بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
ما هي منطلقات الحركة الحسينية؟
المنطلقات ثلاثة:
المنطلق الأول: منطلق الإصلاح.
الذي عبّر عنه الحسين بقوله: ”ما خرجت أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي“، والإصلاح الذي يقصده الحسين هو مشروع الرقابة، مشروع الشهادة. كل مجتمع لا يمكنه - كما يقول علماء الاجتماع - أن يحقّق أهدافه إلا إذا كانت هناك مؤسسة تراقب مسيرة المجتمع، وتراقب خطوات المجتمع، هذا المجتمع أمامه أهداف، وأمامه مشاريع، من أجل أن يخوض المجتمع المشاريع كي يصل إلى الأهداف، لا بد من وجود مؤسسة تراقبه، مؤسسة تشرف عليه، هذه المؤسسة - مؤسسة الرقابة - هي التي كانت تسمى في عهد الدولة الأموية والدولة العباسية بنظام الحزبة، تراقب حركة المجتمع، تراقب مسيرة المجتمع.
هذه المؤسسة عبّر عنها القرآن الكريم بالشهادة، حيث قال: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ أي: تقومون بمؤسسة الرقابة على الأمم. القرآن الكريم يعبّر عن ذلك على لسان نبي الله عيسى: ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ﴾، مرتبة الشهادة على عمل الأمة، الشهادة على حركة الأمة، يعبّر عنها القرآن الكريم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ بأي شيء؟ بأموالكم؟! بقصوركم؟! بسياراتكم الفارهة؟! بوسائل العيش الرغيد؟! لا، بل بالشهادة والرقابة ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾. القرآن الكريم يقول: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾.
إذن، المسألة هي مسألة مشروع الرقابة، المسألة هي مسألة مشروع الشهادة، المسألة هي مسألة مشروع حركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا هو المقصود بالإصلاح، ”إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف“ أي: أريد أن أبذر بذرة الشهادة، بذرة الرقابة، بذرة حركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الأمويون طمسوا هذه الحركة، كانت الأمة الإسلامية بحاجة ماسة لوجود فئة وظيفتها ودورها الرقابة على الأمة، وظيفتها ودورها الشهادة على الأمة، وظيفتها ودورها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الحسين رأى أن هذه الفئة لا [...] إلا بها، فتح هو الباب، فتحه بدمه، فتحه بالنفس والنفيس، إذا فتح الحسين الباب ستُصْنَع فئةٌ سيكون دورها دور الرقابة، دورها دور الشهادة، دورها دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولذلك، يتبيّن ان، القراءة التي قالت: حركة الحسين حركة غير مشروعة، عجيب هذا! الشخص الذي ينطلق من القرآن تعدّ حركته حركة غير مشروعة؟! الشخص الذي انطلق من منطلقات قرآنية، منطلق الشهادة على الأمة، منطلق حركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تكون حركته حركة غير مشروعة؟! أنسينا قوله تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾؟! أنسينا قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾؟! إذن، منطلق الحسين منطلقٌ قرآنيٌ، ومشروع الحسين مشروعٌ قرآنيٌ، وكيف يقال للمشروع القرآني أنه غير مشروع، وأنه مدان، وأنه خالف الثوابت القرآنية؟!
ويتبيّن لنا خطأ الذي كانوا يظنون أن معنى الإصلاح هو سقوط الدولة الأموية، فلما لم تسقط الدولة الأموية بعد قتل الحسين، قالوا بأن الحسين لم يحقق هدفه! ليس المراد بالإصلاح سقوط الدولة، بل المراد به وجود حركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفعلًا أطلق الحسين الشرارة، فانطلق المشروع - مشروع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - في صفوف الأمة الإسلامية، من بعد دم الحسين، ومن بعد مصرع الحسين ، وبالتالي فالحسين حقّق هدفه، لا أن حركته كانت حركةً عقيمةً فاشلةً.
