إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

البكاء على الامام الحسين عليه السلام علامة الايمان

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • البكاء على الامام الحسين عليه السلام علامة الايمان

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
    وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
    وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله

    السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته



    وردت بلطف الله ورعاية الائمة الاطهار تعابير رفيعة المعنى بحق الامام الحسين عليه السلام يحتاج فهمها الى دقة وتأمل كثير.

    على سبيل المثال قد ورد في الزيارة المعروفة عن يونس بن ضبيان هكذا يقول: «اشهد انّ دمک سکن فی الخلد».فما معنى هذه العبارة؟ وأي نوع من الشهادة هذه؟ وبالتأكيد ان هذه الشهادة ليست كالشهادة الفقهية لان درك هذه الشهادة اعلى بكثر من فهم الانسان العادي، ولا يمكن ان يفهم هذه الشهادة الشخص العادي، لذا فيجب علينا جميعا ان نترك بيان معنى مثل هذه العبارة الى اهلها وهم الائمة المعصومين عليهم السلام وبطبيعة الحال ان قصور عقولنا عن فهم مثل هذه التعابير لا يمنع من ان نحاول ونبذل الجهد من اجل ان ندركها.
    بعد ذكر هذه المقدمة ندخل في موضوع البحث وسأتعرض في هذه الجلسة الى التعبير المشهور والمعروف بحق الامام الحسين عليه السلام الذي ورد على لسان امير المؤمنين عليه السلام والامام الحسين عليه السلام وكذلك ورد على في كلمات الامام الصادق والباقر عليهما السلام وقد ورد ايضا في الزيارات ويعلم ان هذا العنوان مهم جدا.

    وفي ما يتعلق بمعنى العبارة (قتيل العبرات) يجب ان ننظر في الاحتمالات التي ذكرت في هذا المجال. وقد ورد هذا التعبير في بعض زيارات الامام الحسين عليه السلام : السلام علیک یا قتیل العبرات و یا اسیر الکربات وان اول من اطلق هذه العبارة على الامام الحسين عليه السلام هو امير المؤمنين عليه السلام في ايام صغر الحسين عليه السلام حيث خاطبه قائلا: «يَا عَبْرَةَ كُلِّ مُؤْمِن‏» فقال الحسين عليه السلام : یا ابتاه أنا عبرة کل مؤمن؟ وهذا يعني ان الامام الحسين عليه السلام تعجب من قول ابيه امير المؤمنين عليه السلام وتعجب من هذا الوسام فقال امير المؤمنين (عليه السلام) أنت عبرة کل مؤمن.

    ان رواية قتيل العبارات قد وردت في مصادر متعددة مثل وسائل الشيعة مستدرك الوسائل وبحار الانوار وامالي الصدوق ومصادر مختلفة مثل الرواية التي رواها النوري في المستدرك، والمرحوم الصدوق في الامالي عن ابن خالدة «كُنَّا عِنْدَهُ فَذَكَرْنَا الْحُسَيْنَ(علیه‌‌السلام)‏» «فَبَكَى أَبُوعَبْدِاللهِ(علیه‌‌السلام) وَ بَكَيْنَا قَالَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ قَالَ الْحُسَيْنُ (علیه‌‌السلام) أَنَا قَتِيلُ الْعَبْرَةِ لَا يَذْكُرُنِي مُؤْمِنٌ إِلَّا بَكَى‏»
    ونقل المرحوم المجلسي رواية اخرى في بحار الانوار عن الامام الصادق عليه السلام انه قال: قال الحسین بن علی(علیهماالسلام) «أَنَا قَتِيلُ الْعَبْرَةِ قُتِلْتُ‏ مَكْرُوباً وَ حَقِيقٌ عَلَى اللهِ أَنْ لَا يَأْتِيَنِي مَكْرُوبٌ قَطُّ إِلَّا رَدَّهُ اللهُ أَوْ أَقْلَبَهُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً».
    وقبل بيان معنى قتيل العبرات يجب علينا ان نعلم ما هي الاثار التي تترتب ذرف الدموع على سيد الشهداء عليه السلام ومن خلال بحث اجمالي نجد ان هناك سبعة اثار للبكاء على الامام الحسين عليه السلام نشير اليها فيما يلي:

    الاثر الاول: انا العين التي تبكي الحسين عليه السلام هي احب العيون عند الله وقد ورد في الروايات تعبيرات مختلفة عن البكاء من جملتها القطرة والدمعة ويجمعها المعنى العام وهو اجتماع الدمع في العين وان لم يم ينزل: «ما من عینٍ أحب إلی الله و لا عبرةٍ، من عینٍ بکت و دمعت علیه» ولا يبعد ان يستفاد من هذه الرواية ان البكاء على سيد الشهداء افضل من البكاء من خوف الله عز وجل وبطبيعة الحال ينبغي ملاحظة جميع الجوانب.

