الأسلوب يحتاج الى روح بعيدة عن الانفصام النفسي، والانفصال عن الواقع الذي يتعكز على التمويه أي بمعنى ان ضمور النقيض يؤدي الى ركاكة الواقع النصي، هذه هي السمة السلبية بين رؤى الكاتب ونتاجه والتأثير سيكون بطبيعة الحال سلبيا على المنجز، ملخص مفيد ان الكتابة الحقيقية هي ان تكتب روحك، وعندما يعجز الاديب عن كتابة الروح سيحتاج الى خداعها، مفردة واحدة قد تقلب مضمون النص وتفسيره ويؤذي معناه.
تفرض أحيانا سياسة المؤسسة التي يعمل بها الكاتب مضامين معينة، وعندما يصل الكاتب مرحلة نضوج الخبرة سيكون بالإمكان استثمار روحية الكاتب لصالح ذاته والمؤسسة، وخاصة عندما تكون المؤسسة ذات عناوين إنسانية متحدة وجدانيا، الأسلوب هو النمط الذي يبرر للشخصية الرؤى والتصور، تعبير بأبسط الكلمات ويعني البناء، وهناك تناسب اسلوبي من موضوع لموضوع اذا كان المطلوب هو الاعلام او الاقناع والترفيه.
يرى بعض النقاد ان (النص اكثر من الكل) مبينين ان ليس كل الكلام سردا بالقليل من الكلام يغني عن الكثير، لذلك كان يقال المبدع بما يمحي لا بما يكتب, والتكثيف الجملي هو أسلوب توازني لا تحتكم لأي قيود منهجية وتبويب ادراج وقوانين، فلكل نص منهج خاص به وعالم خاص ودلالة خاصة.
ينحصر التفكير بتوصيل الفكرة بأقل الكلمات، اقرأ الجملة التي تكتبها سترى أن أي مفردة ممكن سحبها دون أن تؤثر في سياق الجملة، وهذا يعني ان وجودها أساسا كان مربكاً، فالنص يحتاج الى اكثر من كتابة كما هو يحتاج الى اكثر من قراءة، ومن الممكن لمفردة واحدة ان تدلنا على اسلوبية الكاتب، فكيف بمن يكتب نصا لا يمثل ذاته..!
ونجد البعض يعرف بنية التضاد، إحدى البنى الاسلوبية التي تغني النص السردي بالتوتر والعمق والاثارة، وجود التنافرات في النص تعمل على تنوع ردود أفعال، بينما لاحظنا البعض يشتغل على التضاد المباشر السهل الذي لا يعطي مثل هذه المميزات.
وفي عمليات التدوين وجدنا البعض يريد ان يعطي كل الواقع، حرفيا، فنجده وخاصة في السرد يلتزم بالتفاصيل الدقيقة وهذه التفاصيل هي التي تجهز على لغة الابداع وتقتل قدرة الخلق.
هناك من الزملاء ما زال يستخدم الجمل الجاهزة التي يسميها اهل النقد (الترياق اللفظي) والاسلوبية كقوة تعبيرية لا تقف عند حدود نشر الحقائق، نحن بحاجة الى إيقاظ العقول، السرد وحده لا يكفي، نريد مع السرد وخزة ضمير لايقاظ المتلقي، ايقاظ عقليته، اختراق عواطفه بقوة الصورة, وصف, الترتيب البلاغي, الايجاز.. لكن السؤال هنا: كيف يستطيع الإعلامي ان يستمر في عملية الكتابة، البير كامو يقول: (الأولوية كلها للأسلوب).
في التفكير الحاد البعض يبحث عن اقوال وشهادات لكتاب كبار يتخذ منهم ذريعة يغطي بها عجزه وضعف ثقافته وشحة موهبته، احد المبدعين الكبار يقول: (آه لو تدرون كم حذفت), لم يقل كم كتبت بل قال كم حذفت..!
اذن، الابداع في الحذف والعفوية لعبة الفن وقدرته على الايهام، مهارته في التقدم الى القارئ والملقي على هيئة التكون العفوي التلقائي السهل اظهار الروح العفوية، فالأسلوب الحداثوي يسعى ليضع في الكتابة الروح أي كتاب ليس فيه روح الكاتب يصبح هراء روح الأسلوب الحداثة لنتحدث عن اسلوبية الحداثة في النصوص القديمة او الحديثة لغة النثر التي نتحدث بها يومياً في الكلام العادي لا تخلو من مجاز وتكثيف، لكن لا يصل الى تحقيق الانزياحات الكبيرة مثلا يقال في الكلام الدارج (شبعت هموم) هذا انزياح (مات من الضحك) هذا انزياح يأتي دور التفرد هنا والذي يعني شحن المفردة بأكثر من معنى لإيجاد خرق ترابط دلالي لعبة الشكل المضمون.
