الباب الاول
الفصل الرابع
لاتبقوا لاهل هذا البيت باقيه (الفصل الرابع ) - حرب بن اميه يحسد عبد المطلب
الفصل الرابع
لاتبقوا لاهل هذا البيت باقيه (الفصل الرابع ) - حرب بن اميه يحسد عبد المطلب
ولاده عبد المطلب
ثُمَّ إِنْ سَلْمَى بنت عمرو النجار اشْتَدَّ حَمْلَهَا وَ جَاءَهَا الْمَخَاضِ وَ هِيَ لَا تَجِدْ وَجَعاً وَ لَا أَلَماً إِذْ سَمِعْتُ هَاتِفاً َيَقُولُ
يَا زِينَةٌ النَّسَا مِنْ بَنِي النَّجَّارِ** بِاللَّهِ اسدلي عَلَيْهِ بِالْأَسْتَارِ
وَ احجبيه عَنْ أَعْيَنَ النظار** لتسعدي مِنْ جُمْلَةٍ الْأَقْطَارِ
فَلَمَّا سَمِعْتُ بِذَلِكَ أُغْلِقَتْ الْبَابِ عَلَيْهَا وَ كَتَمْتَ أَمْرَهَا فَبَيْنَمَا هِيَ تُعَالِجُ مَا هِيَ فِيهِ إِذْ نَظَرْتَ حِجَابٌ مِنْ نُورٍ قَدْ ضَرَبَ مِنْ حَوْلَهَا مِنْ الْأَرْضِ إِلَى عَنَانِ السَّمَاءِ فَوَلَدَتْ يَوْمَئِذٍ بشيبة فَقَامَتْ مِنْ وَقْتِهَا وَ سَاعَتِهَا وَ تَوَلَّتْ نَفْسِهَا و سَطَعَ مِنْ غَرَّتْهُ نُورٍ شعشعاني وَ كَانَ ذَلِكَ النُّورِ نُورٍ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه واله) وَ قَدْ ضَحِكَ الطِّفْلِ وَ تَبَسَّمَ فَتَعَجَّبْتُ مِنْهُ أُمِّهِ ثُمَّ نَظَرْتَ إِلَيْهِ وَ إِذْ فِي رَأْسَهُ شَعْرَةٍ بَيْضَاءَ فَقَالَتْ نَعَمْ أَنْتَ شَيْبَةَ
ولما اتم (شيبه بن هاشم)عبد المطلب السابعه أرسل لاعمامه رساله
فَلَمَّا تَمَّ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ اشْتَدَّ حِيَلِهِ وَ قَوِيَ بَأْسُهُ وَ تَبِينُ لِلنَّاسِ فَضْلِهِ
وَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي الْحَرْثِ جاء إِلَى يَثْرِبَ فِي حَاجَةٍ فَإِذَا بِابْنِ هَاشِمٍ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ وَ قَدْ عَمٍّ نُورِهِ الْبِلَادِ فَوَقَفَ الرَّجُلِ يسمعه وَ هُوَ ينتدب بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَ يَقُولُ أَنَا ابْنِ زَمْزَمَ وَ الصَّفَا وَ الْمَقَامِ أَنَا ابْنِ هَاشِمٍ وَ كَفَى فَنَادَاهُ الرَّجُلِ وَ قَالَ يَا فَتَى
فَقَالَ مَا تُرِيدُ يَا عَمٍّ؟
فَقَالَ مَا اسْمُكَ؟ فَقَالَ شَيْبَةَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَ قَدْ مَاتَ أَبِي وَ جفوني عُمُومَتِي وَ نساني أَهْلِي وَ بَقِيَتْ عِنْدَ أُمِّي وَ أَخْوَالِي فَمَنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ يَا عَمِّ؟
قَالَ مِنْ مَكَّةَ
فَقَالَ وَ هَلْ ستحمل لِي بِرِسَالَةِ وَ تتقلد إِلَيَّ أَمَانَةٍ؟
فَقَالَ الْحَرْثِ وَ حَقٌّ أَبِيكَ وَ أَبِي أَفْعَلُ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ ثُمَّ قَالَ يَا عَمٍّ إِذَا رَجَعْتَ إِلَى بَلَدُكَ سَالِماً وَ رَأَيْتَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ فَأَقْرِئْهُمُ عَنِّي السَّلَامَ وَ قُلْ لَهُمْ إِنَّ مَعِي رِسَالَةِ مِنْ يَتِيمٍ قَدْ مَاتَ أَبُوهُ وَ جَفَوْهُ أَعْمَامِهِ ثُمَّ قُلْ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيتُمْ وَصِيَّةِ هَاشِمٍ وَ ضَيَّعْتُمْ نَسْلِهِ
الحرث يبلغ الرساله
