر في آن واحد قوة فوضوية مدمرة تميل إلى رفض الأشكال الموجودة)!
    مما لاشك فيه أن اللغة الشعرية يجب أن تحتوي على نسبة من الغموض أو الرمزية؛ لكي تتميز عن لغة النثر، وحتى تكون الاستجابة من قبل القارئ أكثر إثارة وتشويقاً وهو غموض نسبي إيجابي وصفه عبد القاهر الجرجاني بأن: (موقعه من النفس أجلّ وألطف وكانت به أضنّ وأشغف)، فهذا الغموض هو الذي يكتشف عن الفكرة من خلال المعاني أكثر رسوخاً في النفس.
    وقد أشار الجرجاني إلى هذه المعاني بقوله: (فأنك تعلم على كل حال أن هذا الضرب من المعاني كاللؤلؤ في الصدف لا يبرز لك إلاّ أن تكشفه عنه، وكالعزيز المحتجب لا يريك وجهه حتى تستأذن عليه.. ثم ما كل فكر يهتدي إلى وجه الكشف عما اشتمل عليه، ولا كل خاطر يؤذن له في الوصول إليه).
    وهذا الوعي الدقيق لعميلة الإبداع الفني هو الأساس الذي ينطلق منه كل متحدث حول مفهوم الغموض في الشعر وملازمته للإبداع الأصيل. ولكننا نجد هذا الموقف الجمالي مختلفاً تماماً في قصيدة النثر الحديثة، حيث نُسف هذا المفهوم للغموض ليتحول إلى كتلة فوضوية وطاقة عشوائية توغلت في الحركة الشعرية، وهيمنت على مفاهيمه وخصائصه..!
    فهذه الكتلة أو الطاقة انحرفت عن المسار التجديدي الطبيعي للشعر والنسق المتبع للتجديد في الشعر عبر العصور، فهو نسق واضح المعالم محدد القسمات، ولم يكن الشاعر يتجاوزه إلا نادراً جداً، وليس بهذه الفوضوية، ولم يصل إلى هذا التوتر المفتعل والغموض المصطنع.
    إن كثيراً من الشعراء الجدد يبررون هذا الغموض بأنه مناسب للعصر على ضوء التطور التقني والتكنولوجي، ولو رجعنا إلى جذور قصيدة النثر العربية نجد أن نشأتها تختلف تماماً عما يكتب الآن، فقد انصب جهد الشعر الفرنسي في القرن الثامن عشر ولظروف سياسية واجتماعية على كسر القواعد الكلاسيكية للشعر، فظهرت الحركة الرومانتيكية، والتي كان من أقطابها بودلير ولوتر يامون ورامبو.. وقد بُنيت هذه الحركة على أنقاض شعر (الحانات) الحقيرة المنحطة والشعر العامي المحدد والذاتي الذي كان طاغياً في ذلك الوقت.
    ويستطيع الإنسان أن يتبين مدى التناقض العميق والاختلاف بالمواقف الفكرية بين كتابة قصيدة النثر الفرنسية وقصيدة النثر العربية الحقيقية، وما يكتبه أغلب الشعراء الآن من نصوص نثرية حذت حذو المدرسة الفرنسية التي قامت على تحطيم الأسس الجمالية للشعر، فقاموا بمحو الإرث الشعري العربي بعد أن عجز شعراؤها عن مسايرة التجديد من خلالها لقصور ثقافتهم، وضعف أدواتهم الفنية.
    فالتجديد في قصيدة النثر ينبع من عمق التراث وليس بالتقليد الأعمى، وإذا كان الشاعر ملمّاً بأدواته، ولديه خزين ثقافي ومعرفي، فإنه يستطيع التجول في هذه العوالم الثلاث: (العمودي، والتفعيلة، والنثر).
    - التراكيب الجملية والازاحات الجمالية تشكل قيمة مهمة من أسلوبية التصوير الشعري، هل تلك الصياغات تتبناها عفوية شاعر ام خبرته في رسم ملامح تجربته؟ أو لنسأل كيف تتنامى الاجادة الاستعارية بهذا الشكل المبدع؟
    كل شاعر يستلهم فنه من معطيات البيئة وصورها، فهي معكوسة في عدسة ذاته الإنسانية، يخصبها بأجوائه واتجاهاته، وهو حريص في انتقاء ما يلائمه منها للتعبير الجميل، فحينما تنبري فكرة إنشاء قصيدة في فكره، فإنه ينتزع من واقعه الاجتماعي طينة إرثه ليمزجها بخميرة عبقريته، فيجسد بها موهبته، فمادته الجمالية تتجسم داخل إطاره الإجتماعي الذي اكتنفه وتآلف معه وتماهى فيه، فهي مصدره ومادته إلى معطيات الشعر.
