اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شُعْبَةَ فِي تُحَفِ اَلْعُقُولِ ، عَنْ مَوَاعِظِ اَلْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: (بِحَقٍّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ صِغَارَ اَلْخَطَايَا وَمُحَقَّرَاتِهَا لَمِنْ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ يُحَقِّرُهَا لَكُمْ وَيُصَغِّرُهَا فِي أَعْيُنِكُمْ فَتَجْتَمِعُ فَتَكْثُرُ فَتُحِيطُ بِكُمْ)[1]
هنا يربط نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام بين ارتكاب الخطايا وبين مكائد الشيطان الرجيم اللعين لأن ديدنه الوسوسة ومحاولة إغراق بني آدم في بحر الذنوب بكل ما أوتي من حيل ووسائل للوصول الى هذا الهدف.
فمنذ لحظة انتماء إبليس اللعين إلى عالم الشياطين، أصبح عدوّاً للإنسان وبدأ يتوعّده بإغوائه عن طاعة الله تعالى من جميع الجهات والأحوال: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾[2].
بل لم يكتفِ إبليس بهذا الوعيد فقط حتّى أنّه أقسم بربّ العزّة على إضلال الناس وغوايتهم، إذ قال: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾
يقول الإمام الصادق عليه السلام: (إنّ الشياطين أكثر على المؤمنين من الزنابير على اللحم)[3].
ولذا فإنّ ربّ العزّة والجلال قد حذّرنا مراراً في محكم كتابه العزيز من وسوسة الشيطان ومكائده، قائلاً: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾[4]، وقائلاً: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينً﴾[5].
بل قد نهانا المولى عزَّ وجلَّ عن اتّباع الشيطان وما يزيّنه لنا من ملذّات الدنيا وشهواتها، لأنّه عدوّنا وباتّباعه وتصديقه سوف يأمرنا بمعصية الله وارتكاب الفحشاء والمنكر: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾[6]، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾[7].
هذا وقد دعانا الله تعالى إلى عبادته وحده فقط، وأن لا نعبد الشيطان: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين﴾[8].
يروي الإمام عليّ عليه السلام: (أنّ رجلاً كان يتعبّد في صومعة، وأنّ امرأة كان لها إخوة فعرض لها شيء فأتوه بها، فزيّنت له نفسه فوقع عليها، فجاءه الشيطان فقال: اقتلها فإنّهم إن ظهروا عليك افتضحت، فقتلها ودفنها، فجاؤوه فأخذوه فذهبوا به، فبينما هم يمشون إذ جاءه الشيطان فقال: إنّي أنا الّذي زيّنت لك فاسجد لي سجدة أُنجيك، فسجد له، فذلك قوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾)[9].
كما أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد نبّهنا على ذلك، عندما قال: (احذروا عدوّاً نفذ في الصدور خفيّاً، ونفث في الآذان نجيّاً)[10].
وكذلك ما نقرؤه في مناجاة الشاكين للإمام زين العابدين عليه السلام: (إلهي أشكو إليك عدوّاً يُضلّني، وشيطاناً يغويني، قد ملأ بالوسواس صدري، وأحاطت هواجسه بقلبي، يُعاضد لي الهوى، ويُزيّن لي حبّ الدنيا، ويحول بيني وبين الطاعة والزلفى)[11].
إلّا أنّه بالرغم من تكرار التحذير الإلهيّ وإرشادات أهل البيت عليهم السلام لنا وتنبيهنا من خطورة عداوة الشيطان، فإنّ الله جلَّ جلاله قال في الكتاب العزيز: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُور﴾[12]، ما يعني أن أكثرنا عرضةٌ للسقوط في مكائد الشيطان الرجيم، ومن ثمّ الانحراف عن الخطّ المستقيم، ونصبح من عداد المغضوب عليهم ومن الّذين قد ضلّوا طريق الحقّ، مع أنّنا ندعو الله سبحانه في صلاتنا اليوميّة لهدايتنا للصراط المستقيم، ونستعين به عزَّ وجلَّ على ذلك: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾[13].
ولكنّ رحمة الله تعالى ولطفه بنا أكبر من مكائد الشيطان، قال تعالى: ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيل﴾[14]، وقال: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾[15].
والمؤمنون المخلصون لله تعالى لا سلطان للشيطان عليهم، كما يقول المولى تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ﴾[16].