فَبَكَى الرَّجُلِ وَ اسْتَوَى عَلَى ظَهَرَ رَاحِلَتِهِ وَ أَرْسَلَ زِمَامَهَا حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ هِمَّةٌ إِلَّا رِسَالَةِ الْغُلَامُ ثُمَّ أَتَى إِلَى مَجْلِسٍ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ فوجدهم جُلُوساً فأنعمهم صَبَاحاً وَ قَالَ
يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَرَاكُمْ قَدْ غَفَلْتُمُ عَنْ عزكم وَ تَرَكْتُمْ مصباحكم يَسْتَضِيءُ بِهِ غَيْرِكُمْ فَقَالُوا مَا سَبَبُ ذَلِكَ فَأَخْبَرَهُمْ بِوَصِيَّةٍ الْغُلَامُ ابْنِ أَخِيهِمْ فَقَالُوا مَا شَاهَدْنَاهُ أَنَّهُ صَارَ إِلَى هَذَا الْأَمْرِ
فَقَالَ لَهُمْ الْحَرْثِ وَ اللَّهِ إِنَّهُ ليعجز مِنْهُ الْفُصَحَاءُ لفصاحته وَ يَعْجِزُ عَنْهُ اللَّبِيبِ لِكَلَامِهِ وَ عَنْ خطابه وَ إِنَّهُ لفصيح قَوِيَ الْجِنَانِ فَائِقٌ عَلَى الْغِلْمَانِ أَدِيبُ إِلَى عَقْلِهِ الْكِفَايَةِ وَ إِلَى جُودِهِ
قَالَ وَ كَانَ الْمُطَّلِبِ أَشَدُّ أَهْلِ زَمَانِهِ بَأْساً وَ أَعْظَمُ مِرَاساً فَقَالُوا لَهُ إِخْوَتَهُ نَخْشَى عَلَيْكَ أَنْ تَعْلَمُ بِهِ أُمِّهِ سَلْمَى وَ لَا تَدَعْهُ يَخْرُجُ مَعَكَ لِأَنَّهَا شَرَطْتُ عَلَى أَخِيكَ بِذَلِكَ فَقَالَ يَا قَوْمٍ إِنْ لِي فِي ذَلِكَ
أَمْراً دَبَّرَهُ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ
خرج المطلب في طلب ابن اخيه
ثُمَّ إِنَّهُ تأهب لِلْخُرُوجِ وَ أَفْرَغَ عَلَيْهِ لِأُمِّهِ حَرْبِهِ وَ رَكِبَ مطيته وَ أَرْخَى زِمَامَهَا إِلَى أَنْ وَصَلَ يَثْرِبَ وَ أَخْفَى نَفْسِهِ أَنْ لَا يُشْعِرُ بِهِ أَحَدٌ فتخبر سَلْمَى عَنْهُ قَالَ وَ لَمْ يَزَلْ يُتَرَصَّدُ فَوَجَدَ شَيْبَةَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فَعَرَفَهُ بِالنُّورِ السَّاطِعِ وَ الضِّيَاءِ اللَّامِعِ الَّذِي أَوْدَعَهُ اللَّهِ فِيهِ وَ قَدْ رَفَعَ صَخْرَةٍ عَظِيمَةٌ وَ قَالَ أَنَا ابْنِ هَاشِمٍ الْمَعْرُوفِ بالعطايا قَالَ فَلَمَّا سَمِعَ كَلَامِهِ أَنَاخَ مطيته وَ نَادَى ادْنُ مِنِّي يَا ابْنَ أَخِي فَأَسْرَعَ إِلَيْهِ شَيْبَةَ وَ قَالَ لَهُ مَنْ أَنْتَ يَا هَذَا؟ فَقَدْ مَالِ قَلْبِي إِلَيْكَ وَ أَظُنُّكَ مِنْ بَعْضِ عُمُومَتِي فَقَالَ لَهُ أَنَا عَمِّكَ الْمُطَّلِبِ فأسبل عِبْرَتِهِ وَ جَعَلَ يُقَبِّلُهُ وَ قَالَ يَا ابْنَ أَخِي أَ تُحِبُّ أَنْ تَمْضِيَ مَعِي إِلَى بِلَادِ أَبِيكَ وَ أعمامك وَ تَكُونُ فِي دَارِ عِزِّكَ؟
فَقَالَ نَعَمْ وَ لَكِنْ أَسْرَعُ بِنَا بالمسير فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَعْلَمُوا بِنَا أُمِّي وَ عَشِيرَتِهَا فيلحقوا بِنَا وَ يأخذوني مِنْكَ أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ يَرْكَبُ لركوبها أبطال الْأَوْسِ وَ الْخَزْرَجِ
فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي فِي اللَّهِ الْكِفَايَةِ مِنْ كُلِّ رَزِيَّةٍ ثُمَّ سَارُوا وَ رَكِبُوا الْجَادَّةِ الْكُبْرَى
اليهود يلحقون بالمطلب لقتل عبد المطلب
ثُمَّ إِنْ الْمُطَّلِبِ اسْتَوَى عَلَى ظَهَرَ نَاقَتِهِ وَ أَرْدَفَ ابْنِ أَخِيهِ قُدَّامَهُ وَ جَرَّدَ سَيْفَهُ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعُوا صَهِيلَ الْخَيْلِ وَ زعقات الرِّجَالِ وَ قَعْقَعَةَ اللجم وَ هَمْهَمَةً الْأَبْطَالِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَقَالَ الْمُطَّلِبِ يَا ابْنَ أَخِي دهمنا وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ
وإِنَّ الَّذِي أَعْطَاكَ هَذَا النُّورِ يَقْدِرُ أَنْ يَصْرِفُ عَنَّا كُلِّ مَحْذُورٍ قَالَ فَبَيْنَمَا هُمْ يتخاطبون فِي الْكَلَامِ إِذْ أدركتهما الْخَيْلِ وَ إِذَا هُمْ خَيْلٌ الْيَهُودِ فَلَمَّا رَأَوْا شَيْبَةَ عَلِمُوا أَنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ صُلْبِهِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَ يَكُونُ هَلَاكَهُمْ عَلَى يَدِهِ وَ كَانَ قَدْ بَلَغَهُمْ أَنْ شَيْبَةَ خَرَجَ مَعَ عَمِّهِ فأدركهم الطَّمَعُ فِي قَتَلَهُ فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ يَقْدُمُهُمْ سَيِّدُ مِنْ ساداتهم يُقَالُ لَهُ دِحْيَةَ الْيَهُودِيِّ
هنالك دعا عبد المطلب ربه
هنالك دعا عبد المطلب ربه حين رأى الخيل قد اقتربت منه فاستجاب الله دعاؤه وتوقفت الخبل في مكانها لاتتحرك فنزلوا عنها وتقدمو مشيا نحو عبد المطلب وعمه لقتلهما
فاخذ المطلب قوسه وهو قوس اسماعيل (عليه السلام ) فرماهم بالنبل وقتل منهم عددا عندها تقدم اليه كبير اليهود وفارسهم دحيه اليهودي و طال النزال بهما وفي اثناء ذلك سمعوا صهيل الخيول وقعقعه السلاح واذا بهم فرسان الاوس والخزرج تتقدمهم سلمى
فانسحب اليهود وتقدمت سلمى ورأت المطلب مع شيبه سالمين فسالت ابنها عبد المطلب ان كان يرغب باللحوق باعمامه فقال لها نعم ان رضيت
فاخذ المطلب ابن اخيه على ناقته وحث المسير الى مكه وعندما دخلها رأت قريش الفتى والنور يسطع من جبينه فسألو المطلب عنه فقال هذا عبدي فصار اسمه عبد المطلب
التفت قريش حول عبد المطلب تتبرك بنور رسول الله بين عينيه
فلما قدم المطلب بابن أخيه شيبة و نور رسول الله (صلى الله عليه واله ) لائح بين عينيه أتت قريش يتبركون به حتى إذا أصابتهم مصيبة أو نزل بهم قحط أو دهمهم عدو يأتون إليه و يتوسلون بنور رسول الله(صلى الله عليه واله ) فيفرج الله عنهم ما نزل بهم
ابرهه يهاجم الكعبه ليهدمها
و كان أعجب عجيبة و أعظم آية ظهرت لهم فيما جرى لأصحاب الفيل و أبرهة بن الصباح و كان ملك الحبشة و هو صاحب الفيل الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز و كان قد أشرفوا أهل مكة على الهلاك و كان منه أنه أراد أن يهدم الكعبة التي شرفها الله تعالى فكشف الله عن البيت و أهله ببركة عبد المطلب
وسبب ذلك ان جماعة من قريش ذهبت إلى بلاد الحبشه بتجارة فنزلوا في البلد و دخلوا في كنيسة من كنائس النصارى و أوقدوا فيها نارا يصطلون عليها و يصلحون لهم طعاما ثم إنهم خرجوا و لم يطفئوها فهبت عليها ريح فأحرقت كنيستهم و ما فيها فسألوا النصارى عن حرق الكنيسة فقالوا احرقوها تجار مكة
قال فلما علم الملك النجاشي أن العرب أحرقوا معبده غضب و أقسم إني لأحرق معبدهم جهارا بما فعلوا بمعبدنا فأرسل وزيره أبرهة بن الصباح و أرسل معه أربعمائة فيلا و مائة ألف مقاتل و قال امضوا إلى كعبتهم و خربوها وارموا أحجارها في البحر و اقتلوا رجالهم و انهبوا أموالهم
قال تعالى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴿ ١ ﴾ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ﴿ ٢ ﴾ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ﴿ ٣ ﴾ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ﴿ ٤ ﴾ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ﴿ ٥ ﴾
