"من حقّ المؤمن على أخيه المؤمن النصيحة".
رسول الله، صلى الله عليه وآله
بما أننا في شهر البناء الذاتي من خلال إعادة النظر في طريقة كلامنا وتعاملنا مع الآخرين، تأتي النصيحة لتقوم بدور خاص ومميز دون سائر الشهور بالمساعدة على كشف مواطن الخلل والثغرات المسببة لنشوء الحالات والطباع السيئة.
من الواضح أن الأخطاء لن تظهر إلا بتشخيص من الخارج -في معظم الاحيان-، على شكل مراقبة أو متابعة في البيت والشارع والمدرسة والدائرة الحكومية، وفي جميع مرافق العمل والحياة، وربما تعتور هذه العملية بعض المنغّصات عندما تصدر من رقيب شديد، او مسؤول حريص على العمل، او حتى داخل الأسرة الصغيرة بأسلوب النَهْر والأمر.
أما النصيحة فأجدها حركة ناعمة تتناغم مع المشاعر، وتحقق المطلوب بتأثيرات جانبية قليلة جداً كونها بالأساس نابعة من أصل ايجابي، كما جاء في اللغة: صَحَ الْجَوُّ: صَفا، ونَصَحَ الشيءُ نَصْحاً، ونُصُوحًا، ونَصَاحةً: خَلَصَ. فالنصيحة تنبع من الخلوص والصفاء مما تنجذب اليه النفس البشرية، ولعل هذا يفسّر لنا مدلول حديث النبي الأكرم بجعلها حقّاً يجب استيفائه بين المؤمنين، وليس فقط عملاً مستحبّاً، ومن لم يُسدِ النصيحة لأخيه المؤمن لم يؤدِ حقاً من حقوقه عليه.
لماذا النصيحة مرفوضة؟!
يدور هذا السؤال في أوساط العلماء والمفكرين ممن يتحملون مسؤولية صياغة الثقافة والأخلاق في المجتمع.
بالرغم من الجانب العقلي الداعم، والحاجة الماسّة على صعيد الواقع العملي، نجد أي فكرة تطرح في وسائل الاعلام، أو حديث جانبي، تُشمّ منه رائحة النصيحة أو الوعظ حتى يثور البعض رافضاً الطرح تماماً مع التلويح على أنه غير ملائم، او ليس موفقاً، مع فقدان الاسباب الحقيقية لرفضه او فشله، في وقت نرى الافكار والمعلومات تترى في وسائل التواصل الاجتماعي، وقبلها في القنوات الفضائية، على شكل اخبار، او مقالات، او برامج، كلها تشكل من حيث لا نشعر، نصائح لتغيير ما لدينا استبداله بأنماط أخرى للتفكير والسلوك، وغالباً ما نلاحظ التفاعل، من الطفل الصغير، ومروراً بالمرأة، وحتى الرجل الكبير بالسن.
وثمة قولٌ آخر عن سبب عدم نجاح النصيحة في الخطاب الثقافي فيما بيننا، في عدم توفر شروط الناصح، بأن يكون البادئ بنصيحة نفسه قبل الآخرين لإعطاء المصداقية لما يقول، وفي هذا وجه حق، فمن غير المنطقي أن تكون النصيحة من طرف واحد، ثم إن القرآن الكريم شجب هذا النمط من النصيحة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}، مع ذلك، فان مبدأ النصيحة تبقى قائمة وماضية لانها تتصل كليةً بالجانب العملي في الحياة، ولا جانب نظري فيها، كما الحكمة التي أوصانا أهل البيت أن نأخذها بغض النظر عن مصدرها.
إن عملية التغيير الداخلي في الانسان، ثم البناء الذاتي ليست بالسهلة كما تؤكده تجارب الأمم والشعوب في التاريخ البعيد، ممن كان افرادها يحملون صفات او حالات معينة يجدوا من المستحيل التخلّي عنها، مهما كانت نتائجها، وقد كشف القرآن الكريم العلّة النفسية بوصف أمثال هؤلاء؛ {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ}، فعندما يكون الاعتزاز والاعتداد بالنفس مطلقاً، فمن الصعب الاعتراف أمام الناس بأنه غير مُتقي، او انه سيتحول الى حالة تقوى الله، كما نتحدث وندعو انفسنا والآخرين في هذا الشهر الفضيل لأن نطبق وصية رسول الله في تحقيق أقصى درجات التقوى.
