للبناء القصصي في القرآن الكريم عناصر ومحاور ولطائف ودلالات واسرار لا يعلمها الا الله والراسخون في العلم، وسنمر على بعض هذه القصص القرآنية ونستخرج من دررها بعض اللطائف الدلالية بما يتناسب مع البناء الفني لكل قصة.
وعناصر البناء القصصي في القران مثل كل القصص الادبية تتكون من احداث وشخصيات وزمان ومكان وعقدة وحل، الا ان بعض القصص القرآنية لها دلالة او محور يستقطب الاحداث والشخصيات حوله بشكل لافت للنظر ويختلف هذا المحور باختلاف القصة كما ان له دلالات عديدة وتأثيرات كبيرة على مجريات الاحداث من بداية القصة الى نهايتها، كما يؤثر في عقدة الحكاية والحل.
وحسب استقراءي البسيط لاحظت ان بعض القصص القرانية تكرر هذا المحور فيها ثلاث مرات وهي :
أ- قصة النبي يوسف (عليه السلام):
وهي احسن القصص حسب وصف القرآن الكريم، ومحور هذه القصة هو (القميص) الذي تكرر في ثلاث أحداث مهمة على فترات زمنية مختلفة من حياة النبي يوسف عليه السلام وقد لعب القميص دورا مهما في احداث القصة:
١- في طفولة يوسف عليه السلام،
حيث اتخذ اخوة يوسف من قميص يوسف الملطخ بدم كذب وسيلة لابعاد يوسف عن ابيه التبي يعقوب عليه السلام "وَجَآءُو عَلَىٰ قَمِيصِهِۦ بِدَمٖ كَذِبٖۚ قَالَ بَلۡ سَوَّلَتۡ لَكُمۡ أَنفُسُكُمۡ أَمۡرٗاۖ فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ وَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ" (يوسف/١٨)
ولم تنطلِ خدعة الاخوة على النبي يعقوب عليه السلام الا ان النتيجة كانت ابعاد النبي يوسف سلام الله عليه عن ابيه وبيعه عبدا ووصوله الى مصر، وهناك تبدأ المرحلة الثانية من قصة النبي يوسف مع احداث وشخصيات جديدة.
٢- في شباب النبي يوسف عليه السلام
حيث راودت امراة العزيز يوسف عليه السلام عن نفسه في قصة مفصلة وقدت قميصه من دبر وكان هذا القميص سببا في اظهار براءة النبي يوسف عليه السلام
"وَٱسۡتَبَقَا ٱلۡبَابَ وَقَدَّتۡ قَمِيصَهُۥ مِن دُبُرٖ وَأَلۡفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا ٱلۡبَابِۚ قَالَتۡ مَا جَزَآءُ مَنۡ أَرَادَ بِأَهۡلِكَ سُوٓءًا إِلَّآ أَن يُسۡجَنَ أَوۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ"(يوسف/٢٥)
ورغم براءته دخل يوسف عليه السلام الى السجن ظلما لتبدأ مرحلة اخرى في هذه القصة مع احداث وشخصيات تؤثر على سير الاحداث مستقبلا وهنا بدأت عقدة القصة.
٣-الظهور الاخير لمحور القميص في قصة النبي يوسف عليه السلام حينما اعاد قميصه البصر لابيه النبي يعقوب عليه السلام
"ٱذۡهَبُواْ بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلۡقُوهُ عَلَىٰ وَجۡهِ أَبِي يَأۡتِ بَصِيرٗا وَأۡتُونِي بِأَهۡلِكُمۡ أَجۡمَعِينَ" (يوسف/٩٣)
وجمعه بابنه بعد فراق دام عقود واجتماع اسرته جميعها ورحيلها الى مصر وبه ختمت الاحداث الرئيسية للقصة.
ولو تأملنا قليلا لوجدنا ان القميص الذي ذكر ثلاث مرات لم يكن قميصا واحدا بل كانت ثلاث قمصان مختلفة ولكن المهم في القصة انها ادت غرضها في بناء الاحداث وظهور الشخصيات الثانوية وعلاقتها مع بعضها صنع الحبكة القصصية من عقدة وحل كما لاحظنا سابقا.
٢-قصة ال عمران عليهم السلام
ومحور هذه القصة الذي تكرر ثلاث مرات ايضا وهو حصولهم على الذرية بالمعجزة وتمهيد هذه الذرية للحجة على الخلق من بعدها، وفي كل مرة اثر هذا المحور على قصة احد من ال عمران وعلى سير الاحداث في ثلاث قصص متداخلة مع بعض تداخلا بنائيا انسيابيا رائعا.
١- امراة عمران
وحصل الاعجاز في انها رزقت بمريم عليها السلام على كبر سنها وبعد ان استهزئ الناس بها وبزوجها عمران النبي عليه السلام وعيروهم بعدم الانجاب "فَلَمَّا وَضَعَتۡهَا قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي وَضَعۡتُهَآ أُنثَىٰ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا وَضَعَتۡ وَلَيۡسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلۡأُنثَىٰۖ وَإِنِّي سَمَّيۡتُهَا مَرۡيَمَ وَإِنِّيٓ أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ" (ال عمران/٣٦)
وبالنتيجة نلاحظ اهمية ولادة مريم عليها السلام في ظل هذا الظرف الحرج لزيادة ايمان الناس بالنبي عمرام وتصديق ال عمران ولتهيئة النفوس لتقبل دعوة النبي زكريا عليه السلام الذي جوبه بالرفض من علماء واحبار بني اسرائيل.
- النبي زكريا عليه السلام
وهنا الاعجاز الثاني في طلب الذرية للنبي زكريا عليه السلام الذي بلغ من الكبر عتيا وكانت امراته عاقرا ورزقه الله بالنبي يحيى عليه السلام سيدا وحصورا وصديقا نبيا، بعد ان شاهد دلائل الرحمة الالهية التي شملت مريم عليه السلام، "قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَقَدۡ بَلَغَنِيَ ٱلۡكِبَرُ وَٱمۡرَأَتِي عَاقِرٞۖ قَالَ كَذَٰلِكَ ٱللَّهُ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ"(ال عمران/٤٠)
علي حسين الخباز, [08/07/2021 06:26 م]
باقر سجاد علي حسن الاول متوسط ب٢ عبير المنظور, [08.07.21 08:24]
وولادة النبي يحيى عليه السلام ايضا لها من الاهمية الكبيرة في اثبات دعوة ابيه النبي زكريا سلام الله عليخم امام احبار اليهود وعوامهم وكذلك لتمهيد الطريق امام نبوة عيسى عليه السلام وتثبيت دعائم رسالته في المجتمع اليهودي.
٣- السيدة مريم عليها السلام
وهو الاعجاز الثالث الفريد من نوعه في هذه القصة وهو ولادة النبي عيسى عليه السلام من غير اب
"قَالَتۡ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٞ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِي بَشَرٞۖ قَالَ كَذَٰلِكِ ٱللَّهُ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ إِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ" (ال عمران/٤٧)
وجعله اية للناس بتكلمه في المهد صبيا واحياء الموتى وابراء الاكمه والابرص ومبشرا برسول من بعده اسمه احمد، ورفعه الله اليه في ملكوته ليعيده الى الارض ليمهد الطريق نحو تحقيق العدل الالهي في اخر الزمان ويصلي خلف الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه وسهل مخرجه، ومعا يملئان الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.