كانت انفعالات تلك المشاهد ترسم للمدامع دلالات تضحوية في غاية البهاء ...عائلة تمد قرابين الدم هوية انتماء كربلائي .. أنور ، جعفر ، شاكر ، عماد ..أبناء أب حمل النزف كيان فهم ابناء الحاج عبود حسون طابور اغاسي .
خطوات لاتقف عند حد بل تذهب إلى كوثر نبع آخر تمد الذاكرة بلهب المواجع عائلة السيد مرتضى آل لطيف..محمد وباقر ومحسن وعائلة السيد حسن آل علّو حيث ابلوا بلاءً حسناً واستشهد منهم السيد نوري علّو وعائلة بلاش جبر الدعمي عقيل ومخلص .
تحرص الذاكرة على استحضار حقائق الامور لحادث اكبر من حجم التفاصيل فهو يتنوع بتنوع شواهده .. في استذكار لأحد ابطال كربلاء وهو يستذكر شذرات هذه الواقعة .. استشهد أحد السادة في انتفاضة المشخاب وهو يحتضر لوداعه الدائم أوصى أبنه الوحيد
:ـ يا بني أذهب للدفاع عن كربلاء .
فجاء الشاب من المشخاب يحمل ثنائيته وقاتل قتال
الابطال ... ومقاتل آخر من محافظة النجف الاشرف ومن بيوت علمائها ومقاتل آخر وفد من السماوة ( قاسم عبد الله) وهو يستغيث بالمقاتلين
:ـ اريد الشهادة في كربلاء ، وغيرهم الكثير الكثير ممن لا يمكن ان نحصي عددهم او نتذكر اسمائهم.
:ـ حدثت في كربلاء اشياء مذهلة ... فقد شاهد الناس ابطالا يرفعون الرأس، ومنهم من أمتشق بطولة نادرة فقد كان يتقدم بوجه الدبابات غير مباليا بالموت .. تقدم هذا المقاتل وهو بطل كبير من ابطال الانتفاضة عرف اسمه بعد استشهاده ( ثائر لطيف )..عند دخول الدبابات في شارع العباس تصدى ابناء كربلاء وخرجوا لها من جميع الأزقة ...وشكل هذا البطل علامة خارقة عند المواجهة ،اصيب برصاصات قدمت اليه خلسة..كابر على جراحه ووقف ليستمر بالقتال حمل الجراح ترانيم شهادة لاتموت .وهو اب لطفلين ( كرار ، ذو الفقار ) .
:ـ والمقاتل الذي فجر الدبابة المتقدمة صوب شارع العباس عليه السلام وهو الشاب احمد حمزة ليتبعها بالثانية وسط هتافات التشجيع من بقية الابطال الذين كانو معه .
ومقاتل آخر له الفضل بتوثيق بعض لقطات الانتفاضة وفي ظروف هي في غاية الحراجة وهو المقاتل السيد عماد زين العابدين.
ويسرد الراوي القلب حكايات شاهدها بالعين وعاشها على مايبدو اعزلا، استنطقته الجراح ..
:ـ قرب الوادي القديم تقدم مقاتل بمواجهة لواء مدرع، ببندقية من السلاح الخفيف .
:ـ الا تعتقد انك تبالغ بعض الشيء من هول الصدمة ؟
:ـ ، لقد كنا نغبطه لشجاعته ،لكونها لم تخذله من مواجهة سيل النار لكن للأسف خذله نفاذ العتاد
ـ هل عرفت اسمه ؟
:ـ هو بطل معركة الوادي...(عباس كزار حسن) ....برهة صمت يستجمع قواه ، وكأنه لايريد أن يفاجئنا بمآثر قد تشكل خوارق ذهنية تتجاوز حدود امكانية التصديق .يقول
:ـ كنا نندهش بما نراه بأعيننا فكيف سأضمن أندهاشة من يسمع الحكاية دون أن يرتاب من تفاصيلها ويضع في باله حسابات المبالغة ، هؤلاء الابطال ناس من دم ولحم لكنهم خرقوا نواميس الطبيعة بما يتمتعون من شجاعة وصبر وقيم سامية ،
فقد كانت مثلا معركة الوادي من أشرس المعارك التي خاضها الكربلائييون في منطقة مفتوحة ...استشهد في هذه المعركة مجموعة طيبة من اهالي كربلاء مثل الشهيد مناف ورديف زنكي وتسامت هناك 21جثة لمجهولي الهوية في الوادي القديم ،
:ـ انها امانة ... ولابد من انصاف ذكرهم على اقل تقدير
:ـ إنهم ابطال حقيقيون ولولا نقص العتاد لما استطاع احد التقرب اليهم .. أنا رأيت الاسف على وجوه الكثيرين ممن غدر بهم نقص العتاد .. الشهيد( خزعل قلي عزيز الكعبي )أحد ابطال الانتفاضة سقط في شباك اسره وعانى الكثير من الاذى والمقاتل الكربلائي (شمسي صادق الصخني) واخوته ...
