الباب الاول
الفصل الخامس
لا تبقوا لاهل هذا البيت باقيه
محاولات قريش وبنو أميه واليهود قتل محمد( صلى الله عليه واله)
المحاوله الاولى – محاوله استئصال بني هاشم دفعه واحده جوعا وعطشا
محاصره محمد( صلى الله عليه واله) وبني هاشم ليموتوا جوعاً وعطشاً في شعب أبي طالب
إجتمع زعماء قريش، وقرَّروا أنْ يقاطعوا أبا طالب وبني هاشم، ، مقاطعة اقتصاديّة واجتماعيّة، وكتبوا عهداً بذلك وعلّقوه في جوف الكعبة
مضمون الصحيفة
ممّا جاء في تلك الصحيفة الظالمة: ألاّ يبايعوا أحداً من بني هاشم، ولا يناكحوهم، ولا يعاملوهم، حتّى يدفعوا إليهم محمّداً فيقتلوه
ثمّ حصرتْ قريش رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته من بني هاشم، وبني عبد المطلّب في شِعب أبي طالب
شدَّة الحصار
استمرَّ الحصار ثلاث سنين حتّى أنفق أبو طالب (عليه السلام) والنبيّ (صلّى الله عليه وآله) مالهما، كما أنفقتْ خديجة أموالها الطائلة في هذا الحصار الظالم، وكان ذلك بعد ست سنين من مبعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله)
وأشتدَّ خلالها الخطْب على المسلمين، وراحوا يعانون من الجوع والأذى، ويأكلون نباتات الأرض، ولم يكن يَصِلُهُم من الطعام شيء، إلاّ ما كان يتسرّب سرّاً من بعض المتعاطفين معهم
فقد عمد كفار قريش لمنع وصول المواد الغذائية للمحاصرين في الشعب، حتى إضطروا للتقوت بأوراق الشجر والجلود، وسمعت من خارج الشعب أصوات إستغاثة النسوة والأطفال من شدة الجوع
صبر بنو هاشم والمطلب على الجوع والاذى وقد اشتدَّ العُسْر والأذى، عندها جاء الفرج، وتدخّل النصر الإلهي، فأرسل الله حشرة الأُرضة على صحيفة المقاطعة فأكلتْها، ما عدا ما كان فيها من إسم الله سبحانه، فعندها هبط جبرائيل (عليه السلام) وأخبر محمّدا بذلكً
توفي ابو طالب وخديجه عليهما السلام نتيجه للحصار القاسي وكان المخطط أن يموت جميع بني هاشم جوعا وعطشا لولا تدخل العنايه الالهيه وإنهاء الحصار
إستمر الحصار التجويعي الظالم ثلاث سنوات، لم تسجل المصادر التاريخية فيها أي مساعدة من المسلمين الأوائل للرسول وأهل بيته وأقاربه، كان من المحتمل جداً أن يتوفى الرسول بسبب الحصار كما توفي عمه ابو طالب وزوجه الصديقة الكبرى خديجة، لكن ذلك لم يكن كافياً ليحاول هؤلاء المسلمون الأوائل كسر الحصار أو حتى الإلتفات عليه ولا حتى الدعوه لكسره
ثلاث سنوات كانت فيها حياة الرسول مهددة، وخاف عمه أبو طالب عليه من القتل، فكان يتوقى ذلك بتغيير مضجع الرسول، ومع ذلك لم يتطوع أحد من هؤلاء المسلمين الأوائل للدخول مع الرسول واقاربه في الشعب، تعبيراً عن التعاطف والتآزر معهم، ولو حدث ذلك لربما أعادت قريش النظر في المقاطعة
ثلاث سنوات من الحصار إنقطعت فيها الصلة بين الرسول الأعظم والمسلمين الأوائل فلم يشتاقوا خلالها لرؤيته والاستماع لهديه وأخذ الأحاديث الشريفة منه ، وإقتصر المستفيدون من هدي الرسول في تلك السنوات الثلاث على إبن عمه الأمام علي عليه السلام وبقية المؤمنين من أهل بيته، وهذه ميزة عظيمة للإمام ينفرد بها من دون جميع المسلمين الأوائل، ولكنهم عند تدوين السيرة والأحاديث أهملوها
لم يخرق المسلمون الأوائل الحصار، بالرغم من كل ما يروى عن شجاعتهم وبذلهم المال في سبيل العقيدة، فانبرى لذلك اقارب زوج النبي الصديقة خديجة بنت خويلد، وتروي مصادر التاريخ بأن ابن اخيها كان ينقل الطعام للمحاصرين تحت جنح الظلام
كانت كلفة الحصار باهضة جداً بالنسبة للرسول والرسالة، ضياع ثلاث سنوات من عمر الدعوة، ووفاة حامي وسند الرسول عمه أبي طالب وزوجته الصديقة الكبرى خديجة رضي الله عنهما
الحقيقة التاريخية الناصعة هي أن بعض المسلمين الأوائل خذلوا الرسول الأعظم وأهل بيته ثلاث سنوات وتركوهم عرضة للمجاعة والهلاك ولم يقدموا لهم أي عون ،
إن كان أُميَّه قد حاول استئصال عبد المطلب في الرهان على سباق الخيل فان أحفاده بالتعاون مع قريش حاولوا إستئصال بني هاشم دفعه واحده ومحاصرتهم في شعب أبي طالب ليموتوا جوعا وعطشا ولولا تدخل العنايه الالهيه لكان لهم ما أرادوا ولكن الله نجى رسوله وبني هاشم من الموت جوعا ليتأجل هدفهم باستئصال بني هاشم الى يوم كربلاء فرفعوا شعار لاتبقوا لاهل هذا البيت باقيه (3)
المحاوله الثانيه – محاوله يهود الشام زرير وتمام ودريس
محاولة اليهود قتل الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) في الشام
خرج رسول الله مع عمه ابو طالب في تجاره الى الشام وفي قصه طويله عرف بحيرى إن هذا الذي مع أبو طالب هو النبي الموعود كما مر بنا
قال بحيرى لأبي طالب: أرجع بابن أخيك إلى بلده، وإحذر عليه اليهود، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغينه شرا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم فأسرع به إلى بلاده
فخرج به عمه أبو طالب سريعا حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام
وكان زريرا وتماما ودريسا، وهم نفر من أهل الكتاب قد رأوا من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) مثلما رآه بحيرى في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب
فأرادوا قتله فردهم عنه بحيرى وذكرهم الله وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته، وأنهم إن أجمعوا لما أرادوا به لم يخلصوا إليه
ولم يزل بهم حتى عرفوا ما قال لهم، وصدقوه بما قال فتركوه وانصرفوا عنه ( 4)
المحاوله الثالثه – محاوله قريش
قررت قريش قتل محمد(صلى الله عليه واله وسلم ) فأتوا الى أبي طالب وقالوا له نعطيك عماره بن الوليد وإعطينا محمد لنقتله
فأبى ذلك وقال: أتقتلون إبن أخي وأغذو لكم إبنكم، إن هذا لعجب
فقالوا: خير من أن نغتال محمدا (5)
فقال ابو طالب لمحمد
والله لنْ يصلوا إليك بجمعهم * حتّى أُغَيّبَ في التراب دفينا
ودعوتني وزعمتَ أنّك ناصحٌ * ولـقد صدقتَ وكنتَ ثمّ أمينا
وعرضتَ ديناً قد علمتُ بأنّه * مِـن خيرِ أديانِ البريّة دِيْنَا(6)
علمتْ قريش أنّهم لا يقدرون على قتْل رسول الله، وأنّ أبا طالب لا يسلمه،
وتوعّد أبو طالب زعماء بطون قريش قائلاً
والله لو قتلتموه ما أبقيتُ منكم أحداً حتّى نتفانى نحن وأنتم
