ان الاهمال الفكري قضية لابد من مناقشتها لتفشيها بشكل واسع بالمجتمعات العربية وبالأخص مجتمعنا العراق, فيجب أن نقف أمام الكثير من التساؤلات اللازمة لفهم هكذا موضوع والوقوف على الاسباب التي ادت اليه والى تفشيه واقتناصه عقول افراد المجتمع وخاصة فئة الطلاب والتلاميذ , وقد توصل اغلب العلماء الى ان الاهمال الفكري هو عادة مكتسبة وليست صفة موروثة تنقلها الجينات البيولوجية حيث يكتسبها الشخص من خلال الظروف البيئية المحيطة به . وهذا ما نلاحظه في مجتمعنا اليوم حيث الكثير من الطلاب يعانون من اهمال فكري وعجز في التعمق بالتفكير لديهم , والسطحية المضجرة والمخيفة لكثير من امورهم, ولا نعلم السبب الحقيقي الكامن وراء ذلك, وماالذي يدور في عقليتهم . هل كانت الظروف التي مروا بها تكمن وراء عزوفهم واعتزالهم عن التطلع والقراءة , أم هناك اسباب اخرى تكمن وراء ذلك الاهمال ؟ تسألت في نفسي كثيراً ما الذي قد استجد على الطالب العراقي فاذا كانت الظروف هي السبب , هل كان الطالب سابقاً ظروفه افضل من الان ؟ وهذا التساؤل جاء من سماعي حديث مطول دار بين مجموعة من الطلبة كانوا جالسين في أحدى أروقة الكلية اثناء فترة تأدية امتحانات نصف السنة, حيث كانوا يتكلمون بصوت مرتفع عن عدم رغبتهم في الدراسة والقراءة , وهذا ما أثار انتباهي لسماع حديثهم لمعرفة ماسبب ضجرهم واهمالهم القراءة , فكانوا يتحدثون عن مللهم في تصفح الكتاب فكل شخصمنهم كان يصف الكتاب كأنه شيئاً مخيفاً ومزعجاً ومنهكاً لأعصابه فعند امساكه اياه يصاب بنوبة من الكآبة المفرطة وعدم القدرة على تكملة مابدء به .وبدأت استمع الى السبب الخفي وراء اهمال كل طالب من هذه المجموعة للقراءة والدراسة و ما الذي قد أدى به وأوصله لهذا الطريق . فأشار أحدهم الى أن سبب أهماله هو صدمته بالوساطة السادية بين بعض الاساتذة والطلاب وذهاب حقوقهم وجهودهم سدى , حيث قام أحد الاساتذة امامه برفع بعض الطلاب الى مستوى أعلى من مستواهم العلمي والعقلي والتحيز لهم لمجرد وجود صلة قرابة له بهم , او لكونهم يقربون لأحد الاساتذة في القسم , فعلى جميع الاساتذة الاخرون أن يقدمون الولاء والطاعة لمتطلبات هؤلاء الطلاب لقربهم من زميل عملهم فلا يستطيعون ان يمتنعون عن نيل شرف الولاء لزميل وبهذا يقومون بأعطاءهم ما يريدون من دون أستحقاقهم لهذه الدرجات , وهذا ما أردى بنفسية الطالب , وانتكاس طموحه ,واهدافه, لمجرد انصدامه بما يحدث من وساطات علمية كبيرة على حساب جهودهم . بينما اشار آخر الى أنه كان يعمل اليوم على طول ساعاته , ولم يستطيع القدرة على القراءة , فنظرت وجدت أنه كان مليء بالهموم وقد ملئ الحزن مقلتيه , منهك البدن لايقوى على الجلوس من شدة تعبهُ فكان يشكي لهم رثة حالهُ, والمسؤولية التي تقع على عاتقهُ فقد كان يعيل نفسه وعائلته لكي يسد رمق العيش الذي أصبح من الصعوبة تأمين أبسط حاجاته في الوقت الحاضر, في حين تحدث أحدهم عن جلوسه المتواصل أمام صفحة الفيس وأنشغالهوأهتمامه بالتعليقات والأعجابات التي أقتانها نتيجة أحد منشوراتهِ . فوجدت نفسي أمام كم هائل من التساؤلات متحيرة في نفسي , مالذي يجري , وماسبب هذا الاهمال , وما السبب الحقيقي , الذي يقف بكل جدارة وثقة عارمة الذي كان يلبس اقنعة مزيفة لكي يجعلنا مهملين بالعلم والتعلم وفهم ما يدور حولنا والقدرة على تفسير واقعنا؟ فوجدت الكثير من الاسباب التي أدت الى تناغم وأزدهار فكرة الاهمال في عقلية الطالب العراقي : منها وسائل التواصل الاجتماعي بكافة انواعها والاستخدام السلبي لها الى حد الادمان الآمر الذي أرهق وأتعب الكثيرين من افراد مجتمعنا وبدد طموحاتهم وأنتاجاتهم, التي لابد من وضع حل او فكرة ما , تقلل وتقيد لنا الاستخدام المتواصل لهذه الوسائل والاستفادة منها واستخدامها بالشكل الصحيح , أضافة الى وسائل الاعلام وما تنشره من مسلسلات وافلام وبرامج غير ثقافية التي ذهبت بأخلاق هذا الجيل الى الوحل والتي أودت بالكثير من العادات والتقاليد السامية التي تربى عليها الاجيال الى الاضمحلال , فنرى وجود تيار في الاعلام يسعى الى هدم هكذا قيم . كما لا نغفل دور الاسرة الذي أصبح لايقوى ساكناً , و تراجع دورها في الآونة الاخيرة بشكل ملحوظ حيث نجدها ذات استسلام غريب وغير معهود امام المدنية الحديثة , وأبتعادهاعما كانت تغرسه في نفسية الطفل من قيم ومبادئ صحيحة وسامية فأصبح تشجيعها على قيم المادة واللهث وراء المكاسب . فكثير من العلماء حددوا لنا اهمية العائلة والاسرة في تكوين عقلية الفرد فهي التي تؤسس القواعد العقلية السليمة والنزوع العميق وراء المعرفة , وهذا ما أثر اليوم على الطالب وجعله في خواء فكري وروحي ونفسي .
كما لانكاد أن ننسى دور الحكومة ووزارة التعليم العالي في التشجيع على القراءة والثقافة , فنلاحظ في البلدان الغربية تشجع افرادها على التطلع والقراءة فأغلب افرادها لايفارق يديه الكتاب وهذا عكس مانراه في مجتمعنا فلايوجد من يمسك الكتاب واذا كان هناك من امسك الكتاب فهو لحاجة ما قد يكون لاجراء بحث ما , او لأداء أحد الامتحانات المدرسية , وبهذا ينطبق علينا مقولة الفيلسوف برتراند راسل "معظم الناس يفضلون الموت على التفكير .. و في الحقيقة فإن هذا ما يفعلونه"