اقترب الجيش من مكه ونهبوا 80 جملا لعبد المطلب وجدوها في طريقهم وهرب أهل مكه خوفا من الجيش وقال لهم عبد المطلب ان للكعبه رب يحميها فلا تخافوا عليها وذهب لاسترداد ابله المنهوبه وقد اعدوا له فيلا ضخما مسلحا بسيفين في خرطومه ومركب على راسه قرنان من حديد مدرّب على القتال يمزق من يلاقيه ويقتله وقالوا لصاحب الفيل اطلق الفيل عند اقتراب عبد المطلب ولما اقترب عبد المطلب اطلقوا الفيل ولكن الفيل برك واخذ يتمرغ بالتراب امام عبد المطلب فدهش العسكر ودخل الرعب في قلوبهم من هيبه نور رسول الله (صلى الله عليه واله) في غره عبد المطلب وقابل عبد المطلب ابرهه وطلب اعاده ابله المنهوبه فاعادها اليه
تقدم الجيش لتدمير الكعبه وكان عبد المطلب قد بقى في ابتهال و دعاء و تضرع
و قال اللهم ببركة هذا النور الذي وهبتنا إياه اجعل لنا فرجا و مخرجا و انصرنا على عدونا
إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فاستجاب الله دعاؤه ببركة رسول الله (صلى الله عليه واله)
ثم ان الله ارسل على الجيش طيورا تحمل في ارجلها احجارا صغيره قتلت جنود أبرهه وحمى الله الكعبه وقريش ببركه عبد المطلب
نظر أهل مكة الى الجيش المدمر والجنود القتلى والفيله الهاربه فرجعوا فرحين مسرورين و بقوا ينقلون اسلحه واموال الجيش المدمر و كان ذلك ببركه نور رسول الله (صلى الله عليه واله)
عاد اميه بعد أن مات هاشم وصدره بركان يغلي حسدا وحقدا على بني هاشم
يقول الاستاذ جعفر الخليلي في ( موسوعه العتبات المقدسه) ان الكثير من بني أمية قد حاولوا الاستظهار بعد ذلك على بني هاشم بمختلف الطرق ، وكان صدر أمية نفسه يغلي بالحقد والغضب بعد رجوعه من جلائه ، وكان هاشم قد مات ، ولكنّ بني هاشم أحياء وقد تزعمهم عبد المطّلب ، وعبد المطّلب في ذلك اليوم ذو شأن كبيرجدا في قريش ، فإذا استطاع أمية أن ينتقم لنفسه ويثأر منه فقد يعود له ولبنيه وأصحابه ما فقدوا من عِزّ وما لحق بهم من عار في حدود أعرافهم يومذاك
فجاء إلى عبد المطلب يراهنه في سباق فرسيهما مراهنة خرجت عن مألوف رهان الخيل العام وانه كان واثقا من فرسه والا لم يقدم على هذه المراهنه بل التحدّي لأخذ الثأر والانتقام فقد كان الشرط أن يدفع المغلوب الذي تقصّر فرسه عن بلوغ الشرط : مئة ناقة من الإبل وعشرة من العبيد ، ومثلها من الإماء ، ثمّ استعباد سنة وذلك بأن يستعبد السابق الغالب المتسابق المغلوب سنة كاملة ، يتّخذ منه عبداً ، وفوق كل ذلك فللغالب أن يجزّ ناصية المغلوب
ومن هذه الشروط القاسيه نفهم أنّ المقصود بذلك كله كان إذلال المغلوب وتحقيره ، والمعتقد أنّ أمية كان واثقاً من فرسه ومعتقداً بفوزه ، وإلاّ فليس هو من الغباوة بحيث يقدم على مثل هذه المغامرة مهما بلغ حسده وغروره وكبرياؤه
وكانت النتيجة أن جاءت على خلاف ما كان قد اعتقد أمية وجزم ؛ فدفع الرهان كاملاً ، ولكنّه افتدى جزّ الناصية بمضاعفة استعباد عبد المطّلب له وجعلها عشر سنين ، (1)
( أنّ أمية في حشم عبد المطلب وعضاريطه عشر سنين )
حرب بن أميه يرث من أبيه حقده وحسده على بني هاشم
المنافرة الثانية