ودار على أندية قريش ومعه فتيان بني هاشم ، وقال
بلغني انكم تريدون إغتيال محمد والله لو خدشتموه خدشا ما أبقيت منكم أحدا إلا قتل (7)
المحاوله الرابعه - محاوله عمر بن الخطاب
عن أنس بن مالك قال جاء عمر متقلدا سيفه فلقيه رجل من بني زهرة، فقال: أين تعمد يا عمر؟
فقال: أريد أن أقتل محمدا
قال: وكيف تأمن في بني هاشم، وبني زهرة، وقد قتلت محمدا؟
قال: فقال عمر: ما أراك إلا صبوت وتركت دينك الذي أنت عليه
قال: أفلا أدلك على العجب يا عمر؟ إن ختنك وأختك قد صبوا وتركوا دينك الذي أنت عليه
وقال ابن عساكر إن عمر كان قبل اسلامه شديد الاذى لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) وقد انتدبته قريش لقتل رسول الله فجاء متقلدا سيفه وطرق الباب فخرج اليه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) فأخذ رسول الله بمجامع ثيابه، ثم نتره نترة، فما تمالك أن وقع على ركبتيه في الأرض. فقال: ما أنت بمنته يا عمر؟
حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة فقال عمر أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وباءت محاوله قريش هذه المره بالفشل ايضا (8)
المحاوله الخامسه– ليله الهجره ونوم علي محله
يقول تعالى :
﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ الانفال 30
وبعد ان مات ابو طالب أجمعت قريش على قتل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم )، وقالوا: ليس له اليوم أحد ينصره، وقد مات أبو طالب، فأجمعوا جميعا على أن يأتوا من كل قبيلة برجل فيجتمعوا عليه فيضربوه بأسيافهم ضربة رجل واحد، فلا يكون لبني هاشم قوة بمعاداة كل قريش،نزل جبرائيل عليه السلام فاخبر رسول الله أنهم أجمعوا على أن يأتوه في الليلة التي أتحدوا فيها، خرج وخلف عليا لرد الودائع التي كانت عنده وصار إلى الغار فكمن فيه وأتت قريش فراشه فوجدوا عليا فقالوا: أين ابن عمك؟
قال: قلتم له أخرج عنا، فخرج عنكم. فطلبوا الأثر فلم يقعوا عليه، وأعمى الله عليهم المواضع فوقفوا على باب الغار وقد عششت عليه حمامة
فقالوا: ما في هذا الغار أحد، وانصرفوا ونجى الله رسوله من القتل
المحاوله السادسه – محاوله سراقه
تبع سراقة بن جشعم المدلجي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) فلما لحقه قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ): اللهم إكفنا سراقة
فساخت قوائم فرسه، فصاح: يا بن أبي قحافة، قل لصاحبك أن يدعو الله بإطلاق فرسي، فلعمري لئن لم يصبه مني خير لا يصبه مني شر
فلما رجع إلى مكة أخبرهم الخبر فكذبوه، وكان أشدهم له تكذيبا أبو جهل، فقال سراقة :
أبا حكم والله لو كنت شاهدا لأمر جوادي حيث ساخت قوائمه علمت ولم تشكك بأن محمدا رسول الله (9)
المحاوله السابعه – ابو سفيان والاعرابي
ذكر البيهقي: كان أبو سفيان بن حرب قد قال لنفر من قريش بمكة: أما أحد يغتال محمدا، فإنه يمشي في الأسواق فندرك ثأرنا، فأتاه رجل من العرب فدخل عليه منزله، وقال له: إن أنت قويتني خرجت إليه حتى أغتاله
قال: أنت صاحبنا، فأعطاه بعيرا ونفقة، وقال: إطوِ أمرك، فإني لا آمن أن يسمع هذا أحد فينمِه إلى محمد
قال الأعرابي: لا يعلم به أحد
فخرج ليلا على راحلته ثم أقبل يسأل عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) حتى أتى المصلى، فقال له قائل: قد توجه إلى بني عبد الأشهل، فخرج يقود راحلته حتى انتهى إلى بني عبد الأشهل، فعقل راحلته، ثم أقبل يؤمُ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) فوجده في جماعة من أصحابه يحدثهم في مسجدهم
فدخل، فلما رآه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) قال لأصحابه: إن هذا الرجل يريد غدرا، والله حائل بينه وبين ما يريد
فوقف، فقال: أيكم إبن عبد المطلب؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ): أنا ابن عبد المطلب، فذهب ينحني على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم )، كأنه يساره، فجذبه أسيد بن الحضير، وقال له: تنح عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم )، فإذا الخنجرتحت إزاره
فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ): هذا غادر، وسقط في يدي الأعرابي، وقال: دمي دمي يا محمد،
فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) أصدقني: ما أنت؟ وما أقدمك؟ فإن صدقتني نفعك الصدق، وإن كذبتني فقد أطلعت على ما هممت به
قال الأعربي: فأنا آمن؟
قال: فأنت آمن
فأخبره بخبر أبي سفيان وما جعل له
فأمر به فحبس عند أسيد، ثم دعا به من الغد فقال: قد أمنتك فاذهب حيث شئت، أو خير لك من ذلك
قال: وما هو؟ قال (صلى الله عليه واله وسلم ): أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله
قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، والله يا محمد ما كنت أفرق الرجال، فما هو إلا أن رأيتك فذهب عقلي، وضعفت نفسي، ثم إطلعت على ما هممت به مما سبقت به الركبان، ولم يعلمه أحد، فعرفت أنك ممنوع، وأنك على حق، وأن حزب أبي سفيان حزب الشيطان
المحاوله الثامنه – محاوله عمير بن وهب
وكان عمير بن وهب شيطانا من شياطين قريش، وممن يؤذي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) وأصحابه، ويلقون منه عناء وهو بمكة، وكان إبنه وهب بن عمير في أسارى بدر
فذكر عمير أصحاب القليب ومصابهم
فقال صفوان: والله لا خير في العيش بعدهم
قال له عمير: صدقت والله، أما والله لولا دين علي ليس له عندي قضاءه، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي، لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن ابني أسير في أيديهم
قال: فاغتنمها صفوان وقال
علي دينك، أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا، لا يسعني شئ ويعجز عنهم
فقال له عمير: فاكتم عني شأني وشأنك، قال: أفعل
قال: ثم أمر عمير بسيفه، فشحذ له وسمّ، ثم إنطلق حتى قدم المدينة فدنا من النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) ثم قال
أنعموا صباحا، وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم
فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ): قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسلام تحية أهل الجنة
فقال: أما والله يا محمد إن كنت بها لحديث عهد
قال (صلى الله عليه واله وسلم ): فما جاء بك يا عمير؟
قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه
قال (صلى الله عليه واله وسلم ): فما بال السيف في عنقك؟
قال: قبحها الله من سيوف وهل أغنت عنا شيئاً
قال (صلى الله عليه واله وسلم ): أصدقني، ما الذي جئت له؟
قال: ما جئت إلا لذلك
قال (صلى الله عليه واله وسلم ): بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر، فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا، فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك، على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك
قال عمير: أشهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لا أعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم شهد شهادة الحق
فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ): فقهوا أخاكم في دينه، وأقرئوه القرآن، وأطلقوا له أسيره، ففعلوا (10)
المحاوله التاسعه – محاوله عصابه من زعماء قريش
قال الله تعالى :
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا(النساء 64)
ذكر الحسن (ع) في تفسير هذه الآية أن اثني عشر رجلاً من المنافقين إئتمروا فيما بينهم واجتمعوا على مكيدة لرسول الله فأتاه جبرائيل فأخبره بها فقال (صلى الله عليه واله وسلم ) إن قوماً دخلوا يريدون أمراً لا ينالونه فليقوموا وليستغفروا الله وليعترفوا بذلك حتى أشفع لهم فلم يقوموا فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) مراراً الا تقومون فلم يقم أحد منهم فقال (صلى الله عليه واله وسلم)
قم يا فلان قم يا فلان حتى عدّ اثني عشر رجلاً ، فقاموا وقالوا: كنا عزمنا على ما قلت ونحن نتوب إلى الله من ظلمنا، فاشفع لنا
فقال: الآن أخرجوا أنا كنت في بدء الأمر أقرب إلى الاستغفار وكان الله أقرب إلى الإجابة، أخرجوا عني (11)
الواضح من هذا النص أن الذين اشتركوا في محاولة قتل النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) هنا من أعمدة الحزب القرشي، بحيث أبدل الراوي أو الناشر اسمهم إلى فلان وفلان وفلان
المحاوله العاشره – محاوله رجال قريش الذين دخلواالاسلام لغرض القضاء عليه من الداخل
حاول المتسترين بالاسلام من قريش من الطلقاء وابناء الطلقاء قتل النبي اثناء المعركه ومن بين هؤلاء القوم شيبه بن عثمان
ففي معركة حنين أراد البعض من الطلقاء اغتيال النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) فلم يفلحوا ومنهم شيبة بن عثمان بن أبي طلحة أخو بني عبد الدار، وكان أبوه قد قتله علي (ع) في معركة أحد
وقال اليعقوبي
وأبدى بعض قريش ما كان في نفسه. فقال أبو سفيان: لا تنتهي والله هزيمتهم دون البحر، وقال كلدة بن حنبل: اليوم بطل السحر، وقال شيبة بن عثمان: اليوم أقتل محمدا
فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) للعباس: صح يا للأنصار، وصح يا أهل بيعة الرضوان، صح يا أصحاب سورة البقرة، يا أصحاب السمرة. ثم انفض الناس وفتح الله على نبيه وأيده بجنود من الملائكة ومضى علي بن أبي طالب إلى صاحب راية هوازن فقتله، وكانت الهزيمة
المحاوله الحاديه عشره – محاولة يهود بني النضير
خرج رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) إلى بني النضير يستعينهم في الدية، قالوا: نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت، ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه، ورسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) إلى جانب جدار من بيوتهم قاعد
فقالوا: اما من رجل يعلو هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيقتله بها فيريحنا منه، فانتدبوا لذلك عمرو بن جحاش بن كعب فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة
فأتى النبي الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام وقال لأصحابه: لا تبرحوا، فخرج راجعا إلى المدينة
فلما استبطأ النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) أصحابه قاموا في طلبه، فلقوا رجلا مقبلا من المدينة فسألوه عنه فقال: رأيته داخلا المدينة. فأقبل أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) حتى انتهوا إليه فأخبرهم الخبر بما أرادت اليهود من الغدر، وأمر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) بحربهم والسير إليهم، فسار بالناس حتى نزل بهم فتحصنوا منه في الحصون
(12)
المحاوله الثانيه عشره – محاولة يهود خيبر
واستمر اليهود في محاولاتهم لقتل الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) وفي السنة السابعة وبعد معركة خيبر أهدت زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم للنبي (صلى الله عليه واله وسلم ) شاة مصلية وكانت قد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) فقيل لها الذراع فأكثرت فيها السم، وسمت سائر الشاة ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) تناول الذراع فأخذها فلاك منها مضغة فلم يسغها، ومعه بشر بن البراء بن معرور، وقد أخذ منها كما أخذ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) فأما بشر فأساغها، وأما رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) فلفظها ثم قال: إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم ثم دعا بها فاعترفت
فمات بشر بن البراء من أكلته ولم يأكل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) من ذلك السم شيئا (13)
المحاوله الثالثه عشر – محاوله ليله العقبه
وكانت غزوة تبوك بعد انتصار المسلمين على المشركين، وسيطرتهم على جزيرة العرب، فوجد المنافقون أن ملك المسلمين أصبح عظيما، وبلادهم واسعة، فسعوا لقتل النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) للسيطرة على خلافته
ورجع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) قافلا من تبوك إلى المدينة
وقال لاصحابه من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم، وأخذ النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) العقبة(والعقبه هي الجبل الذي يعترض الطريق وطريقه صعب ) وأخذ الناس بطن الوادي إلا النفر الذين مكروا برسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) لما سمعوا بذلك استعدوا وتلثموا، وقد هموا بأمر عظيم، وأمر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) حذيفة بن اليمان، وعمار بن ياسر، فمشيا معه مشيا، وأمر عمارا أن يأخذ بزمام الناقة، وأمر حذيفة أن يسوقها فبينا هم يسيرون إذ سمعوا بالقوم من ورائهم قد غشوهم فغضب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم )، وأمر حذيفة أن يردهم، فرجع ومعه محجن، فاستقبل وجوه رواحلهم، فضربها ضربا بالمحجن، وأبصر القوم وهم متلثمون، فرعبهم الله عزوجل حين أبصروا حذيفة، وظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه، فأسرعوا حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم )، فلما أدركه، قال: اضرب الراحلة يا حذيفة، وامش أنت يا عمار، فأسرعوا حتى خرجوا من العقبة ينتظرون الناس،
وكان النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) قد قال لحذيفة: هل عرفت من هؤلاء الرهط أو الركب، أو أحدا منهم؟ قال حذيفة: عرفت راحلة فلان وفلان، وقال: كانت ظلمة الليل، وغشيتهم وهم متلثمون، فقال (صلى الله عليه واله وسلم ): هل علمتم ما كان شأن الركب وما أرادوا؟ قالوا: لا والله يا رسول الله، قال: فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا أظلمت في العقبة طرحوني منها، قالوا: أفلا تأمر بهم يا رسول الله إذا جاءك الناس فتضرب أعناقهم؟
قال: أكره أن يتحدث الناس ويقولوا إن محمدا قد وضع يده في أصحابه، فسماهم لهما، وقال: اكتماهم (ابن كثير في البدايه والنهايه)
ولما جمعهم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) وأخبرهم بما قالوه وأجمعوا له فحلفوا بالله ما قالوا
فأنزل الله تعالى الايه ( 74) سوره التوبه
(يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴿ ٧٤ ﴾
كتم حذيفه الخبر ولم يبح باسماء هؤلاء النفر من قريش ولكي تعرف مدى قوه هؤلاء القوم في قريش اليك حديث حذيفه التالي
قال حذیفة :
لو كنت على شاطئ نھر، وقد مددت یدي لاغترف فحدثتكم بكل ما أعلم ما وصلت یدي إلى فمي حتى أقتل
فلا عجب اذن ان يقول المؤرخون فلان وفلان ويتحاشون ذكر اسمائهم خوفا على حياتهم(14)
المحاوله الرابعه عشر- قريش تقتل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) وتستلم السلطه
أمر رسول الله بتجهيز حمله أسامه وأمر كبار الصحابه من قريش بالانضمام للحمله
اتخذت قريش قرارا عاجلا بقتل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) وذلك للاسباب التاليه:
اولا : إن الحزب القرشي قد عرف هدف الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) من حمله أسامه التي وضع فيها كبار وجوه قريش
ثانيا : كان مقصد الحملة بلاد الشام وهي بلاد بعيدة عن المدينة تحتاج إلى فترة طويلة للذهاب والعودة
ثالثا: كان النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) قد عين عليا (ع) وصياً له في يوم الغدير أي في تلك الفترة الزمنية
رابعا : لقد أخبر الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) عن وفاته القريبة وهذا يعني ذهاب الخلافة إلى علي بن أبي طالب الذي بايعه النبي وجميع المسلمين في غدير خم
وهذا مالا تقبله قريش ابدا كما اعترف بذلك عمر بن الخطاب حيث قال
(لاتجتمع النبوه والامامه في بني هاشم ابدا) (15)
لذلك صدر قرار قريش في التخلف عن الحمله او التريث في الخروج وقتل محمد (صلى الله عليه واله وسلم ) بصوره سريه وعاجله وذلك بدسم السم له لكي يتسنى لهم اختطاف السلطه
تفاصيل الخطه
طلبت عائشه ان يكون تمريض رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) في بيتها وكان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) يغمى عليه ويفيق من شده الحمى وقد حاولوا أن يلدّوه ( واللدود هو نوع من الادويه يعطى للمريض)
ولكن اللدود الذي أُعطي للرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) كان ممزوجا بسم من الحبشه
فعندما أفاق الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) نهاهم عن ذلك وقال لهم :
(الم أقل لكم لا تلدوني)
فقالوا لدفع التهمه عنهم إن العباس هو من أعطاك اللدود ولتكذيبهم فقد قال لهم الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) (16)
لياخذ كل من في الدار من هذا اللدود الا العباس لانه لم يشاركهم
وعن عائشة قالت: لددنا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني
قلنا: كراهية المريض للدواء
وأيد الحاكم في كتابه المستدرك على الصحيحين مقتل الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) بالسم
وقال الشعبي:
والله لقد سمَّ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) (17)
وقبل ان يفارق الدنيا أراد أن يكتب للامه وصيه لاتضل بعدها أبدا
فهم عمر ومجموعه من قريش كانوا حول سرير رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) مايريد فمنعوه من كتابه الكتاب وقالوا حسبنا كتاب الله ان النبي غلبه الوجع وفي لفظ اخر إن النبي يهجر
عن إبن عباس (ر) قال : لما حضر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، قال النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) : هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ، فقال عمر : أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت فاختصموا منهم من يقول : قربوا يكتب لكم النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) كتابا لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم )
قوموا ، قال عبيد الله : فكان ابن عباس ، يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم (18)