وهناك فتى لم يكتمل عمره الاربع عشرة سنة ولم يتدرب يوما بأي نوع من انواع السلاح .. لكنه اذهل من شاهده مقاتلا شرسا له هيبة وصلابة لاتنسى في قاطع حي الحر .. فقد كان الفتى الصغير يرعب المقاتلين وهم على صهوات دباباتهم .. هذا الفتى كان يعرف جيدا امكانية الدبابة واندر مافي الحكاية أنه غاب عن الانظار برهة ليعود ومعه ضابط اسير برتبة رائد .. كان الفتى يغتسل غسل الشهادة ويصلي في العتبتين المقدستين زيارة الوداع ويتوجه إلى المعركة .. ومعه اخوته0
من يعرف حدود الشيء لايمكن أن تدهشه أبعاد مسافة يعرفها جيدا
:ـ تم اخلاء مستشفى الولادة لجرحى المعارك ، وقد حمل اليه شاب كربلائي في صدره فتحة كبيرة وبعد اجراء العملية .. كان يستقبل زائرين بصوت مسموع ويبتسم لهم ويحاورهم بكل مفردات الوقار كان يود من معه ان يساله من ضيوفك ؟ عندما مات او هكذا يقولون صار الناس يسألون هل حقا مات؟ ينظرون لوجهه الجميل الشاحب المعفر بصفرة الجرح والموت ، وكلما يطيلون النظر اليه يتخيلوه يقوم يسألهم اين سلاحي ؟ يعرف أهله إن عليهم ان يتصرفوا بجلادة اكثر، يكفي انه ذهب شهيدا طاهرا رفض الجور الذي آلفه البعض حتى صار جزءا منه ، "،
:ـ لاترفعوه هو طلب مني بخفوت ان يرى والدته ويريد ان يرى اخوانه واخواته ..
وابتسم الجرح حينها للغافين حوله
:ـ هل يقدر الموتى أن يطلبوا رؤية اهاليهم ، من يا ترى هؤلاء الذين كانوا يرحبون باستقباله ، أراد أن يسأله من كان معه، لكنه نسي ولم يتذكر سؤاله إلا بعد رحيله .. وجاء في مذكرات الجراح إن الجيش جعل من نادي الطف معتقلا ثم توسع بعدها ليشمل فندق كربلاء ومنهما يتم ترحيل المعتقلين إلى بغداد ..
قصص اعتاد أن يلوذ بعوالمها ،لكونها تمتلك الكثير من المحفزات التي تعني له التواصل مع سبل التضحية والسير على خطى الملهم
لم تكن مهمته أن يجمع الحكايات ليوثقها من باب النشر فهو عاش وشاهد وسمع الكثير من روايات البطولة التي حفلت بها الانتفاضة لكن هناك بعض الاحداث التي تشكل العمق الكربلائي الحقيقي الذي هو أكبر من مسألة التدوين التوثيقي 0
:ـ طفل لايزيد عمره على العشر سنوات لصغر حجمه كان يراوغ الدبابات ويقذف الرمانة ويهرب ليباغت دبابة اخرى لقد كررها ثلاث مرات وفي المرة الاخيرة تعثرت قدمه وسحقته الدبابة تحت سرفتها ، أكيد هذا الطفل كان من اطفال الطفوف الذين استنهضت بهم كربلاء ،ويروي احد المقاتلين/ السيد علي بن السيد أموري العطار/كنا بمواجهة مباشرة مع نيران الحرمين عند بناية غرفة تجارة كربلاء القديمة وكان الجيش يتجه صوب باب بغداد ،وكان الرمي المواجه يخرج من عكد السادة وبالقرب ( جامع ابن عوز ) اصيب سماحة الشيخ ( عبد المهدي الكربلائي) اصابة بليغة واصبت انا ايضا ـ شعرت حينها بمسؤولية الموقف حملنا الشيخ بواسطة عربة بناء إلى اقرب وحدة ميدان طبية حيث عالجه (خضير ياس) وكان قد اصيب بأصابع قدميه إصابة بليغة ،