    الاثر الثاني: وهو عبارة ان الله تعالى يوكل ملائكة يجمعون دموع الذين يبكون على الحسين عليه السلام ويضعونها في قارورة ويمزجونها بماء الحياة الموجود في الجنة وعندما ياتون يوم المحشر تنجيهم هذه الدمعة.

    الاثر الثالث: هو ان الدموع على الامام الحسين عليه السلام تهون سكرات الموت كما جاء في رواية مسمع بن عبد الملك في كامل الزيارات، سكرات الموت التي كان يوصفها رسول الله(صلى الله عليه واله) وكذلك الائمة عليهم السلام).

    الاثر الرابع: انها توجب شفاعة النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) والائمة المعصومين عليهم السلام فانه في يوم القيامة احد الاسباب الموجبة لشفاعة النبي الأئمة المعصومين عليهم السلام هو البكاء على سيد الشهداء عليه السلام.

    الاثر الخامس: تطفأ نار جهنم «فَلَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنْ دُمُوعِهِ سَقَطَتْ فِي جَهَنَّمَ لَأَطْفَأَتْ حَرَّهَا حَتَّى لَا يُوجَدَ لَهَا حَرٌّ»
    الاثر السادس: انها تحط من الذنوب العظام وتغفر الذنوب وقد ورد في بعض الروايات التصريح بذلك «يَحُطُّ الذُّنُوبَ الْعِظَام‏» والمقصود من الذنوب العظام اي الذنوب الكبائر.

    الأثر السابع: هو إنَّ البكاء على الامام الحسين(عليه السلام) بحسب ما جاء في الروايات لا يمكن تقييمه ولا يمكن يحدد له قيمة معينة. (لكل شيء ثواب الا الدمعة فينا) .

    وبطبعية الحال ان هذه الرواية نقلت بنحوين: فقد وردت في وسائل الشيعة بعبارة > لكل شيء ثواب الا الدمعة فينا< . وبطبيعة الحال ان البكاء علينا مطلق لا يختص بالامام الحسين عليه السلام بل هو يرتبط بجميع أهل البيت عليهم السلام، والنحو الثاني: وردت بعنوان لكل سر، (لكل سر ثواب الا الدمعة فينا). وقال المجلسي في توضيح هذه العبارة: ( لعل المعنى أن أسرار كل مصيبة والصبر عليها موجب للثواب إلا البكاء عليهم) فان حفظ وكتب المصائب والصبر عليها يوجب الثواب والاجر، الا البكاء على اهل البيت عليهم السلام فانه يختلف. ثم أحتمل التصحيف في هذه الرواية والاصل لكل شيء ثم صحفت لكل سر.

    فهذه سبعة آثار ذكرناها على نحو الاجمال وبعنوان مقدمة لتفسير هذه الرواية المعروفة.

    ان رواية قتيل العبرات وردت في مصادر متعددة مثل وسائل الشيعة ومستدرك الوسائل وبحار الانوار وامالي الصدوق وقد وردت في مصادر مختلفة ونقل المجلسي رحمه الله في البحار:

    نظر امير المؤمنين الى الحسين فقال يا عبرة كل مؤمن فقال الحسين عليه السلام : یا ابتاه أنا عبرة کل مؤمن؟ وهذا يعني ان الامام الحسين عليه السلام تعجب من قول ابيه امير المؤمنين عليه السلام وتعجب من هذا الوسام فقال امير المؤمنين (عليه السلام) نعم يا بني أنت عبرة کل مؤمن.

