إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحكمة من تعدّد الشرائع

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحكمة من تعدّد الشرائع

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد



    البراهين العقليّة والآيات والأحاديث كلّها تدلّ على امتلاك الإنسان روحًا واحدةً فقط تضمّ عقلًا وقلبًا وفطرةً وشؤونًا أخرى كثيرة، كذلك تؤكّد على أنّ بدنه ذو ارتباط ببيئته الجغرافيّة - الطبيعيّة - بينما روحه ذات ارتباط بعالم ما وراء الطبيعة ومن صفاتها أنّها ثابتة على مرّ العصور بحيث لا يؤثّر عليها تغيّر الزمان، فهي في الواقع ليست شرقيّةً ولا غربيّةً ولا شماليّةً ولا جنوبيّةً، بل عبارة عن شأنٍ ماورائيّ؛ ومن هذا المنطلق إذا أردنا معرفة العوامل المساعدة في رقيّها لا بدّ وأن نستكشف خصائصها في عالم ما وراء الطبيعة. وأمّا البدن فهو مرتبط بالبيئة الجغرافيّة التي يعيش فيها بحيث يتأثّر بها وتتغيّر خصائصه الطبيعيّة وفقًا لخصائصها من جهة كونها شرقيةً أو غربيةً أو استوائيةً أو معتدلةً، وما إلى ذلك من ظروف جغرافيّة أخرى؛ ناهيك عن أنّ قابليّات البشر متنوّعة وفي تطوّر متواصل؛ لذا على ضوء هذا التنوّع ونظرًا لوجود اختلاف في الخصائص الجغرافيّة لكلّ منطقة ووجود تباين في الآثار التي تتمخّض عنها، تتنوّع قابليّات الإنسان وكذلك حاجاته من الناحية الجغرافيّة، ومن ثمّ لا بدّ من تلبية هذه الحاجات المتنوّعة بتنوّعٍ أيضًا؛ وهذا هو السبب في تعدّد الشرائع (المناهج) فهي مرتبطة بالجوانب المتغيّرة من حياة البشر.

    لذلك نلاحظ وجود تناسقٍ بين المسائل الرياضيّة التي هي ذات ارتباط بالعقل، وبين المسائل الفلسفيّة والكلاميّة (العقائديّة) التي هي ذات ارتباط بالعقل والفطرة معًا، وهذا التناسق ثابت سواء أكان في شرق الأرض أو غربها أو شمالها أو جنوبها؛ بينما مسائل العلوم التجريبيّة مثل الطبّ والصيدلة - من حيث جهتها العمليّة دون العلميّة - تختلف مع اختلاف الناس.

    أصول الدين والمبادئ العامّة للأخلاق والقانون والفقه ثابتةٌ لكونها ذات ارتباط بالجانب الثابت من وجود الإنسان، فهو صاحب فطرة ثابتة تقتضي ثبوت هذه الأمور
    : (لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)،[سورة آل عمران، الآية 85.] في حين أنّ الشريعة (المنهاج) متغيّرة ومتعدّدة من منطلق ارتباطها بظروف بيئته الطبيعيّة وأسلوب حياته.

    وحدة المتعدّد وتعدّد الواحد

    قد يسأل سائل: هل امتلاك الإنسان بُعدين وجوديَّين هما الروح والبدن، دليلٌ على وجود تعدّديّة دينيّة؟

    نقول في الإجابة عن هذا السؤال: لو كان المقصود إمكانية تحميل العديد من الأديان على فطرة البشر الواحدة، فهذا التحميل ليس صحيحًا لأنّه يستلزم القول بوحدة المتعدّد وتعدّد الواحد، ومن ثمّ فالكثير بما هو كثير يصبح واحدًا، والواحد بما هو واحد يصبح كثيرًا؛ وكلاهما في الحقيقة مستحيل، وهذه الاستحالة دليل على بطلان التعدّديّة الدينيّة.

    استنادًا إلى ذلك يثبت لنا أنّ الروح من حيث عدم تعدّدها تقتضي وجود دينٍ واحدٍ لا غير، ومن ثمّ فالقانون الذي يُسنّ لتربيتها والرقيّ بها إلى أعلى الدرجات يجب أن يكون واحدًا إذا كانت بذاتها واحدةً حقًّا؛ وفي غير هذه الحالة فالقانون الواحد في عين وحدته يجب أن يكون متعدّدًا، والفطرة الواحدة في عين وحدتها يجب أن تكون متعدّدةً؛ وهذا الأمر مستحيل بكلّ تأكيدٍ.

    إذن، بما أنّ فطرة بني آدم واحدة، فالدين الحاكم عليها والمربّي لها والمدبّر لشؤونها واحدٌ أيضًا، ورغم أنّ كلّ نبي اتّبع أسلوبًا تبليغيًّا خاصًّا في بيئة جغرافيّة وظروف خاصّة تناسبًا مع طبيعة حياة قومه وبنيتهم البدنيّة، إلّا أنّ كافّة الأنبياء متّفقون على الأسس العامّة والمبادئ الثابتة؛ لذا لا صواب للرأي القائل بالتعدّديّة الدينيّة بمعنى وجود أديان متنوّعة تتنوّع مبادئها العقائديّة والأخلاقيّة والشرعيّة سواء أكان ذلك في عصر واحد أم في عدّة عصور؛ كذلك لا صواب للرأي القائل بجواز اعتناق الإنسان عدّة أديانٍ في آنٍ واحدٍ أو اعتناق عدّة أديانٍ واحدًا تلو الآخر بحيث تتنوّع المبادئ العقائديّة والأخلاقيّة والشرعيّة التي يعتقد بها؛ لأنّ الصواب فقط هو إمكانيّة تعدّد الشرائع مع تعدّد العصور في رحاب دينٍ واحدٍ.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X