هكذا هو الإنسان يبحث دائمًا عن الفرح، عن المتعة، عن السعادة أينما وِجدت، ويبقى مع حلمه الذي لا يتحقق، ويحلق عاليًا إلا أن يُصدم بالواقع، وتتوهج الإشارة معلنةً الضوء الأحمر عند مواقف كثيرة من تقاطعات الحياة.
ومن الملاحظ أن الفرح يختلف من شخص لآخر، فالذي يُفرح الرجل، غيرُ الشيء الذي يُفرح الطفل، وما يُفرح المرأة غير ما يُفرح مَنْ سواها، وقد تختلف تبعاً لذلك آثارُ هذا الفرح ووسائل التعبير عنه، ولكن لا اختلاف في أن ما يشعر به كل واحد منهم من لذة وسعادة وابتهاج - يُسمى فرحاً. لكن أي الطرق نسلك لنيل ذلك الفرح وتلك السعادة؟!
لنقف قليلا عند محطات الحياة، ونرى ما يحدث هناك؛ لنعرف أنفسنا أمن أهل الدنيا نحن أم أهل الآخرة؟
وهذه أول المحطات: وجدته منذ الصباح الباكر، لاهثًا يركض وراء المعيشة، ويلبي الطلبات -وهذا حق مشروع- إلا أن الذي يجب أن يتحلى به تطبيق القاعدة التي تقول: القيادة فن، وذوق واخلاق.
ولو تأملنا هذه المقولة جيداً، لعرفنا أنها صحيحة 100%، فالفن يعني قيادة صحيحة -والقيادة هنا لا كمفهوم بل كتصديق تنطبق على الجميع - متقنة آمنة للسائق ومَن معه ومَن حوله في الشارع، والذوق يعني إعطاء حق الأولية ومراعاة كبار السن والسيدات، بينما تكون الأخلاق في حُسن معاملة عابري الطريق والسائقين الآخرين، إلا أن السائد في الوضع العام ما أن يتأخر قليلا إمام إشارة المرور، حتى يبدأ بلعن الحظ، وأن اليوم هذا لمشؤوم، ونسمع الكلمات البذيئة التي يتلفظ بها خاصة إذا كان زحام السير يُفوّت عليه تسجيل البصمة في سجل دائرته والذي يعتبر فيه من الغائبين.
وإلى موقف آخر: استقبلت زوجها بلطف قدمت الغداء، والحقته بقدح الشاي الذي لا يُستغنى عنه عند الكثير، وفقها الله تمثل قول الرسول الأعظم(ص): ((وأيما امرأةٍ وضعت مائدةً بين يدي زوجها كتب الله لها بذلك عبادة سنةٍ،)) إلا أنه ما أن يغوص في بحر القيلولة حتى تبدأ بمعاقبة عينيها، وإرهاق أعصابها وهي تفتش في هاتفه، وأن وجدت شيء من الذي آملَت عليها نفسها، إن كان بعذر أولا تاركة (الظن) يأخذها يمينًا وشمالًا، وبعد هذا تبدأ العاصفة التي تؤدي إلى الأضرار الشديد بكل أفراد العائلة وقد نسيت قوله تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا.)
ونتقدم في المسير ومشهد آخر: حين تذهب لتشتري شيئا يتطلب حضور الميزان وحين تتأمل عمله تراه بعيدًا عن العدالة!
ومن أين تأتيه، والسرقة واضحة، وإن قلت: هذا خطأ تكن أنت المُلام في ذلك المكان الذي اكتظ بالناس وتضطر إلى المغادرة؛ للبحث عمن يشملهم قول الله تعالىوَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِين
الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُون
وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ
أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ
لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) الانشقاق-الآية 84.
ونستريح في محطة جديدة من محطات الحياة
ونجلس على مقاعد الألم وحكاية تقصها صديقتي
قائلة: موقفٌ صعبٌ جرح فؤادي بسكين الغدر الذي ساد استعماله هذه الأيام؛ فبعد أن اختارت الأم الزوجة لابنها وتحت مواصفات مقتنع بها؛ كونها يتيمة الابوين، وبعيدة عن الوظيفة؛ حتى تتفرغ لعائلتها وتساعدها وتتعاونا على هذه الحياة فيما بعد، ومرت الأيام....
وملأ الله حضنها بطفلين توأمين جميلين أولت الجدة قبل الأم اهتماما واسعا بهما، وأعطت جلّ اهتمامها لحفيديها، وأيامها أجمل معهم متناسية أمراض الكِبر وتمر الأيام حسب ما مرئي على خير، مع ملاحظة كَثرت الخروج للزوجين وترك الاطفال لمدة طويلة عند جدتهما- ويتكرر الحال- إلى أن جاء القرار الفصل!
أخبروها بأن بناء بيتهم قد اكتمل وآن لهم ان يستقروا في بيتهم الجديد، ودّعها الابن وزوجته بكلمات أملٍ مزيفة سنزوركِ ونتواصل معك، لا تهتمي سنجلب الأطفال إليك.
لم تتكلم بل تركت دمعتها هي التي تتحدث، ودّعوها وخرجوا واغلقوا الباب، واخذوا معهم قلبها بنصفيه، وبعد أيام سمعوا خبر إصابتها بجلطة أدت إلى شللها النصفي، ولا أدري أين الآية الكريمة منهم (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) الاسراء).
وما زلنا نتواصل معكم في موقف مرهق ونحن نمر في أروقة الحياة: أرى قصات شعرهن، ولمعان وجوهن، ليس من صلاة الليل حيث القول في ذلك (للإمام زين العابدين (عليه السلام) - لما سئل: ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجها؟
(لأنهم خلوا بالله فكساهم الله من نوره) بل من المكياج الذي غزى الوجوه ليس لبعولتهن بل للقاصي والداني، ناهيك عن اللبس الذي فقد عذرية الحشمة والعفة وفُقدت بذلك الأخلاق.
يا ويلهم! جميًعا الوالد، والزوج، والاخ حينما يكونوا برفتهن ويلقوا بالذنب على أعين المتربصين بنظراتهم إليهن ويتهمون الناظرين بقلة ثقافتهم يا للعجب!!
ألم يسمعوا بالقول: إذا احتشمت المرأة خجلت أعين الناظرين.
وقالوا: عندما تتعرى الأشجار تكن حطبا لنار الدنيا،
وعندما تتعرى النساء تكن حطبًا لنار الآخرة.
ويقول الله سبحانه وتعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ)31، النور.
نعم، أين نحن من هذا الإنذار؟!
السعادة لا تفسر بهذه الطرق الملتوية، بل؛ يبدو أن السعادة تكمن
في القيام بأفعال مطابقة للمثل والقواعد الأخلاقية، وكل سلوك مناف للأوامر الأخلاقية من شأنه أن يجعل صاحبه شقيا، حتى ولو توهم أن ذلك السلوك يحقق له السعادة والبهجة والسرور.
علينا أن نصحح المسار، كل حسب موقعه وإلا سيطول الوقوف بين يدي الله.
إنني أقِفُ أمامَ اللهِ وأبكي دُون أن يكلّفني ذلك عناءَ الشّرح، كم كانَ شعوراً محبّباً أن أبكِي ويفهم الله أسبابَ بُكائي التي لا أعرِفها أنا.
وبهذا تصبح المعادلة واضحة كيف لنا أن نقف أمام أنفسنا، *