    فالشاعر مرتبط حتماً بأجواء مجتمعه، وهو بجوهره وحدوده وأبعاده وإمكانياته إنسان اختزن تجارب ذاتية كونت شخصيته بين بيئته ومجتمعه، وهو لا ينفك عنها وهو أكثر التصاقاً بها من غيره.. فبيئة الشاعر جزء من تجربته ولا مفر له من الاستجابة لاتجاهات العصر الذي يحتويه، فماهية الإبداع بمعناه العام يمكن تحديدها على أبسط التعاريف بـ(القدرات التي تكون مميزة للأشخاص المبدعين)، وهي (رسالة موجهة من الأنا المبدع إلى الآخر المتلقي)، بقصد التوصل إلى ما يمكن أن نطلق عليه حالة الـ(نحن) أي توحيد الأنا، والآخر في حالة نفسية واحدة تجمع بينهما وتزيل ما بينهما من فوارق واختلافات في وجهات النظر والآراء والانفعالات.
    وبما أن الموروث يمثل مصدراً من مصادر ثقافة الشاعر، وركناً مهماً في نظرية المعرفة التي تدخل ضمن التكوين الإبداعي وتنمية القدرات الشعرية للشاعر، فقد أولى الناقد الكبير ابن طباطبا العلوي أهمية كبيرة لخزين الشاعر وطريقة تعامله مع الموروث وأشار إلى تجربة الشاعر ومدى قدرته على الخلق بالقول: (أن يديم النظر في الأشعار التي قد اختزنها لتلتصق معانيها بفهمه، وترسخ أصولها في قلبه).
    ولا يعني ابن طباطبا أن يتكئ الشاعر على الموروث، ويرتكز عليه بل لتنمية قدراته ويضرب مثلاً لذلك عن أحدهم قوله: (حفَّظني أبي ألف خطبة ثم قال لي: تناسها، فتناسيتها، فلم أُرد بعدُ شيئاً من الكلام إلاّ سهل عليّ، فكان حفظه لتلك الخطب رياضة لفهمه، وتهذيباً لطبعه وتلقيماً لذهنه، ومادّة لفصاحته، وسبباً لبلاغته ولسنه وخطابته).
    هذا الرأي الذي طرحه ابن طباطبا والمثل الذي ضربه، هو أصح الآراء وأبرز النتائج في التعامل مع الموروث، فهو يدعو الشعراء إلى الابتكار واستحداث الصور الشعرية، ولا يسيغ للشاعر أن يكون كَلّاً على الشعراء الذين سبقوه يقتات على معانيهم ليغذي بها شعره.
    كما حذر الشعراء من إخراجهم المعنى إلى وزن آخر غير الذي قيل فيه سابقاً؛ لكي يوهم المتلقي أن هذا المعنى من ابتكاره، ومن هنا يتم التفريق بين الشاعر الأصيل والشاعر العقيم؛ لأن علاقة الألفاظ ستظل كما هي عند الشاعر العقيم.
    ولكن القطيعة لن تكون كاملة عند ابن طباطبا بين الشاعر والموروث، إذ لا يحرم على الشاعر أن يأخذ معنى سبق به على شريطة أن يبرزه في أحسن مما قيل فيه سابقاً.. وهنا تأتي مقدرة الشاعر في صياغة المعنى.
    - الباحث الشاعر أم الشاعر الباحث محمد طاهر الصفار؟
    الشاعر الصفار:ـ نستطيع القول: إن أحدهما مكمل للآخر، فلا يمكن للشاعر أن يكون الشاعر شاعراً متمكناً ما لم يهضم تراثه وجذوره، لقد شغفت بالتأريخ الإسلامي إلى درجة الوله، وهو الذي قادني إلى الشعر، فالتراث هو شخصية الأمة ووجودها التاريخي، وهو الماضي الحي الذي يعّد مصدراً من مصادر المعرفة على الأصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
    وفي استقرائنا لتاريخ الأدب العربي، نجد أن الشاعر في كل العصور قد استفاد من موروثه (تضميناً) و(استلهاماً) و(تشبيهاً) فضلاً عن فوائد أخرى تُعنى بأغراض الشعر وأجزاء القصيدة واللغة والأسلوب والموسيقى وغيرها حتى وصلت العلاقة بين الشاعر والتراث إلى الحد الذي نستطيع أن نقول: إن التراث قد أصبح جزءاً من تجربة الشاعر وركناً أساساً في ثوابته الفكرية والإبداعية، والشاعر عندما يصل إلى هذا المستوى في هضمه للتراث وتمكنه منه يكون على جانب كبير من الوعي لإدراك الحقيقة ومن الحس للشعور بها وامتلاكها.