المنطلق الثاني: صيانة الأمة الإسلامية عن الإذلال.
القرآن الكريم يقول: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾، أي أن من الثوابت القرآنية أن تكون الأمة الإسلامية أمةً عزيزةً، من الثوابت القرآنية أن تكون الأمة الإسلامية أمةً مهابةً، أمةً شامخةً، أمةً عزيزةً بين الأمم، ولكي نحافظ على عزة الأمة، وكرامة الأمة، وشموخ الأمة الإسلامية بين الأمم، يجب أن تكبر الأمة فوق كل المنكرات، وفوق كل التجاوزات، وفوق كل الانحرافات.
من هنا، أدرك الحسين أنَّ بيعة يزيد بن معاوية إذلالٌ للأمة الإسلامية، أمة تملك عباقرة، تملك إرادة، تملك علماء، تملك أئمة، تملك فكرًا، يحكمها يزيد بن معاوية!! أليس هذا إذلالًا للأمة الإسلامية؟! أليس هذا ضربًا من الذل والمهانة للأمة الإسلامية؟! الحسين من هذا المنطلق - منطلق صيانة الأمة، منطلق المحافظة على عزة الأمة، منطلق المحافظة على كرامة الأمة، منطلق المحافظة على شموخ الأمة - قال: ”والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل“، أنا إذا بايعت أصبحت ذليلًا. وقال: ”ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السلة، وبين الذلة، وهيهات منا الذلة! يأبى الله لنا ذلك، ورسوله، والمؤمنون، وجذور طابت، وحجور طهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية، أن تؤثر طاعة اللئام، على مصارع الكرام“.
وعندما قال له أمير المدينة: بايع يزيد بن معاوية ولن ترى إلا ما تحب، قال: ”يا أمير المؤمنين، نحن أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ويزيد رجل فاسق، شارب للخمر، قاتل للنفس المحترمة، ومثلي لا يبايع مثله“، إذا الحسين بايع وهو أعظم رأس للأمة الإسلامية في ذلك الوقت، إذا الحسين بايع وهو سيد شباب أهل الجنة، إذا الحسين بايع وهو سبط رسول الله، إذا الحسين بايع وهو رمز للأمة الإسلامية، ستكون بيعته إذلالًا للأمة الإسلامية، فصيانةً لها عن الإذلال خاض هذه الحركة التي قام بها، وتحمّل في سبيلها كل المصاعب والمتاعب.
المنطلق الثالث: منطلق الشهادة.
الشهادة في حد ذاتها هدف، الشهادة في حد ذاتها أمر عظيم. هؤلاء الذين يقرؤون حركة الحسين قراءة مادية يقولون: الحسين ما كان عنده سيف لحشد الجيش الأموي، الحسين ما أعدّ للمعركة إعدادًا ميدانيًا، الحسين ما كان مقابلًا بكفاءة للجيش المواجه له... كل ذلك صحيح، لكن الحسين ما كان هدفه انتصارًا عسكريًا حتى يعد المعركة، ما كان هدف الحسين أن يأخذ الحسين من يزيد حتى يعد للمعركة إعدادًا جيدًا، إذن ماذا كان هدفه؟
كان هدفه عملية استشهادية، خاضها الحسين بن علي؛ لأجل أن يسنَّ للأمة الإسلامية ما يوقظ ضميرها، ويحرّك إرادتها. إرادة الأمة الإسلامية تجمدت، ضمير الأمة الإسلامية تلبّد، وجدان الأمة الإسلامية تخدّر، فأراد الحسين أن يبعث في الوجدان - وجدان الأمة - الضمير الحي، والإرادة الفاعلة، والحركة الرائدة، ولذلك رأى الحسين أن لا سبيل لإنقاذ الأمة، ولا سبيل لتحريكها، ولا سبيل لإيقاظ ضمائرها، إلا بأن يراق أغلى دمٌ في الأمة الإسلامية، وأغلى دم هو دم الحسين ، فخاض عملية استشهادية، يعرف أنه سيُقْتَل، يعرف أنه سيموت، خاض العملية الاستشهادية من أجل إيقاظ ضمير الأمة، وتحريك إرادة الأمة.