    وقد ورد في عدة روايات عن الامام الصادق(ع) إن نفس الامام الحسين (ع) قال: «انا قتيل العبرة» .
    ونظير الرواية التي نقلها الصدوق في الآمالي والنوري في المستدرك عن ابن خارجة انه قال كنَّا جلوس عند الامام الصادق (ع): «كنا عنده فذكرنا الحسين(ع)«ذكرنا الامام الحسين (ع) ولعنا قاتليه » فبكى أبو عبد الله عليه السلام وبكينا قال: ثم رفع رأسه فقال: قال الحسين بن علي عليه السلام: أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا بكى› .

    ونقل المجلسي رحمه الله رواية أخرى في بحار الانوار ان الامام الصادق ع قال: «قال الحسين بن علي: أنا قتيل العبرة قتلت مكروبا، وحقيق على الله أن لا يأتيني مكروب قط إلا رده الله أو أقلبه إلى أهله مسرورا» وفي هذه الرواية ذكر عبارة «قتلت مكروبا» توضحا لعنوان قتيل العبرة.
    والنقطة المهمة هي أن أمير المؤمنين عليه السالم يقول «انت عبرة كل مؤمن» فعندما يقول الامام الحسين عليه السلام على نفسه بكل افتخار: « انا قتيل العبرة» او يقول الامام الصادق عليه السلام في نص زيارة الأربعين مخاطبا الامام الحسين (ع): «السلام على قتيل العبرات واسير الكربات»نستفيد من هذه العبارات والتعابير ان موضوع البكاء يعد مكانة ومنزلة للإمام الحسين (ع).

    الأمر الأول هو ان العَبْرَة تختلف عن العِبرَة ففي اللغة العبرة بالكسر بمعنى الاعتبار واخذ الدرس وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم في بعض الآيات الكريمة العبرة. وفي هذه الرواية لا يقول « انت قتيل العبرة» بالكسر بل يقول انت قتيل العبرة بالفتح، بمعنى البكاء. لذان فقد قال البعض واقعة كربلاء ومتقل ابي عبد الله الحسين (ع) يجب ان تكون فيها عبرة للناس والمسلمين فكلامه غير صحيح. فان أمثال هؤلاء وجوهوا كلامهم ان الامام الحسين قتل من اجل هداية المجتمع وإقامة الحق وابطال الباطل فهذه الواقعة يجب ان تكون عبرة للناس حتي يسيروا في طريق الحق حتى الشهادة وقد يستدلوا على ذلك بعبارة: «وَ بَذَلَ مُهْجَتَهُ فِيكَ لِيَسْتَنْقِذَ عِبَادَكَ مِنَ اَلْجَهَالَةِ وَ حَيْرَةِ اَلضَّلاَلَةِ» .

    ان العلامة المجلسي ذكر في بحار الانوار احتمالين احدهما: ان قتلي يجعل البشرية تبكي علي الى يوم القيامة فكل انسان يذكر الامام الحسين عليه السلام تجري دموعه« قتيل العبرة» يعني مقتول يجعل الناس تبكي الى يوم القيامة.

    الاحتمال الثاني: ان «قتيل العبرة» يعني حينما قتل الامام الحسين(ع) كثر الحزن والغم والبكاء عليه، فكانت السيدة زينب وكل من معها في المخيم حزينا. ثم ذكر المجلسي ان الاحتمال الأول هو الأظهر، أي انني قتيل وقتلي وشهادتي تكون في أن الناس او المؤمنين يبكون ويذرفون الدموع علي الى يوم القيامة .
    اذن فلحد الان ذكرنا ثلاثة احتمالات الأول ان العبرة نقرأها بالكسر فتكون بمعنى اخذ الدرس وهو غير صحيح باي وجه من الوجوه والاحتمالان الاخران هما ما ذكره العلامة المجلسي.

    الاحتمال الرابع هو انهم قالوا ان المراد من قوله « انا قتيل العبرة» يعني ان قتيل الرحمة فان الدموع التي تجري من عيون الناس والمؤمنين من أجلي توجب نزول رحمة الله عليهم، وتلين قلوبهم ويتعاطفون فيما بينهم.

    وقد استشهد لهذا الاحتمال بالرواية التالية: «ما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا الا رحمه الله».

