تويت
الدعاءُ له شروط وآداب، ولو قارنـّا بين شروط الدعاء وبين أوامر الشريعة ونواهيها، لوجدنا أن الدعاء يتضمن جملة كبيرة من أوامر الشريعة في شروطه وآدابه؛ واذا نظرنا الى بعض شروط الدعاء، ومنها: أن لا يدعو الداعي ربه، وهو يأكل طعامه من الحرام، وأن لا يدعو لأمر محرم، وأن لا يدعو بقطيعة رحم. يتبيّن لنا أن الدعاء والطلب من الله هو الطاعة نفسها، فضلاً عن كونه يشتمل على ما تشتمل عليه العبادات الأخرى من النية والتوجه والاخلاص لله، وقصد القربة.. إلى آخره.
وهناك جملة من الآداب ينبغي للداعي أن يراعيها، لتكون سبباً لإستجابة دعائه منها:
أولاً- الطهارة: من آداب الدعاء أن يكون الداعي على وضوء، سيّما إذا أراد الدعاء عقيب الصلاة، فقد روى مسمع عن الإمام الصادق (ع) أنّه قال: يا مسمع، ما يمنع أحدُكم إذا دخل عليه غمٌّ من غموم الدنيا أن يتوضأ ثم يدخل مسجده، فيركع ركعتين فيدعو الله فيهما؟ أما سمعت الله يقول: (واستعينُوا بالصَّبر والصَّلاة)؟
ثانياً- الصدقة، وشمّ الطيب، والرواح إلى المسجد: روي عن الاِمام الصادق (ع) أنّه قال: كان أبي إذا طلب الحاجة... قدّم شيئاً فتصدق به، وشمّ شيئاً من طيب، وراح إلى المسجد.
ثالثاً- الصلاة: ويستحب أن يصلي الداعي ركعتين قبل أن يشرع بالدعاء، للرواية المتقدمة في الطهارة، ولما روي عن الاِمام الصادق (ع) أنّه قال: من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين، فأتمّ ركوعهما وسجودهما، ثم سلّم وأثنى على الله عزَّ وجلّ وعلى رسول الله (ص) ثم سأل حاجته، فقد طلب الخير في مظانّه، ومن طلب الخير في مظانّه لم يخب.
رابعاً- البسملة: ومن آداب الدعاء أن يبدأ الداعي دعاءه بالبسملة، لقول رسول الله (ص): (لا يُرَدُّ دعاءٌ أوّله بسم الله الرحمن الرحيم).
خامساً- الثناء على الله تعالى: الثناء على الله سبحانه اعتراف بالوحدانية، وتحقيق للانقطاع التامّ إلى الله تعالى دون ما سواه، فينبغي للداعي إذا أراد أن يسألَ ربّه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة، أن يحمد الله ويثني عليه، ويشكر ألطافه ونعمه، قبل أن يشرع في الدعاء، يقول أمير المؤمنين (ع): الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسبباً للمزيد من فضله... وقال الاِمام الصادق (ع): إذا طلب أحدُكم الحاجة، فليثنِ على ربِّه وليمدحه.
ومن هذه الآداب، نتبيّن أن الدعاء اقترن بالطهارة والصلاة والذكر والثناء على الله تعالى، والتطيب والصدقة، وهي كلها أمور ينبغي أن يتحلى بها المسلم في جميع حالته لا في وقت الدعاء فقط.
سادساً- أن يدعو الله بأسمائه الحسنى: وهذا مما يزيده معرفة بأسماء الله وخصوصياتها، فلابد لكي تطلب أمراً أن تدعو الله بما يتوافق من أسمائه الحسنى مع حاجتك؛ لذا وجب عليك أن تعرفَ أسماء الله حتى تدعوه بها.. وذلك لقوله تعالى: (وَللهِ الأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها).
سابعاً: الصلاة على النبي وآله: لابدّ للداعي أن يصلي على محمد وآله بعد الحمد والثناء على الله سبحانه، وهي تؤكد الولاء لرسول الله (ص) ولأهل بيته المعصومين (ع) الذي هو في امتداد الولاء لله تعالى؛ لذا فهي من أهم الوسائل في صعود الأعمال واستجابة الدعاء، قال رسول الله (ص): (لا يزال الدعاءُ محجوباً حتى يصلى عليَّ وعلى أهل بيتي). وقال الإمام الصادق (ع): (من دعا ولم يذكر النبي (ص)، رفرف الدعاءُ على رأسه، فإذا ذكر النبي (ص) رفع الدعاء).
وكذلك من آداب الدعاء، الاعتراف بالذنب، وتقديم المسألة، والإلحاح فيها، وحسن الظن بالله، والتذلل وترقيق القلب والتباكي.. وكل هذه الأمور مما يقرب العبد الى ربه، وكل ما يقرب العبد الى ربه فهو عبادة؛ فالعبادة ليس فعل جارحة من الجوارح، بقدر ما هو فعل قلبي ينعكس على الجوارح.
وهناك آداب اخرى لم نذكرْها، قد يندرج بعضها تحت العناوين والآداب التي ذكرناها.. وسنذكر لاحقاً ما يتعلق باستجابة الدعاء من الأمكنة والأزمنة والأحوال إن شاء الله تعالى.