وفعلًا الحسين حقّق أهدافه، قُتِل الحسين وظهرت الثورات والانتفاضات مقابل الظلم الأموي، ظهرت حركة التوابين في الكوفة، وحركة أهل المدينة في واقعة الحرة، وحركة المختار الثقفي في الكوفة، وحركة زيد بن علي في العراق، وهكذا امتدت الحركات، إلى أن أطاحت بالدولة الأموية، وكل ذلك امتدادٌ لصوت الحسين، كل ذلك استمرارٌ لصرخة الحسين. إذن، الحسين حقّق أهدافه، لا أنه لم يحقق أهدافه، خاض عملية استشهادية من أجل إيقاظ ضمير الأمة، فحقّق ما أراد.
ولذلك، هو قال في خطابه يوم عاشوراء: ”ألا وإني زاحفٌ بهذه الأسرة، مع قلة العدد، وخذلان الناصر“، أنا أعلم بكل ذلك، لا أحتاج إلى أن يعلمني أحد، ولا أن يأتي شخص ويكتب بعد ألف سنة: والله الحسين لم يكن عنده تخطيط! أنا أدري منذ أول يوم، أعرف ماذا أفعل، ”مع قلة العدد، وخذلان الناصر“، ولكن [...] ليست النتيجة مرحلية، بل النتيجة مستقبلية، ”وأيم الله لا تلبثون بعدها إلا كريثما يُرْكَب الفرس، حتى تدور بكم دور الرحى، وتقلق بكم قلق المحور، عهدٌ عهده إليَّ أبي عن جدي رسول الله ، فأجمعوا أمركم وشركاءكم، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة، ثم اقضوا إليَّ ولا تنظرون، إني توكلت على الله ربي وربكم، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم“.
اللهم صل على محمد وآل محمد
ما هي منطلقات الحركة الحسينية؟
المنطلقات ثلاثة:
المنطلق الأول: منطلق الإصلاح.
الذي عبّر عنه الحسين بقوله: ”ما خرجت أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي“، والإصلاح الذي يقصده الحسين هو مشروع الرقابة، مشروع الشهادة. كل مجتمع لا يمكنه - كما يقول علماء الاجتماع - أن يحقّق أهدافه إلا إذا كانت هناك مؤسسة تراقب مسيرة المجتمع، وتراقب خطوات المجتمع، هذا المجتمع أمامه أهداف، وأمامه مشاريع، من أجل أن يخوض المجتمع المشاريع كي يصل إلى الأهداف، لا بد من وجود مؤسسة تراقبه، مؤسسة تشرف عليه، هذه المؤسسة - مؤسسة الرقابة - هي التي كانت تسمى في عهد الدولة الأموية والدولة العباسية بنظام الحزبة، تراقب حركة المجتمع، تراقب مسيرة المجتمع.
هذه المؤسسة عبّر عنها القرآن الكريم بالشهادة، حيث قال: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ أي: تقومون بمؤسسة الرقابة على الأمم. القرآن الكريم يعبّر عن ذلك على لسان نبي الله عيسى: ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ﴾، مرتبة الشهادة على عمل الأمة، الشهادة على حركة الأمة، يعبّر عنها القرآن الكريم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ بأي شيء؟ بأموالكم؟! بقصوركم؟! بسياراتكم الفارهة؟! بوسائل العيش الرغيد؟! لا، بل بالشهادة والرقابة ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾. القرآن الكريم يقول: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾.