    وفي هذه الحالة يكون معنى «قتيل العبرة» هو قتيل الاثار المترتبة على العبرة وهذا المعنى خلاف ظاهر الرواية فلا يمكن ان نقول ان الامام عليه السلام يقول انا قتيل الاثار المترتبة على العبرة بالرغم من الانسان الذي تسيل دموعه على الامام الحسين (ع) ستنزل عليه الرحمة الالهية بلا ريب، ويدل على هذا المعنى روايات كثيرة، ولا نستطيع ان نفسر هذه الرواية «قتيل العبرة» بهذا المعنى. وبناء على هذا فالاحتمال الرابع لا يمكن قبوله.

    ولا ريب في أن الامام الحسين(ع) اسوة بهذا المعنى للبشرية والمسلمين، قبل عدة سنوات قد طرحت تحليل جديد حول نهضة الامام الحسين عليه السلام في مراسيم«مهرجان ربیع الشهادة» وطبع تحت عنوان الجهاد الذبي، ان كثيرا من الباحثين يرون ان المحور الاساسي الي تقوم عليه نهضة الامام الحسين هو عبارة عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ونفس الامام الحسين عليه السلام قال: «ارید ان امر بالمعروف و انهی عن المنکر» ولكن السؤال الذي يطرح نفسه حينما لم تتوفر شروط الامر بالمعروف والنعي عن المنكر فكيف يقول الامام عليه السلام اريد ان امر بالمعروف وانهى عن المنكر؟ وقد قمنا بدراسة لحركة الامام الحسين عليه السلام ورأينا انها تبتني على أساس الجهاد الذبي«الذب عن بیضة الاسلام» وبينا الفرق بين هذا الجهاد والجهاد الدفاعي والابتدائي وتوصلنا الى هذا النتيجة ان بعض مواقف الامام الحسين عليه السلام في واقعة عاشوراء لا يمكن توجيها الا على اساس الجهاد الذبي، فان ما فعله الامام الحسين عليه لسلام في اخر اللحظات من حمله علي الاصغر واخذه الى ميدان الحرب ليطلب له الماء من الاعداء مع انه يعلم ان العدو يقتله ولكن مع ذلك يأخذه الى الميدان ثم يقتل كيف يمكن ان ينسجم هذا مع الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن هذا الفعل يمكن توجيهه وينسجم تماما بناء على الجهاد الذبي.

    ولكن حينما نقول ان الامام الحسين عليه السلام استشهد لكي يأخذ الاخرون العبرة ويجعلونه اسوة وقدوة في نهضاتهم وثوراتهم في مقابل الظالمين لا ربط له مع قوله انت عبرة كل مؤمن فامير المؤمنين عليه السلاملا يريد ان يقول ان قدوة لكل مؤمن ويتعجب الامام الحسين من ذلك! لان العبرة بالفتح في اللغة العربية تعني ذرف الدموع وما هو بمعنى الدرس والاعتبار هو العبرة بكسر العين وبطبيع الحال ان جمع كلا الكلمتين عبرات.
    كما انه يوجد في اللغة العربية باب الافعال عبر يعبر وعبر يعبر وعبر لكن الكلمة التي تكون بمعنى الدرس والاعتبار هي عبر بكسر الباء في الفعل.
    إن العلامة المجلسي ذكر الاحتمال الثاني والثالث في بحار الانوار. وهذا الاحتمال وهو ان قتيل العبارات تعني ان شهادة الامام الحسين عليه السلام اوجبت ان الناس يبكون عليه الى يوم القيامة، الشهادة سبب للعبرة والعبرات، فحينما يقول امير المؤمنين عليه السلام للامام الحسين عليه السلام: «انت عبرة‌ کل مؤمن» اي ان بشهادتك يبكي عليك كل مؤمن.

    والاحتمال الثالث: بمعنى ان الامام عليه السلام يقول ان قتلت وكان اهل بيتي ونسائي واطفالي يبكون علي في المخيم «انا قتیل العبرات» یعنی «عبرات فی حین القتال»، فالامام استشهد في ميدان الحرب حينما كانت اخته زينب الكبرى واطفاله ينوحون ويبكون عليه في المخيم، والعلامة المجلسي بعد نقل هذين الاحتمالاين يقول ان الاحتمال الاول وهو ان شهادته كانت سبب في بكاء الناس عليه الى يوم القيامة ويذرفون الدموع عليه هو الاقوى والاظهر.