    - القراة الالكترونية ام العشق الاولي الكتاب؟
    الشاعر الصفار:ـ رغم التقدم التكنولوجي والتقني الذي وصل إليه العالم وظهور الستلايت والكومبيوتر والانترنت، إلاّ أن الكتاب بقي محافظاً على مكانته المتميزة عند روّاده، فهو الطريق إلى المعرفة وهو الطريق إلى اكتشاف الذات وإبراز خصائصها الكامنة، وللكتاب الفضل في الإكتشافات والإختراعات، وما وصل إليه الإنسان من تقدّم ورُقي في جميع مجالات الحياة.
    وعلاقة الإنسان بالكتاب علاقة صميمية تمتد إلى جذور بعيدة، وقد وصلت هذه العلاقة إلى مرحلة العشق في فترات مظلمة كان طلب العلم فيها يعدّ جرماً ما بعده جرم، فكان الكتاب مشعلاً يضيء درب طلاب العلم والحقيقة في أحلك العصور.
    ولا يزال الكتاب يستحوذ على قلوب الكثير من العشاق حتى يومنا هذا؛ لأنه الوحيد الذي يستطيع إشباع نهم طالب العلم في شتى المجالات، وتكوين أفق لديه أكبر من الشاشات الصغيرة للتلفاز.. وكأن المتنبي قد عايش كل العصور حتى عصرنا هذا حينما قال: (وخير جليس في الزمان كتاب).
    - مفهوم الحرية السائبة في الفن أم تقويم مفهوم الحرية؟
    ليس هناك حرية سائبة، فهما كلمتان متضادتان الحرية تعني احترام القانون الذي يستمد مقوماته من روح الإسلام، لتصبها في إطار المجتمع التمدني الذي يسعى إلى الارتقاء على أسس من النظام العادل الواعي.
    - مميزات الاعلام المسؤول؟
    الشاعر محمد طاهر الصفار:ـ الإعلام مسؤولية خطيرة، وهي أمانة بيد من أؤتمن عليها، فيجب عليه أن يؤديها، وهي تدخل ضمن شروط الآية الكريمة: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا).
    كما نستشف ذلك من قول الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير هذه الآية: (إن هذه الآية الشريفة, في كل من أؤتمن أمانة من الأمانات, وأمانات الله أوامره ونواهيه, وأمانات عباده فيما يأتمن بعضهم بعضاً من المال وغيره).
    فليتحقق الإعلامي من طرحه، وليتحرَّ عن الصدق والحق ولا تغرّه الأضاليل الإعلامية التي طالما مارست التحريف والتزييف، وطالما سعت إلى إسكات أصوات الحق في سبيل تحقيق مآربها السياسية ومصالحها الدنيوية.
    مانشيتات
    • بيئة الشاعر جزء من تجربته ولا مفر له من الاستجابة لاتجاهات العصر الذي يحتويه.
    • إن التراث جزء من تجربة الشاعر، وركن أساسي في ثوابته الفكرية والإبداعية.
    حوارات المبدعين..
    الشاعر محمد طاهر الصفار: (اللغة الشعرية يجب أن تحتوي على نسبة من الغموض أو الرمزية؛ لكي تتميز عن لغة النثر)
    القسم الثاني
    حاوره: علي حسين الخباز
    هل تسميه تمكنا حين يشتغل شاعر على جمع الضرائر حسب تعبير الدكتور علي حسين يوسف (عمودي، حر، نثر) أم تسميه انتقاءات أسلوبية لكل مضمون وموضوع، أم هناك غايات أخرى، ومن حق الشاعر أن يستعرض امكانياته؟
    الشاعر محمد طاهر الصفار:ـ إنه ليس استعراضاً بقدر ما هو عمق التجربة لدى الشاعر.. وقبل الشروع في الجواب لا بد من أن نوضح، إننا لن نخوض في موضوع الصراع الطويل بين تياري القديم والجديد أو الكلاسيكي والحداثة كما يسميها النقاد، فهو موضوع امتد على طول مساحة الشعر، وتبارى أنصار كلا الاتجاهين في ترجيح كفة تياره، وما زالوا يخوضون في بحر متلاطم الأمواج مضبب السواحل.