غدا عبد المطلب سيداً مقدماً في قريش لحلمه وعقله وبسبب حلمه وحكمته ، ورغبة منه في نسيان الماضي الأليم اقترب عبد المطلب من حرب بن أمية ، ونادمه ، واصطفاه خليلاً
وكان في جوار عبد المطلب رجل تاجر، تآمر حرب بن أمية على قتله ، وألب عليه فتيان قريش فقتلوه، ولما علم عبد المطلب بذلك ، وعلم بتحريض حرب لقتله ، أتى حرباً فأنبه وطالبه بدية جاره، وبتسليم قاتليه
رفض حرب ، وأعلن أنه أجار قاتليه، ونشب الخلاف، وطارت شرارته ، فتداعيا للمنافرة
واقترحا أن يكون الحكم بينهما نجاشيّ الحبشة، فاعتذر النجاشي وأبى أن يدخل بينهما، ثم اتفقا على أن يكون الحكم نفيل بن عبد العزى العدوي
واجتمع القوم ببابه ، فخرج عليهم معلناً حكمه
وقال لحرب بن أمية
يا أبا عمرو( ويقصد حرب بن اميه ) ؛ أتنافر رجلاً هو أطول منك قامة، وأوسم منك وسامة ، وأعظم منك هامة ، وأقل منك لامة ، وأكثر منك ولداً ، وأجزل منك صلة، وأطول منك مذوداً ( الذود المدافعة ) ، وإني لأقول هذا وإنك لبعيد الغضب ، رفيع الصوت في العرب، جلد النزيرة ( الإلحاح في الطلب ) تحبك العشيرة ، ولكنك نافرت منفَّرا
ونفَّر العدويّ عبد المطلب بن هاشم اي حكم لصالحه
وغضب حرب بن أمية ، وأغلظ لنفيل القول ، وقال له : من انتكاس الدهر أن جعلتك حكماً
ثم إن عبد المطلب أخذ من حرب بن أمية دية جاره مئة ناقة
قريش تسمى عبد المطلب ابراهيم الثاني
وقيل إن عبد المطلب إذا دخل شهر رمضان صعد حراء وأطعم المساكين جميع الشهر، وكان صعوده للتفكر في جلال الله وعظمته بعيدا عن الناس
ويؤثر عن عبد المطلب سنن جاء بها القرآن وجاءت بها السنّة ، منها الوفاء بالنذر، والمنع من نكاح المحارم، وقطع يد السارق، والنهي عن قتل الموءودة، وتحريم الخمر والزنا والحد عليه، وألا يطوف بالبيت عُريان، وتعظيم الأشهر الحرم. وكانت قريش تصفه بانه ابراهيم الثاني
ثم وضع عبد المطلب للناس سنناً ، فجعل الطواف سبعاً، وكان بعض العرب يطوفون عرايا لأن ثيابهم ليست حلالاً فحرم عبد المطلب ذلك ، ونهى عن قتل المؤودة ، وأوجب الوفاء بالنذر ، وعظم الأشهر الحرم ، وحرم الخمر والزنا وجعل عليه الحد ، ونفى البغايا ذوات الرايات إلى خارج مكة ، وحرم نكاح المحارم ، وأوجب قطع يد السارق ، وشدد على القتل وجعل ديته مئة من الإبل.. وأقر ذلك الإسلام مما يدل على أن عبد المطلب كان مؤمناً ملهماً من ربه وله مقام عنده
عبد المطلب يحفر بئر زمزم
عن علي بن ابي طالب(ع) انه قال:
قال عبد المطلب: إني لنائم في الحجر، إذ أتاني آت فقال لي: احفر طيبة. قال: قلت وما طيبة؟
قال ثم ذهب عني. قال فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي، فنمت فجاءني فقال: احفر برة. قال: قلت وما برة؟ قال ثم ذهب عني
فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت، فجاءني فقال: احفر المضنونة. قال: قلت وما المضنونة؟ قال ثم ذهب عني. فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه، فجاءني قال: احفر زمزم. قال: قلت وما زمزم؟
قال: لا تنزف أبدا ولا تزم، تسقي الحجيج الأعظم، وهي بين الفرث والدم عند نقرة الغراب الأعصم عند قرية النمل. قال: فلما بين لي شأنها، ودل على موضعها، وعرف أنه قد صدق، غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب، وليس له يومئذ ولد غيره، فحفر