    ومن وجهة نظرنا ان كلا الاحتمالين بعيد والثاني أبعد. وقد يقال في موضوع البكاء وذرف الدموع ان هذا الامر ثابت بالنسبة الى شهادة امير المؤمنين عليه السلام حيث توجد رواية تقول ان السماء والارض بكت عليه، وحينما يطرح موضوع شهادة امير المؤمنين عليه السلام او شهادة السيدة فاطمة عليها السلام وبقية الائمة المعصومين كل مؤمن يصبح محزونا ويبكي، اذن فموضوع البكاء وذرف الدموع لا يفرق فيه بين الامام الحسين عليه السلام وبقية الائمة عليهم السلام.

    وينبغي ان يقال في الجواب انه بالرغم من ان الروايات المتعلقة بالبكاء عامة وتشمل جميع الائمة ع ولكن عنوان قتيل العبرات مختص بالامام الحسين عليه السلام ولا يشمل بقية الائمة المعصومين عليهم السلام اذن فيجب ان تفسر العبارة بنحو لا يمكن معه ان يقال ان هذا المعنى ينطبق على شهادة غيره من الائمة عليهم السلام. فاذا فسرنا قتيل العبرات بهذا التفسير اي ان الامام قتل والناس كلما يذكرون هذه الواقعة يبكونه الى يوم القيامة ففي هذه الحالة حينما نذكر شهادة امير المؤمنين عليه السلام ايضا نبكي الى يوم القيامة او حينما نذكر مصائب الزهراء فانا نبيك كذلك فمن ذا الذي يذكر مصائبهم ولا يبكي.

    ومع عدم امكان قبول هذه الاحتمالات الاربعة يبدو أنه يجب ان نجد معنى مقبول لهذه العبارة وحينما ندرس الروايات فيمكن ان يستفاد من نفس هذه الاحاديث معنا جديداً. وأامل ان يتحفنا اصحاب النظر الثاقب مدى صحة هذا المعنى. مع الالتفات الى ان عبارة«انا قتيل العبرات» منحصر بالامام الحسين(ع) وان هذه الخصلة هي درجة رفيعة ووسام للامام عليه السلام، ويوجد في الروايات باب تحت عنوان ثواب البكاء على مصيبته وقد نقلت فيه روايات كثيرة، وفي باب آخر بعنوان ما عوضه الله لشهادته ورد في الحديث الاول من الباب: عن محمد بن مسلم: «سمعت ابا جعفر وجعفر بن محمد(ع) يقولان: إنَّ الله (تعالى) عوض الحسين (ع) من قتله أن جعل الإمامة في ذريته، والشفاء في تربته، واجابة الدعاء عند قبره، ولا تعد أيام زائريه جائياً وراجعاً من عمره».

    وحينئذ قال محمد بن مسلم للامام الصادق ان هذه الخصال التي ذكرتها تعود للناس ببركة شهادة الامام الحسين(ع) وهذا يعني ان الله عز وجل ببركة شهادة سيد الشهداء(ع) جعل الامامة في ذريته والشفاء في تربته واجابة الدعاء تحت قبته وجميع هذه الخصال يعود نفعها الى الناس فما هي الخصلة التي جعلها الله تعالى خاصة له؟ فقال الامام الصادق عليه السلام: «إن الله(تعالى) ألحقه بالنبي(ص) فكان معه في درجته ومنزلته» فصحيح أن الحسين(ع) لم يكن نبياً ولكن في يوم القيامة هو بمنزلة النبي ص الذي هو افضل الانبياء ثم تقلى هذا الآية الكريمة: { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} . .
    وبناء على هذا فان قضية الامام الحسين(ع) كل جانب منها يجب ان ننظر اليه بمنظار، من قبيل ان اقامة العزاء والبكاء يترتب عليها ثواب وآثار كثيرة، أو ان الله عز وجل قد عوض الحسين عن شهادته.

    فما يتعلق بمعنى«أنا قتيل العبرة» مع الالتفات إلى أمرين: أ) أن هذا التعبير مختص بالامام الحسين(ع). ب) إنها منزلة ودرجة ووسام للامام الحسين(ع) فتبطل جميع الاحتمالات الأربعة فاذا قيل ان الامام الحسين قتل ليكون درساً للاخرين فأي مقام ودرجة للامام الحسين(ع)؟ واذا قيل انه استشهد وقتل ليبكي عليه المؤمنون او قتل لتنزل رحمة الله على الناس ببركة البكاء وذرف الدموع؟ فان نفع ذلك كله يرجع الى الناس ولا يكون ذلك مقاما ووساما للامام الحسين(ع) اذن فيجب ان نجد معنى آخر لقتيل العبرات.