وكلما زادت شجاعة الانسان في تطويع نفسه أمام الانحرافات والأخطاء كان من السهل عليه الاستفادة من قيمة النصيحة، بل لكان يبحث عنها هو بنفسه من المصادر المتوفرة، وبخلاف ذلك تكون العواقب وخيمة، لان القضية مصيرية عندما تتعلق بطريقة التفكير والتعامل مع الآخرين، داخل الأسرة الصغيرة، والاصدقاء في الدراسة والعمل، فيمكن ان تحول النصيحة شخصاً مائة وثمانين درجة نحو الحق والفضيلة، بالمقابل يمكن ان تدمر حياته بتمسكه بأخطائه.
وقد عالج القرآن الكريم هذه الحالة النفسية عندما وصفها بـ "الهوى" كناية عن السقوط (الهاوية)، فقد جمع كل الرغبات والغرائز والنزعات غير المنضبطة في هذا المصطلح لسهولة المعالجة، فكانت العلّة الأساس في رفض الرسالات الإلهية من الأقوام السابقين: {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ}، فكان الناس على مر التاريخ يريدون سماع ما يتناغم مع رغباتهم وغرائزهم، والأهم من كل هذا؛ أن لا يكلفهم شيئاً من التفكّر والتأمّل للإيمان، والضغط على تلك الرغبات والشهوات، وهو أمرٌ صعب بالمرة، كما هو معروف للجميع، ثم تحمل المسؤولية الاجتماعية.
النصيحة قيمة حضارية
عندما نتحدث عن التغيير والبناء الذاتي في شهر رمضان المبارك من خلال تبادل النصيحة بين الأخوان، فهذا يعني أننا في طريق البناء الحضاري القائم على قيم الحق والفضيلة، فاذا سادت النصيحة في السوق، وتركت بصمتها في الاسعار، وايضاً في طريقة التعامل، واذا سادت بين افراد الأسرة وتحولت الى أزهار يتبادلونها بينهم، بدلاً من التنافر والتنازع، وهكذا في جميع اشكال العلاقات بين الافراد، فمن الطبيعي أن نشهد العمل المثمر والانتاج والابداع الذي يصنعه الصدق الأمانة والحب والمودة.
وإلا كيف يتلمّس الناس تلك الأخلاق التي جعلها أحمد شوقي، روح الأمم؛ "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا"، اذا كانت محجوبة بما يهوى الانسان و ترغب به نفسه، فهو يريد لها الثراء والشهرة والاحترام مهما كان الثمن؟
من شبكة النبا المعلوماتية
رسول الله، صلى الله عليه وآله
بما أننا في شهر البناء الذاتي من خلال إعادة النظر في طريقة كلامنا وتعاملنا مع الآخرين، تأتي النصيحة لتقوم بدور خاص ومميز دون سائر الشهور بالمساعدة على كشف مواطن الخلل والثغرات المسببة لنشوء الحالات والطباع السيئة.
من الواضح أن الأخطاء لن تظهر إلا بتشخيص من الخارج -في معظم الاحيان-، على شكل مراقبة أو متابعة في البيت والشارع والمدرسة والدائرة الحكومية، وفي جميع مرافق العمل والحياة، وربما تعتور هذه العملية بعض المنغّصات عندما تصدر من رقيب شديد، او مسؤول حريص على العمل، او حتى داخل الأسرة الصغيرة بأسلوب النَهْر والأمر.
أما النصيحة فأجدها حركة ناعمة تتناغم مع المشاعر، وتحقق المطلوب بتأثيرات جانبية قليلة جداً كونها بالأساس نابعة من أصل ايجابي، كما جاء في اللغة: صَحَ الْجَوُّ: صَفا، ونَصَحَ الشيءُ نَصْحاً، ونُصُوحًا، ونَصَاحةً: خَلَصَ. فالنصيحة تنبع من الخلوص والصفاء مما تنجذب اليه النفس البشرية، ولعل هذا يفسّر لنا مدلول حديث النبي الأكرم بجعلها حقّاً يجب استيفائه بين المؤمنين، وليس فقط عملاً مستحبّاً، ومن لم يُسدِ النصيحة لأخيه المؤمن لم يؤدِ حقاً من حقوقه عليه.
لماذا النصيحة مرفوضة؟!
يدور هذا السؤال في أوساط العلماء والمفكرين ممن يتحملون مسؤولية صياغة الثقافة والأخلاق في المجتمع.