إلّا أنّه لا بدَّ أن نخاطب أنفسنا: من هؤلاء الذين يغويهم الشيطان ويتمكّن منهم؟ وكيف يكون له ذلك؟ هل لقوّة مكر الشيطان أم لضعف إيمان الإنسان؟ أم الأمرين معاً؟!
مكائد الشيطان وتسلطه على الإنسان.
إنّ وسوسة الشيطان ومكائده لا تقتصر فقط على المشركين والمنافقين، بل نشاطه الشيطانيّ تجاه المؤمنين بالله تعالى أكثر من غيرهم، حيث بمجرّد أن يجد نقطة ضعف لديهم، فإنّه يستغلّ الفرص، ويأتي بحيل مختلفة، فيُلقي عليهم حبال مكائده ويُسوّل لهم، وما إن يستدرجهم إلى فخّ الإغواء حتّى يُملي عليهم ما يُريده. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ﴾[17]، وقال أيضا: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾[18]، ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورا﴾[19].
ويقول الإمام عليّ عليه السلام: (أُقسم بالله لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إنّ الشيطان إذا حمل قوماً على الفواحش مثل الزنا وشرب الخمر والربا وما أشبه ذلك من الخنى والمأثم، حبّب إليهم العبادة الشديدة والخشوع والركوع والخضوع والسجود، ثمّ حملهم على ولاية الأئمة الذين يدعون إلى النار)[20].
[1] مستدرك الوسائل، ج11 ص350.
[2] سورة الأعراف، الآيتان:16 ـ 17.
[3] بحار الأنوار، ج64، ص239، ح57.
[4] سورة فاطر، الآية:6.
[5] سورة الإسراء، الآية:53. فتح القدير، الشوكاني، ج5، ص278.
[6]سورة البقرة، الآية:208.
[7] سورة النور، الآية:21.
[8]سورة يس، الآية:60.
[9] سورة الحشر، الآية:16.
[10] ميزان الحكمة، الريشهري، ج 2، ص 1451.
[11] الصحيفة السجّاديّة، مناجاة الشاكين.
[12]سورة سبأ، الآية:13.
[13]سورة الفاتحة، الآيات:5 ـ 7.
[14] سورة النساء، الآية:83.
[15] سورة سبأ، الآية:20.
[16] سورة النحل، الآية:100.
[17] سورة محمد، الآية:25.
[18] سورة البقرة، الآية:268.
[19] سورة النساء، الآية:120.
[20] بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج74، ص272.
هنا يربط نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام بين ارتكاب الخطايا وبين مكائد الشيطان الرجيم اللعين لأن ديدنه الوسوسة ومحاولة إغراق بني آدم في بحر الذنوب بكل ما أوتي من حيل ووسائل للوصول الى هذا الهدف.
فمنذ لحظة انتماء إبليس اللعين إلى عالم الشياطين، أصبح عدوّاً للإنسان وبدأ يتوعّده بإغوائه عن طاعة الله تعالى من جميع الجهات والأحوال: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾[2].
بل لم يكتفِ إبليس بهذا الوعيد فقط حتّى أنّه أقسم بربّ العزّة على إضلال الناس وغوايتهم، إذ قال: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾
يقول الإمام الصادق عليه السلام: (إنّ الشياطين أكثر على المؤمنين من الزنابير على اللحم)[3].
ولذا فإنّ ربّ العزّة والجلال قد حذّرنا مراراً في محكم كتابه العزيز من وسوسة الشيطان ومكائده، قائلاً: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾[4]، وقائلاً: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينً﴾[5].
بل قد نهانا المولى عزَّ وجلَّ عن اتّباع الشيطان وما يزيّنه لنا من ملذّات الدنيا وشهواتها، لأنّه عدوّنا وباتّباعه وتصديقه سوف يأمرنا بمعصية الله وارتكاب الفحشاء والمنكر: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾[6]، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾[7].
هذا وقد دعانا الله تعالى إلى عبادته وحده فقط، وأن لا نعبد الشيطان: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين﴾[8].
يروي الإمام عليّ عليه السلام: (أنّ رجلاً كان يتعبّد في صومعة، وأنّ امرأة كان لها إخوة فعرض لها شيء فأتوه بها، فزيّنت له نفسه فوقع عليها، فجاءه الشيطان فقال: اقتلها فإنّهم إن ظهروا عليك افتضحت، فقتلها ودفنها، فجاؤوه فأخذوه فذهبوا به، فبينما هم يمشون إذ جاءه الشيطان فقال: إنّي أنا الّذي زيّنت لك فاسجد لي سجدة أُنجيك، فسجد له، فذلك قوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾)[9].