بعض النقاد فضلوا اللفظ على المضمون والبعض الاخر فضلوا المضمون على الشكل، يسأل احدهم: لماذا نريد الانفلات من اللغة الاعتيادية لوجود صلة جوهرية بين اللغة والكفاءة الفكرية؟
هناك تأمل باطني فكري لا تقدر اللغة الاعتيادية على مساوقتها، رغم ان اللغة هي من صنع التفكير، لكنها ليست مهيأة لاحتواء التأمل الثري؛ لكون الفكر حركة واللغة الاعتيادية غير قادرة على استيعاب المشاعر والأحاسيس، نبحث عن لغة أخرى لها طاقة عمل الأنشطة الذهنية.
نحن لا نريد ان نسير في ركاب الانفلاتية التي اتجهت الى ندوب الاحلام الهلوسات والرهاب والاستغراق فيما ينتجه اللاوعي عملوها لاحتياجهم النفسي الى الانفلات من قبضة الواقع والهروب لخلوه من حيوية الفعل.
نحن نريد ان نبني هذا الواقع أبناء المعنى فكيف نقرأ ما يرفض المعنى او كيف نكتب هلوسات بلا معنى بالتأكيد هي غير قادرة على التأثير غير قادرة على البقاء.. نحن نريد الواقع والكتابة في عالم الواقع لكن ليس الواقع الحرفي علماء عرب كانوا منذ قديم الزمان يطالبون بهدم البناء الشعري وجعله كتابة فيها جودة المعنى وجزالة اللفظ الجملة النثرية فيها إيقاع داخلي حتى في النصوص الخبرية.
وصل الأمر الى إيجاد تفجير لغة والتفجير اللغوي لا يعني استسهال الالفاظ ولا استخدام لغة علمية ولا التبسيط التفجير يعني تفجير الرؤيا، فمزج البعض السردية بالحوار بالبناء الدرامي واستخدام منهجية (القناع) التغريب هي لغة خيال قادرة على الارتقاء بالمتلقي عبر جمالية ما يملك هذا التغريب.. اما التغريب التخريبي هو الأسلوب بلا أسلوب؛ لكونه لا يحترم عقلية القارئ.
اللغة التقليدية وخاصة في لغة الاخبار صيغ معدة سلفا ومعروفة سلفا أصبحت بحاجة الى حراك يتسع لعمق الموضوع.. الاسلوبيون حريصون على اللغة؛ لأنهم يريدون ان تعطي الخبر بلغة اقل بسعة معنوية اكبر، هذا الامر يحتاج الى وعي يتنامى فكريا.
اذن، أي لغة في أي موضوع او حدث كتابي نحتاج الى مستوى دلالي يقرب لنا المتلقي لا يبعده, البعض يحاول ان يبرر العجز بشمولية التلقي وهو يستمع كل يوم الى دعاء الصباح الذي يبث من العتبتين المقدستين.
البعض يتهم الابداع الحداثوي واسلوبية الحداثة بأنها مأخوذة من الكد الأجنبي والمدارس الأوروبية مع ان هذا لا ضير فيه العملية الإبداعية عالمية، لكن اغلب هذا المستورد موجود في الموروث التاريخي العربي وخاصة في آداب اهل البيت (عليهم السلام) الومضة الشعرية مثلاً يسمونها اليوم الهايكو الياباني، بينما هي جنس من ادب التوقيع المعروف في نهج البلاغة وفي حكم ائمتنا (عليهم السلام).
الاسلوبية تعني الابتعاد عن الرتابة عن التقليدية لتعطينا معاني إضافية.. المتلقي اليوم يملك اسرع أدوات للمحي والازالة، فكيف ستحتفظ بها امام سرديات السير الذاتية المكررة والمملة.
لا بد من جعل التاريخ الذي خلف يومنا الى ان نجعله بجميع مفرداته امام يومنا يصبح هذا الامس هو الغد الذي نعيشه ان لا نفكر بواقعة الطف كواقع ماضوي (سقطت طاسة ماء من يد ابي الفضل العباس (عليه السلام) وهو طفل صغير, بكى الامام علي (عليه السلام) وقال تذكرت ما سيجري عليها في الطف).
هذا التذكر للمعصوم يفتح امامنا الكثير من الفضاءات, الايحاءات, الدلالات.. ويعطي تفسيرات غيبية, ان تحمل هذا الامس كغد؛ كي لا تبقى محبوسا في الذي كان ابدع بما لم يكن (رجل كبير السن اعتنى مشاية الى الحسين (عليه السلام) كانت الناس تعاتبه على كبر سنه خشية عليه, وكان يستنكر لومهم يقول لهم: لماذا لا تعترضوا على حبيب بن مظاهر، أرجعوه من الطف خشية على كبرته وسنه..؟!).
أحياناً يبقى الكاتب محبوسا داخل سرديته لا يستطيع الخروج من الحدث وهذا التنصل يجيز له الخروج والدخول دون ان يشعر المتلقي بخروجه او بدخوله, أنا عندي اللامنهجية هي منهج وغير المفهوم الفني لا يلام عليه الكاتب، بل يلام عليه المتلقي قبل ذلك: (لماذا لا تقول ما لا يفهم يا أبا تمام, فأجاب: لما لا تفهم ما يقال يا أبا سعيد).