بالرغم من الجانب العقلي الداعم، والحاجة الماسّة على صعيد الواقع العملي، نجد أي فكرة تطرح في وسائل الاعلام، أو حديث جانبي، تُشمّ منه رائحة النصيحة أو الوعظ حتى يثور البعض رافضاً الطرح تماماً مع التلويح على أنه غير ملائم، او ليس موفقاً، مع فقدان الاسباب الحقيقية لرفضه او فشله، في وقت نرى الافكار والمعلومات تترى في وسائل التواصل الاجتماعي، وقبلها في القنوات الفضائية، على شكل اخبار، او مقالات، او برامج، كلها تشكل من حيث لا نشعر، نصائح لتغيير ما لدينا استبداله بأنماط أخرى للتفكير والسلوك، وغالباً ما نلاحظ التفاعل، من الطفل الصغير، ومروراً بالمرأة، وحتى الرجل الكبير بالسن.
وثمة قولٌ آخر عن سبب عدم نجاح النصيحة في الخطاب الثقافي فيما بيننا، في عدم توفر شروط الناصح، بأن يكون البادئ بنصيحة نفسه قبل الآخرين لإعطاء المصداقية لما يقول، وفي هذا وجه حق، فمن غير المنطقي أن تكون النصيحة من طرف واحد، ثم إن القرآن الكريم شجب هذا النمط من النصيحة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}، مع ذلك، فان مبدأ النصيحة تبقى قائمة وماضية لانها تتصل كليةً بالجانب العملي في الحياة، ولا جانب نظري فيها، كما الحكمة التي أوصانا أهل البيت أن نأخذها بغض النظر عن مصدرها.
إن عملية التغيير الداخلي في الانسان، ثم البناء الذاتي ليست بالسهلة كما تؤكده تجارب الأمم والشعوب في التاريخ البعيد، ممن كان افرادها يحملون صفات او حالات معينة يجدوا من المستحيل التخلّي عنها، مهما كانت نتائجها، وقد كشف القرآن الكريم العلّة النفسية بوصف أمثال هؤلاء؛ {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ}، فعندما يكون الاعتزاز والاعتداد بالنفس مطلقاً، فمن الصعب الاعتراف أمام الناس بأنه غير مُتقي، او انه سيتحول الى حالة تقوى الله، كما نتحدث وندعو انفسنا والآخرين في هذا الشهر الفضيل لأن نطبق وصية رسول الله في تحقيق أقصى درجات التقوى.
وكلما زادت شجاعة الانسان في تطويع نفسه أمام الانحرافات والأخطاء كان من السهل عليه الاستفادة من قيمة النصيحة، بل لكان يبحث عنها هو بنفسه من المصادر المتوفرة، وبخلاف ذلك تكون العواقب وخيمة، لان القضية مصيرية عندما تتعلق بطريقة التفكير والتعامل مع الآخرين، داخل الأسرة الصغيرة، والاصدقاء في الدراسة والعمل، فيمكن ان تحول النصيحة شخصاً مائة وثمانين درجة نحو الحق والفضيلة، بالمقابل يمكن ان تدمر حياته بتمسكه بأخطائه.
وقد عالج القرآن الكريم هذه الحالة النفسية عندما وصفها بـ "الهوى" كناية عن السقوط (الهاوية)، فقد جمع كل الرغبات والغرائز والنزعات غير المنضبطة في هذا المصطلح لسهولة المعالجة، فكانت العلّة الأساس في رفض الرسالات الإلهية من الأقوام السابقين: {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ}، فكان الناس على مر التاريخ يريدون سماع ما يتناغم مع رغباتهم وغرائزهم، والأهم من كل هذا؛ أن لا يكلفهم شيئاً من التفكّر والتأمّل للإيمان، والضغط على تلك الرغبات والشهوات، وهو أمرٌ صعب بالمرة، كما هو معروف للجميع، ثم تحمل المسؤولية الاجتماعية.
النصيحة قيمة حضارية
عندما نتحدث عن التغيير والبناء الذاتي في شهر رمضان المبارك من خلال تبادل النصيحة بين الأخوان، فهذا يعني أننا في طريق البناء الحضاري القائم على قيم الحق والفضيلة، فاذا سادت النصيحة في السوق، وتركت بصمتها في الاسعار، وايضاً في طريقة التعامل، واذا سادت بين افراد الأسرة وتحولت الى أزهار يتبادلونها بينهم، بدلاً من التنافر والتنازع، وهكذا في جميع اشكال العلاقات بين الافراد، فمن الطبيعي أن نشهد العمل المثمر والانتاج والابداع الذي يصنعه الصدق الأمانة والحب والمودة.
وإلا كيف يتلمّس الناس تلك الأخلاق التي جعلها أحمد شوقي، روح الأمم؛ "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا"، اذا كانت محجوبة بما يهوى الانسان و ترغب به نفسه، فهو يريد لها الثراء والشهرة والاحترام مهما كان الثمن؟
من شبكة النبا المعلوماتية