أبحث في قرائتي للمنجز عن ما يتعالق في ذهنية التلقي ، عن الإحداث التي تحمل الكثير من الإفعال الجسيمة ، عن الفكر والفكرة ، وصياغة تلك الرؤى فنا يستلهم في إبراز الفكرة ، جاء في ملصق الغلاف / الخاتمة ، ( النظر بالعين والإبحار بالفكر ، والظن بادراك الحقيقة ، هل تستطيع العين خداع الضمير؟ أم الضمير هو الذي يخادعها ؟ وما مصير الحقائق التي تغيب ، شخصيات اعتقدت بفعل الصواب فباركت الأخطاء التي اقترفتها ، البعض يرى بخياله ويهيئ للعين مساربها ، رواية امتلكت عوامل الجذب إلى غاية مساعيها ،وهي تعالج مشكلة أو موضوع من مواضيع الحياة ، نحن نبحث عن انعكاسات الرواية أيضا وما قدمته للمتلقي من دلالات عبر الإيحاء المعبر عن الواقع الذي نحياه في النص الداخلي ـــ الخارجي لحياتنا يقول الكاتب في مقدمته ( من دموع الأمهات المبتلة بدماء الفؤاد ومن أريج الحنان الأبوي ومن صرخات يوسف والأطفال الآخرين ،تعبر لنا الرواية عن إمكانية الإرادة المؤمنة بمواجهة تجبر مؤسسة حماية الأطفال )، وهذه المقدمة تثير فضول المتلقي يشغف بمعرفة الإحداث وكشف حقيقتها ،
رواية ( هناك في ترومسو ) وترومسو مدينة من مدن شمال النرويج ، قصة طفل انتزعته مؤسسة حماية الأطفال من أمه بحجة حمايته من العنف ، أثر شهادة زور وهناك في ترومسو نفي يوسف بعدما تبنته امرأة ، جوهر القضية طفل منزوع من عائلته وامرأة تدعى ( كاترينا ) تبنته من المؤسسة والحدث يتكرر على العديد من الاطفال والبنات ، الرواية عبارة ايحاءات مفعمة بالدلالة
( السيدة كاترينا تهدىء الطفل وتمسد على رأس الكلب لكي يشعر الطفل بالامان ) بكاء الطفل ونظراته البريئة تختزل ايحاءات البراءة ، في مشهد يبعث هياج الشجن ، يتحدث الراوي عن وحشة السيدة كاترينا التي امتدت الى سنوات عجاف ) ص10 والسيدة كاترينا أمرأة غنية مرفهة لم يكن هنالك شيء يعوزها ، ولم تكن تطمح الى شيء ، كل ما ينقصها هو وجود طفل يلهو في الغرف الشاغرة ، تبقى القصة في جوهر السيدة كاترينا ، هل هي قادرة ان تفهم ان للطفل أم رعته بذرة ونضجت برعما ، تحيطه بالدفء والحنان وتسدد راحتها ثمنا لراحته ، ، قضايا مهمة اثارتها الرواية اولها النظر عبر منظار الذات سيولد الكثير من الظلم للآخرين ، وفي الجهة الثانية المقاومة ضد ظلم المؤسسة التي اخذت اولاد العوائل المهاجرة ، ، المقاومون يجلسون في غرفة اجتماع يلاحظ الصحفي ميل الساعة الجدارية وتعني ان الثورة تعتسعى لتقويم ميلان الساعة ، وأقرأ بخصوصية قراءتي ان تاريخ انتزاع الطفل من أمه والاعتداء الآثم على السكينة والرضا هو يوم الخميس الدامي في قلب التأريخ ، ينحى عن الوصف منحى الشعرية لترسيخ المعنى القصدي ،
( الكلمات التي خرجت من فهمها ستكون مسامير تعلق عليها روحها المصلوبة على لوح الفقد )ص13،
انزياحات ترسخ القصة عبر جمالية العرض أو نقرأ
( سيارة الشرطة ... اطاراتها المسرعة تدعس مشاعر الامومة دون رحمة تتكسر العبرات في صدر تلك الأم) ص14