وفي لفظ اخر ..وعن ابن عباس يقول: يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد برسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) وجعه ، فقال : ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ، فتنازعوا ، فقالوا : ما شأنه أهجر؟ استفهموه فذهبوا يردون عليه ، فقال : دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه ، (19)
إنقلب اليهود على موسى (ع) وعبدوا العجل وإنقلب النصارى على المسيح وباعوه بدراهم معدوده لليهود وإنقلبت امه محمد (صلى الله عليه واله وسلم ) بدافع الحسد والنزاع على السلطه وكره الدين الجديد على نبيها محمد (صلى الله عليه واله وسلم)
وقال الله تعالى
(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ( ال عمران)144
وقال تعالى :
(أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴿ 2 ﴾ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) ﴿ العنكبوت3 ﴾
سقطت قريش في الفتنه كما سقط قبلها ابليس بدافع الحسد والتنازع على السلطه و العصبيه القبليه وكره بني هاشم
رفضت قريش ان يكتب لهم رسول الله وصيه لن يضلوا بعدها ابدا وقالوا
(حسبنا كتاب الله )
وذلك يعني تخلي صريح عن الحديث والسنه النبويه فرفضوا الحديث ومنعوا تدوينه وحرقوا المدون منه والتحديث بما يعارض مصالحهم عقودا وسنتطرق لذلك بالتفصيل لاحقا ان شاء الله
محاولات اليهود قتل رسول الله وهو في صلب ابيه واجداده
المحاوله الخامسه عشر- محاوله قتل عبد الله والد النبي
و مضى عبد المطلب مع أولاده فلما رأته الكهنة و أحبار اليهود و قد تخلص عبد الله من الذبح و خاب أملهم و بطل عملهم فامتلئوا عليه غيظا و حنقا و كانوا فرحين بذبح عبد الله فلما فداه الله خاب أملهم قال بعضهم لبعض نعمل حيلة تكون في هلاكهم فقال كبيرهم و كان اسمه طيبون و قيل ربيبان و كانوا يسمعون كلامه و يطيعون أمره و قال لهم نعمل طعاما و نضع فيه سما و نهديه إلى عبد المطلب و نقول هذا طعام عملناه كرامة و إجلالا لعبد الله لخلاصه من الذبح فإن أكلوا انقطعت آثارهم و عدمت شوكتهم التي كنا نخشى منها و هاشم أصلها و تخشى منها الأحبار و الكهان و عبد المطلب فرعها الذي يتوالدون منه و ثمرها قال فعزم القوم على ذلك و صنعوا طعاما و مزجوه بالسم و أرسلوه إلى دار عبد المطلب مع نساء من نسائهم مختفيات مبرقعات ليخفى أمرهم و لا يعلم أحد من أين أتين قال و كان عبد المطلب و أولاده مجتمعين في دار فاطمة فقرعن الباب و خرجت فاطمة إليهن و رحبت بهن و قالت لهن من أين أقبلتن قلن نحن من أقاربكم من بني عبد مناف و قد دخل علينا السرور لخلاص ولدكم و قد عملنا وليمة و بعثنا ببعضها ثم دفعن ذلك لفاطمة فأخذت فاطمة منهن الطعام و دخلت به إلى عبد المطلب فذكرت له ما قالت لها النساء فلم ينكر شيئا من ذلك فغسلوا أيديهم و قال هلموا إلى ما خصكم به أقاربكم ثم إنهم هموا بالأكل و كان أول دلالة ظهرت من نور رسول الله (صلى الله عليه واله) إن الله سبحانه و تعالى أنطق الطعام و قال لا تأكلوني فإني مسموم
فتفرقوا عنه القوم و خرجوا يطلبون النساء فلم يقفوا لهن على أثر فعلموا أنهن من أعدائهم اليهود ثم إنهم حفروا للطعام حفيرة و ألقوه فيها ( 20)
المحاوله السادسه عشر – المحاوله الثانيه لقتل عبد الله والد النبي
كان عبد الله مولعا بالصيد و القنص و كان إذا خرج إلى الصيد لا يرجع إلا ليلا و كان خروجه من عند أبيه عبد المطلب فلم يجد اليهود إليه سبيلا حتى خرج ذات يوم وحده فطمعوا به و خرجوا في أثره و جدوا المسير عازمين على أن يظفروا به فقال بعضهم لبعض إننا نخاف من فتيان بني هاشم و هم رجال لا يطاقون و قد ذلت لهم العمالقة و فزعت من سيوفهم الجبابرة و نخشى أن يشعروا بنا فيخرجون وراءنا قال فلما سمع هيوبا مقالتهم قال لهم خاب سعيكم فإن كنتم هكذا فما الذي أتى بكم إلى هاهنا؟ ثم قال لا بد من قتل هذا الغلام و لو طال عليكم المقام فلم تجدوا يوما أحسن من هذا اليوم فإن قتلناه و اتهمونا بديته فأنا أسلمه من مالي و بعثوا عبدا من عبيدهم ينظر إلى أين يتوجه عبد الله فرجع العبد و أخبرهم أن عبد الله غاب بين الشعاب و الجبال و قد خرج من العمران و ليس معه إنسان قال فعزم القوم على ما أملوه و جعلوا نصفا منهم عند متاعهم و النصف الآخر جعلوا سيوفهم تحت ثيابهم و خرج العبد الذي أخبرهم بأي مكان و ساروا حتى أوقفهم على رأسه ثم قال يا قوم دونكم ما تطلبون و كان عبد الله قد صاد حمار وحش و هم أن يسلخه و إذا بالقوم قد أقبلوا إليه قاصدين فقال لهم هيوبا بن داحورا هذا صاحبكم الذي خرجتم لأجله فما أحس عبد الله إلا و القوم قد أحاطوا به و كانوا قد تفرقوا فرقتين و قد قالوا للذين تركوهم عند متاعهم إذا دعوناكم أجيبونا مسرعين
فلما أشرفوا على عبد الله و قد سدوا الطريق عليه و زعموا أنهم حكموا عليه فرفع رأسه و نظرهم و إذا هم محدقين به فعلم أنهم يريدون قتله قال فترك ما كان في يده و أقبل عليهم و قال يا قوم ما شأنكم؟ فو الله ما سبقت يدي على أحد بمكروه أبدا فتطلبوني به و لا مال غصبته و لا قتلت أحدا فتقتلوني فما حاجتكم؟ فإن يكن سبق مني إليكم ذنب فأخبروني حتى أعرف ما هو وكان اليهود قد تلثموا و لم يبين منهم إلا حماليق الحدق فلم يردوا عليه جوابا فأشار بعضهم إلى بعض و هموا أن يهجموا عليه قال فوضع عبد الله سهما في قوسه و رمى به نحوهم فأصاب واحدا منهم فوقع ميتا بحينه ثم رماهم بأربع نبال أصاب بها أربعة رجال قال فاشتغلوا عنه بأنفسهم فأخذ الخامسة و أنشأ يقول أفلح من يصلي على الرسول
فعندها صاح بهم هيوبا بن داحورا فبادرواإليه و اجتمعوا عليه و هو يكر عليهم يمينا و شمالا و كلما رمى رجلا خر صريعا و نزل عبد الله و استند إلى جانب المضيق و قد هجموا عليه بأجمعهم و هم يرمونه بالحجارة من كل جانب و مكان فبينما هم بالمعركة و إذا هم برجال قد أقبلوا و بأيديهم السيوف الهندية متقلدين الرماح الخطية لابسين الدروع المجلية و هم مسرعين نحوهم فتأملوهم و إذا هم بنو هاشم و بنو عبد مناف و فتيان مكة و كان أولهم أبو طالب و الحمزة و العباس
