بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
إن القرآن الكريم يعطينا عصارة حياة نبيٍّ في آيات معدودة، وهذه نعمة كبيرة من نعم كتاب الله عز وجل علينا.. ومن الأنبياء الذين يمكن أن نتأسى بحياتهم -وحياة هذا النبي، وما جرى عليه عبرة لنا جميعاً- نبي الله يونـس (ع).
إن الله تعالى قد تناول حياة نبي الله يونس في مواضع عديدة من كتابه الكريم، وسماه في بعض الآيات بـ “ذي النـون”، وكذلك بـ “صاحب الحوت” فإذن، هذا النبي له ثلاث تسميات: ذو النون، وصـاحب الحوت، ويونس.. إشارةً إلى أهم حدث في حياة هذا النبي العظيم، فقد ارتبط اسمه بالحوت، وبما جرى عليه في ظلمات البحر.
يلاحظ أن القرآن الكريم يحث الأمم والحضارات، فعندما تقول الآية: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ}.. فهي دعوة إلى أهل الأمصـار والحضارات، بما فيها المدن والقرى وما شابه ذلك، حيث تقول: لماذا لا تتأسون بقرية يونس؟.. أو بمدينة يونس؟.. -بُعث يونس في بلدة نينوى- فهلاّ تأسيتم بهذه القرية؟!..
{فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}.. فهذه القرية التي مارست أعظم الذنوب.. حيث أنه لا ذنب كالكفر {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}.. فقوم يونس كانوا من المشركين، والمعاندين لنبي من أنبياء الله عز وجل، ومع ذلك يلاحظ أنهم التجأوا إلى الله عز وجل بصـدقٍ وإنابة.. وهذا العذاب الذي أوشك أن يقع عليهم، ارتفع عنهم.. {كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}.
إن ما أصاب القرون الغابرة من الخسف والمسخ والتدميـر والطوفان وما شابه، لعله -والله العالم- يخفف من عذابهم يوم القيامة؛ لأنهم عذبوا في الدنيا، ولكل شيء حسابه عند الله عـز وجـل.. صحيح أن هذه الأمة الخاتمة، ببركة نبيهم الخاتم صلوات الله وسلامه عليه وآله، لم تعجل عقوباتهم في الدنيا.. حيث أنه لا مسخ ولا عقوبات ظاهرة في هذه الأمـة، وذلك ببركة المصطفى وآله.. ولكن، على كلٍّ، لعله ما حل بهؤلاء الأقوام من هذه الناحية كانت نعمة من هذه الزاوية.. حيث قطعت حياتهم، ولم يستمروا في المنكر.. وهي من موجبات، تخفيف العذاب يوم القيامة.
لماذا خرج يونس (ع) مغاضبا؟.. وقوله: {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}، ألا ينافي العصمة؟.. فكيف يظن أن لا يقدر رب العالمين عليه؟.. ومـاذا جرى عليه في السفينة والبحر؟.. وما هو الدرس العملي؟..
{وَذَا النُّونِ}.. فعادةً هذه العبارات الواردة في القرآن الكريم، مثل كلمة {ذَا النُّونِ} بلا فعلٍ مسبق.. يكون هناك فعلٌ مقدّر، يمكن أن يقدر بـ”اذكر”.. أي: أذكر ذا النون {إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}.. إن نبي الله يونس عندما رأى بشائر العذاب، واطمأن إلى أن العذاب سينزل بهم، فترك القوم وكأنه انتهى التكليف.. حيث أنه قام سنوات وهو يدعوهم وينذرهم، ولكن بدون جدوى، وهذا العذاب الإلهي سيقع عليهم بعد قليل.. فمن الطبيعي أن يعيش هذا الشعور بأنه انتهى التكليف.. ولم يأت هناك أمرٌ إلهي بالبقاء فيهم، ليعدَّ ذلك معصية.
على ما يبدو أن هناك اجتهادا، واستذواقا من نبي الله يونس (ع)، أنه إذا خرج من القوم، فلا حساب عليه.. وكان من اللازم تأدباً بين يدي الله عز وجل، أن ينتظر الأوامر لحظةً بلحظة، فإذا قيل له: إذهب!.. يذهب، وإذا قيل له: ابقَ!.. فعليه أن يبقى.. حتى لو أن بشائر العذاب وجدت، فهذا لا يعني أن يترك القوم.. ولكنه ذهب مغاضباً لعدم إيمان قومه.
{فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}.. فهنا توجيهان لهذه الآية.. حيث أن عمدة ما يمكن أن يثير البعض على نبي الله يونس (ع)، هو هذه الفقرة الصغيرة {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}.. فالبعض قال: بأن المـراد بـ {ظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}.. أي كان خروجه خروجَ من يظن أن لا نقدر عليه.. فهو لم يظن هذا الظن، وكان نبياً من أنبياء الله عز وجل، وهذا المعنى لا يأتي في ذهن عامة المؤمنين.. وهناك تفسير آخر، وهو: أن {لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} ليست من القدرة، بل من التضييق.. كأن نبي الله يونس (ع) ظن بأنه سوف لن نضيق عليه، لأنه لم يرتكب خلافاً، فهو بحسب الظاهر لم يخالف نهياً إلهياً، فأخذ راحته وأخـذ يجري على وجه الأرض تاركاً قومه.. فوصل إلى البحر، وركب مع القوم.
{إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}.. هنا أيضاً تعريض رباني، كأن هذا الخروج خروج عبد آبق.. فالعبد إذا أراد أن يخرج من بيت المولى، لا بد وأن يكون هناك تنسيق مع المولى.. ويونس (ع) {أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}؛ أي ذهب ذهاب عبد آبق من مولاه.
{فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ}.. ابتليت السفينة التي ركبها بالرياح والطوفان، وصار البناء على أن يلقوا بعض الأثقال في البحر؛ لأنه يوجد ثقل في السفينة.. فاقترعوا، ومن تخرج عليه القرعة يلقى في البحر.. ولعل لأكثر من مرة، تأتي القرعة على نبي الله يونس.
انظروا إلى أن الله عز وجل إذا أراد أن يبتلي عبده، كيف يهيئ المقدمات للابتلاء!..
أولاً: ذهب إلى جانب البحر.. ولو أنه ذهب إلى جانب البر، أو إلى وادٍ، أو إلى أعلى جبل.. لما ابتلي بقصة الحوت وما شابه.
ثانيا: ركب سفينةً في وقت الأعاصير.. ولو أنه ركب السفينة في وقت هدوء الجو.. لما ابتلي بما ابتلي.
ثالثا: ركب سفينةً لا تتحمل الأثقال.. ولو أنها كانت سفينة قوية، تتحمل المسافرين.. أيضاً لما ابتلي بهذا البلاء.
وكأن الله عز وجل بيديه يسوق هذا الإنسان إلى الغرق.. ولكن كل هذه مقدمات لما وقع فيه.. إن رب العالمين إذا أراد أن يسلب منك نعمة، أو يجلب إليك نعمة، فالأمور كلها بيده.. انظروا إلى نبي الله موسى وهو طفل صغير، كيف هيأ المقدمات، يُجْعَل في المهد، والأمواج تسوق المهد إلى دار فرعون.. والأمواج هنا يسوقها الرحمن إلى يونس ليغرقه.. والله عز وجل هو نفس الرب الذي يسوق الأمواج، ليوصل موسى إلى قصر فرعون.
فإذن، إن الأمور بيد رب العالمين.. فالفضاء والهواء والأرض والسموات، كلها بيد مالك الكون (ولا يمكن الفرار من حكومتك).. وعليه، فإن أحدنا إذا نسق حياته مع رب العالمين؛ فإنه يدفع عنه الهلكات، كما دفع عن موسى.. وإذا غضب عليه؛ ينزل عليه النقم، كما ابتلى يونس بهذه المقدمات البعيدة.. حيث أنه كان يكفي لأن يتدخل رب العالمين في اللحظة الأخيرة، وتخرج القرعة باسم شخص آخر.
