بسم الله الرحمن الرحيم
إن لدينا على هذه الأرض من كنوز الآخرة الكثير، فإن الله بواسع رحمته جعل لنا جسوراً نخترق من خلال عبورها حجب الغيب لنصل إلى ريح الجنّة و التوفيق إليها بالشفاعة من أوليائه الصالحين، و نخترق من خلالها الموانع التي حالت دون أن تهطل علينا بركات السماء في قضاء حوائجنا، و حلّ مشكلاتنا العالقة، فهنالك دوماً من يمد إلينا يد العون إن قبضت عنّا أيادي الآخرين، وهناك دوماً من يشحن فينا وقوداً إيمانياً للحياة، إن تبدّلت الأحوال، و تلبّدت غيوم المجتمع بمظاهر الفساد أو بسلوكيات الرذيلة، فهناك دوماً بصيص أمل يطلّ علينا من نوافذ الغيب إلى عالم الشهود.
إنهم أهل البيت (عليهم السلام) و بمن فيهم أبناؤهم و بناتهم الذين تمثّلوهم، أولئك هم الأنوار الزاهرة، و الشواخص الظاهرة بمقاماتهم و مراقدهم المقدّسة، حيث تقدّس كل أرض دفنوا فيها..هكذا أصبحت مدينة قمّ مقدسة، لأنها وارت جثمان فاطمة العصومة المقدّسة بنت الإمام موسى الكاظم، و أخت الإمام الرضا، و عمّة الإمام الجواد (عليهم السلام) التي يسعى هذا الكتاب ليقدّم صفحة مما سجّله التاريخ عنها، بعين محبّة ومعاصرة.
أليس من يتعرّض لأشعة النور، تتضح معالمه و تكتمل صورته ؟.. فمن بركات الله علينا أيضاً، أن جعل لنا مصادر النور، لكي نتعرّض لها، لكي تحدّد شخصياتنا ومعالمها و سلوكياتها، فنور فاطمة المعصومة (عليها السلام) الآخر، هو سيرتها العطرة التي تمثّلت الهدى و الحق و الصلاح و الإخلاص وكل مضامين الحياة الرسالية الطيبة التي دعى لها الله عز وجل في كتابه، و بلّغها الرسول وأهل بيته في سيرتهم و توجيهاتهم.
إن الإقتداء بفاطمة المعصومة يجعل من المرأة ذات مواصفات رسالية، و متميّزة بقوتها في الإنجاز و بقوتها في العطاء، وبقوتها في الإيمان، وهذا هو النور الآخر الذي نتعرّض له من نور هذه السيّدة المقدّسة.
فاطمة.. تلك الجنّة الموعودة
في يوم من أيام الله..
قدم جماعة من أهل الري في (إيران) من الموالين إلى مدينة رسول الله (ص).. وتوجّهوا إلى الإمام الصادق (ع).. دخلوا عليه، وقالوا له: نحن من أهل الري.
رد عليهم الإمام عليه السلام: مرحباً بإخواننا من أهل قم.
فقالوا: نحن من أهل الري.
أعاد الإمام الكلام: مرحباً بإخواننا من أهل قم.
قالوا ذلك مراراً، وأجابهم (ع) بمثل ما أجاب به أولاً..
فقال (ع): إن لله حرماً وهو مكة: وان للرسول (صلى الله عليه وآله) حرماً وهو المدينة، وإن لأمير المؤمنين (عليه السلام) حرماً وهو الكوفة، وإن لنا حرماً وهو بلدة قم، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة، فمن زارها وجبت له الجنة.([1])
فاطمة هذه الفتاة الموعودة لم تكن بالتأكيد كبقية النساء، ولم تكن إمرأة عادية، فهذا أحد الأئمة المعصومين (ع) يبشّر الناس بها، قبل ولادتها، بل قبل ولادة أبيها الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع).. و يذكر لهم أن زيارتها توجب الجنّة، بمعنى أنها ليست من أهلها وحسب، بل هي من أعلى عليين فيها عند مليك مقتدر، وهي من شفعائها المشفّعين، حيث يدخل المؤمنون بسببها الجنّة..
ويكرّر الإمام الصادق (ع) بشاراته ووصفه لحفيدته المباركة مرّات أخرى.. فيقول: إن زيارتها تعدل الجنّة..
جنة الله التي وصفها في كتابه.. (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً. لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلَّا سَلَاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً. تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً)([2]).
فيترك العقول تسرح بخيالها أمام هذه الكلمات، منتظرة تلك الفتاة الموعودة التي ستدفن في قم، وتكون كالجنّة في عجائبها.. لتعطى الأنفس التي تستحق كل ما تريد بإذن الله تعالى.. فأبشروا بفتاة موعودة، لكم في زيارتها ما تدّعون وتتمنون..
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ. نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ. نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ)([3]).
ففاطمة المعصومة هي باب من أبواب الجنة التي شيّدت في هذه الدنيا، فمن أراد الجنة فليأتها من بابها، وما أوسع هذا الباب المبارك، الذي هو تجلّ من تجليات رحمة الله تعالى، وبسببه تدخل الشيعة حقاً الجنة بأجمعهم..
يقول الإمام الصادق (عليه السلام):.. ألا إن للجنة ثمانية أبواب ثلاثة منها إلى قم. تقبض فيها امرأة من ولدي اسمها فاطمة بنت موسى (عليه السلام)، وتدخل بشفاعتها شيعتي الجنة بأجمعهم([4]).
ولدت السيدة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) في الأول من شهر ذي القعدة الحرام سنة مائة وثلاث وسبعين هجرية([5])، من زوجته نجمة المرأة العظيمة التي استحقت بفضائلها أن تكون زوجة لإمام، وأمّاً لإمام، وقد شرّف الله تعالى المعصومة بطيب الولادة وأصل المنبت، من أب هو خير أهل الأرض مقاماً و شرفاً ونسباً، إمام معصوم مفترض الطاعة، ومن أم مؤمنة عابدة، فجاءت من ذات الشجرة التي جاء منها الإمام الرضا (ع) و هي شقيقته الوحيدة التي تشترك معه في ذات الأب وذات الأم، أصلها ثابت وفرعها في السماء.
فذلك أطهر نسب في الخلائق أجمعين، حيث يصعد نسبها المبارك، من إمام معصوم إلى إمام آخر، ذرية بعضها من بعض، حتى تصل إلى بيت العصمة والطهارة بيت الإمام علي (ع) وفاطمة الزهراء (ع)، ورسول الله (ص)، ولا شك أن نيل هذا الشرف لا يتأتى اعتباطاً.. بل هو بذرة طيبة في أرض طيبة، لكي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
فسمّاها الإمام الكاظم (ع) فاطمة تيمّناً بإسم جدّته الصديقة فاطمة الزهراء (ع) سيدة نساء العالمين، مسدّداً من الله تعالى كما هو شأن الإمامة الإلهية، حيث سمّيت بهذا الإسم في السماء قبل أن تحلّ ضيفة على أهل الأرض، فالإمام الصادق (ع) قبل ولادتها، بل قبل ولادة أبيها، نطق بإسمها، حيث قال (وإن لنا حرماً وهو بلدة قم، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمّى فاطمة..). فهذا هو الإمام المعصوم يبشّر الناس بسيدة تأتي من بعد، إسمها فاطمة، وهذا من أصدق الدلائل وأوضحها في علو مكانها و رفعة مقامها..
فداها أبوها..
حداثة سنّها لم تمنعها من أن تكون ذات علم ودين ومكانة رفيعة في الناس، وذلك لأصالة المنبت، و جودة التربية، فقد عاشت مع أبيها الإمام الكاظم سنوات قلائل، لكنّها كانت بمثابة الدهور، فالنور لا يحتاج إلا إلى شرارة لكي يشع في أرجاء الكون..
يتوافد الشيعة من كل مكان على بيت إمامهم وسيدهم الإمام الكاظم (ع) الذي يتخذ المدينة المنوّرة، مدينة رسول الله (ص) وموضع قبره المبارك، موطناً له، يتوافدون لكي ينهلوا منه العلم الإلهي، ويقدّموا بين يديهم مسائلهم فيما يحتاجونه في شئون دينهم و حياتهم و معاشهم.. إلا أن الإمام الكاظم (ع) وابنه الرضا (ع) كانا خارج المدينة، حينما جاء وفد من الشيعة من خارج المدينة للتشّرف بلقاء الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع)، والسلام عليه، فطرقوا باب الإمام..
فتحت الباب سيدة حدثة السن وكانت تلك فاطمة المعصومة (ع)، وأخبرتهم بأن الإمام في سفر له، وكانت لهم عدّة مسائل فكتبوها وأعطوها للسيدة فاطمة، ثم انصرفوا..
وفي اليوم التالي مّروا ببيت الإمام قبل رحيلهم إلى وطنهم، ورأوا أن الإمام لم يعد بعد من سفره، فطلبوا مسائلهم، لكي يحضروها في وقت آخر..
مدّت تلك الطفلة يدها البريئة، فأعطتهم مسائلهم.. فنظروا إليها وإذا بها قد أجابت بنفسها على مسائلهم التي تكبّدوا عناء السفر من أجل إيجاد حل لها عند الإمام..
ففرحوا لذلك، فتوجّهوا إلى خارج المدينة قاصدين ديارهم، وفي أثناء الطريق، التقوا بالإمام الكاظم (ع) وهو في طريقه إلى المدينة..
فحكوا له ما جرى لهم مع ابنته فاطمة.. فطلب أن يروه تلك المسائل، فلمّا نظر الإمام في المسائل وأجوبتها.. قال: فداها أبوها([6]).
فداها أبوها.. كلمة تزكية وتصويب لما صدر عنها من نور العلم، رغم حداثة سنّها، مما ينبئ بأن السيدة فاطمة المعصومة مشروع لسيّدة عظيمة ذات شأن.
أخت الرضا.. وربيبته
حرمت السيدة فاطمة المعصومة من عطف والدها الإمام الكاظم (ع) في صغرها، عندما اعتقله الرشيد العباسي، و قتله بالسم في السجن، إلا أن أخاها الإمام الرضا (ع) أولاها رعاية خاصّة، و كانت علاقتهما حميمة وذات تميّز، إضافة لتصدّيه لقيادته للأمة وتوجيهها نحو نور الهداية، برغم المضايقات التي كان يتلقّها من بني العباس.
أوكل الإمام الكاظم (ع) كل الشئون إلى ابنه الإمام الرضا (ع)، وبما في ذلك رعاية بناته ومنهم السيدة المعصومة (ع)، وترك أمر زواجهن بيده، لما كان في تلك الحقبة من صعوبات كبيرة.. وقال فيما قال في وصيته (ع):
(إني قد أوصيت إلى علي وبني بعد معه إن شاء وآنس منهم رشدا وأحب أن يقرهم فذاك له وإن كرههم وأحب أن يخرجهم فذاك له ولا أمر لهم معه وأوصيت إليه بصدقاتي وأموالي وموالي وصبياني الذي خلفت وولدي إلى إبراهيم والعباس وقاسم وإسماعيل وأحمد وأم أحمد وإلى علي أمر نسائي دونهم و ثلث صدقة أبي وثلثي، يضعه حيث يرى ويجعل فيه ما يجعل ذو المال في ماله، فإن أحب أن يبيع أو يهب أو ينحل أو يتصدق بها على من سميت له وعلى غير من سميت، فذاك له وهو أنا في وصيتي في مالي وفي أهلي وولدي وإن يرى أن يقر إخوته الذين سميتهم في كتابي هذا أقرهم وإن كره فله أن يخرجهم غير مثرب عليه ولا مردود، فإن آنس منهم غير الذي فارقتهم عليه فأحب أن يردهم في ولاية فذاك له وإن أراد رجل منهم أن يزوج أخته فليس له أن يزوجها إلا بإذنه وأمره، فإنه أعرف بمناكح قومه وأي سلطان أو أحد من الناس كفه عن شئ أو حال بينه وبين شئ مما ذكرت في كتابي هذا أو أحد ممن ذكرت، فهو من الله ومن رسوله برئ والله ورسوله منه براء وعليه لعنة الله وغضبه ولعنة اللاعنين والملائكة المقربين والنبيين والمرسلين وجماعة المؤمنين.
وليس لاحد من السلاطين أن يكفه عن شئ وليس لي عنده تبعة ولا تباعة ولا لاحد من ولدي له قبلي مال، فهو مصدق فيما ذكر، فإن أقل فهو أعلم وإن أكثر فهو الصادق كذلك وإنما أردت بإدخال الذين أدخلتهم معه من ولدي التنويه بأسمائهم والتشريف لهم وأمهات أولادي من أقامت منهن في منزلها وحجابها فلها ما كان يجري عليها في حياتي إن رأى ذلك، ومن خرجت منهن إلى زوج فليس له أن ترجع إلى محواي الا أن يرى علي غير ذلك وبناتي بمثل ذلك ولا يزوج بناتي أحد من إخوتهن من أمهاتهن ولا سلطان ولا عم إلا برأيه و مشورته، فإن فعلوا غير ذلك فقد خالفوا الله ورسوله وجاهدوه في ملكه وهو أعرف بمناكح قومه، فإن أراد أن يزوج زوج وإن أراد أن يترك ترك وقد أوصيتهن بمثل ما ذكرت في كتابي هذا وجعلت الله عز وجل عليهم شهيدا وهو وأم أحمد [ شاهدان ])[7].