و كان أخبرهم بخبره رجل يقال له وهب لأنه قد أشرف عليهم و هم بالمعركة فهم أن ينزل عليهم بنفسه فقال ما أصنع بأعداء الله و أنا واحد ثم أقبل إلى الحرم و صاح يا بني عبد المطلب فبادروا إليه مسرعين فأخبرهم بخبر عبد الله و أقبلوا إليه مسرعين قال فلما رآهم اليهود أيقنوا بالهلاك و نزل بهم من الله ما لا يرد ثم قال لهم ما شأنكم؟ قالوا إنما أردنا أن نعلم بحقيقة الحال فقال لهم هيهات قد علمناكم و جاهدتم أنفسكم بالهلاك
وأما الفرقة التي كانت عندالأمتعة فإنهم هموا بالفرار من المضيق حتى ظنوا أنهم نجوا فأتاهم أمر الله فسقطت عليهم من الجبل قطعة فسدت عليهم المضيق فلم يجدوا مهربا من الله فلحقهم عبد المطلب و أصحابه و أهل مكة و أما الفرقة الأخرى التي كانت من الجانب الآخر مع هيوبا عدو الله قتلوا منهم ما شاء الله ثم قال رجل من اليهود دعونا نصل إلى البلد و افعلوا بنا ما تشاءون فإن لنا مع الناس متاع و مال و أشياء كان خلفناها و أنتم أحق به فخذوه و لا تقتلونا حتى نصل إلى البلد فكتفوهم عن آخرهم و أقبلوا على ناحية الطريق و ساقوا الجميع إلى مكة و أقبل عبد المطلب إلى مكة و أقبل على ولده و هو يقول يا ولدي لولا وهب بن عبد مناف أخبرنا بما كان خبرك ما علمنا بخبرك و لكن الله يكفيك و يقيك من كل سوء ثم ساقوا اليهود مكتفين و ساروا إلى مكة فلما أشرفوا على مكة خرج الناس يهنئونهم بالسلامة و إذا باليهود مصفدين أسارى فجعل الناس يرمونهم بالحجارة و هموا أن يقتلوهم (21)
المحاوله السابعه عشر - محاوله اليهود قتل عبد المطلب بن هاشم
حاول اليهود جاهدين منع زواج هاشم بسلمى بنت عمرو النجار وبعد ان تزوج هاشم بسلمى بنت عمرو النجار وولدت شيبه (عبد المطلب ) كانوا يتحينون الفرص لقتله لمعرفتهم بانه جد الرسول محمد بن عبد الله (صلى الله عليه واله)
فَلَمَّا تَمَّ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ اشْتَدَّ حِيَلِهِ وَ قَوِيَ بَأْسُهُ وَ تَبِينُ لِلنَّاسِ فَضْلِهِ
وَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي الْحَرْثِ جاء إِلَى يَثْرِبَ فِي حَاجَةٍ فَإِذَا بِابْنِ هَاشِمٍ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ وَ قَدْ عَمٍّ نُورِهِ الْبِلَادِ فَوَقَفَ الرَّجُلِ وَ هُوَ ينتدب بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَ يَقُولُ أَنَا ابْنِ زَمْزَمَ وَ الصَّفَا وَ الْمَقَامِ أَنَا ابْنِ هَاشِمٍ وَ كَفَى فَنَادَاهُ الرَّجُلِ وَ قَالَ يَا فَتَى
فَقَالَ مَا تُرِيدُ يَا عَمٍّ؟
فَقَالَ مَا اسْمُكَ؟ فَقَالَ شَيْبَةَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَ قَدْ مَاتَ أَبِي وَ جفوني عُمُومَتِي وَ نسوني أَهْلِي وَ بَقِيَتْ عِنْدَ أُمِّي وَ أَخْوَالِي فَمَنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ يَا عَمِّ؟
قَالَ مِنْ مَكَّةَ
فَقَالَ وَ هَلْ ستحمل لِي بِرِسَالَةِ وَ تتقلد إِلَيَّ أَمَانَةٍ؟
فَقَالَ الْحَرْثِ وَ حَقٌّ أَبِيكَ وَ أَبِي أَفْعَلُ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ ثُمَّ قَالَ يَا عَمٍّ إِذَا رَجَعْتَ إِلَى بَلَدُكَ سَالِماً وَ رَأَيْتَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ فَأَقْرِئْهُمُ عَنِّي السَّلَامَ وَ قُلْ لَهُمْ إِنَّ مَعِي رِسَالَةِ مِنْ يَتِيمٍ قَدْ مَاتَ أَبُوهُ وَ جَفَوْهُ أَعْمَامِهِ ثُمَّ قُلْ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيتُمْ وَصِيَّةِ هَاشِمٍ وَ ضَيَّعْتُمْ نَسْلِهِ
الحرث يبلغ الرساله
فَبَكَى الرَّجُلِ وَ اسْتَوَى عَلَى ظَهَرَ رَاحِلَتِهِ وَ أَرْسَلَ زِمَامَهَا حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ هِمَّةٌ إِلَّا رِسَالَةِ الْغُلَامُ ثُمَّ أَتَى إِلَى مَجْلِسٍ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ فوجدهم جُلُوساً فأنعمهم صَبَاحاً وَ قَالَ
يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَرَاكُمْ قَدْ غَفَلْتُمُ عَنْ عزكم وَ تَرَكْتُمْ مصباحكم يَسْتَضِيءُ بِهِ غَيْرِكُمْ فَقَالُوا مَا سَبَبُ ذَلِكَ فَأَخْبَرَهُمْ بِوَصِيَّةٍ الْغُلَامُ ابْنِ أَخِيهِمْ فَقَالُوا مَا شَاهَدْنَاهُ أَنَّهُ صَارَ إِلَى هَذَا الْأَمْرِ
فَقَالَ لَهُمْ الْحَرْثِ وَ اللَّهِ إِنَّهُ ليعجز مِنْهُ الْفُصَحَاءُ لفصاحته وَ يَعْجِزُ عَنْهُ اللَّبِيبِ لِكَلَامِهِ وَ عَنْ خطابه وَ إِنَّهُ لفصيح قَوِيَ الْجِنَانِ فَائِقٌ عَلَى الْغِلْمَانِ أَدِيبُ إِلَى عَقْلِهِ الْكِفَايَةِ وَ إِلَى جُودِهِ
قَالَ وَ كَانَ الْمُطَّلِبِ أَشَدُّ أَهْلِ زَمَانِهِ بَأْساً وَ أَعْظَمُ مِرَاساً فَقَالُوا لَهُ إِخْوَتَهُ نَخْشَى عَلَيْكَ أَنْ تَعْلَمُ بِهِ أُمِّهِ سَلْمَى وَ لَا تَدَعْهُ يَخْرُجُ مَعَكَ لِأَنَّهَا شَرَطْتُ عَلَى أَخِيكَ بِذَلِكَ فَقَالَ يَا قَوْمٍ إِنْ لِي فِي ذَلِكَ
أَمْراً دَبَّرَهُ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ
خرج المطلب في طلب ابن اخيه
ثُمَّ إِنَّهُ تأهب لِلْخُرُوجِ وَ أَفْرَغَ عَلَيْهِ لِأُمِّهِ حَرْبِهِ وَ رَكِبَ مطيته وَ أَرْخَى زِمَامَهَا إِلَى أَنْ وَصَلَ يَثْرِبَ وَ أَخْفَى نَفْسِهِ أَنْ لَا يُشْعِرُ بِهِ أَحَدٌ فتخبر سَلْمَى عَنْهُ قَالَ وَ لَمْ يَزَلْ يُتَرَصَّدُ فَوَجَدَ شَيْبَةَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فَعَرَفَهُ بِالنُّورِ السَّاطِعِ وَ الضِّيَاءِ اللَّامِعِ الَّذِي أَوْدَعَهُ اللَّهِ فِيهِ وَ قَدْ رَفَعَ صَخْرَةٍ عَظِيمَةٌ وَ قَالَ أَنَا ابْنِ هَاشِمٍ الْمَعْرُوفِ بالعطايا قَالَ فَلَمَّا سَمِعَ كَلَامِهِ أَنَاخَ مطيته وَ نَادَى ادْنُ مِنِّي يَا ابْنَ أَخِي فَأَسْرَعَ إِلَيْهِ شَيْبَةَ وَ قَالَ لَهُ مَنْ أَنْتَ يَا هَذَا؟ فَقَدْ مَالِ قَلْبِي إِلَيْكَ وَ أَظُنُّكَ مِنْ بَعْضِ عُمُومَتِي فَقَالَ لَهُ أَنَا عَمِّكَ الْمُطَّلِبِ فأسبل عِبْرَتِهِ وَ جَعَلَ يُقَبِّلُهُ وَ قَالَ يَا ابْنَ أَخِي أَ تُحِبُّ أَنْ تَمْضِيَ مَعِي إِلَى بِلَادِ أَبِيكَ وَ أعمامك وَ تَكُونُ فِي دَارِ عِزِّكَ؟