ولكن انظروا أيضاً إلى العناية الربانية: عُسرٌ ويسر!.. حيث يأتي الحوت -ولو جاءه سمك القرش -مثلاً- لالتهمه وقطّعه- ويفتح فمه، ليستقر في بطنه.. {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ}، عندئذٍ يلوم نفسه، فقد أحس يونس (ع) بأن الجو مكفهر، وبأن هناك علامات لعدم الرضا الإلهي عنه.. هنا أخـذ يونس يناجي ربه في الظلمات الثلاث، التي هي: الليل، وجوف الحوت، وأعماق البحار.. هنـا أيضاً درس عملي لنا: فهذا الذكر اليونسي المعروف في أوساط الأولياء والصالحين، هو من الأذكار المهمة جداً، إذا علمنا فقه هذه الآية.
فقال: {أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.. أي أن هناك تهليلا، وتسبيحا، واعترافا بالظلم.. فهذه ثلاثة عناصر في هذا الذكر اليونسي:
أولا: التهليل.. قال: {لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ}.. أي يا رب أنا لمن ألجأ؟.. فأنت الإله، وأنت الرب، وأنت الموَحَّد!.. وأنت الإله الذي يُرجع إليك في الأمور كلها.. فالتوحيد هو الذي ساقني إليك يا رب؛ ولولا أنك أنت الموحَّدُ، والمسبَّحُ، والمعبودُ في كل مكان وفي كل زمان؛ لما توجهتُ إليك.
وثانياً: التسبيح.. وقال: {سُبْحَانَكَ}.. أي أنزهك من كل نقص أو عيب.. فأنت حكيم في صنعك: إذ أرسلت العذاب على القوم في وقته.. ورفعت العذاب عن قومي في وقته.. وابتليتني ببطن الحوت، فهو أمرك.. فأنت الذي رأيت ذاك جميلاً -في عصر واحـد، وفي أرض واحدة، هؤلاء القوم يرفع عنهم العذاب، وهذا العبد الصالح ينزل عليه ما يشبه العذاب- فأنت المنزّه.
ولهذا فإن على أحدنا إذا ابتليَ ببلية، فالخطوة الأولى بعد التوحيد والتهليل، أن لا ينسب النقص والظلم إلى الله عز وجل من حيث لا يشعر.. فعندما تتمنى خلاف ما أنت فيه فقد اتهمت الله، وبمجرد أن تقول: لو كان كذا لكان هو الأفضل، في قبال المشيئة الإلهية، فكأنك تقول: يا رب أنت غير حكيم، وأنت غير رؤوف، وأنت غير لطيف بعبادك.. نعم، في مقام العمل، أنت اتهمت الله عز وجل، إما في علمه، وإما في حكمته، وإما في رأفته.
ثالثا: الاعتراف بالظلم.. فبعد أن هلل، وسبّح الله عز وجل، قال أيضا: {إني كنتُ من الظالمين}.. إن حسنات الأبرار، سيئات المقربين.. فظلم النفس أعم من المعصية؛ أي حرمانها من الامتياز.. فنبي الله آدم بأكله من الشجرة، حرم نفسه من امتياز العيش في الجنـة، فهذا ظلم لنفسه.. وكذلك يونس هذه الفترة لم يكن في قومه، ولو كان في القوم لكان مأجوراً.. وهو يسيح في البراري، ويركب السفينة، لا قوم له، ولا دعوة له.. نعم، هنا ظلم لنفسه.
ومن منا لم يظلم نفسه بهذا المعنى؟.. فمن منا يدّعي أنه في لحظة من اللحظات، كان يقوم بأفضل ما يمكن القيام به من وظائف العبودية؟.. وإن كنا نصلي، ونقرأ القرآن، ونجاهد، ونسبّح.. ولكن من قال أن هذا هو العمل الأفضـل؟.. ومن أين لك هذا؟.. فإذاً، من الممكن أن لا يعيش الإنسان من بلوغه إلى وفاته دقيقة أو لحظة قد عمل بتكليفه الواقعي، فهذا هو ظلم النفس.. فقد حرمتُ نفسي الألف درهم، لأقنع بالدرهم الواحد.. فأنا فائز، ولكن ظالم لنفسي.
وعليه، فإذا علمنا الظلم بهذا المعنى، فمن منا لم يظلم نفسه؟.. فكيف إذا اشتغل بالحرام؟.. وكيف إذا اشتغل بالمكروه؟.. وكيف إذا اشتغل بالمباح؟.. كل ذلك من مصاديق الظلم!.. فإذا اشتغل وهو لا يعلم أنها الطاعة المتعينة، فهو ظالم.. فكيف إذا اشتغل بما هو دون الطاعة، من المباحات والمستحبات والمكروهات؟..
