شخصية العباس بن علي (عليهما السلام) كسبت اهتماماً واسعاً من قبل أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لأهمية القضية التي كان العباس (عليه السلام) أحد أقطابها ورجالاتها البارزين، وكان الدور الذي يحتمله العباس (عليه السلام) في هذه القضية إحدى الملاحم المهمة التي دعت أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أن يجعلوه من أهم الشخصيات البارزة في سيرتهم ومشروعهم الرسالي، فقد أضحت شخصية العباس من أهم دواعي الاعتزاز التي يفتخر بها المخلصون الأوفياء، الذين يبحثون عن قدوتهم في هذا الشأن.
- سؤالنا يتركز على عمق تلك المديات على الواقع التحقيقي؟
لقد أخذت شخصية العباس (عليه السلام) اهتمامها الواسع في أعمال المحققين، وكلمات المؤرخين، حتى أنك لم تجد مؤرخاً إلا وأشار إلى سيرة العباس (عليه السلام) تفصيلاً وايجازاً، مما يمكن القول: إن هذه الشخصية الملحمية فرضت نفسها على الواقع التحقيقي، وأملت المساحة التاريخية الشاسعة بالكثير من المواقف التي أذهلت الجميع.
ولعل ما نجده من كلمات المعصومين (عليهم السلام) في تقريض شخصية العباس (عليه السلام) سيكون حافزاً مهماً للوقوف على حقائق غيبية أشار اليها المعصوم، أوضح فيها معالم شخصيته التي لم يستطع أحد أن يستكشفها إلا من خلال شواهد المعصومين (عليهم السلام) الذين دفعوا بهذه الشخصية المهمة إلى واجهة الأحداث فضلاً عن مواقفها ومحطات حياتها البطولية.
- أردنا أن نستوضح مقامات أبي الفضل العباس (عليه السلام)، نريد أن نقف عند معالم حياته وشخصيته التي تعهد المعصومون بتوصيفها، مستعرضين كلماتهم وتقريضاتهم في هذا الشأن؟
ما ورد عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وإذا أردنا أن نقف عند بعض معالم شخصية أبي الفضل العباس (عليه السلام)، فإننا سنجد علامة فارقة من أهم العلامات التي تنبئ على اهتمام الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) بولده العباس (عليه السلام)، حيث الجانب الذي أغفله الكثيرون، ولم يلتفت اليه المحققون، حتى شهد له الامام (عليه السلام) بأنه ممن زُقّ العلم زقّا، وكان يواكب شخصية ولده العباس في تحولاتها الكمالية التي تعطي قراءة واضحة المعالم في اختزال التقريض والثناء، من خلال ما شهد له الامام (عليه السلام)، ويمكن القول: إن اهتمام الامام (عليه السلام) بولده أبي الفضل العباس هو أحد التحضيرات المهمة لتعزيز المشروع الحسيني القادم.
والذي يمثل المرحلة الأخطر والأهم في جهود النبي (ص) وجميع أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ولا بد لهذا المشروع أن تُهيأ آليات انجاحه من خلال الإعداد المتقن والتحضير المتكامل على يد المعصومين (عليهم السلام).
فمن أحاديث النبي (ص) إلى تنويهات الإمام علي (عليه السلام) إلى إعداد الإمام الحسن (عليه السلام) لإنجاح هذا المشروع الرسالي، وكانت الاعدادات متعددة الجوانب، كثيرة الموارد، وكانت شخصية أبي الفضل العباس (عليه السلام)، من أهم وأبرز هذه الإعدادات، ولا بد أن يكون التحضير العلمي لهذه الشخصية من أولويات الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في الاعداد، ليكون هذا العلم مستوعباً، لأطروحة الإمامة ومشروعه المتمثل بنهضة سيد الشهداء (عليه السلام).
- إذن، هي دعوة للانتباه الى الوعي المعرفي؟.
الوعي المعرفي هو الأساس في التعامل مع المتغيرات التي تؤسس لقضية ما، من هنا فقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله في ولده العباس (عليه السلام): «إن العباس بن علي زُقّ العلم زقاً».
وهذه الشهادة التي شهد أمير المؤمنين لولده العباس تعطي انطباعاً مهماً عن شخصيته العلمية، فضلاً عن تفقهه وبصيرته، وسيأتي في شهادة الإمام الصادق (عليه السلام) انه على بصيرة من أمره.
- وما ورد عن صفات العباس (عليه السلام) عند الأئمة (عليهم السلام)؟
ما ورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام)، ونوّه عن مقامه ومرتبته التي لا يدانيها أحد، وترحّم عليه، وبكى له، ورعى ولده بعده، وكانت له مواقف تنبئ عن عظمة أبي الفضل العباس (عليه السلام) عند الإمام زين العابدين (عليه السلام).
ثم قال (عليه السلام): «رحم الله العباس، فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه حتى قُطعت يداه، فأبدله الله (عز وجل) بهما جناحين، يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة».
إن الامام زين العابدين (عليه السلام) ذكر مراتب الإيثار والبلاء والفداء التي تميز بها أبو الفضل العباس، فالإيثار الذي آثر به آخاه الحسين (عليه السلام)، ووقاه بنفسه، وقدم أخاه على كل شيء، ولم يدرْ في خلد أبي الفضل (عليه السلام) سوى سلامة أخيه الحسين وحياته الشريفة، وهو اندكاك وذوبان في نفس المعصوم أظهره العباس (عليه السلام) في مواقفه كلها.
فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله بصفة مهمة وهي نفاذ البصيرة.
علي حسين الخباز, [١٢/٠٧/٢٠٢٢ ٠٢:٠٩ ص]
ولابد من أجل الثبات على هذا الموقف من معرفة وبصيرة توجب الإيمان الذي لابد أن يتحلى به الشخص الذي يتبنى موقف النصرة للإمام الحسين (عليه السلام)، وما صدر من أبي الفضل العباس (عليه السلام) من البأس والشجاعة والفداء والإخلاص كلها بسبب ما امتاز به من بصيرة نافذة في تحقيق أهداف الإمام الحسين (عليه السلام) من المضي بمشروعه الإلهي ذلك.
«صُلْب الإيمان» وصلابة الإيمان تعطي بُعداً من البأس والشجاعة والثبات.
(جاهد مع أبي عبد الله عليه السلام وابلى)
ورد عن الإمام الحجة (عج) في أبي الفضل العباس (عليه السلام) قوله:
«السلام على العباس بن علي بن أمير المؤمنين المواسي أخاه بنفسه، الآخذ لغده من أمسه، الفادي له، الواقي له، الساعي إليه بمائه، المقطوعة يداه، لعن الله قاتليه».
وهذا التسليم من الامام الحجة (عج) يشير الى حالات المواساة والفداء والتضحية التي تميز بها العباس (عليه السلام)، واشتهرت عنه هذه الصفات التي أشارت الى التعريف بشخصيته وجهاده.
&&&