0 كلما حاول العدو أن يبعد كربلاء عن معناها يقربها اليه، فالعطش هوية هذه المدينة وعند شغاف قلبها تجد عطشا مباركا يزكيها في المحن 0 العوائل البعيدة عن الصحن الحسيني حفرت أبار وبقيت تشرب منها بينما البيوت المحيطة بالصحن المبارك صارت تستقي الماء من الروضتين الطاهرتين 0يرى البعض أن هذه الانتفاضة أخذت طابع المذهبية .. وهذه الصبغة بطبيعة الحال هي دعاية بعثية حاول النظام ترويجها ليتحرك تحت هذا الأفق الطائفي ..بطعن هوية الثوار ..بينما حقيقة هذه الانتفاضة عراقية قاتل فيها أبناء كربلاء وهم أهل تأريخ مشرف ولهم صفحات بيضاء في تحرير العراق ولهم وثبات شهد لها التأريخ 0على أرضهم رفع أول علم عراقي وبنفس الأكف التي رفعوا بها العلم رفعوا السلاح ومنهم أحمد سرهيد وحمد نداف وأولاد عبادة وبيت جعفر عودة وكثير من البيوت الكربلائية التي قدمت مواقف لاتنسى ..ومن المواقف التي يتذكرها الكربلائييون عند اشتداد القصف دخل الناس في فندق الحر لصاحبه المرحوم الحاج حسين امين والرجل قد فتح باب القبو ليكون ملجأ آمنا للعوائل وإذا بامرأة كبيرة السن ضخمة تحمل في يديها عصا غليظة تخرج لتوبخ الرجال الذين لجاوا الى داخل الملجأ لعدم خروجهم للقتال .. وتنادي
:ـ اخرجوا هي كربلاء تناديكم
ألا تسمعون صوت الحسين ينادي هل من ناصر ينصرنا وإذا الشباب يخرجون بثورة ضمير وينظمون انفسهم ويستلمون السلاح ومن ثم هجموا هجمة موحدة اعادوا الجيش إلى اندحار موغل في الانكسار واسروا ثلاثة ضباط كبار وآمر اللواء وكان من بيت الدوري وكان من قادة هذه الهجمة أهل باب الطاق والمخيم ومنهم ( حسين كرخي ) الذي قاد مجموعة استطاعت لوحدها من اسر عشرين جنديا .. والمقاتل (حمودي عصفور وستار الحكيم) وهناك ياتي ذكر المقاتل فارس بن صالح زنكي نديا
كانت المجابهة الشرسة من قبل البعثيين ملاذا لمخاوف تسربت من عمق عجزهم المستفحل وهذا وحده يكفي ليتدرعوا قساوة قل نضيرها .. لم تكن هذه المجابهة آنية كما تبدو للناظر بل هي وليدة قرون مضمرة .. سعت من خلالها السلطات لزراعة الخوف المستديم ضمانا لمستقبل مستكين مشحون بالانكسار ... هذا الأمر سيطر تماما على طريقة تفكيرهم ويخشون إنهيار الأرث الطاغي بانهيارهم فواجهوا كربلاء بوحشية نادرة .. حفروا مقابر جماعية وشمت جسد كربلاء في باب القبلة ومنطقة المخيم وحي البناء الجاهز والرزازة ومناطق اخرى مقابر جماعية أقيمت لشهداء أكراد أعدموا في كربلاء ... وجثث شاهدها أهل كربلاء بأعينهم ترش بالوقود وتحرق من قبل الجيش فملأت رائحة الشواء منطقة باب القبلة والمخيم ومقام المهدي عجل الله فرجه الشريف ..واصيب في معارك المخيم جعفر صباح داود (عفولي) وعزيز حمد النجار وجعفر داود عوز وقد اقتيدت مجموعة منهم الى الرضوانية كالشهيد جواد السعدي الذي اعتقل في ميسان وتم تشخيصه في الرضوانية مع عباس المحامي واحمد حسون الذي افرج عنه ، بعدما عانى أنواع التعذيب حيث نقل إلى هناك... وهو مصاب في بطنه وتلك محنة المحنات حيث القساوة تستميل المناطق المصابة ، ومن الظواهر المؤلمة قضية اولئك الذين يمتلكون صلة اقليمية مباشرة لكنهم يعيشون نفس توابيت الحزب البعثي ويخشون سطوة الشعوب لذلك تخلوا عن العراق ... وهذا يكشف عن سلبية الموقف الاقليمي والدولي إتجاه قضية الشعب العراقي ..