فَقَالَ نَعَمْ وَ لَكِنْ أَسْرَعُ بِنَا بالمسير فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَعْلَمُوا بِنَا أُمِّي وَ عَشِيرَتِهَا فيلحقوا بِنَا وَ يأخذوني مِنْكَ أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ يَرْكَبُ لركوبها أبطال الْأَوْسِ وَ الْخَزْرَجِ
فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي فِي اللَّهِ الْكِفَايَةِ مِنْ كُلِّ رَزِيَّةٍ ثُمَّ سَارُوا وَ رَكِبُوا الْجَادَّةِ الْكُبْرَى
اليهود يلحقون بالمطلب لقتل عبد المطلب
ثُمَّ إِنْ الْمُطَّلِبِ اسْتَوَى عَلَى ظَهَرَ نَاقَتِهِ وَ أَرْدَفَ ابْنِ أَخِيهِ قُدَّامَهُ وَ جَرَّدَ سَيْفَهُ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعُوا صَهِيلَ الْخَيْلِ وَ زعقات الرِّجَالِ وَ قَعْقَعَةَ اللجم وَ هَمْهَمَةً الْأَبْطَالِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَقَالَ الْمُطَّلِبِ يَا ابْنَ أَخِي دهمنا وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ
وإِنَّ الَّذِي أَعْطَاكَ هَذَا النُّورِ يَقْدِرُ أَنْ يَصْرِفُ عَنَّا كُلِّ مَحْذُورٍ قَالَ فَبَيْنَمَا هُمْ يتخاطبون فِي الْكَلَامِ إِذْ أدركتهما الْخَيْلِ وَ إِذَا هُمْ خَيْلٌ الْيَهُودِ فَلَمَّا رَأَوْا شَيْبَةَ عَلِمُوا أَنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ صُلْبِهِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَ يَكُونُ هَلَاكَهُمْ عَلَى يَدِهِ وَ كَانَ قَدْ بَلَغَهُمْ أَنْ شَيْبَةَ خَرَجَ مَعَ عَمِّهِ فأدركهم الطَّمَعُ فِي قَتَلَهُ فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ يَقْدُمُهُمْ سَيِّدُ مِنْ ساداتهم يُقَالُ لَهُ دِحْيَةَ الْيَهُودِيِّ
هنالك دعا عبد المطلب ربه
هنالك دعا عبد المطلب ربه حين رأى الخيل قد اقتربت منه فاستجاب الله دعاؤه وتوقفت الخبل في مكانها لاتتحرك فنزلوا عنها وتقدمو مشيا نحو عبد المطلب وعمه لقتلهما
فاخذ المطلب قوسه وهو قوس اسماعيل (عليه السلام ) فرماهم بالنبل وقتل منهم عددا عندها تقدم اليه كبير اليهود وفارسهم دحيه اليهودي و طال النزال بهما وفي اثناء ذلك سمعوا صهيل الخيول وقعقعه السلاح واذا بهم فرسان الاوس والخزرج تتقدمهم سلمى
فانسحب اليهود وتقدمت سلمى ورات المطلب مع شيبه سالمين فسالت ابنها عبد المطلب ان كان يرغب باللحوق باعمامه فقال لها نعم ان رضيت
فاخذ المطلب ابن اخيه على ناقته وحث المسير الى مكه وعندما دخلها رأت قريش الفتى والنور يسطع من جبينه فسألو المطلب عنه فقال هذا عبدي فصار اسمه عبد المطلب
التفت قريش حول عبد المطلب تتبرك بنور رسول الله بين عينيه
فلما قدم المطلب بابن أخيه شيبة و نور رسول الله (صلى الله عليه واله ) لائح بين عينيه أتت قريش به يتبركون حتى إذا أصابتهم مصيبة أو نزل بهم قحط أو دهمهم عدو يأتون إليه و يتوسلون بنور رسول الله(صلى الله عليه واله ) فيفرج الله عنهم ما نزل بهم (22)
المحاوله الثامنه عشره – قتل هاشم بن عبد مناف
ثُمَّ إِنْ هَاشِمٍ سَافَرَ إِلَى غُرَّةِ الشَّامِ بِالتِّجَارَةِ وَ حَضَرَ موسمها فَبَاعَهَا جَمِيعاً وَ لَمْ يَبْقَ مِنْ بِضَاعَتَهُ شَيْءٌ وَ اشْتَرَى مَا يَصْلُحُ لَهُ وَ اشْتَرَى لسلمى طَرَفاً وَ تُحَفاً ثُمَّ إِنَّهُ تَجَهَّزْ لِلسَّفَرِ
فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي عَزَمَ فِيهَا عَلَى السَّفَرِ وَ الرُّجُوعِ إِلَى وَطَنِهِ طَرَقَتْهُ الْعِلَّةُ وَ الفجعة وَ جَاءَتْهُ السُّرْعَةَ وَ حَوَادِثِ الزَّمَانِ فَأَصْبَحَ مُثَقَّلًا فارتحلت الْقَافِلَةُ وَ بَقِيَ هَاشِمٍ وَحْدَهُ مَعَ عَبِيدِهِ وَ غِلْمَانِهِ وَ أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُمْ الْحَقُوا برفقتكم فَإِنِّي هَالِكٌ لَا مَحَالَةَ ارْجِعُوا إِلَى مَكَّةَ وَ إِنْ مررتم بِيَثْرِبَ فأقرءوا زَوْجَتِي مِنِّي السَّلَامَ وَ أَخْبَرُوهَا بِخَبَرَيْ وَ عزوها بشخصي وَ وصوها بِوُلْدِي فَهُوَ أَكْبَرُ هَمِّي وَ لَوْلَاهُ مَا نِلْتَ أَمْرِي قَالَ فبكوا الْقَوْمِ بُكَاءً شَدِيداً وَ قَالُوا مَا نبرح مِنْ عِنْدِكَ حَتَّى نَنْظُرُ مَا يَكُونُ مِنْ أَمَرَكَ ثُمَّ أَقَامُوا تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَلَمَّا أَصْبَحَ الصَّبَّاحِ عَلَى هَاشِمٍ ترادف عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْقَلَقِ فَقَالُوا لَهُ كَيْفَ تَجِدْ نَفْسِكَ فَقَالَ لَا مَقَامَ لَكُمْ عِنْدِي أَكْثَرُ مِنْ يَوْمِي هَذَا وَ غَداً توسدوني التُّرَابِ قَالَ فبكوا الْقَوْمِ وَ عَلِمُوا أَنَّهُ مُفَارِقٍ الدُّنْيَا وَ لَمْ يَزَالُوا يساهرونه إِلَى الْفَجْرِ
الوصيه الاخيره لهاشم
ثُمَّ قَالَ لَهُمْ أقعدوني وَ ائْتُونِي بِدَوَاةٍ وَ قِرْطَاسٍ ثُمَّ إِنَّهُمْ أَتَوْهُ بِمَا طَلَبِ وَ جَعَلَ يُكْتَبُ وَ أَصَابِعَهُ تَرْتَعِدُ وَ هُوَ يَقُولُ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ هَذَا كِتَابِ كَتَبَهُ عَبْدِ ذَلِيلٌ وَ قَدْ جَاءَهُ أَمَرَ مَوْلَاهُ بِالرَّحِيلِ
أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ كَتَبْتُ لَكُمْ هَذَا الْكِتَابِ وَ رُوحِي مِنْ الْمَوْتِ تجذب وَ مَا لِي لَا أَجِدُ مِنْ الْمَوْتِ مَهْرَبٌ وَ إِنِّي نَفَذَتْ إِلَيْكُمْ جَمِيعِ أَمْوَالِي وَ ضَيْعَتِي يَا إِخْوَانِي تقاسموها بَيْنَكُمْ بِالسَّوِيَّةِ وَ لَا تَنْسَوُا الْبَعِيدَةِ الْغَائِبَةِ الَّتِي أَخَذَتْ جمالكم وَ احتوت عَلَى عزكم وَ جمالكم سَلْمَى بِنْتِ عَمْرِو فَلَا تنسوها وَ أُوصِيكُمْ بِوُلْدِي الَّذِي مِنْهَا وَ قُولُوا لِخَالِدَةَ وَ صَفِيَّةَ وَ رُقَيَّةُ وَ بَاقِي النِّسَاءِ يَبْكُونَ بالفجيعة وَ يندبوني نَدَبَ الثَّكْلَى وَ بَلَغُوا سَلْمَى عَنِّي أَفْضَلُ السَّلَامِ وَ قُولُوا لَهَا آهِ ثُمَّ آهِ إِنِّي لَمْ أَشْبَعَ مِنْ قَرِبَهَا وَ لَا مِنْ النَّظَرِ إِلَيْهَا وَ لَا إِلَى وُلْدِي وَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إِلَى يَوْمَ النُّشُورُ ثُمَّ طُوًى الْكِتَابِ وَ خَتَمَهُ بِخَاتَمِهِ وَ دَفَعَهُ إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ ثُمَّ قَالَ أضجعوني فأضجعوه فشخص بِبَصَرِهِ نَحْوَ السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ رِفْقاً بِي أَيُّهَا الرَّسُولِ بِمَا حَمَلَتْ مِنْ نُورٍ الْمُصْطَفَى