{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ}.. لم يقل: “ثم استجبنا له” يبدو أنه ليست هناك فاصلة كبيرة بين هذه الطريقة في الدعاء، وبين استجابة الله عز وجل له.. {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}.. فهذه القصة ليست قصة يونس (ع) كقصة تأريخية، وإنما هذه القصة لشق طريق الحياة لكل فرد.. وعلى الإنسان أن يعيش مشاعر يونس (ع)؛ لأنه هو أيضا في ظلمات كثيرة: ظلمات الجهـل، وظلمات زمان الغيبة، وظلمة الانقطاع عن الحجة والولي، وظلمة الشهوات الباطنية، وظلمة المجتمع الذي يعيش فيه.. فكل هذه ظلمات، وهو غارقٌ في هذا البحر.. لذا عليه أن يقول كما قال يونس (ع): {لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.. ولا داعي للالتزام بعدد معين، فلو قالَها مرة واحـدة بصدقٍ وإخلاص، لكان من الفائزين.
{فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ}.. لقد خرج من بطن الحوت، ومن الطبيعي، إنسان متنقع في الماء، وفي بطن الحوت، فلا بد أن جلده قد رقّ، وحالته حالة غير مرضية.. وهو بعد ذلك في العراء، فلا يعلم ماذا يعمل؟.. ومن أين يأتي المـدد؟.. نعم، يد العناية واللطف، تقلبه من مكان إلى مكان.
{وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ}.. يبدو أن الإنبات كان سريعاً، فورق هذا الشجر ظلله، وجعله في حال راحة.. ولعل تلك الثمرة كانت مناسبة لحالته، إذ خرج من بطن الحوت.
وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}.. بما أنه كان صادقاً في النية، فتح الله له أبواب التعويض.. فرجع إلى قومه، فاستقبلوه أيما استقبال، بعدما رأوا العذاب، وكُشف عنهم.
{فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}.. فطالما كانت بعض الذنوب، سبباً لأن يكون الإنسان من أولياء الله عز وجل.. نعم، لا تخف من الذنب، ولا تخش المعصية، إذا كانت الإنابة بعد ذلك.. فيونس بعد أن رجع، لم يعوّض الماضي.. بل ترقى أكثر وأكثر.. حيث أنه عاد إلى قومه، فزاول الدعوة الإلهية، وآمن القوم به.. فوصل إلى مرحلة الاجتباء الإلهي.. وهذه قاعدة مهمة في عالم السير إلى الله عز وجل: أن المدبر المعرض الآثم العاصي، إذا رجع إلى ربه بصدق، لا يعوّض الماضي فحسب!.. وإنما يحرز درجات من القرب إلى الله عز وجل، لم يكن ليصل إليها مع طاعة وهو مـدل على ربه، ويمنّ عليه.. نعم، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين.
فإذن، إن ملخص هذه القصة، قصة نبي الله يونس:
أولاً: أن نجعل تحركاتنا على وفق رضا الرب؛ إقداماًو إحجاما.. فلا نجتهد بسرعة، في تشخيص الموضوعات.. بل علينا أن نتأمـل، ونتدبر.
ثانيا: ألا نقطع الأمل بالآخرين، فالناس بين يدي رحمة الله عز وجل.. فأهل نينوى، نجاهم الله من العذاب، بعد توبتهم وإيمانهم.
وثالثاً: في أصعب الظروف، وفي الظلمات علينا أن لا ننسى الالتجاء إلى رب العالمين.. فكيف يمكن للإنسان أن يتنفس في بطن حوتٍ في أعماق البحر؟.. فهذا خلاف قواعد الحياة.. لكن الله عز وجل لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السمـاء!.. إذا أراد جعل النار غير محرقة، وإذا شاء جعل بطن الحوت، وجعل أعماق البحار غير مغرقة.. نعم، الإعجاز لنا، لا لله عز وجـل.. جعل القانون هنا، وسلب القانون هناك.. فهو صاحب القانون، وهو رافع القانون.. فعلينا أن نلتجئ إليه في كل صغيرة وكبيرة، وإن أحاط بنا اليأس من كل جانب.