ترتبط الاحداث بفواجع قد تدهش أي متدبر .. فما يحصل هو إبادة شعب وامة بكاملها .. شل لقدراتها المستقبلية أثر القتل والدمار والتنكيل الجماعي .. لقد أصدر الحزب أمرا بإعدام الحياة في كربلاء وتدمير زهوتها أحرقوا بساتينها العامرة بالنخل والحمضيات لكن بقيت هناك علامات واضحة دالة على وجود الشيم العربية والاخلاق الحسينية فمن يقدر أن ينسى موقف العوائل التي رفعت طعامها الى الصحن الشريف وفي تلك الازمة القاتلة واطعمت به الناس في الصحن ومنهم أسرى الجيش ومن ينسى كرم الحاج عزيز الصفار الذي مد سفرة الخير من فندقه الى الناس فصار الفندق مطبخا يطعم اسرى الجيش والسجناء والمقاتلين .. هي كربلاء .. التي لاتتشاطر على قيد مهما كان ولمن كان 0
صدر نداءً وارد من الطائرات السمتية إلى جميع العسكريين التوجه إلى وحداتهم والتجمع في سيطرة الطاقة ـ جميع العسكريين تجمعوا هناك من أجل توفير عربات نقل لهم وإذا بهم يفاجئون بمقدم ركن يطلق اقذر عبارات السباب ثم يصعدون عنوة بسيارات تريلات كشفة ـ إلى الرضوانية وليجدوا استقبالا حارا فيه انواع التعذيب وهناك إزدحم الشباب مئات من الشباب الكربلائي يحشرون ، ومنهم وجوه مالوفة وشخصيات معروفة مثل بدر بن الحاج علوان جار الله وسيد سعيد الطويل واولاد مهدي القهواتي وجميع ولد الحاج حسين الكاظمي ـ محمد ـ محمود ـ قاسم ـ ،فقد كان عدد المعتقلين من كربلاء (360) معتقلا بعد التصفيات الاولى ومنهم أبناء حبيب ... علوان ومحمد و كريم ميري والسيد زهير المضمد ومحمد وكريم مجيد وغيرهم الكثير ،ثم نقل جميع الكربلائيين الى سجن رقم واحد و تم فرز جماعة كبيرة للاعدامات ومجاميع اخرى اخذت الى معتقلات غير معروفة مجهولة المصير مورست بحقها امام الجميع انواع التعذيب كقص اللسان والاذن وتعذيب لايضع لحرمة الانسان حرمة وبعد كل ذلك احيل عددا منهم إلى محاكم صورية أفرج عن بعض المتبقي ،
:ـ لماذا صورية ؟ ألم يطلق سراحهم ؟
:ـ نعم هي صورية ، فقد سعت إلى بث اعلان مجاني يخدم أهداف الحزب المتسلط ويرسم للعالم صورة واهمة عن عدالة البعث وإنسانية القائد الذي يمنح المكرمات حتى لمن يرفضه زعيما وقائدا
والمحور الثاني
فهو إراد التغطية للجرائم التي أرتكبت بحق السجناء لقد خنق التعذيب حياة العشرات من المعتقلين من كبار السن وضعيفي البنية ، وتغطية الامور البشعة كحرق بعضهم بأحواض التيزاب أمام عوائلهم وحرق بعضهم بالبنزين والنار وأمام أعين السجناء ،
:ـ والمحور الثالث ؟..
:ـ أغلب الذين تم إطلاق سراحهم خرجوا وهم يحملون أوسمة من جراح وكسور اضلاع وتعب ومشاكل صحية أثر التعذيب ، وحتى إن البعض تعرض الى الكي في مناطق حساسة في الراس افقدهم الذاكرة فلم يعيشوا بعد اطلاق سراحهم كثيرا
:ـ المحور الرابع ؟
:ـ جعلوا من العراق سجنا لمن اطلق سراحهم أصغر من سجن رقم واحد ، متابعة ليل ونهار وإستفسارات أمنية وزيارات قسرية بين مدة وأخرى ومحاسبة دائمة لأقارب الأقارب من أجل خلق تعب عند الناس وشعور غضب ينتج لوما دائما للمعتقلين ، وجميع التجارب الذي خاضعها البعثيون طوال السنوات التي تسلطوا بها على رقاب الناس أثبتوا إنهم غرباء عن جوهر هذا الشعب الذي كان يعد ضحايا الانتفاضة مفخرة وطنية أربكت عرش الظالم وهدت كيان الجور وعرت طغيانه أمام العالم ..