    بل ما نريده هنا هو ما تواجهه الحركة الشعرية الجديدة من تساؤلات حول ظاهرة بارزة أصبحت سمة ملازمة لقصيدة النثر وهي (الغموض)، ولماذا أصبحت هذه السمة عادة يتبعها شعراء النثر؟ وما السبب في ذلك؟ وما علاقتها باللغة والحداثة والثقافة؟ وهل هي أحد مصادر القوة الفوضوية المدمرة التي وصفتها (سوزان بيرنار) حينما قالت في كتابها قصيدة النثر: (مما لاشك فيه أنه يوجد في قصيدة النثر في آن واحد قوة فوضوية مدمرة تميل إلى رفض الأشكال الموجودة)!
    مما لاشك فيه أن اللغة الشعرية يجب أن تحتوي على نسبة من الغموض أو الرمزية؛ لكي تتميز عن لغة النثر، وحتى تكون الاستجابة من قبل القارئ أكثر إثارة وتشويقاً وهو غموض نسبي إيجابي وصفه عبد القاهر الجرجاني بأن: (موقعه من النفس أجلّ وألطف وكانت به أضنّ وأشغف)، فهذا الغموض هو الذي يكتشف عن الفكرة من خلال المعاني أكثر رسوخاً في النفس.
    وقد أشار الجرجاني إلى هذه المعاني بقوله: (فأنك تعلم على كل حال أن هذا الضرب من المعاني كاللؤلؤ في الصدف لا يبرز لك إلاّ أن تكشفه عنه، وكالعزيز المحتجب لا يريك وجهه حتى تستأذن عليه.. ثم ما كل فكر يهتدي إلى وجه الكشف عما اشتمل عليه، ولا كل خاطر يؤذن له في الوصول إليه).
    وهذا الوعي الدقيق لعميلة الإبداع الفني هو الأساس الذي ينطلق منه كل متحدث حول مفهوم الغموض في الشعر وملازمته للإبداع الأصيل. ولكننا نجد هذا الموقف الجمالي مختلفاً تماماً في قصيدة النثر الحديثة، حيث نُسف هذا المفهوم للغموض ليتحول إلى كتلة فوضوية وطاقة عشوائية توغلت في الحركة الشعرية، وهيمنت على مفاهيمه وخصائصه..!
    فهذه الكتلة أو الطاقة انحرفت عن المسار التجديدي الطبيعي للشعر والنسق المتبع للتجديد في الشعر عبر العصور، فهو نسق واضح المعالم محدد القسمات، ولم يكن الشاعر يتجاوزه إلا نادراً جداً، وليس بهذه الفوضوية، ولم يصل إلى هذا التوتر المفتعل والغموض المصطنع.
    إن كثيراً من الشعراء الجدد يبررون هذا الغموض بأنه مناسب للعصر على ضوء التطور التقني والتكنولوجي، ولو رجعنا إلى جذور قصيدة النثر العربية نجد أن نشأتها تختلف تماماً عما يكتب الآن، فقد انصب جهد الشعر الفرنسي في القرن الثامن عشر ولظروف سياسية واجتماعية على كسر القواعد الكلاسيكية للشعر، فظهرت الحركة الرومانتيكية، والتي كان من أقطابها بودلير ولوتر يامون ورامبو.. وقد بُنيت هذه الحركة على أنقاض شعر (الحانات) الحقيرة المنحطة والشعر العامي المحدد والذاتي الذي كان طاغياً في ذلك الوقت.
    ويستطيع الإنسان أن يتبين مدى التناقض العميق والاختلاف بالمواقف الفكرية بين كتابة قصيدة النثر الفرنسية وقصيدة النثر العربية الحقيقية، وما يكتبه أغلب الشعراء الآن من نصوص نثرية حذت حذو المدرسة الفرنسية التي قامت على تحطيم الأسس الجمالية للشعر، فقاموا بمحو الإرث الشعري العربي بعد أن عجز شعراؤها عن مسايرة التجديد من خلالها لقصور ثقافتهم، وضعف أدواتهم الفنية.