التحالف الاموي اليهودي ينفذ اول جريمه تحت شعار ( لا تبقوا لاهل هذا البت باقيه )
عدوان حاقدان على هاشم يتحينان الفرص لقتله
يقول البلاذري
وَمَاتَ هَاشِمٌ بِغَزَّةَ مِنْ بِلادِ الشَّامِ، فَقَبْرُهُ بِهَا. وَقَدِمَ بِتَرِكَتِهِ وَمَتَاعِهِ أَبُو رُهْمِ بْنُ عَبْد العزى بْن أَبِي قَيْس، من بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَكَانَ لِهَاشِمٍ يَوْمَ مَاتَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً. وَذَلِكَ الثَّبْتُ. وَيُقَالُ عِشْرُونَ سَنَةً
وقال مطرود الخزاعي يرثيه
مات الندى بالشام لما أن ثوى... أودى بغزة هاشم لا يبعد
لا يبعدن ربّ الفناء نعوده ... عود السقيم يجود بين العوّد
فجفانه رذم لمن ينتابه ... والنصر منه باللسان وباليد
من قتل هاشم بن عبد مناف
اعتقد ان اميه قد دس السم بمساعده يهود الشام لهاشم وسبب هذا الاعتقاد مايلي
اولا
لنعد قراءه المقطعين التاليين ( فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي عَزَمَ فِيهَا عَلَى السَّفَرِ وَ الرُّجُوعِ إِلَى وَطَنِهِ طَرَقَتْهُ الْعِلَّةُ وَ الفجعة وَ جَاءَتْهُ السُّرْعَةَ وَ حَوَادِثِ الزَّمَانِ فَأَصْبَحَ مُثَقَّلًا فارتحلت الْقَافِلَةُ وَ بَقِيَ هَاشِمٍ وَحْدَهُ مَعَ عَبِيدِهِ وَ غِلْمَانِهِ وَ أَصْحَابِهِ )
(ثُمَّ أَقَامُوا تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَلَمَّا أَصْبَحَ الصَّبَّاحِ عَلَى هَاشِمٍ ترادف عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْقَلَقِ فَقَالُوا لَهُ كَيْفَ تَجِدْ نَفْسِكَ فَقَالَ لَا مَقَامَ لَكُمْ عِنْدِي أَكْثَرُ مِنْ يَوْمِي هَذَا وَ غَداً توسدوني التُّرَابِ قَالَ فبكوا الْقَوْمِ وَ عَلِمُوا أَنَّهُ مُفَارِقٍ الدُّنْيَا وَ لَمْ يَزَالُوا يساهرونه إِلَى الْفَجْرِ)
من هذين المقطعين يتبين ان العله لم تمهل هاشم اكثر من ليلتين وان السم الذي سقي لهاشم كان مفعوله سريعا واليهود في الشام يمتازون بامتلاكهم تلك السموم التي راينا اثارها في كبد الحسن ومالك الاشتر وغيرم ممن قتل بالسم من اهل البيت
ثانيا
ان اميه منفيا الى الشام لعشر سنين ولاعوده له الابموت هاشم فهو صاحب المصلحه الحقيقيه بموت هاشم وقد تحقق له ما اراد فلم يبق في الشام بعد مقتل هاشم
ثالثا
يقول البلاذري
وَمَاتَ هَاشِمٌ بِغَزَّةَ مِنْ بِلادِ الشَّامِ، فَقَبْرُهُ بِهَا. وَقَدِمَ بِتَرِكَتِهِ وَمَتَاعِهِ أَبُو رُهْمِ بْنُ عَبْد العزى بْن أَبِي قَيْس، من بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَكَانَ لِهَاشِمٍ يَوْمَ مَاتَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً
وهذا يعني انه في ريعان شبابه ولا يعاني من ازمات صحيه
رابعا
وفي روايه طويله يرويها احمد بن عبد الله البكري في كتابه الانوار ومفتاح السرور والافكار في مولد النبي المختار الجزء الاول صفحه 33 حضر اليهود برئاسه ارمون بن يقطون مع 400 من اليهود مجلس خطبه سلمى بنت عمرو النجار وحاولوا عرقله الخطبه وقتل هاشم ومنع زواج هاشم من سلمى وانتقال نور رسول الله الى سلمى بنت عمرو النجار وحدثت معركه انتهت بمقتل ارمون وهرب اليهود وتمت الخطبه
من هذا يتبين سعي اليهود الحثيث لقتل هاشم وتحين الفرص لذلك
خامسا
لنستعرض وصيه هاشم لسلمى وتحذيرها من اليهود
يا سَلْمَى إِنِّي أُوَدِّعَكَ الْوَدِيعَةِ الَّتِي أَوْدَعَهَا اللَّهِ تَعَالَى آدَمَ ثُمَّ أَوْدَعَهَا آدَمَ شَيْثٍ ثُمَّ أَوْدَعَهَا شَيْثٍ وُلْدِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَ لَمْ يَزَالُوا يَتَوَارَثُونَهَا مِنْ وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ إِلَى أَنْ وَصَلَتْ إِلَيْنَا وَ قَدْ شَرَفِنَا اللَّهِ بِهَذَا النُّورِ وَ قَدْ أَوْدَعَهُ إِيَّاكَ وَ أَنَا آخُذُ عَلَيْكَ الْعَهْدِ وَ الْمِيثَاقَ بِأَنْ تَوَقِّيهِ وَ تحفظيه وَ إِنْ أَنْتَ أَتَيْتَ بِهِ وَ أَنَا غَائِبٌ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةِ الْحَدَقَةِ مِنْ الْعَيْنِ وَ الرُّوحُ بَيْنَ الْجَنْبَيْنِ وَ إِنْ قَدَرْتَ عَلَى أَنْ لَا تَرَاهُ الْعُيُونِ فَافْعِلِي فَإِنْ لَهُ حسادا وَ أضدادا وَ أَشَدُّ النَّاسِ عَلَيْهِ عَدَاوَةً الْيَهُودِ وَ قَدْ رَأَيْتُ مَا جَرَى بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُمْ بِالْأَمْسِ يَوْمَ خطبتك وَ إِنْ لَمْ أَرْجِعَ مِنْ سَفَرِي هَذَا فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ مُكَرَّماً مَحْفُوظاً إِلَى أَنْ يترعرع وَ احمليه إِلَى الْحَرَمِ دَارِ عِزُّهُ وَ نَصَرَهُ
سادسا
من يستعرض محاولات اليهود العديده لقتل محمد صلى الله عليه واله بعد ولادته ولحين استشهاده ومحاولاتهم المستميته لقبل جده عبد المطلب ووالده عبد الله لا يبق لديه اي شك بان جنودا من عسل امويه يهوديه قد قتلت هاشم (23)
المصادر
( البدايه والنهايه ) (1)
( الترمذي في سننه وابن أبي شيبة في مصنفه والحاكم في مستدرك ) (2)
( تاريخ اليعقوبي 2 / 31 ) (3)
(4) تاريخ ابن الوردي
زيني دحلان الشافعي في ( اسنى المطالب ( ص 18 (5)
6- تاريخ اليعقوبي: 2/31
(7) طبقات ابن سعد1/186
( مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 18 / 269 (8)
(البدايه والنهايه لابن كثير )(9)
(10)الاستيعاب في معرفه الاصحاب ص 1221)
(11) جواهر التاريخ ج3 ص 211
3 / 354 (12) دلائل النبوه للبيهقي
(14 )تهذيب الكمال 5/507
(13) سنن ابن داود حديث 4512
(15 )تاريخ الطبري 2/438
(16 )سنن البخاري 7/17
(17 )مستدرك الحاكم 3/60
(18)صحيح البخاري ج7 ص 9
(19)صحيح البخاري ج5 ص
(20)الأنوار و مفتاح السرور و الأفكار في مولد النبي المختار المؤلف : البكري، أحمد بن عبد الله
(21)المصدر السابق
(22) المصدر السابق
( 23 ) المصدر السابق