تسنيم عبد الرحمن
الخميس 934
12 /ذي القعدة/ 1444هـ - 1 / 6 /2023م
عندما يرِد ذكر إرث الأبناء الذي يحصلون عليه بعد وفاة آبائهم فعادة ما يقودنا تفكيرنا للمال والعقار وغيرها من الأمور المادية، وقد يغيب عن البال الأشياء التي هي أنفع للأبناء في دنياهم ولآبائهم الذين رحلوا في ميزان آخرتهم، وسنذكر هنا بعض تلك الأمور لعل فيها سلوى وعزاء لمن فقد أحد أبويه أو كليهما، ودرس وموعظة للأحياء من الآباء عسى أن يحرصوا على ترك الميراث الحقيقي والأنفع والأبقى لأبنائهم بإذن الله تعالى:الخميس 934
12 /ذي القعدة/ 1444هـ - 1 / 6 /2023م
أولاً/ العلاقات الأخوية الطيبة: كثير من العلاقات الأخوية تضعف أو تنهار أو حتى تنتهي بوفاة أحد الأبوين أو كليهما، وفي أحيان كثيرة يكون الآباء هم السبب بما أحدثوا من تفرقة وتمييز بين الأبناء في حياتهم، فعلى الآباء أن يحرصوا -إن لم يكونا سبباً لتقوية أواصر العلاقة بين الأبناء- ألّا يكونا السبب في تدميرها.
ثانياً/ السير على خطاه الحسنة: إن كان الأب صالحاً وسار الأبناء على خطاه كانوا سبباً في دعاء الناس له حتى بعد موته، وذلك بما يراه هؤلاء الناس من صلاح في أبناء الميت، وينسبونه بالضرورة لصلاح الآباء -مع وجود الاستثناءات- كما أن صلاح الأب يفتح أبواب الخير للأبناء بما يشاء الله تعالى، فكما نقرأ في قصة اليتيمين في سورة الكهف اللذين رُزقا بكنز أرسل الله تعالى من يحفظه لهما حتى يكبرا وذلك لصلاح أبيهما.
ثالثاً/ أثر دعواته: الدعوات الطيبة التي يدعوها الآباء لأبنائهم يبقى أثرها ويمتد حتى بعد موتهم، ويظل الأبناء شاكرين لآبائهم دعواتهم وممتنين لأثرها الطيب على حياتهم.
رابعاً/ الذكريات الجميلة والأثر الطيب في حياتهم: كثير من الآباء عندما يُتَوفى يظل أبناؤه يعانون من بعده نفسياً بما سبب لهم من أذىً وألم! وفي المقابل، من الآباء يرحلون ويتركون كل الأثر الطيب والذكريات الجميلة في حياة الأبناء، ويكون هذا دافعاً أكبر لهم للدعاء لآبائهم بعد موتهم، وصحيح أن كثيراً من الأشياء والعادات قد تفقد قيمتها بعد وفاة الآباء كالاجتماع على المائدة وجلسات شرب الشاي وزيارات الأعياد، بيد أن الأثر الطيب لها وما أحدثته في النفوس من مشاعر مميّزة ولطيفة كالرضا والمودّة والحب يجعلها سبباً في تهوين مرارة الفقد ولوعته على الأحياء.
خامساً/ النصائح القيّمة والعلم النافع: إن عبارات كـ"علمني أبي" أو "نصحتني أمي" التي ترد على لسان كثير من الأبناء بعد وفاة آبائهم وأمهاتهم عنهم، لهي أكبر دليل على عمق الأثر الذي تركته نصائح الآباء في حياة أبنائهم، فلا تبخلوا أيها الآباء بما فتح الله تعالى عليكم بالعلم والفهم في الدنيا وعلّموه لأبنائكم، وإن لم تروا له أثراً في حياتكم فأجركم باق بإذنه تعالى، ولا تدرون لعلهم ينتفعون به بعد موتكم، بل ويعلّمونه لغيرهم، ثم يصير صدقة جارية لكم إلى يوم القيامة لا مجرد نصيحة عابرة لم تلق آذاناً صاغية.
صحيح أن الإنسان قد يتقلّب ويتغيّر على مدار عمره كله، ولكن تظل هناك مبادئ وقيم يسير عليها مدى الحياة، وتشكّل تلك المبادئ مسار حياته وتغدو هي البوصلة حين اتخاذ قرارته، وغالباً ما يشكّلون هذه المبادئ الآباء والأمهات، لذا من المهم أن يحرص الآباء على تعليم أبنائهم القيم والمبادئ الجوهرية والتي لا غنى عنها وأن يستقوها جميعها من عقيدة الإسلام؛ كي يسير أبناؤهم بخطىً ثابتة وراسخة لا تزعزعها ابتلاءات الحياة ولا معادن الناس.
من الجميل أن يحرص الآباء على دعم أبنائهم مادياً بما يتركونه من ميراث ماديّ بعد موتهم، على أن يدركوا أن الإرث الحقيقي هو ما يتركه الآباء من أعمال صالحة وعلوم نافعة وذكريات طيّبة ونصائح قيّمة ينتفع بها أبناؤهم فيما بقي لهم من عمر، وتصير لاحقاً سبباً في رفع ميزان حسنات الآباء ورفع درجاتهم في الآخرة بفضله تعالى وواسع رحمته.