:ـ هل كان المشخصين معروفين عند الشباب الكربلائي ؟
:ـ نعم فقد برز بعضهم بلا لثام وتصرف مع الموقف بشكل علني وبعضهم مصريين مثل وليد المصري وهو رجل تميل بشرته الى الحمرة يعمل في احدى المطاعم المقابلة للمخيم الحسيني وبعدما اجرى نهر دم في الرضوانية بتشخيصاته المرعبة رجع عائدا لبلده مصر،والبعض الآخر نزل إلى التشخيص ملثما فتبقى المسألة حينها خاضعة إلى التخمين ، كان المحقق يجلس أمام منضدة صغيرة ويجلس بجانبه مشخص معنون مناطقيا بينما يتربع المتهم على الأرض .
جهاز التعذيب عبارة عن جهاز تليفون يصعق المتهم كهربائيا ويقف خلف كل متهم مجموعة من الحرس الخاص ـ ويحمل اغلبهم كيبلات (صوندات).
:ـ والاسئلة ؟
:ـ أولا يدور السؤال عن الأسم ، يعطي إسمه الرباعي واللقب ومن ثم يسألونه عن اسماء معينة ،
:ـ والمعتقل ؟
:ـ عبارة عن جملونات قواويش لا أماكن صحية فيها وفي نهاية الجملون كومة نفايات تستخدم للمرافق دون ماء للغسل , ماء شرب معدوم .
:ـ ألقي القبض على الكثيرين ،
أسماء كثيرة تدونها قائمة التضحيات ـ وتتوهج الحكايات بأسماء الزهو مثل حمد كردلة والحاج محمد رضا كاظم الذي اخذوا معه اولاده ..علي ، حسين ، محمد .. ومن ثم تعرض لجلطة في الدماغ ومضى شهيدا اثر التعذيب وابنه عباس يفر من اثر الى اثر حتى تم القاء القبض عليه نتيجة متابعة دقيقة وتعرض إلى انواع الأذى ومنها التماسات الكهربائية الحساسة التي دست في شبابه الكثير من الامراض وأهمها العقم ؟؟
الموت يعد في جميع دول العالم وعند سلطات الكون كله انه العقوبة القصوى لمعاقبة الانسان إلا عند هؤلاء الأوباش الذين حكموا بغداد ، عندهم الموت عقوبة غير مقنعة وهم بحاجة إلى شيء أكبر للتشفي ، المجرمون البعثيون فعلوا جرائم بشعة وأبشعها تلك التي فعلوها في سجن المحاويل ، لقد جمعوا السجناء واحرقوا أمامهم مجموعة من الشباب رشوا عليهم البانزين ثم اضرموا النار، ومثل هذه الحالات التي كانت تقابل عندهم بحالات تشفي عجيبة تكشف الكثير من هويتهم الوجدانية
، وكان المشرف على هذه التحقيقات هو صدام كامل ،
:ـ هل وقف دور المصريين على التشخيص ؟
:ـ لاطبعا .. هناك مصريون اشتركوا في المعارضة منهم .. شعبان وعبدو ومصطفى فمنهم من عمل طباخا و من عمل خطاطا .. واعدموا جميعهم في الرضوانية
:ـ وماشكل الطرفة التي تأتي مع نزيف الدم ؟
:ـ تقدم احد الكربلائيين ليشاور الضابط وطلب منه بكل جرأة اختبار المشخص الذي قاد العشرات من الابرياء الى الاعدام دون ذنب .. استجاب الضابط ودس عشرة رجال من المخابرات .. وتم تشخيصهم جميعهم .. فسأل الضابط حينها المشخص
:ـ كيف رأيتهم يقاتلون في مدينة لم يدخلوها بحياتهم
امتلأت معتقلات الرضوانية والحارثية ودوائر الأمن ومعسكرات التاجي والرشيد ومعسكر المحاويل والكثير من الثكنات .. والملاحظ أن الحرب الانتقامية على الانتفاضة خلق لها الديمومة
شعور كبير بالانتصار في نفس كل عراقي .. ولكن ما يؤلم ويحز في كل نفس هو اقتحام قوات الجور مدينة النجف الاشرف واقتادت سماحة المرجع الديني ابو القاسم الخوئي قدس سره وقد ناهز التسعين من عمره تحت تهديد السلاح من بيت نجله الشهيد محمد تقي الخوئي الذي كان مقرا للقيادة الدينية والعسكرية للانتفاضة الى بغداد بصحبة ولديه السيد محمد تقي الذي اغتيل في حادث مدبر على طريق النجف ـ كربلاء في 1994م وتم اعتقال 105من عائلته ومريديه
