صفا يصفو صفاءاً : إذا خلص من الكدر ، ونقي ممّا لا خير فيه ، واستصفيت الشيء : إذا استخلصته ، وأصفى الشاعر : إذا انقطع شعره ونفد ، واستصفى ماله : إذا أخذه كلّه .وكيف كان : فإنّ «المصفّي» الّذي هو اسم فاعل من صفّى يصفّي تصفية ، يقال لمن يقوم بعمليّة التصفية والتنقية ، والقطع والحسم ، والإستخلاص والأخذ ، وحيث أنّ أباالفضل العباس (عليه السلام) عُرف باستخلاص قضيّة المتنازعين عند مراجعتهما إليه من الكدر ، وإنقاء نزاعهما من الشبهة ، وأخذ الظالم الجاحد للحق من المتنازعين أخذاً شديداً يقطع به مادّة النّزاع ، دُعي باسم : «المصفّي» .نعم إنّه اشتهر في الناس وخاصة عند أهل القرى والأرياف القاطنين في العراق بأنّ أباالفضل العباس (عليه السلام) هو خير من يقطع مادّة النزاع ويحسمها من أصلها ، وذلك بأخذ الظالم ، والإنتقام من الجاحد للحق ، والمنكر له من المتنازعين ، ولذلك إذا حدث لهم نزاع وتشاجر ، ولم يرضخ الظالم من المتنازعين للحق ، ولم يعترف به ويخضع له ، جاؤوا بالقضية إلى أبي الفضل العباس (عليه السلام) ، فيأتون إلى روضته المباركة ، ويدخلون حرمه الشريف ، ويطلبون من المتّهم في القضية الّذي يصرّ على الجحود والإنكار أن يحلف بأبي الفضل العباس (عليه السلام) على برائته ، فالمتّهم حينئذ يرى نفسه أمام الواقع الصريح الّذي لا مفرّ منه ، والحقّ الواضح الّذي لا غبار عليه ، فهو إمّا بريء في نفسه ، أو ظالم منكر للحقّ ، وبكلّ صورة سوف ينقطع النزاع وينحسم ، وذلك لأنّه إن كان بريئاً حلف ولم يمسّه سوء ، فيُعلم أنّه كان بريئاً ممّا اتُهم به ، وإن كان واقعاً غير بريء فهو إمّا أن يحلف أو لا يحلف ، فإن تعقّل واشترى خزي الدّنيا عن عذاب الآخرة لم يحلف خوفاً من أبي الفضل العباس (عليه السلام) فيعترف بالحقّ ويرضخ له ، وإن جازف بنفسه وباعها بخزي الدنيا وعذاب الآخرة حلف ، فيؤخذ بذنبه ، ويعاقب على جنايته ، ويُنتقم منه ، وأحياناً كثيرة يقضى عليه من طريق الغيب ، لكرامة أبي الفضل العباس (عليه السلام) على الله ، ومنزلته عنده ، انتصافاً للمظلوم المعتدى عليه ، وانتقاماً من الظالم الجاحِد للحق .هذا إن كان «المصفّي» على وزن اسم الفاعل ، وإن كان على وزن اسم المفعول وقلنا : «المصفّى» فإنّ معناه : الخالِص والمخلَص والمستخلَص ، أي : إنّ الله تبارك وتعالى قد استخلص أباالفضل العباس (عليه السلام) واتّخذه خالِصاً له ، وجعله من عباده المخلصين ، وهو مقام رفيع ، ووسام عظيم ، لا يناله إلاّ ذو حظّ عظيم ، كأبي الفضل العباس (عليه السلام) .
المصدر الخصائص العباسيه ص268
محمد إبراهيم الكلباسي
المصدر الخصائص العباسيه ص268
محمد إبراهيم الكلباسي