    فالتجديد في قصيدة النثر ينبع من عمق التراث وليس بالتقليد الأعمى، وإذا كان الشاعر ملمّاً بأدواته، ولديه خزين ثقافي ومعرفي، فإنه يستطيع التجول في هذه العوالم الثلاث: (العمودي، والتفعيلة، والنثر).
    - التراكيب الجملية والازاحات الجمالية تشكل قيمة مهمة من أسلوبية التصوير الشعري، هل تلك الصياغات تتبناها عفوية شاعر ام خبرته في رسم ملامح تجربته؟ أو لنسأل كيف تتنامى الاجادة الاستعارية بهذا الشكل المبدع؟
    كل شاعر يستلهم فنه من معطيات البيئة وصورها، فهي معكوسة في عدسة ذاته الإنسانية، يخصبها بأجوائه واتجاهاته، وهو حريص في انتقاء ما يلائمه منها للتعبير الجميل، فحينما تنبري فكرة إنشاء قصيدة في فكره، فإنه ينتزع من واقعه الاجتماعي طينة إرثه ليمزجها بخميرة عبقريته، فيجسد بها موهبته، فمادته الجمالية تتجسم داخل إطاره الإجتماعي الذي اكتنفه وتآلف معه وتماهى فيه، فهي مصدره ومادته إلى معطيات الشعر.
    فالشاعر مرتبط حتماً بأجواء مجتمعه، وهو بجوهره وحدوده وأبعاده وإمكانياته إنسان اختزن تجارب ذاتية كونت شخصيته بين بيئته ومجتمعه، وهو لا ينفك عنها وهو أكثر التصاقاً بها من غيره.. فبيئة الشاعر جزء من تجربته ولا مفر له من الاستجابة لاتجاهات العصر الذي يحتويه، فماهية الإبداع بمعناه العام يمكن تحديدها على أبسط التعاريف بـ(القدرات التي تكون مميزة للأشخاص المبدعين)، وهي (رسالة موجهة من الأنا المبدع إلى الآخر المتلقي)، بقصد التوصل إلى ما يمكن أن نطلق عليه حالة الـ(نحن) أي توحيد الأنا، والآخر في حالة نفسية واحدة تجمع بينهما وتزيل ما بينهما من فوارق واختلافات في وجهات النظر والآراء والانفعالات.
    وبما أن الموروث يمثل مصدراً من مصادر ثقافة الشاعر، وركناً مهماً في نظرية المعرفة التي تدخل ضمن التكوين الإبداعي وتنمية القدرات الشعرية للشاعر، فقد أولى الناقد الكبير ابن طباطبا العلوي أهمية كبيرة لخزين الشاعر وطريقة تعامله مع الموروث وأشار إلى تجربة الشاعر ومدى قدرته على الخلق بالقول: (أن يديم النظر في الأشعار التي قد اختزنها لتلتصق معانيها بفهمه، وترسخ أصولها في قلبه).
    ولا يعني ابن طباطبا أن يتكئ الشاعر على الموروث، ويرتكز عليه بل لتنمية قدراته ويضرب مثلاً لذلك عن أحدهم قوله: (حفَّظني أبي ألف خطبة ثم قال لي: تناسها، فتناسيتها، فلم أُرد بعدُ شيئاً من الكلام إلاّ سهل عليّ، فكان حفظه لتلك الخطب رياضة لفهمه، وتهذيباً لطبعه وتلقيماً لذهنه، ومادّة لفصاحته، وسبباً لبلاغته ولسنه وخطابته).
    هذا الرأي الذي طرحه ابن طباطبا والمثل الذي ضربه، هو أصح الآراء وأبرز النتائج في التعامل مع الموروث، فهو يدعو الشعراء إلى الابتكار واستحداث الصور الشعرية، ولا يسيغ للشاعر أن يكون كَلّاً على الشعراء الذين سبقوه يقتات على معانيهم ليغذي بها شعره.
    كما حذر الشعراء من إخراجهم المعنى إلى وزن آخر غير الذي قيل فيه سابقاً؛ لكي يوهم المتلقي أن هذا المعنى من ابتكاره، ومن هنا يتم التفريق بين الشاعر الأصيل والشاعر العقيم؛ لأن علاقة الألفاظ ستظل كما هي عند الشاعر العقيم.
    ولكن القطيعة لن تكون كاملة عند ابن طباطبا بين الشاعر والموروث، إذ لا يحرم على الشاعر أن يأخذ معنى سبق به على شريطة أن يبرزه في أحسن مما قيل فيه سابقاً.. وهنا تأتي مقدرة الشاعر في صياغة المعنى.