.. كانت القسوة البالغة هي الطاغية على مجمل الامور لتعبر عن خور فكري وعن (حيونة) تطبعية عاشها شرطي المخابرات عاملت المعتقلين معاملة مزرية.. ضرب وشتم وسباب من النوع الرخيص مع الجوع والعطش .. قصاع تنصب حسب الاوامر (واحد.. اثنين .. ثلاثة ) انتهت الوليمة ولابد للسجين ان يكف يده وهيهات إن وجد شيئا من الاكل في يديه .. تعتبر هذه المسألة من الجرائم الكبرى والتي تعرض مرتكبيها للاهانة والتنكيل المعيب .. كان الجنود يتبجحون بجرائم اخلاقية بشعة تجري خلف دهاليز الليل .. أين الشرف الذي يتشدقون به في خطابات قادتهم ... أين الغيرة العربية والناموس وهزة الشوارب ؟وجميعهم يحملون القابا طويلة عريضة .... ويحملون الهراوات والعصي والصوندات المضغوطة والتي تترك اثرا وحشيا على اجساد المعدومين .. نعم كانوا يضربون الاموات نكاية بالاحياء . .. ذرائع مشبوهة النوايا والاهداف جندها الحزب للقضاء على أي معارضة مستقبلية .. فأطلق العديد من التسميات على المنتفضين ،
كربلاء مدينة شمخت على الموت وعانقت الحياة عبر قرون من التضحيات .. رفعت المنائر بيارق نصر فتسامت عناوين النصرة والولاء 0
لقد اقيمت ضجة اعلامية كبيرة عن تبرع القائد الضرورة ب(175) كغم ذهب الى الروضتين المقدستين التي هي اساسا ارسلت له هدية من قبل العصابات العسكرية التي دخلت الى داخل الحرم الحسيني وقتلت الناس اللائذين و اطلق الجيش الرمي عشوائيا فقتلوا النساء والاطفال .. لاحرمة لهم لشيء.. وهذه الضحايا تركت تواقيع دم لاتزول ، وسرق جماعة قصي الذهب من مرقد ابي الفضل العباس عليه السلام
:ـ ادعى النظام بان ضحايا الصحنين هم من العوائل البعثية قتلهم الغوغاء ومثّل الغوغاء بهم داخل الصحن الشريف وصوّر للعالم بان هناك محاكم وغرف تحقيق وتعذيب نصبها الثوار داخل الصحن..
:ـ سيل من القنابل والقذائف والمدفعية الثقيلة على المرقدين المباركين لمدة اسبوعين او اكثر مما أدى الى اصابة القبة الشريفة للمولى ابي الفضل العباس واصيبت الساعة الدقاقة باضرار فادحة ونهبت المكتبة ومخطوطاتها واحرقت الكتب الثمينة وبعض النفائس والهدايا واعدم من بقي حيا داخل العتبتين المقدستين
:ــــــــ لحظة القي القبض على بعض اركان البعث ممن يسمون انفسهم رفاقا وهم لارفقة لهم ... فرح الناس كثيرا لمنظرهم الذليل ..كونهم من اصحاب السوابق الاجرامية المعروفة .. لقد قتلوا الكثير من ابناء كربلاء .. سرعان ما هربت الفرحة منهم واعتلتهم موجات الدهشة والغضب ..وراح يسأل عن الذي حدث ؟ لماذا تم اطلاق سراحهم ؟ كان يخشى سلامة النوايا فهي الخطر الحقيقي على مثل هذه الانتفاضات .. سمع ان بعض الوجوه المعروفة في المدينة توسطت مستشفعة لاطلاق سراحهما ، كان يفترض النظر الى عواقب كل خطوة .. ماذا لو عاد البعث وسيطرت فلول عسكره على كربلاء بالتاكيد ستكون الوجوه المستشفعة هي اول وجوه تعانق المشانق / وهذا ماحدث..
:ـ قتلوا من تشفعوا لهم ؟
:ـ اول يوم بعد عودة الجيش الى كربلاء.
:ـ والمحكمة التي في الصحن الشريف ؟
:ـ هناك غرفة تحقيقات شكلت محاكمة بعض اذناب النظام من المجرمين برئاسة احدالاخوة المؤمنين المشهود لهم بحسن السيرة والسلوك ، وهذه المحاكمات خلقت حالات توازن وضبط نفس شعبي
واوقفت سيل دم ربما يذهب به الكثير من الموظفين المحسوبين على السلك التحزبي0.
وقف المخرج في زاوية من زوايا المخيم الحسيني يأمر ببدأ التصوير ( اكشن ) فيتحرك الكادر ليعمر مقاصل واعدامات .. وحينها يصيح المخرج
:ـ اريد روحا في المشاهد ، اريد ملامحا تعبر عن جذور متعثرة من الحقد .