اللهم صل على محمد وآل محمد
إن القرآن الكريم يعطينا عصارة حياة نبيٍّ في آيات معدودة، وهذه نعمة كبيرة من نعم كتاب الله عز وجل علينا.. ومن الأنبياء الذين يمكن أن نتأسى بحياتهم -وحياة هذا النبي، وما جرى عليه عبرة لنا جميعاً- نبي الله يونـس (ع).
إن الله تعالى قد تناول حياة نبي الله يونس في مواضع عديدة من كتابه الكريم، وسماه في بعض الآيات بـ “ذي النـون”، وكذلك بـ “صاحب الحوت” فإذن، هذا النبي له ثلاث تسميات: ذو النون، وصـاحب الحوت، ويونس.. إشارةً إلى أهم حدث في حياة هذا النبي العظيم، فقد ارتبط اسمه بالحوت، وبما جرى عليه في ظلمات البحر.
يلاحظ أن القرآن الكريم يحث الأمم والحضارات، فعندما تقول الآية: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ}.. فهي دعوة إلى أهل الأمصـار والحضارات، بما فيها المدن والقرى وما شابه ذلك، حيث تقول: لماذا لا تتأسون بقرية يونس؟.. أو بمدينة يونس؟.. -بُعث يونس في بلدة نينوى- فهلاّ تأسيتم بهذه القرية؟!..
{فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}.. فهذه القرية التي مارست أعظم الذنوب.. حيث أنه لا ذنب كالكفر {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}.. فقوم يونس كانوا من المشركين، والمعاندين لنبي من أنبياء الله عز وجل، ومع ذلك يلاحظ أنهم التجأوا إلى الله عز وجل بصـدقٍ وإنابة.. وهذا العذاب الذي أوشك أن يقع عليهم، ارتفع عنهم.. {كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}.
إن ما أصاب القرون الغابرة من الخسف والمسخ والتدميـر والطوفان وما شابه، لعله -والله العالم- يخفف من عذابهم يوم القيامة؛ لأنهم عذبوا في الدنيا، ولكل شيء حسابه عند الله عـز وجـل.. صحيح أن هذه الأمة الخاتمة، ببركة نبيهم الخاتم صلوات الله وسلامه عليه وآله، لم تعجل عقوباتهم في الدنيا.. حيث أنه لا مسخ ولا عقوبات ظاهرة في هذه الأمـة، وذلك ببركة المصطفى وآله.. ولكن، على كلٍّ، لعله ما حل بهؤلاء الأقوام من هذه الناحية كانت نعمة من هذه الزاوية.. حيث قطعت حياتهم، ولم يستمروا في المنكر.. وهي من موجبات، تخفيف العذاب يوم القيامة.
لماذا خرج يونس (ع) مغاضبا؟.. وقوله: {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}، ألا ينافي العصمة؟.. فكيف يظن أن لا يقدر رب العالمين عليه؟.. ومـاذا جرى عليه في السفينة والبحر؟.. وما هو الدرس العملي؟..
{وَذَا النُّونِ}.. فعادةً هذه العبارات الواردة في القرآن الكريم، مثل كلمة {ذَا النُّونِ} بلا فعلٍ مسبق.. يكون هناك فعلٌ مقدّر، يمكن أن يقدر بـ”اذكر”.. أي: أذكر ذا النون {إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}.. إن نبي الله يونس عندما رأى بشائر العذاب، واطمأن إلى أن العذاب سينزل بهم، فترك القوم وكأنه انتهى التكليف.. حيث أنه قام سنوات وهو يدعوهم وينذرهم، ولكن بدون جدوى، وهذا العذاب الإلهي سيقع عليهم بعد قليل.. فمن الطبيعي أن يعيش هذا الشعور بأنه انتهى التكليف.. ولم يأت هناك أمرٌ إلهي بالبقاء فيهم، ليعدَّ ذلك معصية.
على ما يبدو أن هناك اجتهادا، واستذواقا من نبي الله يونس (ع)، أنه إذا خرج من القوم، فلا حساب عليه.. وكان من اللازم تأدباً بين يدي الله عز وجل، أن ينتظر الأوامر لحظةً بلحظة، فإذا قيل له: إذهب!.. يذهب، وإذا قيل له: ابقَ!.. فعليه أن يبقى.. حتى لو أن بشائر العذاب وجدت، فهذا لا يعني أن يترك القوم.. ولكنه ذهب مغاضباً لعدم إيمان قومه.
{فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}.. فهنا توجيهان لهذه الآية.. حيث أن عمدة ما يمكن أن يثير البعض على نبي الله يونس (ع)، هو هذه الفقرة الصغيرة {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}.. فالبعض قال: بأن المـراد بـ {ظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}.. أي كان خروجه خروجَ من يظن أن لا نقدر عليه.. فهو لم يظن هذا الظن، وكان نبياً من أنبياء الله عز وجل، وهذا المعنى لا يأتي في ذهن عامة المؤمنين.. وهناك تفسير آخر، وهو: أن {لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} ليست من القدرة، بل من التضييق.. كأن نبي الله يونس (ع) ظن بأنه سوف لن نضيق عليه، لأنه لم يرتكب خلافاً، فهو بحسب الظاهر لم يخالف نهياً إلهياً، فأخذ راحته وأخـذ يجري على وجه الأرض تاركاً قومه.. فوصل إلى البحر، وركب مع القوم.
{إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}.. هنا أيضاً تعريض رباني، كأن هذا الخروج خروج عبد آبق.. فالعبد إذا أراد أن يخرج من بيت المولى، لا بد وأن يكون هناك تنسيق مع المولى.. ويونس (ع) {أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}؛ أي ذهب ذهاب عبد آبق من مولاه.
{فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ}.. ابتليت السفينة التي ركبها بالرياح والطوفان، وصار البناء على أن يلقوا بعض الأثقال في البحر؛ لأنه يوجد ثقل في السفينة.. فاقترعوا، ومن تخرج عليه القرعة يلقى في البحر.. ولعل لأكثر من مرة، تأتي القرعة على نبي الله يونس.
انظروا إلى أن الله عز وجل إذا أراد أن يبتلي عبده، كيف يهيئ المقدمات للابتلاء!..
أولاً: ذهب إلى جانب البحر.. ولو أنه ذهب إلى جانب البر، أو إلى وادٍ، أو إلى أعلى جبل.. لما ابتلي بقصة الحوت وما شابه.
ثانيا: ركب سفينةً في وقت الأعاصير.. ولو أنه ركب السفينة في وقت هدوء الجو.. لما ابتلي بما ابتلي.
ثالثا: ركب سفينةً لا تتحمل الأثقال.. ولو أنها كانت سفينة قوية، تتحمل المسافرين.. أيضاً لما ابتلي بهذا البلاء.
وكأن الله عز وجل بيديه يسوق هذا الإنسان إلى الغرق.. ولكن كل هذه مقدمات لما وقع فيه.. إن رب العالمين إذا أراد أن يسلب منك نعمة، أو يجلب إليك نعمة، فالأمور كلها بيده.. انظروا إلى نبي الله موسى وهو طفل صغير، كيف هيأ المقدمات، يُجْعَل في المهد، والأمواج تسوق المهد إلى دار فرعون.. والأمواج هنا يسوقها الرحمن إلى يونس ليغرقه.. والله عز وجل هو نفس الرب الذي يسوق الأمواج، ليوصل موسى إلى قصر فرعون.
فإذن، إن الأمور بيد رب العالمين.. فالفضاء والهواء والأرض والسموات، كلها بيد مالك الكون (ولا يمكن الفرار من حكومتك).. وعليه، فإن أحدنا إذا نسق حياته مع رب العالمين؛ فإنه يدفع عنه الهلكات، كما دفع عن موسى.. وإذا غضب عليه؛ ينزل عليه النقم، كما ابتلى يونس بهذه المقدمات البعيدة.. حيث أنه كان يكفي لأن يتدخل رب العالمين في اللحظة الأخيرة، وتخرج القرعة باسم شخص آخر.
