كما يزدحم جدول المسلم بالأعمال العبادية الفردية بحيث لا يكاد تستوعبه ساعات الليل والنهار - لمن أراد - .. كذلك يزدحم جدول المجتمع المسلم بالمناسبات العامّة على مدار السنة .. مما يُغني عن افتعال مناسبات أخرى كما هو المشاهد عند كثير من الدول والشعوب والتي تحاول أن ترتجل لها مناسبات وطنية او شعبية معينة .. لما لهذه المناسبات من انعكاسات ايجابية على الفرد والمجتمع ، ففيها ترويح للجانب الروحي والنفسي ، وكذلك تساهم في تقوية العلاقات الاجتماعية وتعميق الولاءات الوطنية والقومية .. الخ
إلا أن الشعوب الإسلامية لم تكتف بمناسباتها حتى استعارت واستنسخت الكثير من الأيّام والأعياد لتتشارك بها مع شعوب العالم .. وهذا بحدّ ذاته مقبولاً ما لم يتقاطع مع ثابت أو متغير شرعي ..
عن أنس بن مالك قال : قدم رسولُ الله صلى الله عليه - وآله - وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما ، فقال : ( قد أبدلكم الله بهما خيرًا منهما : يوم الأضحى ويوم الفطر ) .
وقد نتحدّث كثيراً عن نظريات السلم المجتمعي وإشاعة روح التسامح والألفة والمحبة والتكافل بين أفراد المجتمع الواحد ، وقد توضع لذلك المؤسسات والبرامج الخاصة بها .. إلا أن كل ذلك أمام ما تفعله مناسبة دينية عامّة واحدة يعتبر قطرة في بحر ..!
ولعل هذا الجانب المهمّ للمناسبات الدينية العامّة هو مما وراء فكرة تأسيس عيد لبني اسرائيل في دعاء نبي الله عيسى ؏ : ( قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ ۖ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) المائدة ١٤
ولهذا تعتبر الأعياد والمناسبات الدينية خطوط شروع للإنسان ينطلق بها من جديد مع نفسه وربّه ومجتمعه ، ومن لحظات تصفير المشاكل والأثقال التي يُستعصى على صاحبها في العادة حلّها في غيرها من الأوقات .. وكذا الحال بالنسبة للمجتمع ، فهي فرصة سانحة لأن تتصالح الشعوب مع نفسها ومع غيرها وأن تراجع بعض أنظمتها وسلوكياتها الخاطئة ..
فالحل لأي معضلة إن لم تفصلنا عنه خطوة واحدة فهو لا يبدأ إلا بخطوة .. وليكن العيد عيد ميلاد هذه الخطوة ..
جعل الله أيامكم كلها أعياداً ومسرّات 🌷