قراءة في بحث...
قد لا يكون الجديد مبتكراً، لكنه يمتلك مفاهيم لها حداثويتها، رؤيا معروفة بالشكل الذي يبلورها الباحث، نحن نبحث في المواضيع التي تتحدث عن الحسين (عليه السلام)، وعن قيم الحق، برؤى توثق الجيل المعاش من حيثيات (الزمان – المكان) للنظر في السمة الحضارية لتلك الرؤيا، والباحث السيد محمد رضا الجلالي في بحثه (المشهد الحسيني وعناوينه الموثوقة من أفضل الشعائر الحسينية المقدسة، اخراجه وتحقيقه العلمي ونشره).
جاءت العنونة واضحة لا تثير الانتباه؛ لما تمتلك الشعائر الحسينية من تعايش ذهني مع الناس، لكنه وضعنا أمام تشعبات أخرى: (الاخراج، والتحقيق، والنشر) ويعني التركيز هنا على السمات التوصيلية، مسير خلودي متواتر سعى لتعميم العبرة، والمقصود هنا الأساليب الابداعية من الفنون السمعية والبصرية والتدوينية وتنوعها التخصصي: (الذوق، الرغبة، الاداء الجمالي).
ومن تلك الأساليب التعبيرية، نجد الموروث التدويني الموثق بمرويات الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، والمستندة على الفكر الرسالي الذي دون لنا استغراب (أبي بن كعب) عن جملة رسول الله (عليه السلام) الترحيبية بالحسين (عليه السلام): (يا زين السماوات والأرض)، فكان الدعم النبوي المانح لواقع يزهو بالنور (الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض).
في تفاصيل هذه الجملة نجد مشهداً معرفياً يعرفنا بجوهر هذا الاشتغال الإلهي المبارك بالقيمة المعنوية التي شكلت علاقة وثيقة بالشهادة وسيادتها، غنى روحي، ورقي حضاري، يرتبط بإرث رسالي، وهذا هو الذي يوفر الوحدة العقلية والروحية استدلالاً بنصوص زيارات الإمام الحسين (عليه السلام)، تأكيد معنى الوراثة والوريث من آدم ونوح وإبراهيم، وموسى وعيسى (عليهم السلام) الى جده الرسول محمد (ص).
ومثل هذا الاشتغال يسعى الى تكوين الحدس الايماني المؤمن بجميع الغيبيات المشهودة في قضية الحسين (عليه السلام)، الحداثوية المتحققة في هذا البحث في تمثيل شخصيات مثلت اصحاب الكساء لحضور واقعة الطف الحسيني المبارك، هذه ملامح روح الواقعة لتمثل واقع الواقع، وقد يكون هذا الواقع ابتكارياً يعبر عن رؤى بصيرة ثاقبة، فالرسول (ص) حضر الطف الحسيني متمثلاً بعلي بن الحسين الأكبر (عليه السلام) أشبه الناس بالرسول خلقاً وخلقاً ومنطقاً.
والشخصية الثانية من أصحاب الكساء الإمام علي (عليه السلام) مثل حضوره العباس (عليه السلام) وسيدتي الزهراء تمثل حضورها بالعقيلة زينب (عليهما سلام الله)، والامام الحسن تمثل حضوره بابنه الشهيد القاسم وباقي أولاده، والحسين (عليه السلام) حضر بذاته المقدسة.
الكتابة التعبيرية في مثل هذا البحث ترسم العلاقة القائمة بين العالم والواقع الغيبي، نبوءة علي (عليه السلام) في طريقه حين حضر صفين، ونبوءة الإمام الحسن (عليه السلام) وهو يصارع الموت بسم راعف: (لا يوم كيومك يا أبا عبد الله) مع الحظوة الاستباقية في مفهوم الثأر عند صاحب الأمر (عليه السلام).
حصيلة هذا الحراك الشعوري بين الغيبيات والفعل الاستباقي، كونت لنا حركة فكرية وفلسفية طبعت الانسان على الالتزام الذي ولدّ ثقافة اجتماعية انسانية، وكونت الانتماء الى الحسين (عليه السلام)، هو انتماء الى المدرسة الرسالية وهذا هو التجديد القادر على خلق روح ملهمة تجيد التواصل مع الحياة عبر التأريخ المقدس للحسين (عليه السلام).