وفي سنة 193هـ. ق. مرض هارون ومات بمرضه، فتخلّص المسلمون من شر واحد من السفّاكين،وظالمي أهل البيت (ع)، وبعد هارون ارتقى (الأمين) منصة الخلافة ولم تدم خلافته أكثر من أربع سنوات، حيث وقعت أحداث دامية بينه وبين أخيه (المأمون) على منصب الخلافة، وأخيراً في سنة 198 هـ. ق. قتل الأمين بيد أخيه وتسنّم المأمون منصب الخلافة.
وبعد أن استقر الأمر للمأمون وأصبحت أوامره نافذة، اتخذ بلدة (مرو) مقاماً للخلافة، إلا أن الفتن بدأت تتزايد في أطراف ممالك الحجاز واليمن ورفعوا راية العصيان، اتخذ (المأمون) عندها قراراً بأن يستقدم الإمام الرضا (عليه السلام) من المدينة وإسناد ولاية العهد للإمام، لكي يستميل سائر السادة إلى طاعته، ويضع حدّاً لتطلّعهم إلى الخلافة.
وبعد إجبار الإمام على قبول دعوة المأمون لولاية العهد، والإنتقال من الدينة المنوّرة إلى مرو بدأت لحظات الفراق بين الإمام وبين أخته فاطمة المعصومة التي عاشت في كنفه ترفل في توجييه وتنهل من نمير علمه وخلقه، مما وثّق العلاقة بينهما حيث كان الإمام هو خير ابن للإمام الكاظم (ص) وخليفته من بعده، و فاطمة كانت خير بنت وأكثرهن تميّزاً.
لم تمر لحظات الفراق مرور الكرام، فالإمام الرضا (ع) كان يعلم بالعلم الإلهي بأن هذه اللحظات هي لحظات النهاية، فبعد أن زار جدّه رسول الله (ص) مودّعاً، جمع عياله، والتي كانت منهم السيدة فاطمة المعصومة، فأمرهم أن يعقدوا عليه مائدة بكاء ونحيب، حتى يسمع بكاءهم.. ففرّق الإمام (ع) عليهم اثني عشر ألف دينار، فكان رحيل الإمام من المدينة باتجاه مرو.
رفيقة الآلام..
لم تكن أيام فاطمة المعصومة كسائر أيام الناس، فقد عاشت أياماً مليئة بالمحن والصعوبات التي رافقت مسيرة أهل البيت (عليهم السلام) طوال التاريخ.
فإن بني العباس، قد أمعنوا في الأذى لأهل بيت العصمة (ع)، وقد عاصرت السيدة المعصومة كل تلك المحن وتحمّلت الأذى في جنب الله، صابرة محتسبة..
ففي مقتبل عمرها ألمّت بها مع أخوتها وأخواتها مصيبة فقد أبيها مسجوناً في سجون الظالمين، وهو ينقل من سجن إلى سجن، ثم انتهت تلك المصيبة إلى قتله مسموماً ببغداد، بعدما عاشت السيدة فاطمة رضوان الله تعالى عليها محنة التضييق والمراقبة لبيوتهم وتحركات بيت الإمام (ع).
وبعد تسلّم المأمون الخلافة العباسية، وعلى أثر خلاف بينه وبين الخارجين عليه في مكة واليمن، أمر المأمون عليه لعنة الله قائد جيشه (الجالودي) أن يقتحم بيت الإمام الرضا (ع) في المدينة مع دور آل أبي طالب، ليسلب حلل نسائهم وثيابهن، وبالفعل هجم الجالودي على دار الإمام بجيشه، إلا أن الإمام اعترضه ولم يسمح له حتى أراد أن ينفذ مأربه بالقوة.. فجمع الإمام النساء والتي كانت منهن فاطمة المعصومة في حجرة واحدة.. وبعد إصرار اللعين بتنفيذ أمر أميره، قال له الإمام أنا أسلبهن إليك وأحلف أن لا أدع عليهن شيئاً إلا أخذته([8]).
فكانت فاطمة المعصومة شبيهة جدتها الزهراء (ع) في محنتها والهجوم على دارها.
كما و عاشت لحظات الفراق الأليم الذي سيق إليه الإمام الرضا (ع) مرغماً من المدينة إلى مرو، بحالة من البكاء.. حيث قال الإمام لعياله: أما إني لا أرجع إلى عيالي أبدا..
فبالتزام المعصومة نهج الإمامة وفاء بعهد الله، وخشيتها منه، وتحمّلها كل الأذى صابرة في هذا السبيل، ومع ذلك تؤدّي رسالتها.. قد جسّدت آيات الله في قوله تعالى:
(الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ. وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ. وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ. سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)([9]).
فنعم عقبى الدار.. حقيقة أثبتها الإمام الرضا (عليه السلام) حيث ذكر في ثنايا زيارتها سلام الله عليها.. (يا فاطمة اشفعي لي في الجنّة فإن لكِ عند الله شأناً من الشأن..).
مسيرة الإشتياق..
ويمضي عام على مفارقة السيدة المعصومة لأخيها الإمام الرضا (ع)، فكتب إليها كتاباً يطلب منها القدوم عليه، وأعطاه أحد غلمانه، حيث أمره بالمسير إلى المدينة ولا يلوي على شئ، ولا يقف في طريقه إلا بمقدار الضرورة ليوصل الكتاب في أسرع وقت ممكن، وقد أعلمه الإمام (عليه السلام) بالمكان والبيت لئلا يسأل أحداً من الناس.
وبدأ الغلام المسير وأخذ يواصل ليله ونهاره، حتى شارف المدينة، وجاء إلى بيت الإمام (عليه السلام) وسلم الكتاب إلى فاطمة المعصومة (عليها السلام)([10]) فتتسلم منه الكتاب لتعرف منه أن الإمام (ع) يدعوها أن تلحق به، فقد كانت أثيرة عنده، وعزيزة عليه، ولما انتهى الكتاب إليها تجهزت للسفر إليه.([11])
وهذا ما كانت تتمناه و تنتظره بكل شوق..
يخرج ركب السيدة المعصومة مع بعض إخوتها..
ويخرج بعض آخر من إخوتها في ركب ثان..
ركبان عظيمان يتجهان نحو طوس للقاء بإمامهم ( عليه السلام ) بعد طول فراق:
أحدهما يتجه إليها عن طريق الري وساوة..
والآخر يتجه إليها عن طريق شيراز.
فالإمام الرضا ( عليه السلام ) قد استأذن المأمون في قدومهم عليه([12]).
و ذهب أخوة وأخوات الإمام بركبين مهيبين..
الركب الأول الذي يمر عن طريق شيراز فيه بعض اخوتها، يتقدمه أحمد، ومحمد، وحسين، وكان به ثلاثة الآف شخص، وخلال المسير انضم إليهم الكثير من الموالين حتى بلغ عددهم خمسة عشر ألفاً نساء ورجالاً، يأملون كلهم في لقاء إمام زمانهم..