    - الباحث الشاعر أم الشاعر الباحث محمد طاهر الصفار؟
    الشاعر الصفار:ـ نستطيع القول: إن أحدهما مكمل للآخر، فلا يمكن للشاعر أن يكون الشاعر شاعراً متمكناً ما لم يهضم تراثه وجذوره، لقد شغفت بالتأريخ الإسلامي إلى درجة الوله، وهو الذي قادني إلى الشعر، فالتراث هو شخصية الأمة ووجودها التاريخي، وهو الماضي الحي الذي يعّد مصدراً من مصادر المعرفة على الأصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
    وفي استقرائنا لتاريخ الأدب العربي، نجد أن الشاعر في كل العصور قد استفاد من موروثه (تضميناً) و(استلهاماً) و(تشبيهاً) فضلاً عن فوائد أخرى تُعنى بأغراض الشعر وأجزاء القصيدة واللغة والأسلوب والموسيقى وغيرها حتى وصلت العلاقة بين الشاعر والتراث إلى الحد الذي نستطيع أن نقول: إن التراث قد أصبح جزءاً من تجربة الشاعر وركناً أساساً في ثوابته الفكرية والإبداعية، والشاعر عندما يصل إلى هذا المستوى في هضمه للتراث وتمكنه منه يكون على جانب كبير من الوعي لإدراك الحقيقة ومن الحس للشعور بها وامتلاكها.
    - القراة الالكترونية ام العشق الاولي الكتاب؟
    الشاعر الصفار:ـ رغم التقدم التكنولوجي والتقني الذي وصل إليه العالم وظهور الستلايت والكومبيوتر والانترنت، إلاّ أن الكتاب بقي محافظاً على مكانته المتميزة عند روّاده، فهو الطريق إلى المعرفة وهو الطريق إلى اكتشاف الذات وإبراز خصائصها الكامنة، وللكتاب الفضل في الإكتشافات والإختراعات، وما وصل إليه الإنسان من تقدّم ورُقي في جميع مجالات الحياة.
    وعلاقة الإنسان بالكتاب علاقة صميمية تمتد إلى جذور بعيدة، وقد وصلت هذه العلاقة إلى مرحلة العشق في فترات مظلمة كان طلب العلم فيها يعدّ جرماً ما بعده جرم، فكان الكتاب مشعلاً يضيء درب طلاب العلم والحقيقة في أحلك العصور.
    ولا يزال الكتاب يستحوذ على قلوب الكثير من العشاق حتى يومنا هذا؛ لأنه الوحيد الذي يستطيع إشباع نهم طالب العلم في شتى المجالات، وتكوين أفق لديه أكبر من الشاشات الصغيرة للتلفاز.. وكأن المتنبي قد عايش كل العصور حتى عصرنا هذا حينما قال: (وخير جليس في الزمان كتاب).
    - مفهوم الحرية السائبة في الفن أم تقويم مفهوم الحرية؟
    ليس هناك حرية سائبة، فهما كلمتان متضادتان الحرية تعني احترام القانون الذي يستمد مقوماته من روح الإسلام، لتصبها في إطار المجتمع التمدني الذي يسعى إلى الارتقاء على أسس من النظام العادل الواعي.
    - مميزات الاعلام المسؤول؟
    الشاعر محمد طاهر الصفار:ـ الإعلام مسؤولية خطيرة، وهي أمانة بيد من أؤتمن عليها، فيجب عليه أن يؤديها، وهي تدخل ضمن شروط الآية الكريمة: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا).
    كما نستشف ذلك من قول الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير هذه الآية: (إن هذه الآية الشريفة, في كل من أؤتمن أمانة من الأمانات, وأمانات الله أوامره ونواهيه, وأمانات عباده فيما يأتمن بعضهم بعضاً من المال وغيره).
    فليتحقق الإعلامي من طرحه، وليتحرَّ عن الصدق والحق ولا تغرّه الأضاليل الإعلامية التي طالما مارست التحريف والتزييف، وطالما سعت إلى إسكات أصوات الحق في سبيل تحقيق مآربها السياسية ومصالحها الدنيوية.
    مانشيتات
    • بيئة الشاعر جزء من تجربته ولا مفر له من الاستجابة لاتجاهات العصر الذي يحتويه.
    • إن التراث جزء من تجربة الشاعر، وركن أساسي في ثوابته الفكرية والإبداعية.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X