شهادة استقتْ معالمها قلبا وقالبا من شهادة عظيم منذ زمن بعيد باستثناء بعض الرتوش البسيطة التي رغم اختلافها اليسير الا انها لا تخرجها من تلك الدائرة القدسية في السنخية والهدف.
كل شهيد منهما عمل بتكليفه الشرعي بما فرضته عليه واجبات التوحيد والنبوة والامامة في نصرة الدين والشهادة في سبيله ودفع الارجاس عن التحكم في الارض والعرض بإسم الدين.
بدأت معالم تلك الشهادة تتوضح في عام ٦٠ للهجرة حينما كان الشهيد الملهم اول شهداء الطف السابق الى الفتح قد سافر للجهاد في سبيل الله لوجهة لا يعرفها في رحلة عشق ملكوتية انتهت بالغدر والطواف به مأسورا جريحا في أزقة الكوفة وقتله ورميه من اعلى قصر الامارة انتهاءً بسحب الجثة في اسواق الكوفة التي توزعت اشلاء ودماء مسلم بن عقيل (عليه السلام) في ارجائها.
هي الطف وشهداؤها، ألهمت أتباع اهل البيت عليهم السلام عبر العصور حماية الأرض والعرض من الارجاس الظالمين المتمترسين بواجهة دينية وكشف حقيقتهم المخزية وتبرئة الاسلام منهم وان كلفهم ذلك حياتهم.
بعد الف واربعمائة عام ونيف عادت تلك الشهادة جلية الى الاذهان الى شهيدنا المغوار، أبي الضيم كإمامه الحسين وسفيره (عليهما السلام)،
مصطفى العذاري اسم خُطَّ بماء الذهب على جبين الشرف والانسانية والغيرة والمظلومية،
رحل لمدينة دنستها داعش وعاثت فيها فسادا، لم يفكر مصطفى للحظة ان تلك المدينة تخالفه في المذهب، ادى ما تفرضه عليه واجباته الدينية والوطنية في الدفاع عن كل شبر من ارض الوطن بمختلف دياناتهم ومذاهبهم.
جرح في المواجهة العسكرية واستشهد من معه وبقي وحيدا جريحا ولن ينثنِ فهو من ارخص دمه لتراب وطنه وتحرير ابنائه من داعش، بقي ثلاثو ايام يصارع الالم والجوع والعطش مستذكرا عاشوراء ونهجها في مواجهة الظلم والتسلط حتى أُسر من قبل داعش ولفيف من اهل تلك المدينة الذين صفقوا وحيوا الدواعش وهم يجوبون بمصطفى في شوارع الفلوجة الغادرة وهم بين فرح وسرور وتحية للارجاس الدواعش،
لا اعلم مدى خيبة ظن الشهيد بأهل تلك المدينة وهو يتساءل في نفسه : أما من رجل حر في هذه المدينة يرفض ما يحدث؟
هل انقلبت موازينهم يصفقون ويهللون لمن احتل ارضهم ودنس عرضهم ويأسرون ويقتلون من تحمل الغربة والعناء وحمل روحه بيت راحتيه ليخلصهم من كابوس داعش الذي جثم على صدورهم ليحرر ارضهم من دنسهم؟!!!!!!
لم يكد يفق من صدمته برجال المدينة الراضين بفعل الدواعش حتى اخذ يتطلع ها هنا وها هناك لعلّه يرى طوعة في الاثر تشد حيازيمه وهو في طريقه للشهادة وما من طوعة في فلوجة الذل والعار.
أعدم على جسر السكنية وبقي معلقا عليه ثلاثة ايام وساقه الجريحة لا زالت تقطر دما رغم الضماد الذي يلفها.
شهادة توزعت فيها دمائه في ارجاء الفلوجة لتبقى شاهدة على بطولته وشهادته في سبيل الدفاع عن مقدساته حتى اخر قطرة دم.
وكأن هاتين الشهادتين سنخ واحد لا يختلفان في الزمكان مدينة جاحدة وزمان لا يقدّر اهله رجال الله، مما يجعلها شهادة واحدة في زمنين.