وقد وصل خبر هذا الركب إلى المأمون، فخشي على ملكه، وأمر واليه على شيراز أن يعترضهم، وبالفعل قد اعترضهم ومع أربعين ألفاً من الجند، ولم ينثني أخوة الإمام عن إكمال مسيرتهم، وحصلت بعد ذلك معركة دامية لم يستطع حاكم شيراز وجنده أن يهزموهم، فلجأوا للخديعة، وأشاعوا خبراً كاذباً بوفاة الإمام الرضا (ع)، فتفرّق جمع القافلة، وتفرق أخوة الإمام واختفوا في شيراز، فعرفوا أحمد وحسيناً وقتلوهما بعد دفاع مستميت، أما محمد فلم يظفروا به..
أما الركب الآخر فهو الذي كان يضم السيدة المعصومة وبه 22 علوياً وعلوية ومنهم أخوة السيدة هارون، وفضل، وجعفر، وهادي، وقاسم، وبعض من أولاد إخوتها، وبعض الخدم([13]).. وقد أتخذ هذا الركب طريق ساوة، وأرسل لهم المأمون جيشاً وقتلوا من فيه وشرّدوهم..
وواجهت المعصومة فاطمة مصائب فقد الأحبة وقتل الأخوة أمام عينها، كما كانت السيدة زينب سلام الله عليها، حتى ألمّ بها المرض.. ثم سألت عن بلدة (قم)، كم تبعد ؟
فقيل لها تبعد عشرة فراسخ (ثمانيين كيلو مترا)..
فقالت: احملوني إليها..
وقد توجّهت نحو بلدة قم، وقد ( كان خبرها قد وصل إلى « قم » فخرج أشرافها لاستقبالها، يتقدمهم موسى بن خزرج الأشعري، فلما وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وقادها إلى منزله، تحفّ بها إماؤها وجواريها)([14]).
فمكثت في بيت موسى بن خزرج الأشعري سبعة عشر يوماً، وهي تعاني من مرضها..
وبرغم المصائب التي حلّت بها في الطريق من قتل الأهل والأحبّة، وعدم نيل مطلبها بالإلتقاء بإمامها الرضا (ع) التي كانت في شوق إليه.. وبرغم مرضها.. فإنها خصّصت موقعاً من البيت ليكون محراباً لعبادتها..وطوال سبعة عشر يوماً كانت قائمة بجلالها وهيبتها، تعبد الله عبادة الخاشعين..
إلى أن جاء أمر الله و فارقت روحها الطاهرة الحياة، ورفعت إلى بارئها، وهي في حسرة على لقاء أخيها الإمام الرضا (عليه السلام) الذي لم تحض بلقائه.. لذلك كما قال أحد العلماء الأعلام، أعطاها الله تعالى فضلاً ومكانة بأن كانت باب قضاء الحوائج لجميع المؤمنين..
فسلام عليها يوم ولدت ويوم ماتت ويوم تبعث حية..
زيارتها تعدل الجنّة..
زيارة أهل البيت (ع) أمواتاً كزيارتهم وهم أحياء، و لزيارتهم في حال الحياة مميزات، لأنهم منبع النور و رمز الهداية، و محط الخير و مهبط البركات الإلهية، وتتواصل البركات لتكون لزيارتهم بعد الوفاة عند مراقدهم خصائص تفيض على الموالين العارفين بحقّهم والمحبّين لهم من الأجيال المتعاقبة، لأنهم حبل الله الممدود بين السماء والأرض، وأن الله لا يقطع حبله عن عباده ولا يغلق بابه عن وافديه..
فكما كانت حياة السيدة المعصومة (ع) رمزاً رسالياً مفعماً بالعطاء والتضحية، كانت كذلك أيضاً بعد وفاتها واستشهادها، وبشهادة ثلاثة من الأئمة المعصومين (ع)، إن زيارتها تعدل الجنّة، وأن من يزورها عارفاً بحقها توجب له الجنّة.
حرم أهل البيت (ع)
1/ وروي عن عدة من أهل الري أنهم دخلوا على أبي عبد الله عليه السلام وقالوا: نحن من أهل الري. فقال: مرحبا بإخواننا من أهل قم ! فقالوا: نحن من أهل الري فأعاد الكلام، قالوا ذلك مرارا وأجابهم بمثل ما أجاب به أولا، فقال: إن لله حرماً وهو مكة، وإن للرسول (ص) حرماً وهو المدينة، وإن لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة، وإن لنا حرماً وهو بلدة قم، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة فمن زارها وجبت له الجنة.
قال الراوي: وكان هذا الكلام منه قبل أن يولد الكاظم عليه السلام[15].
من زارها فله الجنّة
2/ حدث علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن سعد، عن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام)، قال: قال:. يا سعد عندكم لنا قبر، قلت له: جعلت فداك، قبر فاطمة بنت موسى (عليهما السلام)، قال: نعم، من زارها عارفا بحقها فله الجنة، فإذا أتيت القبر عند رأسها مستقبل القبلة، وكبر أربعا وثلاثين تكبيرة، وسبح ثلاثا وثلاثين تسبيحة، واحمد الله ثلاثا وثلاثين تحميدة، ثم قل. الزيارة[16].
3/عن سعد بن سعد قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن فاطمة بنت موسى بن جعفر (عليه السلام)، فقال: من زارها فله الجنة[17].
4/ كامل الزيارة: عن ابن الرضا (عليه السلام) ـ أي الإمام الجواد (ع) ـ قال: من زار قبر عمتي بقم فله الجنة[18].
باب الجنّة
5/ (روى القاضي نور الله في كتاب مجالس المؤمنين عن الصادق (عليه السلام) قال: إن لله حرما وهو مكة، ألا إن لرسول الله (ص) حرما وهو المدينة، ألا وإن لأمير المؤمنين (عليه السلام) حرما وهو الكوفة، ألا وإن قم الكوفة الصغيرة، ألا إن للجنة ثمانية أبواب ثلاثة منها إلى قم. تقبض فيها امرأة من ولدي اسمها فاطمة بنت موسى (عليه السلام)، وتدخل بشفاعتها شيعتي الجنة بأجمعهم. وعن سعد، عن الرضا (عليه السلام) قال: يا سعد، من زارها فله الجنة. وروي أن زيارتها تعادل الجنة[19].
زيارتها كزيارة الرضا (ع)
6/ و عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال: (من زار المعصومة بقم كان كمن زارني)[20].
ولمعرفة عظمة زيارتها من خلال هذا التصريح من الإمام الرضا (ع)، علينا أن نعرف مكانة زيارة الإمام الرضا (ع)..