لم يكن لعبد المطلب يومئذ من الاولاد الا الحارث وكانت قريش تمر به وتستهزء منه لحفره البئر ولقله اولاده نذر ان رزقه الله عشره اولاد ليذبحن احدهم قربانا لله عند الكعبه
ومن الله على عبد المطلب واتم حفر البئر وكان ماؤها وفيرا ووجد فيها غزالين من ذهب واسياف وادرع (2)
نار الحسد والحقد الاموي تشب من جديد
المنافره الثالثه
قريش بقياده بنو اميه بالامس لم تعاون عبد المطلب في الحفر لا بل كانت تهزا منه واليوم اتته قائله :
يا عبد المطلب إنها بئر أبينا إسماعيل وإن لنا فيها حقا، فأشركنا معك فيها. قال: ما أنا بفاعل إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم، وأعطيته من بينكم. قالوا له: فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها
قال: فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه. قالوا: كاهنة بني سعد بن هذيم. قال: نعم وكانت بأشراف الشام
فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني أمية، وركب من كل قبيلة من قريش نفر، فخرجوا وفي الطريق نفد ماء عبد المطلب وأصحابه فعطشوا حتى استيقنوا بالهلكة، فاستسقوا من معهم فأبوا عليهم وقالوا: إنا بمفازة وإنا نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم
فقال عبد المطلب: إني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه بما لكم الآن من القوة، فكلما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته، ثم واروه حتى يكون آخرهم رجلا واحدا، فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعه
فقالوا: نعما أمرت به. فحفر كل رجل لنفسه حفرة، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشى، ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه: ألقينا بأيدينا هكذا للموت، لا نضرب في الأرض، لا نبتغي لأنفسنا لعجز، فعسى أن يرزقنا االله ماء ببعض البلاد
فارتحلوا حتى إذا بعث عبد المطلب راحلته، انفجرت من تحت خفها عين ماء عذب، فكبر عبد المطلب وكبر أصحابه، ثم نزل فشرب وشرب أصحابه واستسقوا حتى ملئوا أسقيتهم. ثم دعا قبائل قريش وهم ينظرون إليهم في جميع هذه الأحوال، فقال: هلموا إلى الماء فقد سقانا الله، فجاؤوا فشربوا واستقوا كلهم
ثم قالوا: قد قضى الله لك علينا والله ما نخاصمك في زمزم أبدا، إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة هو الذي سقاك زمزم، فارجع إلى سقايتك راشدا، فرجع ورجعوا معه ولم يصلوا إلى الكاهنة، وخلوا بينه وبين زمزم
نار الحسد تشتعل من جديد
وجد عبد المطلب في البئر غزالين من ذهب واسياف وادرع فعادت قريش تطالب بحصه منها
فقالت له قريش: يا عبد المطلب لنا معك في هذا شرك وحق
قال: لا، ولكن هلم إلى أمر نصف بيني وبينكم، نضرب عليها بالقداح
قالوا: وكيف نصنع؟
قال: أجعل للكعبة قدحين، ولي قدحين، ولكم قدحين، فمن خرج قدحاه على شيء كان له ومن تخلف قدحاه فلا شيء له
قالوا: أنصفت. فجعل للكعبة قدحين أصفرين، وله أسودين، ولهم أبيضين، ثم أعطوا القداح للذي يضرب
قال: وضرب صاحب القداح، فخرج الأصفران على الغزالين للكعبة، وخرج الأسودان على الأسياف والأدرع لعبد المطلب، وتخلف قدحا قريش
فضرب عبد المطلب الأسياف بابا للكعبة، وضرب في الباب الغزالين من ذهب، فكان أول ذهب حلية للكعبة
ثم إن عبد المطلب أقام سقاية زمزم للحاج
المصادر
(1) ج 3 ص 466 من شرح نهج البلاغة
(2) البدايه والنهايه