    من وجهة نظري ان رواية « انا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن الا بكى» تفسر معنى قتل العبرة بكر وضوح. فالامام لا يريد أن يخبرنا ان كل مؤمن يذكرني يبكي بل يريد ان يجعل علاقة وطيدة ووثيقة بين البكاء والايمان، الايمان بمرتبط بالله تعالى لا يذكر مؤمن اي مؤمن بالله فالامام يقول لا يمكن ان يتمتع الانسان بالايمان بالله ولا يبكي على الحسين(ع). فنحن نستفيد من هذه الرواية ان البكاء على الحسين (ع) علامة الايمان الكامل. البكاء على الحسين علامة لكمال الايمان، الايمان الذي هو المعرفة بالقلب والاقرار باللسان وعمل بالاركان. «الايمان معرفة بالقلب واقرار باللسان وعمل بالأركان» الرواية التي يستشهد بها في الفقه والتفسير.

    وفي بعض الروايات الأخرى قد ذكرت علامات الايمان مثل: « المؤمن اذا وعد وفى» وهذا يعني ان الوفاء بالوعد من علائم الايمان، وهذه الرواية ليست بمعنى ان الفرد المؤمن يفي بوعده بل يقول ان خلف الوعد يكشف عن نقصان ايمان الفرد. و هذا يعني ان هذا العنوان بحسب الاصطلاح الاصولي موضوع أو تمام الموضوع. ونظير هذه الرواية رواية «لا يذكرني مؤمن الا بكى» فهذه الرواية تقول البكاء علامة الايمان. وفي رواياتنا ذكرت الفاظ عبرة وبكاء وقطرة. ما اعجب قضايا الامام الحسين عليه السلام وما أكثر الدقة التي اعملت في روايات الائمة تجاه زوايا ذلك، فان يطلق على الماء المجتمع في العين دمعة وعلى الماء الذي يسيل من العين على الخد قطرة وقد أشير في الروايات الى كلا المعنيين عن ربيع بن منذر نقلا عن ابيه عن الامام الحسين عليه السلام:« ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة او دمعت عيناه فينا دمعة الا بوأه الله بها في الجنة حقبا».
    بالاضافة الى علامة الايمان وعلاماته ذكر في بعض الروايات الأخرى اجزاء الايمان نظير: «الايمان بالقلب واقرار باللسان وعمل بالاركان».
    والبكاء أعم من الجميع ويشمل الدمعة والعبرة والقطرة وهذا البكاء علامة الايمان، وكون الانسان مؤمنا يعني اذا سمع الانسان حادثة عاشوراء وحزن، فقد فسرت في بعض التفاسير العبرة بالحزن. وهذا يعني ان الانسان يكون محزونا ولو لم يجتمع في عينه الدمع ولو لم يكن هناك قارئ او راثي يثير عواطفه وكان جالساً لوحده وتذكر الحسين وملأ الحزن كيانه فاذا رأى الدمع اجتمع في عينه فليعلم ان ايمانه كامل.

    وبطبيعة الحال إنَّ الدمع ليس علامة على أصل الأيمان بالله تعالى! وهنا ينبغي للاخوة ان يلاحظوا الجنبة الصناعية وقد تم بيان علامات المؤمن في الروايات ايضاً. قال الامام السجاد عليه السلام: «علامات المؤمن خمس قلت: وما هن يا ابن رسول الله قال الورع في الخلوة والصدقة في القلة ولاصبر عن المصيبة والحلم عند الغضب والصدق عند الخوف». يتحلى بالروع حينما تكون الارضية مناسبة لارتكاب المعصية ويتصدق عند الفقر ويصبر عند المصيبة والبلاء والحلم عند الغضب ولا يكذب عن الخوف والخشية من بيان الحق ولكن كما يقول أهل الفن هذه الموارد حصر اضافي وليست حصر حقيقي. وهذا لا يعني ان المؤمن لا يستطيع ان تكون لديه اكثر من هذه العلامات الخمسة. وكثير من هذه الموارد في الروايات يجب ان تبتني على القاعدة الاصولية التي تقول ان العدد لا مفهوم له.