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فاطمة المعصومة الجنة الموعودة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فاطمة المعصومة الجنة الموعودة
إن لدينا على هذه الأرض من كنوز الآخرة الكثير، فإن الله بواسع رحمته جعل لنا جسوراً نخترق من خلال عبورها حجب الغيب لنصل إلى ريح الجنّة و التوفيق إليها بالشفاعة من أوليائه الصالحين، و نخترق من خلالها الموانع التي حالت دون أن تهطل علينا بركات السماء في قضاء حوائجنا، و حلّ مشكلاتنا العالقة، فهنالك دوماً من يمد إلينا يد العون إن قبضت عنّا أيادي الآخرين، وهناك دوماً من يشحن فينا وقوداً إيمانياً للحياة، إن تبدّلت الأحوال، و تلبّدت غيوم المجتمع بمظاهر الفساد أو بسلوكيات الرذيلة، فهناك دوماً بصيص أمل يطلّ علينا من نوافذ الغيب إلى عالم الشهود.
إنهم أهل البيت (عليهم السلام) و بمن فيهم أبناؤهم و بناتهم الذين تمثّلوهم، أولئك هم الأنوار الزاهرة، و الشواخص الظاهرة بمقاماتهم و مراقدهم المقدّسة، حيث تقدّس كل أرض دفنوا فيها..هكذا أصبحت مدينة قمّ مقدسة، لأنها وارت جثمان فاطمة العصومة المقدّسة بنت الإمام موسى الكاظم، و أخت الإمام الرضا، و عمّة الإمام الجواد (عليهم السلام) التي يسعى هذا الكتاب ليقدّم صفحة مما سجّله التاريخ عنها، بعين محبّة ومعاصرة.
أليس من يتعرّض لأشعة النور، تتضح معالمه و تكتمل صورته ؟.. فمن بركات الله علينا أيضاً، أن جعل لنا مصادر النور، لكي نتعرّض لها، لكي تحدّد شخصياتنا ومعالمها و سلوكياتها، فنور فاطمة المعصومة (عليها السلام) الآخر، هو سيرتها العطرة التي تمثّلت الهدى و الحق و الصلاح و الإخلاص وكل مضامين الحياة الرسالية الطيبة التي دعى لها الله عز وجل في كتابه، و بلّغها الرسول وأهل بيته في سيرتهم و توجيهاتهم.
إن الإقتداء بفاطمة المعصومة يجعل من المرأة ذات مواصفات رسالية، و متميّزة بقوتها في الإنجاز و بقوتها في العطاء، وبقوتها في الإيمان، وهذا هو النور الآخر الذي نتعرّض له من نور هذه السيّدة المقدّسة.
فاطمة.. تلك الجنّة الموعودة
في يوم من أيام الله..
قدم جماعة من أهل الري في (إيران) من الموالين إلى مدينة رسول الله (ص).. وتوجّهوا إلى الإمام الصادق (ع).. دخلوا عليه، وقالوا له: نحن من أهل الري.
رد عليهم الإمام عليه السلام: مرحباً بإخواننا من أهل قم.
فقالوا: نحن من أهل الري.
أعاد الإمام الكلام: مرحباً بإخواننا من أهل قم.
قالوا ذلك مراراً، وأجابهم (ع) بمثل ما أجاب به أولاً..
فقال (ع): إن لله حرماً وهو مكة: وان للرسول (صلى الله عليه وآله) حرماً وهو المدينة، وإن لأمير المؤمنين (عليه السلام) حرماً وهو الكوفة، وإن لنا حرماً وهو بلدة قم، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة، فمن زارها وجبت له الجنة.([1])
فاطمة هذه الفتاة الموعودة لم تكن بالتأكيد كبقية النساء، ولم تكن إمرأة عادية، فهذا أحد الأئمة المعصومين (ع) يبشّر الناس بها، قبل ولادتها، بل قبل ولادة أبيها الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع).. و يذكر لهم أن زيارتها توجب الجنّة، بمعنى أنها ليست من أهلها وحسب، بل هي من أعلى عليين فيها عند مليك مقتدر، وهي من شفعائها المشفّعين، حيث يدخل المؤمنون بسببها الجنّة..
ويكرّر الإمام الصادق (ع) بشاراته ووصفه لحفيدته المباركة مرّات أخرى.. فيقول: إن زيارتها تعدل الجنّة..
جنة الله التي وصفها في كتابه.. (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً. لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلَّا سَلَاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً. تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً)([2]).
فيترك العقول تسرح بخيالها أمام هذه الكلمات، منتظرة تلك الفتاة الموعودة التي ستدفن في قم، وتكون كالجنّة في عجائبها.. لتعطى الأنفس التي تستحق كل ما تريد بإذن الله تعالى.. فأبشروا بفتاة موعودة، لكم في زيارتها ما تدّعون وتتمنون..
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ. نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ. نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ)([3]).
ففاطمة المعصومة هي باب من أبواب الجنة التي شيّدت في هذه الدنيا، فمن أراد الجنة فليأتها من بابها، وما أوسع هذا الباب المبارك، الذي هو تجلّ من تجليات رحمة الله تعالى، وبسببه تدخل الشيعة حقاً الجنة بأجمعهم..
يقول الإمام الصادق (عليه السلام):.. ألا إن للجنة ثمانية أبواب ثلاثة منها إلى قم. تقبض فيها امرأة من ولدي اسمها فاطمة بنت موسى (عليه السلام)، وتدخل بشفاعتها شيعتي الجنة بأجمعهم([4]).
ولدت السيدة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) في الأول من شهر ذي القعدة الحرام سنة مائة وثلاث وسبعين هجرية([5])، من زوجته نجمة المرأة العظيمة التي استحقت بفضائلها أن تكون زوجة لإمام، وأمّاً لإمام، وقد شرّف الله تعالى المعصومة بطيب الولادة وأصل المنبت، من أب هو خير أهل الأرض مقاماً و شرفاً ونسباً، إمام معصوم مفترض الطاعة، ومن أم مؤمنة عابدة، فجاءت من ذات الشجرة التي جاء منها الإمام الرضا (ع) و هي شقيقته الوحيدة التي تشترك معه في ذات الأب وذات الأم، أصلها ثابت وفرعها في السماء.