. يلتفت نحو الممثل الذي لعب دور الضحية وهو بملابسه العسكرية
:ـ انت عبّر عن الالم والترقب والخوف 0..
ومثل هذه المشاهد الخادعة قدمها احد الفنانين المأجورين ليعطي صورة واهمة عن جرائم يزعم انها ارتكبت من قبل الثوار في المخيم الحسيني ليقدم في برنامج تلفزيوني تحت عنوان ( الملف ) هذا الملف المخادع الذي حاول ان يقدم الحزب بريئا في جميع تجاوزاته اللاأنسانية .. كيف لأنسان مثقف ان يقدم كل هذا البهتان كي يعيش ؟ فعبّر هذا الاعلامي وامثاله عن خواء اعلامي ولذلك بقى الفضاء محموما بصدى نشيج اعتمر كل ذات
طبيب يقاد من عيادته ويعدم بحجة عدم تعاونه مع البعثيين . امرأة تجر امام الناس واطفالها يجرون بحجة انها زغردت للغوغاء .اب يقتل امام عائلته ولاتستطيع زوجته ولا امه ان تسحبه وهو الشهيد منذر الياسري من ناحية الجدول الغربي. تشابه الملامح .. وتشابه الاسماء .. سببت احداث دامية أوجعت القلب .. شكاوي كيدية وتهم مزاجية أودت بحياة الكثيرين .. سيارات تجوب كربلاء ليل نهار تلقي القبض على كل من تصادفه بحجة الاشتباه فالقي القبض على الكثير من الشباب منهم (عماد ابو طحين ) فشلوا بالقاء القبض على اخيه المحكوم بالاعدام وعرضوا الاب لتعذيب لايحتمل .. اغلب اهالي السجناء تعرضوا لحالات الابتزاز وفعلا اطلق سراح الاب برشوة كبيرة واعدم الابن الضحية0عبد الكاظم علي جواد الملقب حسن مردشوري اصيب فحمل جراحه الى السماوة وهناك القي القبض عليه تأذى كثيرا حيث وقف احد اذناب النظام في باب المحكمة مطالبا باعدامه وطالب باعدام يحي زعيتر..وتم القاء القبض على قائد من اهم قادة الانتفاضة هو السيد مصطفى الاستربادي ثم اعدم هذا البطل في الرضوانية واعدم الشهيد رضا عبد الرزاق ابو طحين في الرضوانية ايضا ومات بالتعذيب السيد وهاب الوهاب رجل كبير السن وهو احد رجالات الانتفاضة مات في التحقيق في فندق كربلاء0
.. وصف الصحفي ميلتون فايورست الدمار الذي حل بكربلاء مقارنا بماحدث في الحرب العالمية الثانية فالدمار الذي لحق بالعتبات المقدسة اكبر من الدمار الذي لحق بالكاتدرائيات ولم تسلم جميع الاحياء وتظهر دلائل بوجود مقاومة كبيرة
كما لاحظت الصحافة العالمية استمرار الهدم لمدة ثلاثة اشهر ،
وكتب فرانسو اشيبو من صحيفة اللوموند ... لقد كانت الجرافات تعمل باستمرار لرفع الانقاض المحيطة بالمساجد ويدل هذا على شدة العنف الذي ساد الاشتباكات التي سببت مقتل الالاف من كلا الجانبين ، ولقد هدمت عمارات الشوارع المتاخمة التي كانت تعج بالحوانيت التي تعرض الهدايا التذكارية حيث تحولت كل هذه البنايات الى منطقة خالية فسيحة تحيط بالعتبتين المقدستين للحسين والعباس(ع) لكن كربلاء بقيت زاهية في ضمائر وعقول الطيبين ..
:ـ اما في بغداد فلم تكن اخبار هذه الانتفاضة شائعة نتيجة للتعتيم الاعلامي الرسمي اولا وعدم وجود قنوات اذاعية اجنبية اضافة الى انقطاع التيار الكهربائي اصلا، وبعد الانتفاضة كان المنتفض يعرض في شارع العذاب وهو احد شوارع سجون البعث الكافر.