    كما ان الامام الحسن العسكري (ع): قال: «علامات المؤمن خمس صلاة الاحدى والخمسين وزيارة الاربعين والتختم في اليمين وتعفير الجبين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم». وهذه الخمس علامات غير تلك الخمس علامات المذكورة في رواية الامام السجاد (ع) والغرض من هذا التوضيح لكي لا يقول احد انتم تجعلون امراً أمرا من علامات الايمان ولم يذكر في الروايات فانه اولاً ان نفس قوله: «انا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن الا بكى» يعد ذكراً لذلك ولو لم يصرح به ضمن علامات المؤمن وثانياً: بما أن الحصر حقيقي فلا يسبب ذلك اشكالا، الامام السجاد والامام الحسن العسكري(ع) كلاهما ذكرا خمسة علامات وحينما نبحث عن الروايات الاخرى لعله نجد علامات اخرى أيضاً.

    وعلى كل حال نظراً إلى المعيار الموجود لاصل الايمان لا يمكن ان نقول البكاء على الامام الحسين عليه السلام هو علامة اصل الايمان بالله لكن قطعا نستطيع ان نقول علامة لكمال الايمان بالله، دققوا بهذا كم يكون معنى قتيل العبرات مناسباً وجميلا ومهماً وهو بيان لطيف لدرجة ومنزلة ووسام لسيد الشهداء فالله يقول ان بكاء كل مؤمن على مصيبتك يوجب كمال ايمانه، وهكذا يستمر بمعنى ان كل انسان أراد ان يكمل ايمانها فان احد الطرق التي يجب عليه ان يقطعها هو البكاء على الحسين عليه السلام، أي شيء أعظم من هذا؟ قد جاء في التعابير الواردة انه توجد علاقة عميقة جدا بين الامام الحسين(ع) وبين الله عز وجل مثل كلمة ثار الله فان هذا التعبير مرتبط بالإمام الحسين عليه السلام فحسب وكذلك الكلام في رواية قتيل العبرات فان هذا العنوان هو مقام ومنزلة للإمام الحسين عليه السلام، والبكاء على غيره من الائمة عليه السلام فيه ثواب كبير والروايات تدل على ذلك بشكل واضح، الا ان ذلك البكاء الذي يرفع ايمان الانسان عاليا ويقويه البكاء على الامام الحسين (ع) لا يذكرني مؤمن الا بكى.

    وفي بعض الروايات وردت عبارة «ما من عبد » وفيها «بوَّأه الله في الجنة » ، ولا يوجد بينهما تعارض أو منافاة.
    قضية الامام الحسين(عليه السلام) عجيبة الى حد لو بكى غير المسلم على الامام الحسين(ع) سينال الثواب يوم القيامة. وبطبيعة الحال فان طريقة حصول هؤلاء على الثواب والبحث المتعلق بان غير المسلمين يدخلون الجنة ينبغي أن ندرس في بحث علمي آخر. الدليل أن غير المسلم يحصل على الأجر اطلاق بعض الروايات التي ورد فيها: «ما من عبد قطرت عيناه» فان هذه العبارة فيها اطلاق وتشمل المسلم وغير المسلم. ولكن قوله «لا يذكرني مؤمن< يدل على انه المسلم الشيعي الموالي لأهل البيت(ع) فهذه البكاء يرفع من ولايته ويقوي ايمانه بالله وبهذا البيان نعرف ما هي حقيقة البكاء في الروايات؟ يقول أيها المسلم والمؤمن والشيعي اذا اردت ان يكون ايمانك رصينا قويا فاستفد من اكسير البكاء على الحسين(ع). ولا سيما النسر الحاضر الذين هم في كل لحظة في كمين القاء شبهات الشياطين ليتم زعزعة ايمانهم. وهذا البكاء على الامام الحسين يوجب رصانة وارتقاء ايمان الانسان، أين هم الذين ينشرون الاباطيل، لا معنى لان نبكي؟ البكاء علامة الضعف فهؤلاء لم يعرفوا حقيقة البكاء ولا يفهموها، ان حقيقة البكاء هي علامة استكمال الايمان واستمراره«انا قتيل العبرات لا يذكرني مؤمن الا بكى».



المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X