فذلك أطهر نسب في الخلائق أجمعين، حيث يصعد نسبها المبارك، من إمام معصوم إلى إمام آخر، ذرية بعضها من بعض، حتى تصل إلى بيت العصمة والطهارة بيت الإمام علي (ع) وفاطمة الزهراء (ع)، ورسول الله (ص)، ولا شك أن نيل هذا الشرف لا يتأتى اعتباطاً.. بل هو بذرة طيبة في أرض طيبة، لكي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
فسمّاها الإمام الكاظم (ع) فاطمة تيمّناً بإسم جدّته الصديقة فاطمة الزهراء (ع) سيدة نساء العالمين، مسدّداً من الله تعالى كما هو شأن الإمامة الإلهية، حيث سمّيت بهذا الإسم في السماء قبل أن تحلّ ضيفة على أهل الأرض، فالإمام الصادق (ع) قبل ولادتها، بل قبل ولادة أبيها، نطق بإسمها، حيث قال (وإن لنا حرماً وهو بلدة قم، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمّى فاطمة..). فهذا هو الإمام المعصوم يبشّر الناس بسيدة تأتي من بعد، إسمها فاطمة، وهذا من أصدق الدلائل وأوضحها في علو مكانها و رفعة مقامها..
فداها أبوها..
حداثة سنّها لم تمنعها من أن تكون ذات علم ودين ومكانة رفيعة في الناس، وذلك لأصالة المنبت، و جودة التربية، فقد عاشت مع أبيها الإمام الكاظم سنوات قلائل، لكنّها كانت بمثابة الدهور، فالنور لا يحتاج إلا إلى شرارة لكي يشع في أرجاء الكون..
يتوافد الشيعة من كل مكان على بيت إمامهم وسيدهم الإمام الكاظم (ع) الذي يتخذ المدينة المنوّرة، مدينة رسول الله (ص) وموضع قبره المبارك، موطناً له، يتوافدون لكي ينهلوا منه العلم الإلهي، ويقدّموا بين يديهم مسائلهم فيما يحتاجونه في شئون دينهم و حياتهم و معاشهم.. إلا أن الإمام الكاظم (ع) وابنه الرضا (ع) كانا خارج المدينة، حينما جاء وفد من الشيعة من خارج المدينة للتشّرف بلقاء الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع)، والسلام عليه، فطرقوا باب الإمام..
فتحت الباب سيدة حدثة السن وكانت تلك فاطمة المعصومة (ع)، وأخبرتهم بأن الإمام في سفر له، وكانت لهم عدّة مسائل فكتبوها وأعطوها للسيدة فاطمة، ثم انصرفوا..
وفي اليوم التالي مّروا ببيت الإمام قبل رحيلهم إلى وطنهم، ورأوا أن الإمام لم يعد بعد من سفره، فطلبوا مسائلهم، لكي يحضروها في وقت آخر..
مدّت تلك الطفلة يدها البريئة، فأعطتهم مسائلهم.. فنظروا إليها وإذا بها قد أجابت بنفسها على مسائلهم التي تكبّدوا عناء السفر من أجل إيجاد حل لها عند الإمام..
ففرحوا لذلك، فتوجّهوا إلى خارج المدينة قاصدين ديارهم، وفي أثناء الطريق، التقوا بالإمام الكاظم (ع) وهو في طريقه إلى المدينة..
فحكوا له ما جرى لهم مع ابنته فاطمة.. فطلب أن يروه تلك المسائل، فلمّا نظر الإمام في المسائل وأجوبتها.. قال: فداها أبوها([6]).
فداها أبوها.. كلمة تزكية وتصويب لما صدر عنها من نور العلم، رغم حداثة سنّها، مما ينبئ بأن السيدة فاطمة المعصومة مشروع لسيّدة عظيمة ذات شأن.
أخت الرضا.. وربيبته
حرمت السيدة فاطمة المعصومة من عطف والدها الإمام الكاظم (ع) في صغرها، عندما اعتقله الرشيد العباسي، و قتله بالسم في السجن، إلا أن أخاها الإمام الرضا (ع) أولاها رعاية خاصّة، و كانت علاقتهما حميمة وذات تميّز، إضافة لتصدّيه لقيادته للأمة وتوجيهها نحو نور الهداية، برغم المضايقات التي كان يتلقّها من بني العباس.
أوكل الإمام الكاظم (ع) كل الشئون إلى ابنه الإمام الرضا (ع)، وبما في ذلك رعاية بناته ومنهم السيدة المعصومة (ع)، وترك أمر زواجهن بيده، لما كان في تلك الحقبة من صعوبات كبيرة.. وقال فيما قال في وصيته (ع):
(إني قد أوصيت إلى علي وبني بعد معه إن شاء وآنس منهم رشدا وأحب أن يقرهم فذاك له وإن كرههم وأحب أن يخرجهم فذاك له ولا أمر لهم معه وأوصيت إليه بصدقاتي وأموالي وموالي وصبياني الذي خلفت وولدي إلى إبراهيم والعباس وقاسم وإسماعيل وأحمد وأم أحمد وإلى علي أمر نسائي دونهم و ثلث صدقة أبي وثلثي، يضعه حيث يرى ويجعل فيه ما يجعل ذو المال في ماله، فإن أحب أن يبيع أو يهب أو ينحل أو يتصدق بها على من سميت له وعلى غير من سميت، فذاك له وهو أنا في وصيتي في مالي وفي أهلي وولدي وإن يرى أن يقر إخوته الذين سميتهم في كتابي هذا أقرهم وإن كره فله أن يخرجهم غير مثرب عليه ولا مردود، فإن آنس منهم غير الذي فارقتهم عليه فأحب أن يردهم في ولاية فذاك له وإن أراد رجل منهم أن يزوج أخته فليس له أن يزوجها إلا بإذنه وأمره، فإنه أعرف بمناكح قومه وأي سلطان أو أحد من الناس كفه عن شئ أو حال بينه وبين شئ مما ذكرت في كتابي هذا أو أحد ممن ذكرت، فهو من الله ومن رسوله برئ والله ورسوله منه براء وعليه لعنة الله وغضبه ولعنة اللاعنين والملائكة المقربين والنبيين والمرسلين وجماعة المؤمنين.
وليس لاحد من السلاطين أن يكفه عن شئ وليس لي عنده تبعة ولا تباعة ولا لاحد من ولدي له قبلي مال، فهو مصدق فيما ذكر، فإن أقل فهو أعلم وإن أكثر فهو الصادق كذلك وإنما أردت بإدخال الذين أدخلتهم معه من ولدي التنويه بأسمائهم والتشريف لهم وأمهات أولادي من أقامت منهن في منزلها وحجابها فلها ما كان يجري عليها في حياتي إن رأى ذلك، ومن خرجت منهن إلى زوج فليس له أن ترجع إلى محواي الا أن يرى علي غير ذلك وبناتي بمثل ذلك ولا يزوج بناتي أحد من إخوتهن من أمهاتهن ولا سلطان ولا عم إلا برأيه و مشورته، فإن فعلوا غير ذلك فقد خالفوا الله ورسوله وجاهدوه في ملكه وهو أعرف بمناكح قومه، فإن أراد أن يزوج زوج وإن أراد أن يترك ترك وقد أوصيتهن بمثل ما ذكرت في كتابي هذا وجعلت الله عز وجل عليهم شهيدا وهو وأم أحمد [ شاهدان ])[7].
