ان موضوع الشفاعة لم يكن موضوعاً جديداً بل كان رائجا بين الأمم وبمجيء الإسلام قام بتهذيب فكرة الشفاعة من الخرافات.
وقررها على أصول توافق العقل اصول العقل والعدل وصححها تحت شرائط الشافع والمشفوع له.
حيث كانت الشفاعة لدى الأمم سابقاً رجاء في حط الذنوب وغفران الآثام، ولأجل ذلك كانوا يقترفون الذنوب تعويلاً على ذلك الرجاء.
ثم جاء القرآن الكريم ليرد فقال: إنه لايشفع انسان الا بأذنه تعالى وفي حق من ارتضاه سبحانه فليس لكم ان تقترفوا الذنوب تعويلاً على شفاعة الشفيع.
وعلى ضوء ذلك فان الشفاعة عند الأمم قبولها ورفضها يراد منها حط الذنوب ـ ورفع العقاب ـ وهي كذلك في الإسلام كما في قوله: [ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من امتي]
والمعتزلة ذهبت الى تخصص آيات الشفاعة بأهل الطاعة دون العصاة، وأن أثرها ينحصر في رفع الدرجة وزيادة الثواب، وهذا التأويل في ابحاث الشفاعة الا لأجل موقف لهم في مرتكب الكبيرة..
حيث حكموا بخلوده في النار اذا مات بلا توبة فلما رأوا ان القول بالشفاعة التي اثرها اسقاط العقاب ينافي ذلك المبنى اوّلو آيات الله فقالوا ان اثر الشفاعة هو زيادة الثواب ورفع الدرجة وهذا المقام احد المقامات التي يأخذ بها المعتزلة حيث قدموا المنهج على النقل الصريح وخالفا بذلك جميع المسلمين.
وقال القاضي عبد الجبار، منكراً شمول الشفاعة للعصاة: [ان شفاعة القساوس الذين ماتوا على الفسوق ولم يتوبوا تتنزل منزلة الشفاعة لمن قتل ولد الغير وترصد للأخر حتى يقتله فكما ان ذلك قبيح فذلك ها هنا]
ان القاضي استدل على ان الفاسق لايخرج من النار بشفاعة النبي بقوله تعالى: ((وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا.. ))
وكذلك قوله تعالى: ((مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ))
حيث ان الآيتين راجعتان الى الكفار فالآية الأولى ناظرة الى نفي الشفاعة التي كان اليهود يتبنونها والآية الثانية ناظرة الى نفي الشفاعة التي كان المشركون يرجعونها من معبوداتهم.
يقول سبحانه:
((قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ ــ تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ــ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ــ وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ ــ فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ ــ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ))