قصة الحاج عبد الله ابو الهيل من القصص التي كانت معروفة عندنا في كربلاء... فهو رجل من اثرياء البلدة، ومن اصحاب النفوذ الاجتماعي فيها، اراد هذا الرجل يوما ان يكمل زينة دنياه بقصر فخم ضخم ينفتح على مساحة واسعة، ويحتوي حديقة كبيرة، ونافورات الماء، وتشكيلات عمرانية تفنن مبدعوها، تتصف بالجمال وموقع قريب من المدينة...
لاحظ الحاج ابو الهيل وجود قطعة ارض ملاصقة لأرضه، فأعجبته كثيرا فكرة أن يضمها الى قصره، وفعلا راح يسأل بجدية عن صاحب هذه الأرض، وفرح كثيرا حين علم انها ملك لأيتام صغار، وامهم الأرملة الفقيرة الحال، ولما عجز عن اقناعها، فهي لها عذرها ايضا لأن هذه الأرض هي كل ماورثه الأيتام عن ابيهم، وهي امانة لابد ان تصل اليهم سالمة حين يكبرون، فعسى ان تكون مقرا ومستقرا يبعد عنهما شبح العوز والحرمان، ويكون لهم مأوى من غربة فاحشة... لكن الحاج عبد الله قرر أن يستخدم ما أوتي من سلطان وجاه ومكانة اجتماعية ونفوذ مادي، ووجد ان لابد من اللعب بأساليب إلتوائية، وهكذا حصل عليها عنوة من اهلها الأيتام، وكان هذا لابد منه حسب ما يقول كي يرد اعتباره امام امتناعها من بيع الأرض، فسحق المرأة واطفالها، وكان يحسب ان المرأة ستأتيه متوسلة فيعوّضها بشيء قليل وتنتهي المشكلة...
وحين سمعت المرأة بالأمر رفعت يديها الى السماء وهي تصرخ: يا إلهي عليك بحرمة الحسين وغربة ايتامه... عليك بدم الحسين ان ترد لنا حقنا يا الله... وسارت حافية الى مرقد الحسين عليه السلام داعية الله عز وجل عند رأسه المبارك ليرد لها ما سلب... تقسم المرأة انها سمعت صوتا يناديها من داخل الضريح: قومي الى دارك ولا تفزعي الأيتام فأنت بخير... برد قلبها لكنها لم تبطل الدعاء... وبعد ايام مرض الحاج عبد الله ابو الهيل ولا احد يعرف سر مرضه، جال المستشفيات والاطباء ومن صالة عمليات لأخرى، والحال يتدهور، وقد تشوّه الجسد بمباضع الجراحين، وما زال الألم يوخز قلبه المريض... قالت له زوجته ذات يوم: هل تعرف انك لست مريضا ابدا... وما عانيته هو حوبة الأيتام الذين سرقت ارضهم دون حق؟ فانتبه الحاج واذا برعشة تنتاب جسده الضعيف هزت له كيانه... سعى في اليوم الثاني ليسأل عن بيت الأيتام يتوسلهم الصفح والعفو، وفعلا اتفقوا ان يشتري لهم ارضا اكبر من تلك واقرب للمدينة، ووعد الأم حين يشفى سيبني لهم الدار على نفقته، وبعد اسابيع وقف امام دار الايتام وهو يبكي ويصيح: أعذروني يا اطفال لقد ظلمتكم، وهذا مفتاح بيتكم الجديد فادخلوه آمنين، وحينها طلب من الأم شيئا وهو يسلمها المفتاح: يا أخيتي استحلفك بالله ورسوله أن تذهبي الى مرقد الحسين عليه السلام لتدعي لي عند رأسه الشريف... يا امرأة لا اريد منك سوى الصفح والدعاء.