وفي سنة 193هـ. ق. مرض هارون ومات بمرضه، فتخلّص المسلمون من شر واحد من السفّاكين،وظالمي أهل البيت (ع)، وبعد هارون ارتقى (الأمين) منصة الخلافة ولم تدم خلافته أكثر من أربع سنوات، حيث وقعت أحداث دامية بينه وبين أخيه (المأمون) على منصب الخلافة، وأخيراً في سنة 198 هـ. ق. قتل الأمين بيد أخيه وتسنّم المأمون منصب الخلافة.
وبعد أن استقر الأمر للمأمون وأصبحت أوامره نافذة، اتخذ بلدة (مرو) مقاماً للخلافة، إلا أن الفتن بدأت تتزايد في أطراف ممالك الحجاز واليمن ورفعوا راية العصيان، اتخذ (المأمون) عندها قراراً بأن يستقدم الإمام الرضا (عليه السلام) من المدينة وإسناد ولاية العهد للإمام، لكي يستميل سائر السادة إلى طاعته، ويضع حدّاً لتطلّعهم إلى الخلافة.
وبعد إجبار الإمام على قبول دعوة المأمون لولاية العهد، والإنتقال من الدينة المنوّرة إلى مرو بدأت لحظات الفراق بين الإمام وبين أخته فاطمة المعصومة التي عاشت في كنفه ترفل في توجييه وتنهل من نمير علمه وخلقه، مما وثّق العلاقة بينهما حيث كان الإمام هو خير ابن للإمام الكاظم (ص) وخليفته من بعده، و فاطمة كانت خير بنت وأكثرهن تميّزاً.
لم تمر لحظات الفراق مرور الكرام، فالإمام الرضا (ع) كان يعلم بالعلم الإلهي بأن هذه اللحظات هي لحظات النهاية، فبعد أن زار جدّه رسول الله (ص) مودّعاً، جمع عياله، والتي كانت منهم السيدة فاطمة المعصومة، فأمرهم أن يعقدوا عليه مائدة بكاء ونحيب، حتى يسمع بكاءهم.. ففرّق الإمام (ع) عليهم اثني عشر ألف دينار، فكان رحيل الإمام من المدينة باتجاه مرو.
رفيقة الآلام..
لم تكن أيام فاطمة المعصومة كسائر أيام الناس، فقد عاشت أياماً مليئة بالمحن والصعوبات التي رافقت مسيرة أهل البيت (عليهم السلام) طوال التاريخ.
فإن بني العباس، قد أمعنوا في الأذى لأهل بيت العصمة (ع)، وقد عاصرت السيدة المعصومة كل تلك المحن وتحمّلت الأذى في جنب الله، صابرة محتسبة..
ففي مقتبل عمرها ألمّت بها مع أخوتها وأخواتها مصيبة فقد أبيها مسجوناً في سجون الظالمين، وهو ينقل من سجن إلى سجن، ثم انتهت تلك المصيبة إلى قتله مسموماً ببغداد، بعدما عاشت السيدة فاطمة رضوان الله تعالى عليها محنة التضييق والمراقبة لبيوتهم وتحركات بيت الإمام (ع).
وبعد تسلّم المأمون الخلافة العباسية، وعلى أثر خلاف بينه وبين الخارجين عليه في مكة واليمن، أمر المأمون عليه لعنة الله قائد جيشه (الجالودي) أن يقتحم بيت الإمام الرضا (ع) في المدينة مع دور آل أبي طالب، ليسلب حلل نسائهم وثيابهن، وبالفعل هجم الجالودي على دار الإمام بجيشه، إلا أن الإمام اعترضه ولم يسمح له حتى أراد أن ينفذ مأربه بالقوة.. فجمع الإمام النساء والتي كانت منهن فاطمة المعصومة في حجرة واحدة.. وبعد إصرار اللعين بتنفيذ أمر أميره، قال له الإمام أنا أسلبهن إليك وأحلف أن لا أدع عليهن شيئاً إلا أخذته([8]).
فكانت فاطمة المعصومة شبيهة جدتها الزهراء (ع) في محنتها والهجوم على دارها.
كما و عاشت لحظات الفراق الأليم الذي سيق إليه الإمام الرضا (ع) مرغماً من المدينة إلى مرو، بحالة من البكاء.. حيث قال الإمام لعياله: أما إني لا أرجع إلى عيالي أبدا..
فبالتزام المعصومة نهج الإمامة وفاء بعهد الله، وخشيتها منه، وتحمّلها كل الأذى صابرة في هذا السبيل، ومع ذلك تؤدّي رسالتها.. قد جسّدت آيات الله في قوله تعالى:
(الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ. وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ. وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ. سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)([9]).
فنعم عقبى الدار.. حقيقة أثبتها الإمام الرضا (عليه السلام) حيث ذكر في ثنايا زيارتها سلام الله عليها.. (يا فاطمة اشفعي لي في الجنّة فإن لكِ عند الله شأناً من الشأن..).
مسيرة الإشتياق..
ويمضي عام على مفارقة السيدة المعصومة لأخيها الإمام الرضا (ع)، فكتب إليها كتاباً يطلب منها القدوم عليه، وأعطاه أحد غلمانه، حيث أمره بالمسير إلى المدينة ولا يلوي على شئ، ولا يقف في طريقه إلا بمقدار الضرورة ليوصل الكتاب في أسرع وقت ممكن، وقد أعلمه الإمام (عليه السلام) بالمكان والبيت لئلا يسأل أحداً من الناس.
وبدأ الغلام المسير وأخذ يواصل ليله ونهاره، حتى شارف المدينة، وجاء إلى بيت الإمام (عليه السلام) وسلم الكتاب إلى فاطمة المعصومة (عليها السلام)([10]) فتتسلم منه الكتاب لتعرف منه أن الإمام (ع) يدعوها أن تلحق به، فقد كانت أثيرة عنده، وعزيزة عليه، ولما انتهى الكتاب إليها تجهزت للسفر إليه.([11])
وهذا ما كانت تتمناه و تنتظره بكل شوق..
يخرج ركب السيدة المعصومة مع بعض إخوتها..
ويخرج بعض آخر من إخوتها في ركب ثان..
ركبان عظيمان يتجهان نحو طوس للقاء بإمامهم ( عليه السلام ) بعد طول فراق:
أحدهما يتجه إليها عن طريق الري وساوة..
والآخر يتجه إليها عن طريق شيراز.
فالإمام الرضا ( عليه السلام ) قد استأذن المأمون في قدومهم عليه([12]).
و ذهب أخوة وأخوات الإمام بركبين مهيبين..
الركب الأول الذي يمر عن طريق شيراز فيه بعض اخوتها، يتقدمه أحمد، ومحمد، وحسين، وكان به ثلاثة الآف شخص، وخلال المسير انضم إليهم الكثير من الموالين حتى بلغ عددهم خمسة عشر ألفاً نساء ورجالاً، يأملون كلهم في لقاء إمام زمانهم..
