الشعائر الحسينية في المغرب العربي
وفاء الطويل
الحسين.. العشق الذي لا يمحقه الدهر، النبض الذي يضخ الدماء بشرايين الحياة
الثورة التي شاء الله لها الخلود و أخذت بجوامع القلوب، و وهج الحق الذي أنار الدروب.
للمغرب الإسـلامي معه حكايا طالما حدثنا التاريخ عنها، نتطرق بإيجاز
وبلمحة خاطفة حول هذا الموضوع.
قبل الولوج بموضوع نشوء عُلْقَة الأمازيغ بالإمام الحسين (عليه السلام)
لا بد من تسليط الضوء على تاريخ التشيع في المغرب العربي ولو بشكل سريع.
دخل التشيع لآل البيت (عليهم السلام) إفريقيـة مـع الفـاتحين الأوائل، وذلك ضمن أول غزوة قام بها المسلمون لتلك الأرض سنة (٢٧هـ)، والمسماة بغزوة العبادلة السبعة، حيث كان بينهم عدد من الصحابة والتابعين ممن يميلون لأمير المؤمنين علي (عليه السلام)
أي أن ثقافة الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) في المغرب كانت أصيلة بأصالة الإسلام.
بيد أن الفتح أحتاج لعدة غزوات حتى استتب الأمر للمسلمين، لكن الفتح العـسكري لم يرافقه الفتح بالمفهوم الديني، فكيف تطورت ثقافة أهل البيت والثقافة الحسينية هناك؟
هناك عدة عوامل ساعدت على إدخال ثقافة أهل البيت للمغرب العربي، أبرزها:
1- إرسال الإمام الصادق (عليه السلام) المبلغين إلى تلك الديار فاجتهدوا في الدعوة إلى أهل البيت (عليهم السلام)
والتعريف بفضائلهم ومظلوميتهم حتى شاع ذلك بين الناس وانتشر.
2-انتقال أحفاد مالك الأشتر، وعمار بن ياسر إلى مصر، ثم المغرب.
3-ترحال بعض المشارقة للأندلس للتجارة، و ارتحال الأندلسيين للمشرق ساهم بإدخال القليل أو الكثير من الثقافة الشيعية
ويمكن القول بأن الإسلام ترسخ في أهل هذه المنطقة بعد انتشار ثقافة آل البيت (عليهم السلام)، وتأثرهم بها حيـث وجد الناس بأهل البيت القـدوة الحسنة..
وهذا التأثر ولَّد تعلُّقًا بأهل البيت عمومًا وبالإمام الحُسين (عليه السلام) خصوصًا مما جعلهم يتفاعلون مع قضية الإمام وأهدافها
فالحسين (عليه السلام) لم يخرج أشرًا ولا بطرًا ولا ظالمًا ولا مُفسدًا، وإنما مؤسسًا للإصلاح، ولإعادة الدين لمساره، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس، والقضاء على أساليب الهزيمة التي مر بها المسلمون في تلك الحقبة الزمنية.
هنا علينا أن نقف أمام نصوص المؤرخين الأندلسيين، عما جاء عن تاريخ الشعائر الحُسينية في المغرب العربي
لنجد هذا النص عن لسان الدين ابن الخطيب في كتابه (أعمال الأعلام) عن المآتم الحُسينية في الأندلس
يصف النياحة على الإمام الحُسين (عليه السلام) وإقامة شعائر الحُزن والأسى عليه
ومما ذكره: (ولم يزل الحزن متصلًا على الحسين (عليه السلام) والمآتم قائمة في البلاد يجتمع لها الناس، ويحتفلون لذلك ليلة ويوم قتل فيه بعد الأمان من نكير، وكانوا يقيمون الجنازة في شكل من الثياب، ويحتفل بالأطعمة والأضواء والشموع، ويجلب القراء، ويوقد البخور، ويتلون المراثي الحسينية، التي يستعملها اليوم المستمعون فيلوون العمائم الملونة ويبدلون الأثواب)
وهذه إشارة ذات أهمية كبرى عن شعائر أهل الأندلس في ذكرى استشهاد الإمام الحُسين (عليه السلام) من التمثيل بإقامة الجنائز وإنشاد المراثي بوصف حيّ يُخيل للقارئ أن هذا الإحياء في إحدى مدن العراق وذكر أن هذه المراثي كانت تسمى الحُسينية وأن المحافظة عليها بقيت إلى أيام ابن الخطيب الغرناطي في عهد مملكة غرناطة
دراسة هذا النص تفتح لنا آفاقًا واسعة لتصور علاقة الأمازيغ
بالحسين (عليه السلام)
وقد كان لشعرائهم بصمة واضحة في رثاء الحسين (عليه السلام)
حيث امتاز بعض أدبائهم أن أوقفوا أقلامهم شعرًا لكربلاء و كفوا عن القول في غيره.
نورد منها هذه الأبيات للشاعر ابن أبي الخصال الأندلسي
أبيتُ فلا يساعدني عزاءُ *** إذا ذُكرَ الحسينُ و(كربلاءُ)
فخلِّ الوجدَ يفعلُ ما يشاءُ *** لمثـلِ اليومَ يدَّخرُ البكاءُ
عفا من آلِ فاطمةَ الجواءُ
بعينِكَ يارسول الله ما بي***دموعي في انهمالٍ وانسكابِ
وقلبي في انتهابٍ والتهابِ***على دارٍ مكـــــــرَّمةِ الجنابِ
عفتها الريحُ بعدكَ والسماءُ
بكيتُ منازلَ الصبرِ السراتِ*** بمكةَ والمديـــنةِ والفراتِ
معالمَ للعلا والمكرماتِ *** عفتْ آثـــارُها وكذاكَ يآتي
على آثارِ مَنْ ذهَبَ العفاءُ
المصادر:
- سلسلة رحلة إلى الثقلين
تاريخ التشيع في تونس
للمؤلف عبد الحفيظ البنّاني
- بحث (ثورة الحُسين عليه السلام في التراث الأندلسي)
للباحث رضا هادي عباس
- النص الشعري للشاعر أبو البقاء الرندي الأندلسي