بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
إنّ مِنْ أعظَمِ نِعَمِ اللّه على الإنسان أنْ أكرَمَهُ بالعَقل وحَباهُ بِحَواس يَنطِقُ بها ويَسمَع وَيَرى مِن أجل أنْ يَفْهَم وَيَعرِف فَيُدرك وَيَعقل أسرارَ الحياة وآثارَها ونَتائجَها. ثُم مَنَّ عَلَيه أنْ هَداه وأكرَمَه بِنُورٍ وبَصيرَةٍ قَلبيّة يَسْلُك بِها مَدارِجَ الإيمان وَيَهتَدي بها الى نُورِ الحَقّ والرِّضوان، قالَ اللّه عز وَجَل: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾
وَحينما يَسْتَخف الإنسان بِهذه النِّعم يقع في شَرَكِ كُفْرانِها، فَيَسْتَخدِمها لا مِن أجل تَربية النّفس والسَّير بها نَحو مَدارج رضا الجَبّار بَل مِن أجل أنْ يُبصِر وَيَسمع ويَنطق بما لا يرضی مالِكَها جل جلاله، عِندَها يَفقِد الإنسان هذا النور من قلبه وتنطفيءَ بَصيرَته ويَعمى قَلبه وَيَفقد إدراكه وتَفكيره وَيَتَوقف سَيره نَحو مَراتب الكمال، فيعيش الظُلمة وحَيرة الجهالة، فَيَنسَلِخ عن إنسانيته ويَتحَوّل الى بَهيمة، قال اللّه تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾
والقَلبُ هنا لا يُقصَد به ذلك العُضو الذي يَضُخّ الدَم مِن وإلى جَميع أنحاء الجسم، وهو ما يُطلَق عليه بالقلب الجِّسماني، بل هو إشارة الى النّفس المُدرِكة، وَهُو الروح بلحاظ قواها الإدراكيّة المُجرّدة، إنّه النُّور الذي يَهتدي به الإنسان ويَسلُك به أعلى مَراتِب الإيمان لِيَصل الى القُرب الإلهي وهو ما يُطلق عليه بالقَلب الروحاني إشارةً الى مُجمل معاني النّفس والروح والعقل والفُؤاد والعِلم، كُلّها من أجل صياغة أعلى دَرجات الفَهم والشُعور والإدراك. والقلبُ روحٌ أو نفسٌ ذات تعلّق ربّاني تأخذ بالإنسان نحو عِزّ عبودية اللّه تعالى، وَتُطَهّر ساحَته مِنَ الرَذائل والمُوبقات، فتطمأن نَفْسهُ بِذِكر اللّه تعالى وتَسعَد بحلاوة مُناجاته، فَيبدأ مَرتبة الحُبّ في اللّه والبغض في الله، إنّه القَلب السّليم في قوله تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ .
وقَد أشار الى تلك القلوب كلام سَيّد البلغاء أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حين قال: (فطوبى لذي قلب سليم أطاع من يهديه، وتجنب من يرديه، وأصاب سبيل السلامة ببصر من بصره وطاعة هاد أمره. وبادر الهدى قبل أن تغلق أبوابه وتقطع أسبابه واستفتح التوبة وأماط الحوبة فقد أقيم على الطريق وهدى نهج السبيل) إن اللَّه عزَّ وجلّ قد أوضح طُرق الحق وأعطى الإنسان سُبُل الإستدلال لِمَعرفتها وَحَذّره من الإنجرار نَحو دروب الباطل وأن لا يَتّخذ إلهه هَواه لأن العاقبة هي عِيشَة الضّلال في مَيدان جَهل تَختَفي فيه المعايير ويَختَلط الحَقّ بالباطل فَيُؤخَذ من الحَقّ ضِغث ومـن الباطل ضـغـثٌ فَيُمزَجان، عِندَها يَستَولي الشيطان على القلوب فَتُداهِمَها ظُلمة الشُبهات، فَعَن الإمام الحَسن (عليه السلام)
أنّه قال: (أسلم القلوب ما طهر من الشبهات) فَكَما لا يُمكن للماشي مِنَ الرؤية في دَياجير الليالي، كذلك يَصعب البَصر حينما تَغشى القلوب ظُلمة الغَفلة والشُبهة، لذا لابُد للقَلب من نُور وَدليل وبوصله تَدُلّه وَتَقوده الى نور الحق جل جلاله، وهذه البوصلة هي "البَصيرة"، قال اللّه تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾
فالبصيرة إذن هي ذلك النور الذي يَستَضيء بهِ المؤمن عندما تَهجم عليه المُدلهمات مِنَ الأمور فَيَرى الأشياء على حَقائقها دون تشابه أو أختلاط. إنها الرؤية القَلبية والعقلية من أجل الإدراك والفَهم الصحيحين. والقلوب العَمياء هي تلك التي فَقَدت البَصيرة، فَدخلت عُتمة الظلال وَوَحشَة المَعاصي فعاشَت الحَيرة والأوهام، قال اللّه تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ... ﴾
ألبصيرةُ هيَ العَين القَلبية للمؤمن والتي بها يُفَكّر فَيُبصر وَيَتَدَبّر في كنه الاُمور وخفايا المُعضلات وَيَفهم مُجريات الأحداث بوعي وإدراك، قال اللّه تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾
إنّ أصحاب البَصائر النافذة لا تَظِلُّهُم الفِتَن، ولا تُتْعبهم المِحَن، عَرفوا الحَقّ فاتَّبَعوه والباطِل فاجتَنَبوه، لَمْ تَلتَبِسَ عليهم الأحداث وَلَم يَصغُوا الى الأضغاث ولم يَنخَدِعُوا بأهل المَعاصي والأحناث، إنّهم نَفَذوا بِبَصائرهم الى عُمق الفِتنه فأبصروا بِقلوبٍ واعية مِلؤُها الإيمان والتّقوى والرَّغبة في العُروج إلى أسمى مَدارجَ الكَمال ونَيل الفيوضات من الله ذي الجلال. وخَير من وَصَف أهلَ البصائر هو أمير المؤمنين علي عليه السلام في خطابٍ وجَّهَهُ لمعاوية بن أبي سفيان حين قال: (وأرديت جيلاً من الناس كثيرًا، خدعتهم بغيّك، وألقيتهم في موج بحرك، تغشاهم الظلمات، وتتلاطم بهم الشبهات، فجازوا عن وجهتهم، ونكصوا على أعقابهم، وتولّوا على أدبارهم، وعوّلوا على أحسابهم، إلاّ من فاء من أهل البصائر، فإنّهم فارقوك بعد معرفتك، وهربوا إلى الله من موازرتك، إذ حملتهم على الصعب، وعدلت بهم عن القصد)
اللهم صل على محمد وآل محمد
إنّ مِنْ أعظَمِ نِعَمِ اللّه على الإنسان أنْ أكرَمَهُ بالعَقل وحَباهُ بِحَواس يَنطِقُ بها ويَسمَع وَيَرى مِن أجل أنْ يَفْهَم وَيَعرِف فَيُدرك وَيَعقل أسرارَ الحياة وآثارَها ونَتائجَها. ثُم مَنَّ عَلَيه أنْ هَداه وأكرَمَه بِنُورٍ وبَصيرَةٍ قَلبيّة يَسْلُك بِها مَدارِجَ الإيمان وَيَهتَدي بها الى نُورِ الحَقّ والرِّضوان، قالَ اللّه عز وَجَل: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾
وَحينما يَسْتَخف الإنسان بِهذه النِّعم يقع في شَرَكِ كُفْرانِها، فَيَسْتَخدِمها لا مِن أجل تَربية النّفس والسَّير بها نَحو مَدارج رضا الجَبّار بَل مِن أجل أنْ يُبصِر وَيَسمع ويَنطق بما لا يرضی مالِكَها جل جلاله، عِندَها يَفقِد الإنسان هذا النور من قلبه وتنطفيءَ بَصيرَته ويَعمى قَلبه وَيَفقد إدراكه وتَفكيره وَيَتَوقف سَيره نَحو مَراتب الكمال، فيعيش الظُلمة وحَيرة الجهالة، فَيَنسَلِخ عن إنسانيته ويَتحَوّل الى بَهيمة، قال اللّه تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾
والقَلبُ هنا لا يُقصَد به ذلك العُضو الذي يَضُخّ الدَم مِن وإلى جَميع أنحاء الجسم، وهو ما يُطلَق عليه بالقلب الجِّسماني، بل هو إشارة الى النّفس المُدرِكة، وَهُو الروح بلحاظ قواها الإدراكيّة المُجرّدة، إنّه النُّور الذي يَهتدي به الإنسان ويَسلُك به أعلى مَراتِب الإيمان لِيَصل الى القُرب الإلهي وهو ما يُطلق عليه بالقَلب الروحاني إشارةً الى مُجمل معاني النّفس والروح والعقل والفُؤاد والعِلم، كُلّها من أجل صياغة أعلى دَرجات الفَهم والشُعور والإدراك. والقلبُ روحٌ أو نفسٌ ذات تعلّق ربّاني تأخذ بالإنسان نحو عِزّ عبودية اللّه تعالى، وَتُطَهّر ساحَته مِنَ الرَذائل والمُوبقات، فتطمأن نَفْسهُ بِذِكر اللّه تعالى وتَسعَد بحلاوة مُناجاته، فَيبدأ مَرتبة الحُبّ في اللّه والبغض في الله، إنّه القَلب السّليم في قوله تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ .
وقَد أشار الى تلك القلوب كلام سَيّد البلغاء أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حين قال: (فطوبى لذي قلب سليم أطاع من يهديه، وتجنب من يرديه، وأصاب سبيل السلامة ببصر من بصره وطاعة هاد أمره. وبادر الهدى قبل أن تغلق أبوابه وتقطع أسبابه واستفتح التوبة وأماط الحوبة فقد أقيم على الطريق وهدى نهج السبيل) إن اللَّه عزَّ وجلّ قد أوضح طُرق الحق وأعطى الإنسان سُبُل الإستدلال لِمَعرفتها وَحَذّره من الإنجرار نَحو دروب الباطل وأن لا يَتّخذ إلهه هَواه لأن العاقبة هي عِيشَة الضّلال في مَيدان جَهل تَختَفي فيه المعايير ويَختَلط الحَقّ بالباطل فَيُؤخَذ من الحَقّ ضِغث ومـن الباطل ضـغـثٌ فَيُمزَجان، عِندَها يَستَولي الشيطان على القلوب فَتُداهِمَها ظُلمة الشُبهات، فَعَن الإمام الحَسن (عليه السلام)
أنّه قال: (أسلم القلوب ما طهر من الشبهات) فَكَما لا يُمكن للماشي مِنَ الرؤية في دَياجير الليالي، كذلك يَصعب البَصر حينما تَغشى القلوب ظُلمة الغَفلة والشُبهة، لذا لابُد للقَلب من نُور وَدليل وبوصله تَدُلّه وَتَقوده الى نور الحق جل جلاله، وهذه البوصلة هي "البَصيرة"، قال اللّه تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾
فالبصيرة إذن هي ذلك النور الذي يَستَضيء بهِ المؤمن عندما تَهجم عليه المُدلهمات مِنَ الأمور فَيَرى الأشياء على حَقائقها دون تشابه أو أختلاط. إنها الرؤية القَلبية والعقلية من أجل الإدراك والفَهم الصحيحين. والقلوب العَمياء هي تلك التي فَقَدت البَصيرة، فَدخلت عُتمة الظلال وَوَحشَة المَعاصي فعاشَت الحَيرة والأوهام، قال اللّه تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ... ﴾
ألبصيرةُ هيَ العَين القَلبية للمؤمن والتي بها يُفَكّر فَيُبصر وَيَتَدَبّر في كنه الاُمور وخفايا المُعضلات وَيَفهم مُجريات الأحداث بوعي وإدراك، قال اللّه تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾
إنّ أصحاب البَصائر النافذة لا تَظِلُّهُم الفِتَن، ولا تُتْعبهم المِحَن، عَرفوا الحَقّ فاتَّبَعوه والباطِل فاجتَنَبوه، لَمْ تَلتَبِسَ عليهم الأحداث وَلَم يَصغُوا الى الأضغاث ولم يَنخَدِعُوا بأهل المَعاصي والأحناث، إنّهم نَفَذوا بِبَصائرهم الى عُمق الفِتنه فأبصروا بِقلوبٍ واعية مِلؤُها الإيمان والتّقوى والرَّغبة في العُروج إلى أسمى مَدارجَ الكَمال ونَيل الفيوضات من الله ذي الجلال. وخَير من وَصَف أهلَ البصائر هو أمير المؤمنين علي عليه السلام في خطابٍ وجَّهَهُ لمعاوية بن أبي سفيان حين قال: (وأرديت جيلاً من الناس كثيرًا، خدعتهم بغيّك، وألقيتهم في موج بحرك، تغشاهم الظلمات، وتتلاطم بهم الشبهات، فجازوا عن وجهتهم، ونكصوا على أعقابهم، وتولّوا على أدبارهم، وعوّلوا على أحسابهم، إلاّ من فاء من أهل البصائر، فإنّهم فارقوك بعد معرفتك، وهربوا إلى الله من موازرتك، إذ حملتهم على الصعب، وعدلت بهم عن القصد)