مشاهد خطف الاطفال التي تمارسها المؤسسة برفقة الشرطة تشكل التضاد الفكري بين تقدم البلدان بالعمران وفي المظاهر المادية وعدم احترام خصوصيات الناس يساوون العقوبة بين من يستحقها ومن لا يستحقها ، تبرز لنا الرواية حالات انهيار الأمهات بعد ان أخذوا ابنها ، تختزل الكثير من الرؤى المهمة في حياة الإنسان ، مثلا القوانين ونسبية التحقيق في أي مكان ما دام البشر هم من يسنون القوانين ، اعقد الأشياء هو ممارسة الظلم باسم القانون والحرية والإنسانية مجرد استذكار عابر لهذه الامور تكون موجعة لكنها قادرة على منح الإنسان مدارك الوعي ، القضية مأساوية لكن لها نور يضيء عتمات التأويل ، يظهر لنا الناس مع تقدمهم التقني الا إنهم فشلوا في انسانية التعامل ، فشلوا في فهم حنان الأمهات صفر في العاطفة الانسانية ، ناس يمارسون القانون بلا قلب ولا عيون ، ما فائدة قانون أعمى ،
( المرتكز الأول )
تفاعل الإعلام لخلق تمايز أنساني في حال لاوجود لإعلام يفضح تلك الجرائم التي تنتشر في النرويج وباسم القانون وبرعاية الدولة
***
( المرتكز الثاني )
قولبة الأنسان وخاصة والمهاجرين ، فلا أحد منهم يفهم عادات هؤلاء الناس وتقاليدهم ، والقولبة تعني السعي لصهر الجميع في بوتقة واحدة دون النظر الى خصوصية معينة
***
( المرتكز الثالث )
اختزال المأساة في حكاية لها غايات دلالية تمنحنا عبرا مهمة ومنها إن الظلم مهما استشرى لا يستطيع ان يقدم شيئا دون خيانة الناس لمجتمعاتهم ومن بعض تلك الخيانات قد تكون غير واعية ومنها تكون بوعي ، فلا يمكن للسلطة أن تطغي لولا جواسيسها المنتشرين في جسد الشعب وتكون خدماتهم مبررة بخدمة الأمة ،
****
( المرتكز الرابع )
الهلع .. الرواية حافلة بالهلع الذي يصنعه الإنسان للإنسان ، الفوبيا التي تحاول كل سلطة بثها في قلوب الناس باعتبار إن الخوف طاعة قسرية وهذا هو الفشل
*****
( المرتكز الخامس )
الإعلام الذي يكون هو الصوت العالي للفقراء والمظلومين ، لا يمكن للظلم ان يستمر وهناك إعلام يوحد الأمة ، وجميع وسائل الإعلام تتوحد لخدمة الإنسان وليس لخدمة أحزاب وكتل سياسية وتترك الشعب بلا صوت ، عملية خطف الأبناء وحدت كل الهويات فصارت قضية عودة الأطفال لأهاليهم قضية إنسانية وطنية ، وكتبت المقالات الكثيرة حول الموضوع واستخدموا إثارة الناس لقضيتهم ، قدموا إحصائيات بأرقام الأطفال ورسائل أهاليهم ، بين استغاثة ودعوة إلى التدخل والمؤازرة ، رفعوا شعار ( أريد ماما ) أجراء اللقاءات وإعداد التقارير عمل تحشيد إعلامي وتعبئة جماهيرية حول قضية واضحة ولها أبعاد إنسانية ضد تعسف المؤسسة ، الرواية رسالة تعلمنا كيف نتوحد لتكون لنا الكلمة ، ما نحتاج إليه اليوم ان نتعلم ثقافة الرفض ،
****
( المرتكز السادس )
ثورية الإنسان وبحثه عن العدالة ، أبناء الانتفاضة الثعبانية في العراق عام 1991م بوعيهم الثوري والقيم التعبيرية الموضحة لبناء فكر أنساني وعلاقات معنوية تحمل روح التآلف ووحدة المصير ، كان لهم الدور في أحداث الرواية