إذن، المسألة هي مسألة مشروع الرقابة، المسألة هي مسألة مشروع الشهادة، المسألة هي مسألة مشروع حركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا هو المقصود بالإصلاح، ”إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف“ أي: أريد أن أبذر بذرة الشهادة، بذرة الرقابة، بذرة حركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الأمويون طمسوا هذه الحركة، كانت الأمة الإسلامية بحاجة ماسة لوجود فئة وظيفتها ودورها الرقابة على الأمة، وظيفتها ودورها الشهادة على الأمة، وظيفتها ودورها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الحسين رأى أن هذه الفئة لا [...] إلا بها، فتح هو الباب، فتحه بدمه، فتحه بالنفس والنفيس، إذا فتح الحسين الباب ستُصْنَع فئةٌ سيكون دورها دور الرقابة، دورها دور الشهادة، دورها دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولذلك، يتبيّن ان، القراءة التي قالت: حركة الحسين حركة غير مشروعة، عجيب هذا! الشخص الذي ينطلق من القرآن تعدّ حركته حركة غير مشروعة؟! الشخص الذي انطلق من منطلقات قرآنية، منطلق الشهادة على الأمة، منطلق حركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تكون حركته حركة غير مشروعة؟! أنسينا قوله تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾؟! أنسينا قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾؟! إذن، منطلق الحسين منطلقٌ قرآنيٌ، ومشروع الحسين مشروعٌ قرآنيٌ، وكيف يقال للمشروع القرآني أنه غير مشروع، وأنه مدان، وأنه خالف الثوابت القرآنية؟!
ويتبيّن لنا خطأ الذي كانوا يظنون أن معنى الإصلاح هو سقوط الدولة الأموية، فلما لم تسقط الدولة الأموية بعد قتل الحسين، قالوا بأن الحسين لم يحقق هدفه! ليس المراد بالإصلاح سقوط الدولة، بل المراد به وجود حركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفعلًا أطلق الحسين الشرارة، فانطلق المشروع - مشروع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - في صفوف الأمة الإسلامية، من بعد دم الحسين، ومن بعد مصرع الحسين ، وبالتالي فالحسين حقّق هدفه، لا أن حركته كانت حركةً عقيمةً فاشلةً.
المنطلق الثاني: صيانة الأمة الإسلامية عن الإذلال.
القرآن الكريم يقول: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾، أي أن من الثوابت القرآنية أن تكون الأمة الإسلامية أمةً عزيزةً، من الثوابت القرآنية أن تكون الأمة الإسلامية أمةً مهابةً، أمةً شامخةً، أمةً عزيزةً بين الأمم، ولكي نحافظ على عزة الأمة، وكرامة الأمة، وشموخ الأمة الإسلامية بين الأمم، يجب أن تكبر الأمة فوق كل المنكرات، وفوق كل التجاوزات، وفوق كل الانحرافات.
من هنا، أدرك الحسين أنَّ بيعة يزيد بن معاوية إذلالٌ للأمة الإسلامية، أمة تملك عباقرة، تملك إرادة، تملك علماء، تملك أئمة، تملك فكرًا، يحكمها يزيد بن معاوية!! أليس هذا إذلالًا للأمة الإسلامية؟! أليس هذا ضربًا من الذل والمهانة للأمة الإسلامية؟! الحسين من هذا المنطلق - منطلق صيانة الأمة، منطلق المحافظة على عزة الأمة، منطلق المحافظة على كرامة الأمة، منطلق المحافظة على شموخ الأمة - قال: ”والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل“، أنا إذا بايعت أصبحت ذليلًا. وقال: ”ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السلة، وبين الذلة، وهيهات منا الذلة! يأبى الله لنا ذلك، ورسوله، والمؤمنون، وجذور طابت، وحجور طهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية، أن تؤثر طاعة اللئام، على مصارع الكرام“.
