بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
علماء الأخلاق لهم صياغة صاغوا بها ضرورة الوحي وضرورة رسالة السماء فقال علماء العرفان والأخلاق: الهدف الأساس للإنسان هو الوصول إلى الله تبارك وتعالى.
السيد حيدر الآملي من مشاهير علماء العرفان في القرن الهجري الثامن يعبر بهذا التعبير: اعلم أن النبوة هي الإخبار عن الحقائق الإلهية؛ أي معرفة ذات الحق ومعرفة الوصول إليه.
مراحل السير العرفاني:
السفر الأول: السفر من الخلق إلى الحق، وذلك بإزاحة الحجب الظلمانية المهيمنة على النفس للوصول إلى الله، ولا يمكن للإنسان أن يصل إلى الحق حتى يجيب عن الأسئلة الثلاثة: من أين؟ وفي أين؟ وإلى أين؟
كل إنسان بفطرته يطرح هذه الأسئلة الثلاثة على نفسه، هذه الأسئلة الثلاثة هي الهدف من وجود الإنسان، الهدف من وجودك أن تجيب عن هذه الأسئلة الثلاثة وتسير في الطريق نحو الإجابة عليها، فالهدف من وجودك هو الوصول إلى الله، والوصول إلى الله يعني أن تعرف من أين أتيتك وفي أين تمشي وإلى أين تتجه ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ [الانشقاق: 6]، ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى﴾ [النجم: 42] وليس المقصود المنتهى يكون في الآخرة لا بل ملاقيه في الدنيا، والهدف من وجودك أن تكدح إليه حتى تصل إليه.
السفر الثاني: السفر من الحق إلى الحق بالحق؛ وهو سفر في أسماء الله وصفاته، عندما تعيش حالة التأمل في أسماء الله وصفاته وأفعاله وكماله الجلالي وكماله الجمالي، كل رحلة التفكير هذه في الله تبارك وتعالى هي عبارة عن السفر من الحق إلى الحق بالحق، يقول القرآن الكريم: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [البقرة: 255] عظمة آية الكرسي أنها تعبير عن السفر الثاني وهو السفر في الحق بالحق، الرحلة إلى الله منه وإليه.
السفر الثالث: السفر من الحق إلى الخلق، بعد أن شاهد الإنسان عالم الجبروت وهو عالم العقول الكلية محمد عقل كلي، وعلي عقل كلي بعد أن شاهدت عالم الجبروت وهو عالم العقول الكلية وشاهدت عالم الملكوت من خلال رحلتك ألا وهو عالم حقائق الأشياء، في العالم التكنلوجي تُكتشف حقائق الأشياء من الزاوية المادية، كل شيء يخضع إلى الاختبار وتعرف عناصره وجزيئاته وهذا يسمى معرفة الأشياء من الزاوية المادية، أما السائر نحو الله فهو يتعرف على الأشياء من الناحية الملكوتية، ومعنى أنه يتعرف على الأشياء من الناحية الملكوتية أنه يتعرف على كل شيء من زاوية صلته بالله لا من زاوية ذاته، يتعرف على الأشياء لا من زاوية ذواتها بل من زاوية مرآتيتها لخالقها، من زاوية صلتها بخالقها بوجهها الغيري وهو مرآتيتها لله لا بوجهها النفسي، وهو ما عبرت عنه الآية المباركة: ﴿فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [يس: 83] كل الأشياء حقيقتها بيده، فعندما تتعرف على الأشياء من خلال ملكوتها تكون قد تعرفت عليها من خلال صلتها بالله عزوجل.
فإذا رجع الإنسان من رحلته الثانية، رجع وقد تعرف على عالم الجبروت وهو عالم العقول الكلية، وعلى عالم الملكوت وهو عالم حقائق الأشياء، رجع إلى عالم الناسوت وهو عالم الطبيعة والخلق ليديره إدارة إلهية وهذا ما ينقلنا إلى السفر الرابع.
السفر الرابع: السفر بالحق في الخلق؛ وهو عبارة عن مقام الشهادة، القرآن الكريم يقول: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة: 143] أن تكون شهيداً على مجتمعك ورقيباً عليه، ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [آل عمران: 104] كل هذه المراحل لا تستطيع أن تسير فيها وحدك، وإلا أصابك الضلال والتيه، لا يمكن للإنسان أن يعبر هذه المراحل وهذه الأسفار معتمداً على عقله المجرد، إذن الطريق لعبور هذه المراحل كي يصل إلى الهدف من وجوده وهو كماله الروحي الذي هو عبارة عن وصوله إلى ربه يحتاج إلى الوحي، ويحتاج إلى النبوة، ويحتاج إلى الإرشاد ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم﴾ [الشورى: 52].
من هنا المنطق العرفاني يفترض أن لا طريق للإنسان لتحقيق هدفه بالوصول إلى الله إلا من خلال الوحي.