وقد وصل خبر هذا الركب إلى المأمون، فخشي على ملكه، وأمر واليه على شيراز أن يعترضهم، وبالفعل قد اعترضهم ومع أربعين ألفاً من الجند، ولم ينثني أخوة الإمام عن إكمال مسيرتهم، وحصلت بعد ذلك معركة دامية لم يستطع حاكم شيراز وجنده أن يهزموهم، فلجأوا للخديعة، وأشاعوا خبراً كاذباً بوفاة الإمام الرضا (ع)، فتفرّق جمع القافلة، وتفرق أخوة الإمام واختفوا في شيراز، فعرفوا أحمد وحسيناً وقتلوهما بعد دفاع مستميت، أما محمد فلم يظفروا به..
أما الركب الآخر فهو الذي كان يضم السيدة المعصومة وبه 22 علوياً وعلوية ومنهم أخوة السيدة هارون، وفضل، وجعفر، وهادي، وقاسم، وبعض من أولاد إخوتها، وبعض الخدم([13]).. وقد أتخذ هذا الركب طريق ساوة، وأرسل لهم المأمون جيشاً وقتلوا من فيه وشرّدوهم..
وواجهت المعصومة فاطمة مصائب فقد الأحبة وقتل الأخوة أمام عينها، كما كانت السيدة زينب سلام الله عليها، حتى ألمّ بها المرض.. ثم سألت عن بلدة (قم)، كم تبعد ؟
فقيل لها تبعد عشرة فراسخ (ثمانيين كيلو مترا)..
فقالت: احملوني إليها..
وقد توجّهت نحو بلدة قم، وقد ( كان خبرها قد وصل إلى « قم » فخرج أشرافها لاستقبالها، يتقدمهم موسى بن خزرج الأشعري، فلما وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وقادها إلى منزله، تحفّ بها إماؤها وجواريها)([14]).
فمكثت في بيت موسى بن خزرج الأشعري سبعة عشر يوماً، وهي تعاني من مرضها..
وبرغم المصائب التي حلّت بها في الطريق من قتل الأهل والأحبّة، وعدم نيل مطلبها بالإلتقاء بإمامها الرضا (ع) التي كانت في شوق إليه.. وبرغم مرضها.. فإنها خصّصت موقعاً من البيت ليكون محراباً لعبادتها..وطوال سبعة عشر يوماً كانت قائمة بجلالها وهيبتها، تعبد الله عبادة الخاشعين..
إلى أن جاء أمر الله و فارقت روحها الطاهرة الحياة، ورفعت إلى بارئها، وهي في حسرة على لقاء أخيها الإمام الرضا (عليه السلام) الذي لم تحض بلقائه.. لذلك كما قال أحد العلماء الأعلام، أعطاها الله تعالى فضلاً ومكانة بأن كانت باب قضاء الحوائج لجميع المؤمنين..
فسلام عليها يوم ولدت ويوم ماتت ويوم تبعث حية..
زيارتها تعدل الجنّة..
زيارة أهل البيت (ع) أمواتاً كزيارتهم وهم أحياء، و لزيارتهم في حال الحياة مميزات، لأنهم منبع النور و رمز الهداية، و محط الخير و مهبط البركات الإلهية، وتتواصل البركات لتكون لزيارتهم بعد الوفاة عند مراقدهم خصائص تفيض على الموالين العارفين بحقّهم والمحبّين لهم من الأجيال المتعاقبة، لأنهم حبل الله الممدود بين السماء والأرض، وأن الله لا يقطع حبله عن عباده ولا يغلق بابه عن وافديه..
فكما كانت حياة السيدة المعصومة (ع) رمزاً رسالياً مفعماً بالعطاء والتضحية، كانت كذلك أيضاً بعد وفاتها واستشهادها، وبشهادة ثلاثة من الأئمة المعصومين (ع)، إن زيارتها تعدل الجنّة، وأن من يزورها عارفاً بحقها توجب له الجنّة.
حرم أهل البيت (ع)
1/ وروي عن عدة من أهل الري أنهم دخلوا على أبي عبد الله عليه السلام وقالوا: نحن من أهل الري. فقال: مرحبا بإخواننا من أهل قم ! فقالوا: نحن من أهل الري فأعاد الكلام، قالوا ذلك مرارا وأجابهم بمثل ما أجاب به أولا، فقال: إن لله حرماً وهو مكة، وإن للرسول (ص) حرماً وهو المدينة، وإن لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة، وإن لنا حرماً وهو بلدة قم، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة فمن زارها وجبت له الجنة.
قال الراوي: وكان هذا الكلام منه قبل أن يولد الكاظم عليه السلام[15].
من زارها فله الجنّة
2/ حدث علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن سعد، عن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام)، قال: قال:. يا سعد عندكم لنا قبر، قلت له: جعلت فداك، قبر فاطمة بنت موسى (عليهما السلام)، قال: نعم، من زارها عارفا بحقها فله الجنة، فإذا أتيت القبر عند رأسها مستقبل القبلة، وكبر أربعا وثلاثين تكبيرة، وسبح ثلاثا وثلاثين تسبيحة، واحمد الله ثلاثا وثلاثين تحميدة، ثم قل. الزيارة[16].
3/عن سعد بن سعد قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن فاطمة بنت موسى بن جعفر (عليه السلام)، فقال: من زارها فله الجنة[17].
4/ كامل الزيارة: عن ابن الرضا (عليه السلام) ـ أي الإمام الجواد (ع) ـ قال: من زار قبر عمتي بقم فله الجنة[18].
باب الجنّة
5/ (روى القاضي نور الله في كتاب مجالس المؤمنين عن الصادق (عليه السلام) قال: إن لله حرما وهو مكة، ألا إن لرسول الله (ص) حرما وهو المدينة، ألا وإن لأمير المؤمنين (عليه السلام) حرما وهو الكوفة، ألا وإن قم الكوفة الصغيرة، ألا إن للجنة ثمانية أبواب ثلاثة منها إلى قم. تقبض فيها امرأة من ولدي اسمها فاطمة بنت موسى (عليه السلام)، وتدخل بشفاعتها شيعتي الجنة بأجمعهم. وعن سعد، عن الرضا (عليه السلام) قال: يا سعد، من زارها فله الجنة. وروي أن زيارتها تعادل الجنة[19].
زيارتها كزيارة الرضا (ع)
6/ و عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال: (من زار المعصومة بقم كان كمن زارني)[20].
ولمعرفة عظمة زيارتها من خلال هذا التصريح من الإمام الرضا (ع)، علينا أن نعرف مكانة زيارة الإمام الرضا (ع)..