كما أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد نبّهنا على ذلك، عندما قال: (احذروا عدوّاً نفذ في الصدور خفيّاً، ونفث في الآذان نجيّاً)[10].
وكذلك ما نقرؤه في مناجاة الشاكين للإمام زين العابدين عليه السلام: (إلهي أشكو إليك عدوّاً يُضلّني، وشيطاناً يغويني، قد ملأ بالوسواس صدري، وأحاطت هواجسه بقلبي، يُعاضد لي الهوى، ويُزيّن لي حبّ الدنيا، ويحول بيني وبين الطاعة والزلفى)[11].
إلّا أنّه بالرغم من تكرار التحذير الإلهيّ وإرشادات أهل البيت عليهم السلام لنا وتنبيهنا من خطورة عداوة الشيطان، فإنّ الله جلَّ جلاله قال في الكتاب العزيز: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُور﴾[12]، ما يعني أن أكثرنا عرضةٌ للسقوط في مكائد الشيطان الرجيم، ومن ثمّ الانحراف عن الخطّ المستقيم، ونصبح من عداد المغضوب عليهم ومن الّذين قد ضلّوا طريق الحقّ، مع أنّنا ندعو الله سبحانه في صلاتنا اليوميّة لهدايتنا للصراط المستقيم، ونستعين به عزَّ وجلَّ على ذلك: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾[13].
ولكنّ رحمة الله تعالى ولطفه بنا أكبر من مكائد الشيطان، قال تعالى: ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيل﴾[14]، وقال: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾[15].
والمؤمنون المخلصون لله تعالى لا سلطان للشيطان عليهم، كما يقول المولى تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ﴾[16].
إلّا أنّه لا بدَّ أن نخاطب أنفسنا: من هؤلاء الذين يغويهم الشيطان ويتمكّن منهم؟ وكيف يكون له ذلك؟ هل لقوّة مكر الشيطان أم لضعف إيمان الإنسان؟ أم الأمرين معاً؟!
مكائد الشيطان وتسلطه على الإنسان.
إنّ وسوسة الشيطان ومكائده لا تقتصر فقط على المشركين والمنافقين، بل نشاطه الشيطانيّ تجاه المؤمنين بالله تعالى أكثر من غيرهم، حيث بمجرّد أن يجد نقطة ضعف لديهم، فإنّه يستغلّ الفرص، ويأتي بحيل مختلفة، فيُلقي عليهم حبال مكائده ويُسوّل لهم، وما إن يستدرجهم إلى فخّ الإغواء حتّى يُملي عليهم ما يُريده. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ﴾[17]، وقال أيضا: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾[18]، ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورا﴾[19].
ويقول الإمام عليّ عليه السلام: (أُقسم بالله لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إنّ الشيطان إذا حمل قوماً على الفواحش مثل الزنا وشرب الخمر والربا وما أشبه ذلك من الخنى والمأثم، حبّب إليهم العبادة الشديدة والخشوع والركوع والخضوع والسجود، ثمّ حملهم على ولاية الأئمة الذين يدعون إلى النار)[20].
[1] مستدرك الوسائل، ج11 ص350.
[2] سورة الأعراف، الآيتان:16 ـ 17.
[3] بحار الأنوار، ج64، ص239، ح57.
[4] سورة فاطر، الآية:6.
[5] سورة الإسراء، الآية:53. فتح القدير، الشوكاني، ج5، ص278.
[6]سورة البقرة، الآية:208.
[7] سورة النور، الآية:21.
[8]سورة يس، الآية:60.
[9] سورة الحشر، الآية:16.
[10] ميزان الحكمة، الريشهري، ج 2، ص 1451.
[11] الصحيفة السجّاديّة، مناجاة الشاكين.
[12]سورة سبأ، الآية:13.
[13]سورة الفاتحة، الآيات:5 ـ 7.
[14] سورة النساء، الآية:83.
[15] سورة سبأ، الآية:20.
[16] سورة النحل، الآية:100.
[17] سورة محمد، الآية:25.
[18] سورة البقرة، الآية:268.
[19] سورة النساء، الآية:120.
[20] بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج74، ص272.