****
( المرتكز السابع )
وحدة القضية ، تلك هي القضية ، حين أثاروها عبر مواقع التواصل الاجتماعي كانت لأصواتهم وحدة الرأي ، وحدة المطالب ، وحدة الهوية لذلك حصلوا على علاقات حسنة وتأييد الكثير من المحامين والموظفين ، لو اعتبرنا ما حدث بالرواية دلالة رمزية تستحثنا الى قراءة الواقع الذي نعيشه في العراق ، لنقرأ مأساة وطن لا يمكن ان نصل الى التأثير الاسمى عند العالم ونحن متحزبون بأحزاب وطوائف متفرقون تحت عناوين بائسة وأصواتنا عبارة عن رفض جزئي وقبول جزئي حتى الظلم له ناسه والمدافعين عنه بقوة ، في النرويج كسبوا القضية باهتمام العالم وتعاونه مع أهالي الاطفال المختطفين رسميا تحت سطوة القانون، أناس من الهوية النرويجة ومن العالم الغربي ساندوا ودعموا وقدموا المعاونة والموقف الضميري الحاسم ، نحن شعب لدينا قضية شهداء سبايكر بالالاف ولدينا ضحايا بئر علو خمسة الاف جثة متفسخة ولدينا ضحايا الفسحة 4000جثة متفسخة ولا صوت آزر القضية لأننا متحجرون بالطائفية لا احد من الطيف الآخر جرحت مشاعره ونظر الى القضية انسانيا ، هذه الرواية تعلمنا كيف نصل إلى معنى الإنسان ، فهناك موظفين من داخل المؤسسة انتفضوا حرموا الوظيفة وجاعوا وطردوا من وظائفهم لكنهم توحدوا ،
****
( المرتكز الثامن )
الإصرار نجد في الصفحة 36 عشرة الآف متظاهر محامون وقضاة وصحفيون ومواطنون وتجاهلهم أعضاء البرلمان النرويجي ، تجاهلوا المظاهرات لكن الناس لم تسكت كان القرار إعداد منهاج صبور لمواجهة فكرية ليس فيها تعسف وحرق وتعطيل مؤسسات وممنوع تجول قسري ، كان الهم هو أقناع الناس بعدالة قضيتهم تطور الحال في ( صفحة 88) اقتنع البرلمان النرويجي بقضيتهم ، اصدر تعليمات بموجبها لابد من الاستماع إلى ممثلي المظاهرات والنتيجة هو تعديل القرار من الخطف الرسمي إلى غرامات تفرض على الأهالي والتأكد من الشكاوى الواردة من الناس ، شحن الكاتب روايته بالكثير من الدلالات اختارها للتأثير في نفسية متلقيه من حيث الألفاظ التي عبرت عن الألم وعن الحرمان والأمومة والطفولة وكثر استخدام مفردات عن العدالة والقضية وجهل المطالبة والتقارير والتحقيقات والبرلمان وبإمكاننا ان نقرأ واقعنا العراقي من بين ثنايا السرد
:ـ( سنسلك طريق الكلمة هو اسلم الطرق وأنجعها )،
نحن ابناء الواقع العراقي نحتاج وحدة الكلمة ومسؤوليته الوطنية ونلاحظ وجود مساحة جميلة تعبر عن دعاء الأمهات بالفرج والتوكل على الله ،
كانت الرواية عبارة عن رحلة البحث عن الإنصاف وخطورة سوء الفهم وأهمية التآزر لبلوغ السعادة ، وضرورة الاعتناء بالحس الإنساني فهو القادر على تهديم جدران الاختلاف وجعل الناس ترى بوضوح وتشارك هموم البعض ،
رسالة الرواية
(سادتي الاعزاء .. حافظوا على هذا الحس أديموا بقاءه لا تتركوه يموت في ذواتكم / الحس هو ما يحفظ على آدميتنا ومن غيره فلسنا الا وحوش متطورة .. لاأكثر )
هذا ما قرأته في هذه الرواية الكبيرة