هي حيرة فأي كلمة لها عند الحاج موارد تدخل ضمن ايراد ومصرف خاص، وتأخذني بعيدا الى اختصاصات لا اعرفها وربما بعض المفردات لم اسمع بها، ولكن فعلا هي مهمة وتحتاج الى وقفة تأملية عالية، وهذه النقطة هي التي تسهل علي اي احراج او تجعلني اتحمل بعض الخجل من نكوص معين. قلت: والله يا حاج اتمنى فعلا لو كان هذا اللقاء وهذا الحوار يبث مباشرة من اذاعة الكفيل، لرأيت ردود فعله بين الناس. فابتسم الحاج وقال: قال الله تعالى (كالفراش المبثوث) وقال تعالى: (انما اشكو بثي وحزني الى الله). قلت: عطف الحزن على البث. قلت: يا حاج انا اقصد البث الاذاعي. فنظر إلي قال: اصبر قليلا لتصل الى النتيجة؛ البث يعني هو اشد الحزن، وهو الحزن الذي لايصبر عليه صاحبه حتى يبثه أو يشكوه.
قلت: يذيعه. قال: يذيعه فالحزن هو اشد الهم. قلت: حاج دعني افلسفها قليلا؟ قال: تفضل.
قلت: ان الحزن هنا ما أخفي من هم، والبث ما بث منه للناس.
ويبدو لي ان الحاج ادرك احتياجي الى مثل هذه المتنفسات البسيطة، والتي يعتبرها تشجيعية ليصيح بحرارة: جيد انت حقا رجل اعلام ممتاز... لكن ماذا حين نقرأ قوله تعالى: (وبث فيها من كل دابة)؟
قلت: صحيح يا حاج الا تعني انه نشر لكن هذا البث غير الحزن..
شعرت أنني احتاج الى الصمت، لكي اتقي ارتباكي وخجلي الذي عاد الي رغم صداقة الطريق، وسياسة هذا الرجل المطمئنة للتحاور الجاد والمثمر، اعتقد ان الحاج شعر بهذا الارتباك، وصار يرجع الى لغة التشجيع... كل شيء في هذا الرجل جميل وبسيط وطبيعي غير متكلف، وكل شيء فيه مهاب.
قال: يا بني هذه الأشياء التي اعرفها ما تعلمتها الا من خلال هذه اللقاءات والمحاورات الخفيفة التي ستطبع المعلومة في ذهنك. قلت: أنا مرتاح يا حاج وسعيد جدا، وألمي الحقيقي هو لماذا نجهل الكثير من لغتنا واحاديثنا، ومعنى كلامنا، وجمال استخدام لغتنا... أنا يا حاج استطيع ان آخذك اتجاه مواضيع لها شفافيتها ومتقارباتها اللطيفة، لكني اريد ان انتفع منك...
فاجأني الحاج وقال: يعني مواضيع مثل ماذا؟ لاحول ولا قوة الا بالله قلت مع نفسي: هذا الرجل مصر على ان يحرمني اي متنفس، ورحت اتأمل عساني انقذ الموقف. قلت: لو نظرنا في قوله تعالى: (وابعث في المدائن حاشرين).
صاح الحاج: جيد، موضوع رائع، اختيار عظيم، لكن هل تعرف ماذا يعني؟ قلت: يعني ان يبعث بجميع السحرة، ويسوقهم اليك. قال: يا بني مهلا كي نحقق الفائدة، يقول صاحب (المفصل): لايكون الحشر الا في المكروه. قلت: لا يا حاج هذا كلام غير صحيح.
باغتني الحاج سائلا: كيف؟ قلت لقوله تعالى: (يوم نحشر المتقين الى الرحمن وفدا). صاح الحاج: صحيح رائع... انتبه جميع من في السيارة، وصاروا يشاركوننا وروح الحماس واضحة على قسماتهم.. وهذا الامر ربما سيزيدني ارتباكا. قلت: ملخص القول ان الحشر تعني اخراج الجماعة عن مقرهم وازعاجهم، وسوقهم الى الموقف للحساب والجزاء.
ابتسم الحاج وكأنه يخبىء لي مفاجئة: هل صحيح ان الحشر لايستعمل الا للجماعة. قلت: والله لا أدري لكن لحظة هناك دعاء في الصحيفة السجادية، يقول فيه السجاد عليه السلام: (وارحمني في حشري ونشري) والنشر احياء الميت بعد موته، نعم حاج يستخدم للواحد وللاثنين ايضا.