وعندما قال له أمير المدينة: بايع يزيد بن معاوية ولن ترى إلا ما تحب، قال: ”يا أمير المؤمنين، نحن أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ويزيد رجل فاسق، شارب للخمر، قاتل للنفس المحترمة، ومثلي لا يبايع مثله“، إذا الحسين بايع وهو أعظم رأس للأمة الإسلامية في ذلك الوقت، إذا الحسين بايع وهو سيد شباب أهل الجنة، إذا الحسين بايع وهو سبط رسول الله، إذا الحسين بايع وهو رمز للأمة الإسلامية، ستكون بيعته إذلالًا للأمة الإسلامية، فصيانةً لها عن الإذلال خاض هذه الحركة التي قام بها، وتحمّل في سبيلها كل المصاعب والمتاعب.
المنطلق الثالث: منطلق الشهادة.
الشهادة في حد ذاتها هدف، الشهادة في حد ذاتها أمر عظيم. هؤلاء الذين يقرؤون حركة الحسين قراءة مادية يقولون: الحسين ما كان عنده سيف لحشد الجيش الأموي، الحسين ما أعدّ للمعركة إعدادًا ميدانيًا، الحسين ما كان مقابلًا بكفاءة للجيش المواجه له... كل ذلك صحيح، لكن الحسين ما كان هدفه انتصارًا عسكريًا حتى يعد المعركة، ما كان هدف الحسين أن يأخذ الحسين من يزيد حتى يعد للمعركة إعدادًا جيدًا، إذن ماذا كان هدفه؟
كان هدفه عملية استشهادية، خاضها الحسين بن علي؛ لأجل أن يسنَّ للأمة الإسلامية ما يوقظ ضميرها، ويحرّك إرادتها. إرادة الأمة الإسلامية تجمدت، ضمير الأمة الإسلامية تلبّد، وجدان الأمة الإسلامية تخدّر، فأراد الحسين أن يبعث في الوجدان - وجدان الأمة - الضمير الحي، والإرادة الفاعلة، والحركة الرائدة، ولذلك رأى الحسين أن لا سبيل لإنقاذ الأمة، ولا سبيل لتحريكها، ولا سبيل لإيقاظ ضمائرها، إلا بأن يراق أغلى دمٌ في الأمة الإسلامية، وأغلى دم هو دم الحسين ، فخاض عملية استشهادية، يعرف أنه سيُقْتَل، يعرف أنه سيموت، خاض العملية الاستشهادية من أجل إيقاظ ضمير الأمة، وتحريك إرادة الأمة.
وفعلًا الحسين حقّق أهدافه، قُتِل الحسين وظهرت الثورات والانتفاضات مقابل الظلم الأموي، ظهرت حركة التوابين في الكوفة، وحركة أهل المدينة في واقعة الحرة، وحركة المختار الثقفي في الكوفة، وحركة زيد بن علي في العراق، وهكذا امتدت الحركات، إلى أن أطاحت بالدولة الأموية، وكل ذلك امتدادٌ لصوت الحسين، كل ذلك استمرارٌ لصرخة الحسين. إذن، الحسين حقّق أهدافه، لا أنه لم يحقق أهدافه، خاض عملية استشهادية من أجل إيقاظ ضمير الأمة، فحقّق ما أراد.
ولذلك، هو قال في خطابه يوم عاشوراء: ”ألا وإني زاحفٌ بهذه الأسرة، مع قلة العدد، وخذلان الناصر“، أنا أعلم بكل ذلك، لا أحتاج إلى أن يعلمني أحد، ولا أن يأتي شخص ويكتب بعد ألف سنة: والله الحسين لم يكن عنده تخطيط! أنا أدري منذ أول يوم، أعرف ماذا أفعل، ”مع قلة العدد، وخذلان الناصر“، ولكن [...] ليست النتيجة مرحلية، بل النتيجة مستقبلية، ”وأيم الله لا تلبثون بعدها إلا كريثما يُرْكَب الفرس، حتى تدور بكم دور الرحى، وتقلق بكم قلق المحور، عهدٌ عهده إليَّ أبي عن جدي رسول الله ، فأجمعوا أمركم وشركاءكم، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة، ثم اقضوا إليَّ ولا تنظرون، إني توكلت على الله ربي وربكم، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم“.