ولكن انظروا أيضاً إلى العناية الربانية: عُسرٌ ويسر!.. حيث يأتي الحوت -ولو جاءه سمك القرش -مثلاً- لالتهمه وقطّعه- ويفتح فمه، ليستقر في بطنه.. {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ}، عندئذٍ يلوم نفسه، فقد أحس يونس (ع) بأن الجو مكفهر، وبأن هناك علامات لعدم الرضا الإلهي عنه.. هنا أخـذ يونس يناجي ربه في الظلمات الثلاث، التي هي: الليل، وجوف الحوت، وأعماق البحار.. هنـا أيضاً درس عملي لنا: فهذا الذكر اليونسي المعروف في أوساط الأولياء والصالحين، هو من الأذكار المهمة جداً، إذا علمنا فقه هذه الآية.
فقال: {أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.. أي أن هناك تهليلا، وتسبيحا، واعترافا بالظلم.. فهذه ثلاثة عناصر في هذا الذكر اليونسي:
أولا: التهليل.. قال: {لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ}.. أي يا رب أنا لمن ألجأ؟.. فأنت الإله، وأنت الرب، وأنت الموَحَّد!.. وأنت الإله الذي يُرجع إليك في الأمور كلها.. فالتوحيد هو الذي ساقني إليك يا رب؛ ولولا أنك أنت الموحَّدُ، والمسبَّحُ، والمعبودُ في كل مكان وفي كل زمان؛ لما توجهتُ إليك.
وثانياً: التسبيح.. وقال: {سُبْحَانَكَ}.. أي أنزهك من كل نقص أو عيب.. فأنت حكيم في صنعك: إذ أرسلت العذاب على القوم في وقته.. ورفعت العذاب عن قومي في وقته.. وابتليتني ببطن الحوت، فهو أمرك.. فأنت الذي رأيت ذاك جميلاً -في عصر واحـد، وفي أرض واحدة، هؤلاء القوم يرفع عنهم العذاب، وهذا العبد الصالح ينزل عليه ما يشبه العذاب- فأنت المنزّه.
ولهذا فإن على أحدنا إذا ابتليَ ببلية، فالخطوة الأولى بعد التوحيد والتهليل، أن لا ينسب النقص والظلم إلى الله عز وجل من حيث لا يشعر.. فعندما تتمنى خلاف ما أنت فيه فقد اتهمت الله، وبمجرد أن تقول: لو كان كذا لكان هو الأفضل، في قبال المشيئة الإلهية، فكأنك تقول: يا رب أنت غير حكيم، وأنت غير رؤوف، وأنت غير لطيف بعبادك.. نعم، في مقام العمل، أنت اتهمت الله عز وجل، إما في علمه، وإما في حكمته، وإما في رأفته.
ثالثا: الاعتراف بالظلم.. فبعد أن هلل، وسبّح الله عز وجل، قال أيضا: {إني كنتُ من الظالمين}.. إن حسنات الأبرار، سيئات المقربين.. فظلم النفس أعم من المعصية؛ أي حرمانها من الامتياز.. فنبي الله آدم بأكله من الشجرة، حرم نفسه من امتياز العيش في الجنـة، فهذا ظلم لنفسه.. وكذلك يونس هذه الفترة لم يكن في قومه، ولو كان في القوم لكان مأجوراً.. وهو يسيح في البراري، ويركب السفينة، لا قوم له، ولا دعوة له.. نعم، هنا ظلم لنفسه.
ومن منا لم يظلم نفسه بهذا المعنى؟.. فمن منا يدّعي أنه في لحظة من اللحظات، كان يقوم بأفضل ما يمكن القيام به من وظائف العبودية؟.. وإن كنا نصلي، ونقرأ القرآن، ونجاهد، ونسبّح.. ولكن من قال أن هذا هو العمل الأفضـل؟.. ومن أين لك هذا؟.. فإذاً، من الممكن أن لا يعيش الإنسان من بلوغه إلى وفاته دقيقة أو لحظة قد عمل بتكليفه الواقعي، فهذا هو ظلم النفس.. فقد حرمتُ نفسي الألف درهم، لأقنع بالدرهم الواحد.. فأنا فائز، ولكن ظالم لنفسي.
وعليه، فإذا علمنا الظلم بهذا المعنى، فمن منا لم يظلم نفسه؟.. فكيف إذا اشتغل بالحرام؟.. وكيف إذا اشتغل بالمكروه؟.. وكيف إذا اشتغل بالمباح؟.. كل ذلك من مصاديق الظلم!.. فإذا اشتغل وهو لا يعلم أنها الطاعة المتعينة، فهو ظالم.. فكيف إذا اشتغل بما هو دون الطاعة، من المباحات والمستحبات والمكروهات؟..