:ـ يبدو من اسمه المعلن انه مخصص للتعذيب ؟
:ـ يبلغ طول الشارع حوالي 60 الى 80 متر وعرضه حوالي 6 امتار يتم جلب المنتفضين وادخالهم شارع العذاب حيث يبدا الاحتفال الترحيبي بهم ...يبدا تصاعديا من الكلمات البذيئة الى الصفعات ثم الركلات وصولا الى استخدام اشكال من العصي او الخراطيم المطاطية والتي يتم انتقائها من قبل اصحابها بعناية فائقة ومزاجية عالية والملفت للنظر ان الجلاد او الجلادين عندما يبدأون باحتفالهم تنتابهم نفس مشاعر بعض مريدي الطرق الصوفية يبدأون الضرب بهدوء على المعتقل الذي يكون غالبا مغمض العينين بخرقة بالية ويده مربوطة الى الخلف ثم يصلون الذروة حين يشمون عرق ودماء المعتقلين فيعيشون حالة هستيرية تزيدهم نشوة كلما ازداد صراخ الضحايا .وكان من طقوس مثل هذه الاحتفالات في بعض الاحيان انها لاتتم في مكان محدد من الشارع بل احيانا ولدفع الملل عن الجلادين يتم دفع المعتقلين الى الركض على طول الشارع ذهابا وايابا ويستمتع الجلادون بالركض خلفهم وممارسة هوايات الضرب والاستمتاع باسقاطهم ارضا ثم معاودة الكرة مرة اخرى.
مع بدء مرحلة الانقضاض على المنتفضين في المحافظة وآخرها في كربلاء بدات قوافل المعتقلين تصل بكميات كبيرة الى المديرية بوسائل مختلفة وهناك معتقلين كان يتم جلبهم بطائرة الهليكوبتر تهبط في مطار صغير وسط المديرية المقابل لبنايات الشعبة الثانية واحيانا كان السجانون يستمتعون بلعبة صغيرة تثير بعض السرور في انفسهم وهي ابقاء الطائرة مرتفعة عن الارض عشرة الى خمسة عشر مترا ويتم دفع المعتقلين منها الى الارض وبعضهم مكبل الايدي ومغمض العينين وقسم اخر من المعتقلين كان يجلب اما بباصات حيث يجلس المعتقل على الكرسي منزلا راسه نحو الاسفل ومستندا الى الكرسي المقابل له كي لا يرى الشارع ولا يراه من في الشارع مع انه كان يحكم غلق ستائر الباص بشكل جيد ومن كان منهم يجرؤ على رفع راسه نتيجة لآلام الظهر التي تنتابهم للمسافات الطويلة فينهالون عليه ضربا باعقاب البنادق او الخراطيم المطاطية بعضهم الاخر كان يجلب بسيارات الحمل الكبيرة (اللوري ) حيث يتم اجلاسهم القرفصاء ورؤسهم بين ارجلهم ويقف الحراس في اطراف حوض السيارة ينهالون بالضرب على كل من يحاول رفع راسه ، يصرخون باصواتهم العالية بسب المعتقلين او ممارسة فعاليات التعذيب العلنية واحيانا المبالغ فيها كنوع من اظهار الولاء
ان اغلب جنود المخابرات وكثير من الاجهزة الامنية كان يتم استقدامهم من ابناء عشائر المناطق البعيدة عن محافظاتها حيث يتميزون بالخشونة كون اغلبهم من رعاة الغنم ومحدودي الافق كون اغلبهم لم ير المدينة القريبة منهم فما بالك بمدينة بغداد وكل معرفتهم في الكون تنحصر في المناطق الصحراوية التي يرعون فيها اغنامهم وهم يتميزون بالطاعة العمياء والالتزام الشديد بالأوامر لهذا كانوا محببين من قبل القيادة .0
رغم الأحباطات لم تفشل الانتفاضة الآذارية الشغبانية بل اعطت المردود الأيجابي لماهية الشعب واعلنت للعالم رفض الشعب بمختلف قطاعاته للظلم البعثي ..
اصوات احتشدت عند هامة دعاء
يقول مطلع على امر الانتفاضة
:ـ انها وحدت الجميع تحت راية الحسين عليه السلام ..
ويرى آخر
:ـ ان العالم سيتخذ هذه الانتفاضة نبراسا ودرسا نضاليا لرسم المستقبل الافضل للجماهير ..
:ـ علينا ان لاننسى اولئك الذين قدموا التضحيات
:ـ حرام أن نرى الكثير منهم مهملين فمنهم من يعاني أمراض السجن والتعذيب ومنهم من فقد العقل والمال
:ـ الواجب أن يحتفى بالانتفاضة الشعبانية بالشكل الذي يناسب فعلها الجبار
:ـ هذا الحدث الذي قدمه ابناء العراق وهجاً لابد أن يضيء كل روح
أما هو فيقول وهو يقبل ذرى العتبات المقدسة
:ـ الحمد لله على السلامة كربلاء