إنه وقت السحر، القمر يغادر بعيداً تاركاً النجوم تتلألأ صفحة السماء .. نسمات باردة تداعب أغصان الشجر عند ضفاف الفرات .. تتناول سحورك من لُقيمات على عَجَل .. تسرع بالخروج .. عند الباب تصيح طيور الأوز، ترفرف بأجنحتها، تدور حولك، تتشبّث بعباءتك، كأنها اطلعت على حدثٍ يلوح بالأفق، تنظر لها باستعطاف مغمغماً:
ــ صوائحٌ تتبعها نوائح.
تخرج تتسابق مع الفجر، وأنت بطريقك إلى المسجد تنادي بأعلى صوتك: الصلاة يا عباد الله.
ترمق السماء وهي تحتضن نجومها، تتفرّس بوجه الفضاء الممتد حيث اللانهاية، ما بيّن شكٍّ ويقين تدرك أنها الليلة الموعودة، فراستك لا تخطئ ويقينك لا شك فيه .. يستقر بك المقام حيث محرابك، تؤدي أورادك الرمضانية قُبيل صلاة الفجر .. ذئبٌ ماكر يكشّر عن أنيابه، يتلصّص بعينين زائغتين عند زاوية مظلمة من مسجد الكوفة، يتصيّد لحظة غدر .. في تلك اللحظة توقّف الكون وحبس أنفاسه لهول المنظر، فها هو السيف المسموم يحمل حقد الهزيمة وثارات الجاهلية يركع على رأسك .. يفيض المحراب دماً عبيطاً، وتهتف مستبشراً:
"فزتُ وربّ الكعبة"
وأخيراً تحققت أمنية انتظرتها طويلاً:
"متى ينبعث أشقاها ليخضب هذه من هذه؟"
إنها الشهادة التي انتظرها نصف قرن.
انطفأ قنديل المسجد، وقد هبّت رياح الفتن تتبع بعضها بعضاً.