دعاء اليوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك: (اَللَّهُمَّ وَفِّرْ فِيهِ حَظِّي مِنْ بَرَكَاتِهِ وَسَهِّلْ سَبِيلِي إِلَى خَيْرَاتِهِ وَلاَ تَحْرِمْنِي قَبُولَ حَسَنَاتِهِ يَا هَادِياً إِلَى اَلْحَقِّ اَلْمُبِينِ)[١].
تقسيم الأرزاق في ساعات الفجر الأولى
لكل يوم من الأيام بركة ونور، ولكل شهر بركة ونور. وكما أن الله عز وجل يقدر الأقوات في كل يوم بحساب وبكتاب ووفق معادلات لا يعلمها إلا هو؛ فكذلك الأمر في الأرزاق المعنوية، فإن البركات تختلف في كل يوم وتتغير. ولو كشف الغطاء للمؤمن لكان يعيش القلق والوجل بعد صلاة الفجر خوفا من الحرمان من الرزق الذي يقسم في تلك الساعة. فلو أن أحدا يقتات مما يفيضه عليه الملك عند فتح باب القصر في ساعة معينة، وليس له طعام أو مصدر غير ذلك؛ حيث لو حرم من الرزق في تلك الساعة فلن يجده في ساعات أخرى؛ ألا كان من أشد الناس حرصا على الحضور في تلك الساعة والتزود من رزق الملك؟
تؤكد الروايات الشريفة كثيرا على استحباب الاستيقاظ بين الطلوعين. ولقد ورد أنه أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض والسعي لتحصيل المعاش. فالله عز وجل يقسم الأرزاق المادية والمعنوية في هذه الساعة من قبيل: التوفيق والخذلان والصحة والسقم والعزة والذلة وغير ذلك. ولو كشف الغطاء للمؤمن لاشتدت حسرته على ما يفرط كل يوم من بركات الاستيقاظ في هذه الساعات المندوبة.
استثمار الساعات الأولى من النهار
وهنا ينبغي للمؤمن أن يستغل أول النهار في الحصول على أكبر قدر ممكن من البركة في ذلك اليوم. وللاستيقاظ بين الطلوعين أثر في بركات النهار كما أن لصلاة الليل أثر على بركة النهار. وقد ورد في حديث قدسي غريب في مضمونه عن الرضا (عليه السلام): (أَوْحَى اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى نَبِيٍّ مِنَ اَلْأَنْبِيَاءِ إِذَا أُطِعْتُ رَضِيتُ وَإِذَا رَضِيتُ بَارَكْتُ وَلَيْسَ لِبَرَكَتِي نِهَايَةٌ وَإِذَا عُصِيتُ غَضِبْتُ وَإِذَا غَضِبْتُ لَعَنْتُ وَلَعْنَتِي تَبْلُغُ اَلسَّابِعَ مِنَ اَلْوَرَى)[٢].
بيدك الخير..!
إن بعض الناس يعيش حالة الفقر أو الكفاف، ويتحسر على أنه متخلف عن ركب الخيرات؛ والحال أن القرآن الكريم يقول: (بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[٣]، وبإمكان الإنسان أن يستدر هذا الخير بالسؤال. ومن المناسب أن يكثر الإنسان سؤال الرب تعالى في أن يجري الخير على يديه للناس؛ بأي سبيل يقدره ويسهله سبحانه وتعالى. وليس الخير محصور في أن يعطي الإنسان درهماً لوجه الله عزوجل؛ فقد يقوم البعض منا بكلمة واحدة، وبموعظة عابرة بهداية أحدهم وإرشاده؛ وعندها يدخل في ركب من قال الله تعالى عنهم: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)[٤].فكم من الجميل أن يهدي الله عز وجل بك رجلا يصبح من رواد بيوت الله عزوجل، وتؤمن وتتدين أسرته، وإذا بجيل يتغير، وهذا الجيل يفرز جيلا فجيلا؛ حتى يأتي الرجل يوم القيامة، وإذا له كجبل أبي قبيس من الحسنات، فيتعجب من ذلك، ويقول: يا ربي، من أين لي هذا وأنا لم أعمل بما يوجب لي ذلك؟ فيقال: لقد تكلمت كلمة عابرة مع شخص، وقلبت كيانه، وإذا بهذا الإنسان أصبح منشأ لهداية الآلاف إن لم يكن الملايين إلى يوم القيامة.
من أفضل الباقيات الصالحات
أليس هذا خير؟ قد يبني الإنسان مستشفى أو مسجدا، وبعد سنوات يؤول أمره إلى الدمار والهدم؛ ولكن هذه الصدقة – التوفيق لهداية الناس – لا يعلمها إلا الله عزوجل.
-----------------------------------------------------------------------
[١] زاد المعاد، ج 1، ص143.
[٢] الکافي، ج 2، ص 275.
[٣] سورة آل عمران، الآية: 26.
[٤] سورة المائدة، الآية: 32.