إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

زمزم.... قصة حب.  زينب العارضي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • زمزم.... قصة حب.  زينب العارضي


    هي ليست قصة عين تنبع، بل قصة إيمان يتألق في الأرواح فيسطع، يخلد ذكرى امرأة رسالية كانت رفيقة درب المحنة الإبراهيمية، تلك التي شاطرته الهم والمسؤولية، وانجبت جد خاتم أنبياء الرسالات الإلهية.
    إنها قصة إيثار وتسليم وحب وتضحية، أبطالها رموز خلدتهم آيات القرآن وكتبت أسماءهم بفخر واعتزاز سجلات الخالدين بأحرف نورانية.
    هي قصة وعي والتزام، وتوكل وتسليم تام، رمزها امرأة قد امتلأ قلبها بحب الملك العلام، فما اعترضت على تركها ووليدها الوحيد المنتظر منذ أمد بعيد وسط الصحراء، حيث لا زرع ولا ماء، ولا أمل ولا موعد للرجوع أو اللقاء!
    انها سيدتنا هاجر التي همست بأحرف الصبر واليقين، إليك أمري يا رب العالمين، فكانت ثمرةَ تسليمها تحفةُ ربها إليها عينُ زمزم، نَبعُ نِعمةٍ هي من أعظم النعم، دواءٌ من السقم، وشراب طهور يذهب الظمأ والألم، وسبيل لبناء نواة خير الأمم، حيث بيت الله المعظم، وجواره المكرم.
    إنها قصة نبي أوكل أمره إلى ربه، وسار بزوجه وولده في درب حبه، ووضعهم حيث أُمِر بعد أن تغلغل الايمان وحسن الظن بقلب هاجر كما في قلبه، ولما ترك الأب الشفيق زوجَه وطفله الرقيق، وقفل راجعًا إلى حيث يريد الله تبارك وتعالى منه، لهج بالدعاء قائلا: "رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ".
    واستجاب الرب الكريم لنداء عبده ونبيه إبراهيم، بعد أن مرت زوجه هاجر بالبلاء، ونفد من عندها الماء، ورأت طفلها وهو يغرق في البكاء، فصارت الأم تسعى بين جبلين، تبحث عن بئر يروي ظمأ طفلها أو واحة أو عين، تصعد تارة جبل الصفا وأخرى المروة، وتطلب من الله تعالى المدد والقوة، على اجتياز الامتحان بنجاح، بتفاؤل ويقين وانشراح، فالصبر في مواطن العسر عسير، وقلب الأم الرؤوم يحترق لحال الطفل الصغير، وبعد سبعة أشواط من السعي والحركة والطلب، جاء المدد مفعما ببشائر القبول للعمل المترجم للحب، فالشمس الحارقة، والرمال الساخنة، والبكاء المتواصل، والغربة الموحشة، وعدم وجود السند ساعة المحنة، كلها أمور قد تمر بالبعض فترفعه إلى عليين، وقد يكون نصيب الكثير منها الاعتراض والسخط والانحدار إلى أسفل سافلين!
    وكانت الأولى من نصيب السيدة هاجر التي عرفت كيف تهاجر من ذاتها إلى ربها، ومن نفسها إلى خالقها.
    نعم كانت من نصيب هذه الأم التي انتصرت على وسوسة الشيطان بالسخط والتبرم، وعلى كل المشاعر الجَيّاشة للأم.
    إن هجرة هاجر من تعلقاتها، وانعقاد قلبها على الرضا وحسن الظن بربها، وتسليمها وتوكلها، ودموع عيونها وخفقات قلبها الذي لم يتسلل إليه اليأس رغم توفر كل المعطيات، هو الذي فجر تحت قدمي وليدها عين الحياة؛ ولا أشك أنها سجدت لله تعالى بعد رؤية زمزم شكرا على الاستقامة والثبات، ثم كان ذلك بداية العطاء والخيرات، حيث أقبلت أسراب الطيور لتحل قربها، ومن ثم بدأت القبائل تتوافد عليها، وتشد الرحال اليها؛ لتسكن في جوارها، وهكذا عمرت الأرض وصار (ماء زمزم) هدية الحجاج إلى أحبتهم، يحملونه من أرض مكة المكرمة إلى عوائلهم، وينطلق سيل الأسئلة من أفواه أطفالهم، بحثا عن قصة الماء هذا فيكون جوابهم:
    انها قصة أراد الله تبارك وتعالى تخليدها، وجعل لها أثرا ماديا ليكون أوقع في النفس وأبلغ في الفهم لمن رام إتخاذ القدوة منها، قصة امرأة أحبت الخالق بكل وجودها، فاذعنت لأمره، واستجابت لمشيئته، فغمرها بعد الابتلاء الشديد بعنايته.
    قصة تكلمنا عن سر إرتقاء الإنسان وعلو منزلته، عندما يخرج من حوله وقوته ورداء ذاته، ويندك بإرادة ربه ويسلم لخالقه.
    قصة بئر لا يزال منذ آلاف السنين يتدفق بالماء والعطاء، ويرسل رسائل الحب والولاء والوفاء، ويقول بجريانه المتواصل:
    أن الحب لله تعالى ليس محض إحساس أو ادعاء، بل هو مواقف صبر وتحمل وعناء، وصدق في السير على طريق الصالحين والأنبياء والمتقين والنجباء، ومداومة على الهجرة النقية من كل فضاء، لا سيما فضاء النفس وتعلقاتها المتشعبة إلى رياض التسليم المطلق لبارئ الأرض والسماء.
    قصة تعلمنا أن:
    *الحب هو الصبر وعدم اليأس.
    * الحب هو التسليم المطلق.
    * الحب هو للمحبوب الأوحد وكل ما عداه هين... هين، في طوله.... لا في عرضه!
    * الحب هو إشراق القلب برضا المحبوب ولو كان ذلك سعيا وراء المستحيل أملا بألطاف المولى الجليل.
    *الحب هو خلع رداء النفس ودخول حضيرة القدس.


    * الحب قد يتكلل بعطاء المحبوب المراد، وقد يكون الصبر على البلاء بابا لنيل ما هو أرقى من عطاء الملك الجواد، فأسرة هاجر استلمت نتيجة صبرها عاجلة، أما أسرة عبد الله الرضيع عليه السلام في كربلاء الشهادة بقيت جائزتهم مؤجلة، سيفصح عنها الله تعالى في مسرح القيامة، بعد عرض الظُلامة، وبيان حق النبوة والرسالة والإمامة،​
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X