{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ}.. لم يقل: “ثم استجبنا له” يبدو أنه ليست هناك فاصلة كبيرة بين هذه الطريقة في الدعاء، وبين استجابة الله عز وجل له.. {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}.. فهذه القصة ليست قصة يونس (ع) كقصة تأريخية، وإنما هذه القصة لشق طريق الحياة لكل فرد.. وعلى الإنسان أن يعيش مشاعر يونس (ع)؛ لأنه هو أيضا في ظلمات كثيرة: ظلمات الجهـل، وظلمات زمان الغيبة، وظلمة الانقطاع عن الحجة والولي، وظلمة الشهوات الباطنية، وظلمة المجتمع الذي يعيش فيه.. فكل هذه ظلمات، وهو غارقٌ في هذا البحر.. لذا عليه أن يقول كما قال يونس (ع): {لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.. ولا داعي للالتزام بعدد معين، فلو قالَها مرة واحـدة بصدقٍ وإخلاص، لكان من الفائزين.
{فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ}.. لقد خرج من بطن الحوت، ومن الطبيعي، إنسان متنقع في الماء، وفي بطن الحوت، فلا بد أن جلده قد رقّ، وحالته حالة غير مرضية.. وهو بعد ذلك في العراء، فلا يعلم ماذا يعمل؟.. ومن أين يأتي المـدد؟.. نعم، يد العناية واللطف، تقلبه من مكان إلى مكان.
{وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ}.. يبدو أن الإنبات كان سريعاً، فورق هذا الشجر ظلله، وجعله في حال راحة.. ولعل تلك الثمرة كانت مناسبة لحالته، إذ خرج من بطن الحوت.
وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}.. بما أنه كان صادقاً في النية، فتح الله له أبواب التعويض.. فرجع إلى قومه، فاستقبلوه أيما استقبال، بعدما رأوا العذاب، وكُشف عنهم.
{فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}.. فطالما كانت بعض الذنوب، سبباً لأن يكون الإنسان من أولياء الله عز وجل.. نعم، لا تخف من الذنب، ولا تخش المعصية، إذا كانت الإنابة بعد ذلك.. فيونس بعد أن رجع، لم يعوّض الماضي.. بل ترقى أكثر وأكثر.. حيث أنه عاد إلى قومه، فزاول الدعوة الإلهية، وآمن القوم به.. فوصل إلى مرحلة الاجتباء الإلهي.. وهذه قاعدة مهمة في عالم السير إلى الله عز وجل: أن المدبر المعرض الآثم العاصي، إذا رجع إلى ربه بصدق، لا يعوّض الماضي فحسب!.. وإنما يحرز درجات من القرب إلى الله عز وجل، لم يكن ليصل إليها مع طاعة وهو مـدل على ربه، ويمنّ عليه.. نعم، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين.
فإذن، إن ملخص هذه القصة، قصة نبي الله يونس:
أولاً: أن نجعل تحركاتنا على وفق رضا الرب؛ إقداماًو إحجاما.. فلا نجتهد بسرعة، في تشخيص الموضوعات.. بل علينا أن نتأمـل، ونتدبر.
ثانيا: ألا نقطع الأمل بالآخرين، فالناس بين يدي رحمة الله عز وجل.. فأهل نينوى، نجاهم الله من العذاب، بعد توبتهم وإيمانهم.
وثالثاً: في أصعب الظروف، وفي الظلمات علينا أن لا ننسى الالتجاء إلى رب العالمين.. فكيف يمكن للإنسان أن يتنفس في بطن حوتٍ في أعماق البحر؟.. فهذا خلاف قواعد الحياة.. لكن الله عز وجل لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السمـاء!.. إذا أراد جعل النار غير محرقة، وإذا شاء جعل بطن الحوت، وجعل أعماق البحار غير مغرقة.. نعم، الإعجاز لنا، لا لله عز وجـل.. جعل القانون هنا، وسلب القانون هناك.. فهو صاحب القانون، وهو رافع القانون.. فعلينا أن نلتجئ إليه في كل صغيرة وكبيرة، وإن أحاط بنا اليأس من كل جانب.