لابد للأسلوب الخاص ان يتأثر لدى أي شاعر بتفاعلات المؤثر الوجداني، وتلك بديهية من بديهيات الكتابة، ولكن تبقى هناك دوافع ايمانية تشكل الوعي الذي يسمو بالابداع الفني نحو التجلي عبر تلك الجماليات الى احتواء واعٍ لقدسية الرموز المبجلة والتي من خلالها ستنفتح القصيدة على عدة عوالم ادراكية تمثل القيم الروحية والثقافية والاجتماعية. ولا ضير ان احتوت متطلبات طقوسية... لأن الامر لا يعني التخصص في منهج تلك القيم، وإنما في نوعية التماثل والتراسل الجمالي الفني الملائم لاستيعاب (المثل، الواقع، الذات...) ومن هذه المنطلقات سعى الشاعر (وليد حسين) ليقدم قرابين ولائه عبر مجموعته البكر: (لهفي على زمن تباعد) مستثمرا العمق الدلالي في نمط علاماتي لخصته مقدمة الاهداء (الى الطائرين الشهيدة... والشهيد...) ليمنحنا روح التأمل الذي يبعد محدودية الابلاغ المباشر. فصفة اطلاق الطائرين صفة تاريخية أطلقت على رمز تاريخي مقدس هو (جعفر الطيار) والذي خلق الله له أجنحة يطير بهما في الجنة، فتسمو العاطفة عند (وليد حسين) بايحاءات تكشف هذه الأواصر لتكون عملية (التشفير) عملية قريبة من مفهوم المتلقي، فيدوِّن الاهداء (خرجتما من الظلمة بأجنحة بيضاء) فربط الدلالة بالاجنحة كحالة نسقية مترابطة الجذور، وليصوغ بعد ذلك ديوانه عبر ثلاث عشرة قصيدة. فسعى الى تفعيل عدة اساليب فنية تعكس حرصه على احتواء المسعى الايماني والفني بوعي جاد فاستخدم عملية التخاطب المباشر مع رموزه مستخدما ياء النداء للتخاطب المباشر مثلا مع الرسول (ص):
(يا سيد الكونين انك مبعث للعالمين برحمة وفخار)
أو تراه يخاطب سيد الاوصياء علي بن أبي طالب عليه السلام
(ياخاصف النعل ما في الارض منقبة الا المروءة عند الفارس البطل)
أو تجده يخاطب الزهراء عليها السلام
(ايا أم الرسول اذا تكنت وللاطياف حمل رسالي)
او يخاطب سيد الشهداء الحسين عليه السلام
(يا من له الدنيا تتوق لوثبة زمرا كأن الباقيات تخرمُ)
وراية أخيه العباس عليه السلام
(يا راية العباس من عليائها خصوا الشهادة بالدما يتلفع)
تحمل الرموز الدينية عدة مسميات ابداعية ولها شحنات رمزية محملة بالكثير من أركان الثقافة الجمعية ذات مرجعية قرآنية لها إمكانية إرسال شعوري عالٍ يوظفه الشاعر بطريقة فنية تهدف الى ايصال الرسالة وتبليغ المضمون عن طرق فنية غير مباشرة تقوّي الفعل القصدي من خلال استحضار الاسم المقدس للانبياء والاوصياء والاولياء مثل محمد، احمد، حيدر، ابراهيم، أيوب، موسى:
(فذا موسى بمعجزة تقرب منه ما بعدا)
وفاطمة والحسين والعباس وزينب عليهم السلام
(يا قلب زينب كم صبرت لهزةٍ رجفت لقسوتها الطباق المتع)
كما راح يتوسل الالقاب طامحا لزيادة تأثيرية سيد الكونين، رسول الله، خاتم الرسل، راعي الاسلام...
وأما القاب أهل البيت عليهم السلام فهي علامات بارزه لكل شخصية مثل:
خاصف النعل، سيدة النساء، سبطي أحمد، سبط النبي...
(سبط النبي محمد من هاشمٍ اجر الرسالة فيهمُ هذا الدمُ)
ولتزداد الدلالة عمقا توسم الكنى والتي لها ايضا علامتها التي تشير الى اصحابها أم الرسول، ابو الحسن:
(أيه ابا حسن في كل معضلة يعلو بها الحق تلقاها بلا خطل ِ)
وكما وضع للسمات بصماتها مثل الحوراء، الشفيعة...
(هي وقفة الحوراء بضعة فاطم ميلاد فخر بالمكارم تصدع)
فلابد ان نعي ان لكل رمز من هذه الرموز دلالات متعددة قد تتصدر دلالة ما من هذه الدلالات فيجد الشاعر حينها ان العمق الحقيقي في جذره التكويني والذي يستمد منها قدسيته والايحاء الجمالي هو ايحاء مكثف ممتلئ بموضوعه ويؤدي الى استرجاع ذهني يرتكز على قصة معروفة معلومة ليصبح الرمز حاملا لمنطق مفهومي.
ولا أدري كيف تجرأ بعض النقاد ليفصل المفهومي عن الاحساس ما دمنا في الشعر وليس في تدوينات علمية يبقى المفهوم وعيا والوعي ادراكا والادراك منتجا شعوريا يقظا... ولذلك سعى وليد حسين الى تكثيف الكثير من القصص ذات المرجعية القرآنية ليبني عليها أسس شعريته قصة ابراهيم وبناء القواعد قصة تاريخ قريش وحالهم قصة الغمامة التي كانت تقي رسول الله (ص) الشمس، وقصة الاذى الذي كان يتعرض له النبي (ص) وقصص كثيرة. وسعيا للتدفق الجمالي راح وليد حسين يتحرك بحيوية اللغة التي تتحرك ضمن ماضوية جامدة لتتحول الى مضارع يافع:
(أقمت الصمت في وثن أباحوا فيه ما فقدا
, انبذ كل معتقد يميت الفكر مضطهدا)
أما في مستوى التخاطب فهو يتحرك بتنصلات حركية ذات طابع فنان يخاطب الرمز ثم يتحول الى غائب ثم يحضره امام شهادة المتلقي وهذه الحركة تعطي تحركا ذهنيا وزخما شعوريا لاحاطة الرموز بهالة مضمونية واسعة ينطلق منها الى مساحات بوح شعري يظهر سمات الواقع المعاش
(إني أحيي الشعر وهو بساحنا سيف دنا من قبضة الثوار
لا ان يباع ليسرق بذلة أو أن يقاض بخسة الاسعار)
وجميع المستويات الاسلوبية ساهمت في بلورة التكثيف والاختزال والايحاء والشعرية مثل
(للشرعة السمحاء قامة عصبة من طول ما وترت بلا اوتار)
او (جذع النخيلين وهو مقبل من جسمه كشحا بلا اطمار)