السنن الالهية هي مجموعة قوانين ونواميس تحكم الكون والطبيعة والانسان وحركته في الارض وفق مشيئته تعالى.
وسنن الله في هذه الارض كثيرة ومتشعبة الا انها في الاصل تصنف الى نوعين:
١- سنن كونية ثابتة لا تتغير يغلب عليها صفة القهرية كشروق الشمس من المشرق وغروبها من المغرب وضياء الشمس وحركة الافلاك وغيرها.
٢-سنن اجتماعية تتعلق بالانسان كأفراد ومجتمعات كلٌ حسب عمله وهي متغيرة بتغير الظروف الموضوعية المستلزمة لحدوثها وقد تكون مادية وقد يكون معنوية الا ان حدوثها غير قهري لانها تكون بإرادة فاعليها.
وورد الجزاء من جنس العمل في القرآن الكريم كأمثلة واقعية للسنن الالهية الاجتماعية منها قوله تعالى:
"يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ"(التوبة/٣٥) نلاحظ مجانسة العذاب مع الذنب فيمن يكنز الذهب والفضة ولا ينفقها في مواردها الشرعية تحمى في نار جهنم وتكوى بها اجساد المكتنزين ، وكذلك قوله تعالى: "وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (٣٤) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (٣٥) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦)" (الحاقة٣٤-٣٦) نلاحظ ان من لا يحض على طعام المسكين ويتكبر عليهم ويبعدهم لا يجد في الاخرة شخص حميم له ويكون طعامه من الغسلين وهو "غسالة أبدان الكفار في النار، إلا أن المتعارف عليه أن المقصود به هو الدم والقيح النازل من أجسام أهل النار"(١)
كما وردت السنة الالهية الاجتماعية الجزاء من جنس العمل في التاريخ كأفراد ومجتمعات في بطون الكتب التاريخية كثيرا كامثلة واقعية حية متجددة لاخذ العظة والعبرة منها مثلا فيما يخص المجتمعات قصة تلك القرية التي تبطرت على نعم الله تعالى ووصلوا الى اعلى درجات جحود النعمة عندما كانوا يمسحون فضلات اطفالهم بالخبز حتى صار الخبز الملوث تلالا عالية فعذبهم الله تعالى بالقحط والجوع مما اضطرهم للاكل من ذلك الخبز الملوث.
ومما يخص الافراد فالقصص كثيرة جدا منها معذبّة زنيرة وزنيرة أمة مملوكة وهي من اوائل المسلمات عذبتها مالكتها لدخولها الاسلام وكانت تأمر جواريها بان يضربن زنيرة على رأسها حتى عميت وذهب بصرها وعندما كانت زنيرة تطلب شربة من الماء كانت تتهكم عليها بان تطلب من ربها ان يعيد اليها بصرها وتشرب الماء فدعت الله تعالى فعادت مبصرة وعانت سيدتها من وجع في راسها لا يسكن الا بضرب رأسها فكن جواريها يضربنها على راسها كما كُنّ يضربن زنيرة.
ولعل ابرز قصص سنّة الجزاء من جنس العمل هو ما حصل مع قتلة الامام الحسين ع منهم "رجل يقال له زرعة شهد قتل الحسين فرمى الحسين بسهم فأصاب حنكه وذلك أن الحسين دعا بماء ليشرب فرماه فحال بينه وبين الماء فقال اللهم أظمئه قال فحدثني من شهد موته وهو يصيح من الحر في بطنه ومن البرد في ظهره وبين يديه الثلج والمراوح وخلفه الكانون وهو يقول أسقوني أهلكني العطش فيؤتى بالعس العظيم فيه السويق والماء واللبن لو شربه خمسة لكفاهم فيشربه ثم يعود فيقول أسقوني أهلكني العطش قال فانقد بطنه كانقداد البعير"(٢).
وبلحاظ ما تقدم نخلص ان السنن الالهية ثابتة لا تتغير لانها مظهر للعدل الالهي "فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا"(فاطر/٣٤) وهي باختصار دورة تربوية مفاهيمية وسلوكية في التغيير نحو الافضل.
الهوامش:
(١)الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج ١٨، ص٦٠١.
(٢)ذخائر العقبى، ص١٤٤.